الصمت في أعمق نقاط البحر الأحمر

أول سعودي من «كاوست» يهبط إليها لاستكشاف ورسم خرائط قيعان البحار والمحيطات

فيكتور فيسكوفو ومحمد الجحدلي
فيكتور فيسكوفو ومحمد الجحدلي
TT

الصمت في أعمق نقاط البحر الأحمر

فيكتور فيسكوفو ومحمد الجحدلي
فيكتور فيسكوفو ومحمد الجحدلي

ما زال نحو 90 في المائة من محيطات العالم غير مستكشف، وما زلنا نعرف عن سطح القمر أكثر مما نعرف عن قاع البحر. ولكن الجهود العالمية لاستكشاف ورسم خرائط لأعمق أعماق محيطاتنا تتسارع. ويقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش: «فهم المحيطات بشكل أفضل ليس، فقط، أمراً ضرورياً للحفاظ على الأرصدة السمكية واكتشاف المنتجات والأدوية الجديدة؛ وإنما لأن البشرية تعتمد على المحيطات من أجل الحصول على الغذاء وسبل العيش، وللقيام بالنقل والتجارة. والمحيطات؛ بوصفها رئة كوكبنا وأكبر مستودع لكربونه، تؤدي دوراً حيوياً في تنظيم المناخ العالمي».

ساحل سعودي متنوع
ويُعدّ الخط الساحلي للبحر الأحمر المحاذي للمملكة العربية السعودية من أكثر الأنظمة البيئية البحرية تنوعاً في العالم، ولكنه في الوقت نفسه من الأقل استكشافاً. وفي هذا الصدد، واظب «مختبر الموارد الساحلية والبحرية» في «جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)»، الذي يُعدّ مركزاً متميزاً في الأبحاث البحرية بالمملكة، على دعم جهود أبحاث استكشاف أسراره، حيث يشكل استكشاف البحر أولوية بحثية رئيسية للجامعة، وذلك من أجل حماية هذا المورد المهم. إن دراسة تاريخ قيعان المحيطات وبنيتها والصخور الصلبة والأحواض التي ترسو عليها، ذات أهمية كبرى لعلماء الجيولوجيا البحرية، بغرض فهم التغيرات المناخية والتنبؤ بها وبتأثيراتها على المحيطات والشواطئ، وبغرض حماية كوكب الأرض وتوازنه، واكتشاف الموارد الطبيعية، مثل البترول والمعادن. ويحتوي البحر الأحمر؛ الذي يرجع في نشأته إلى عملية تكتونية الصفائح التي أدت إلى تصدع وتباعد ما زال مستمراً للغلاف الصخري بين أفريقيا والجزيرة العربية، على العديد من الموارد المعدنية البحرية والثروات المهمة.
في هذا الاتجاه انتهز باحثو «الموارد الساحلية والبحرية» في «كاوست» فرصة رائعة في العام الماضي للاشتراك مع باحثين من شركة الأبحاث الخاصة «كالادان أوشيانك» التي تقود الجهود العالمية لاستكشاف قيعان المحيطات ورسم خرائطها مع مؤسسها المستكشف العالمي فيكتور فيسكوفو، حيث بادر باحثو «كاوست» مع فريق البعثة، وباستخدام مركبة عميقة الغوص، إلى استكشاف قاع البحر في غور «سواكن»؛ أعمق جزء من البحر الأحمر بعمق يصل إلى 2777 متراً.

استكشاف القاع
وللمرة الأولى على الإطلاق، جرى في تلك الرحلة رصد أعمق مناطق البحر الأحمر التي يصعب بلوغها وأخذ عينات منها، فضلاً عن المناطق الأكثر ضحالة، ولكنها تبقى مهمة علمياً؛ ومنها «بركة كبريت». ويتميز كل من غور «سواكن» و«بركة كبريت» بخصائص فريدة بشكل ملحوظ، حيث يحتوي كلاهما على «بحيرات ملحية» في قاع البحر تختلف اختلافاً كبيراً في طبيعتها عن مياه البحر الموجودة فوقها.
لم يمثل التعاون بين «كاوست» و«كالادان أوشيانك» نجاحاً مهماً للباحثين فحسب؛ بل أوجد فرصاً محورية لا تقدر بثمن لشباب المملكة العربية السعودية أيضاً. فقد رافق محمد الجحدلي، وهو مهندس سعودي شاب وعضو في فريق «مختبر الموارد الساحلية والبحرية»، فريق بعثة «كالادان أوشيانك» إلى غور «سواكن» ليصبح أول سعودي يغطس إلى أعمق نقطة على الإطلاق في البحر الأحمر. يقول الجحدلي: «لقد ذُهلتُ بمدى الصمت ونحن نرصد قاع البحر. لقد كانت تجربة لن أنساها أبداً». ويبدي الباحثون في «كاوست» اهتماماً كبيراً بالبحيرات شديدة الملوحة وأحواض المياه فائقة الكثافة في قاع غور «سواكن». ويحظى السطح الفاصل بين مياه البحر العادية وهذه البحيرات شديدة الملوحة حيث تعيش الأحياء الدقيقة المحبة للظروف القاسية، باهتمام خاص لدى البروفسور دانييل دافونشيو، أستاذ «كاوست» في العلوم الحيوية الذي عمل مع البعثة. ويعمل الآن فريق دافونشيو على تحليل صور الفيديو التي التقطتها المركبة عميقة الغوص لدعم أبحاثهم عن تلك الأحياء الدقيقة. أما الدكتورة فروكيه فان دير زوان، أستاذة هندسة وعلوم الأرض المساعدة في «كاوست»، فتهتم بصورة رئيسية بتحديد مواقع حقول الفتحات الحرارية المائية في «بركة كبريت»، وترغب في التوصل إلى فهم أكبر لكيفية وأسباب تشكلها.
وحتى الآن، لم تكن خرائط حقل الفتحة الحرارية المائية في المنطقة قد رسمت بأكملها، ولكن المعرفة الإجمالية لفريق فان دير زوان عن جيولوجيا قاع البحر قد ازدادت إلى حد كبير بالاستعانة بمقياسية عمق مياه البحر والبيانات البصرية التي جمعتها المركبة عميقة الغوص.

حقائق عن البحار والمحيطات

> تغطي المحيطات أكثر من 70 في المائة من مساحة العالم. وحتى اليوم، لا تتجاوز نسبة المحيطات المحمية واحداً في المائة إلا بقليل.
> تفيد التقديرات بأن ما بين 50 و80 في المائة من أشكال الحياة على الأرض تقع تحت أسطح المحيطات. كما تشمل المحيطات 99 في المائة من الأماكن التي يمكن العيش فيها على الكوكب. غير أن بني البشر لم يستكشفوا سوى أقل من 10 في المائة من هذه الأماكن.
> تؤدي المحيطات وفروعها دوراً حيوياً في الحد من تقلبات المناخ العالمي، فضلاً عن الغلاف الجوي.
> توفر النباتات البحرية بالغة الصغر، المعروفة باسم «العوالق النباتية»، نصف مجموع كمية الأكسجين في الغلاف الجوي، وذلك من خلال عملية التمثيل الضوئي.
> تمثل المحيطات 96 في المائة من مجموع المياه على سطح الأرض، والباقي يتمثل في المياه العذبة المتوفرة في شكل أنهار وبحيرات وجليد.
> تمتص المحيطات نحو 25 في المائة من ثاني أكسيد الكربون المضاف إلى الغلاف الجوي بفعل الأنشطة البشرية كل عام، وهو ما يُخفض إلى حد كبير أثر غازات الدفيئة على المناخ.
> قد تبلغ رواسب الكربون في النظم الساحلية، مثل أشجار المنغروف، ومستنقعات الملح ومروج الأعشاب البحرية، 5 أمثال الكربون المُخزّن في الغابات المدارية.

* المصدر: «منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة»


مقالات ذات صلة

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يوميات الشرق وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

يعرفه الجميع بوصفه الرئيس الأميركي الأسبق، لكنّ قلةً تعلم أن باراك أوباما دخل مجال الإنتاج التلفزيوني وبات يسجّل الوثائقيات بصوته، أحدث أعماله على «نتفليكس».

كريستين حبيب (بيروت)
الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يطلق الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر

أطلق الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، الاستراتيجية الوطنية لاستدامة البحر الأحمر.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق روديغر كوخ في كبسولته تحت الماء (أ.ف.ب)

ألماني يعيش في كبسولة على عمق 11 متراً تحت الماء قبالة بنما

يعيش الألماني روديغر كوخ منذ شهرين داخل كبسولة على عمق 11 مترا في البحر الكاريبي قبالة سواحل بنما...

«الشرق الأوسط» (بنما)
يوميات الشرق السمكة المجدافية كما أعلن عنها معهد سكريبس لعلوم المحيطات بجامعة كاليفورنيا

ظهور «سمكة يوم القيامة» الغامضة على شاطئ كاليفورنيا

جرف البحر سمكة نادرة تعيش في أعماق البحار، إلى أحد شواطئ جنوب كاليفورنيا، بالولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (كاليفورنيا)
الاقتصاد د. خالد أصفهاني الرئيس التنفيذي لـ«المؤسسة العامة للمحافظة على الشعب المرجانية» وعدد من الشخصيات عند انطلاق المؤتمر

دراسة مع «البنك الدولي» لتحديد القيمة الفعلية للشعاب المرجانية في السعودية

تقترب السعودية من معرفة القيمة الفعلية لمواردها الطبيعية من «الشعاب المرجانية» في البحر الأحمر.

سعيد الأبيض (جدة)

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
TT

«البحر الأحمر السينمائي» يشارك في إطلاق «صنّاع كان»

يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما
يتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما

في مسعى لتمكين جيل جديد من المحترفين، وإتاحة الفرصة لرسم مسارهم المهني ببراعة واحترافية؛ وعبر إحدى أكبر وأبرز أسواق ومنصات السينما في العالم، عقدت «معامل البحر الأحمر» التابعة لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» شراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»، للمشاركة في إطلاق الدورة الافتتاحية لبرنامج «صنّاع كان»، وتمكين عدد من المواهب السعودية في قطاع السينما، للاستفادة من فرصة ذهبية تتيحها المدينة الفرنسية ضمن مهرجانها الممتد من 16 إلى 27 مايو (أيار) الحالي.
في هذا السياق، اعتبر الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي» محمد التركي، أنّ الشراكة الثنائية تدخل في إطار «مواصلة دعم جيل من رواة القصص وتدريب المواهب السعودية في قطاع الفن السابع، ومدّ جسور للعلاقة المتينة بينهم وبين مجتمع الخبراء والكفاءات النوعية حول العالم»، معبّراً عن بهجته بتدشين هذه الشراكة مع سوق الأفلام بـ«مهرجان كان»؛ التي تعد من أكبر وأبرز أسواق السينما العالمية.
وأكّد التركي أنّ برنامج «صنّاع كان» يساهم في تحقيق أهداف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» ودعم جيل جديد من المواهب السعودية والاحتفاء بقدراتها وتسويقها خارجياً، وتعزيز وجود القطاع السينمائي السعودي ومساعيه في تسريع وإنضاج عملية التطوّر التي يضطلع بها صنّاع الأفلام في المملكة، مضيفاً: «فخور بحضور ثلاثة من صنّاع الأفلام السعوديين ضمن قائمة الاختيار في هذا البرنامج الذي يمثّل فرصة مثالية لهم للنمو والتعاون مع صانعي الأفلام وخبراء الصناعة من أنحاء العالم».
وفي البرنامج الذي يقام طوال ثلاثة أيام ضمن «سوق الأفلام»، وقع اختيار «صنّاع كان» على ثمانية مشاركين من العالم من بين أكثر من 250 طلباً من 65 دولة، فيما حصل ثلاثة مشاركين من صنّاع الأفلام في السعودية على فرصة الانخراط بهذا التجمّع الدولي، وجرى اختيارهم من بين محترفين شباب في صناعة السينما؛ بالإضافة إلى طلاب أو متدرّبين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً.
ووقع اختيار «معامل البحر الأحمر»، بوصفها منصة تستهدف دعم صانعي الأفلام في تحقيق رؤاهم وإتمام مشروعاتهم من المراحل الأولية وصولاً للإنتاج.
علي رغد باجبع وشهد أبو نامي ومروان الشافعي، من المواهب السعودية والعربية المقيمة في المملكة، لتحقيق الهدف من الشراكة وتمكين جيل جديد من المحترفين الباحثين عن تدريب شخصي يساعد في تنظيم مسارهم المهني، بدءاً من مرحلة مبكرة، مع تعزيز فرصهم في التواصل وتطوير مهاراتهم المهنية والتركيز خصوصاً على مرحلة البيع الدولي.
ويتطلّع برنامج «صنّاع كان» إلى تشكيل جيل جديد من قادة صناعة السينما عبر تعزيز التعاون الدولي وربط المشاركين بخبراء الصناعة المخضرمين ودفعهم إلى تحقيق الازدهار في عالم الصناعة السينمائية. وسيُتاح للمشاركين التفاعل الحي مع أصحاب التخصصّات المختلفة، من بيع الأفلام وإطلاقها وتوزيعها، علما بأن ذلك يشمل كل مراحل صناعة الفيلم، من الكتابة والتطوير إلى الإنتاج فالعرض النهائي للجمهور. كما يتناول البرنامج مختلف القضايا المؤثرة في الصناعة، بينها التنوع وصناعة الرأي العام والدعاية والاستدامة.
وبالتزامن مع «مهرجان كان»، يلتئم جميع المشاركين ضمن جلسة ثانية من «صنّاع كان» كجزء من برنامج «معامل البحر الأحمر» عبر الدورة الثالثة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» في جدة، ضمن الفترة من 30 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 9 ديسمبر (كانون الأول) المقبلين في المدينة المذكورة، وستركز الدورة المنتظرة على مرحلة البيع الدولي، مع الاهتمام بشكل خاص بمنطقة الشرق الأوسط.