ما زال نحو 90 في المائة من محيطات العالم غير مستكشف، وما زلنا نعرف عن سطح القمر أكثر مما نعرف عن قاع البحر. ولكن الجهود العالمية لاستكشاف ورسم خرائط لأعمق أعماق محيطاتنا تتسارع. ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: «فهم المحيطات بشكل أفضل ليس، فقط، أمراً ضرورياً للحفاظ على الأرصدة السمكية واكتشاف المنتجات والأدوية الجديدة؛ وإنما لأن البشرية تعتمد على المحيطات من أجل الحصول على الغذاء وسبل العيش، وللقيام بالنقل والتجارة. والمحيطات؛ بوصفها رئة كوكبنا وأكبر مستودع لكربونه، تؤدي دوراً حيوياً في تنظيم المناخ العالمي».
ساحل سعودي متنوع
ويُعدّ الخط الساحلي للبحر الأحمر المحاذي للمملكة العربية السعودية من أكثر الأنظمة البيئية البحرية تنوعاً في العالم، ولكنه في الوقت نفسه من الأقل استكشافاً. وفي هذا الصدد، واظب «مختبر الموارد الساحلية والبحرية» في «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)»، الذي يُعدّ مركزاً متميزاً في الأبحاث البحرية بالمملكة، على دعم جهود أبحاث استكشاف أسراره، حيث يشكل استكشاف البحر أولوية بحثية رئيسية للجامعة، وذلك من أجل حماية هذا المورد المهم. إن دراسة تاريخ قيعان المحيطات وبنيتها والصخور الصلبة والأحواض التي ترسو عليها، ذات أهمية كبرى لعلماء الجيولوجيا البحرية، بغرض فهم التغيرات المناخية والتنبؤ بها وبتأثيراتها على المحيطات والشواطئ، وبغرض حماية كوكب الأرض وتوازنه، واكتشاف الموارد الطبيعية، مثل البترول والمعادن. ويحتوي البحر الأحمر؛ الذي يرجع في نشأته إلى عملية تكتونية الصفائح التي أدت إلى تصدع وتباعد ما زال مستمراً للغلاف الصخري بين أفريقيا والجزيرة العربية، على العديد من الموارد المعدنية البحرية والثروات المهمة.
في هذا الاتجاه انتهز باحثو «الموارد الساحلية والبحرية» في «كاوست» فرصة رائعة في العام الماضي للاشتراك مع باحثين من شركة الأبحاث الخاصة «كالادان أوشيانك» التي تقود الجهود العالمية لاستكشاف قيعان المحيطات ورسم خرائطها مع مؤسسها المستكشف العالمي فيكتور فيسكوفو، حيث بادر باحثو «كاوست» مع فريق البعثة، وباستخدام مركبة عميقة الغوص، إلى استكشاف قاع البحر في غور «سواكن»؛ أعمق جزء من البحر الأحمر بعمق يصل إلى 2777 متراً.
استكشاف القاع
وللمرة الأولى على الإطلاق، جرى في تلك الرحلة رصد أعمق مناطق البحر الأحمر التي يصعب بلوغها وأخذ عينات منها، فضلاً عن المناطق الأكثر ضحالة، ولكنها تبقى مهمة علمياً؛ ومنها «بركة كبريت». ويتميز كل من غور «سواكن» و«بركة كبريت» بخصائص فريدة بشكل ملحوظ، حيث يحتوي كلاهما على «بحيرات ملحية» في قاع البحر تختلف اختلافاً كبيراً في طبيعتها عن مياه البحر الموجودة فوقها.
لم يمثل التعاون بين «كاوست» و«كالادان أوشيانك» نجاحاً مهماً للباحثين فحسب؛ بل أوجد فرصاً محورية لا تقدر بثمن لشباب المملكة العربية السعودية أيضاً. فقد رافق محمد الجحدلي، وهو مهندس سعودي شاب وعضو في فريق «مختبر الموارد الساحلية والبحرية»، فريق بعثة «كالادان أوشيانك» إلى غور «سواكن» ليصبح أول سعودي يغطس إلى أعمق نقطة على الإطلاق في البحر الأحمر. يقول الجحدلي: «لقد ذُهلتُ بمدى الصمت ونحن نرصد قاع البحر. لقد كانت تجربة لن أنساها أبداً». ويبدي الباحثون في «كاوست» اهتماماً كبيراً بالبحيرات شديدة الملوحة وأحواض المياه فائقة الكثافة في قاع غور «سواكن». ويحظى السطح الفاصل بين مياه البحر العادية وهذه البحيرات شديدة الملوحة حيث تعيش الأحياء الدقيقة المحبة للظروف القاسية، باهتمام خاص لدى البروفسور دانييل دافونشيو، أستاذ «كاوست» في العلوم الحيوية الذي عمل مع البعثة. ويعمل الآن فريق دافونشيو على تحليل صور الفيديو التي التقطتها المركبة عميقة الغوص لدعم أبحاثهم عن تلك الأحياء الدقيقة. أما الدكتورة فروكيه فان دير زوان، أستاذة هندسة وعلوم الأرض المساعدة في «كاوست»، فتهتم بصورة رئيسية بتحديد مواقع حقول الفتحات الحرارية المائية في «بركة كبريت»، وترغب في التوصل إلى فهم أكبر لكيفية وأسباب تشكلها.
وحتى الآن، لم تكن خرائط حقل الفتحة الحرارية المائية في المنطقة قد رسمت بأكملها، ولكن المعرفة الإجمالية لفريق فان دير زوان عن جيولوجيا قاع البحر قد ازدادت إلى حد كبير بالاستعانة بمقياسية عمق مياه البحر والبيانات البصرية التي جمعتها المركبة عميقة الغوص.
حقائق عن البحار والمحيطات
> تغطي المحيطات أكثر من 70 في المائة من مساحة العالم. وحتى اليوم، لا تتجاوز نسبة المحيطات المحمية واحداً في المائة إلا بقليل.
> تفيد التقديرات بأن ما بين 50 و80 في المائة من أشكال الحياة على الأرض تقع تحت أسطح المحيطات. كما تشمل المحيطات 99 في المائة من الأماكن التي يمكن العيش فيها على الكوكب. غير أن بني البشر لم يستكشفوا سوى أقل من 10 في المائة من هذه الأماكن.
> تؤدي المحيطات وفروعها دوراً حيوياً في الحد من تقلبات المناخ العالمي، فضلاً عن الغلاف الجوي.
> توفر النباتات البحرية بالغة الصغر، المعروفة باسم «العوالق النباتية»، نصف مجموع كمية الأكسجين في الغلاف الجوي، وذلك من خلال عملية التمثيل الضوئي.
> تمثل المحيطات 96 في المائة من مجموع المياه على سطح الأرض، والباقي يتمثل في المياه العذبة المتوفرة في شكل أنهار وبحيرات وجليد.
> تمتص المحيطات نحو 25 في المائة من ثاني أكسيد الكربون المضاف إلى الغلاف الجوي بفعل الأنشطة البشرية كل عام، وهو ما يُخفض إلى حد كبير أثر غازات الدفيئة على المناخ.
> قد تبلغ رواسب الكربون في النظم الساحلية، مثل أشجار المنغروف، ومستنقعات الملح ومروج الأعشاب البحرية، 5 أمثال الكربون المُخزّن في الغابات المدارية.
* المصدر: «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة»