حرمان أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب من اكتساب الجنسية

يعاملون كغرباء ويمنعون من التعليم والتوظيف والعلاج والانتخابات

وزيرة العدل الليبية حليمة إبراهيم (أ.ف.ب)
وزيرة العدل الليبية حليمة إبراهيم (أ.ف.ب)
TT

حرمان أبناء الليبيات المتزوجات من أجانب من اكتساب الجنسية

وزيرة العدل الليبية حليمة إبراهيم (أ.ف.ب)
وزيرة العدل الليبية حليمة إبراهيم (أ.ف.ب)

أصبحت قضية عدم منح الجنسية لأبناء الليبيات، المتزوجات من أجانب، واحدة من أبرز الأزمات التي تؤرق النساء الليبيات، والتي كافحن من أجلها منذ سنوات، وطالبن بتعديل القوانين بهدف إنصافهن.
تقول الناشطة المدنية آمال الناني إن واقع الليبيات اللواتي تزوجن من أجانب «مؤلم ومرير، وذلك بسبب معاملة أزواجهن وأبنائهن معاملة الأجانب، وهو ما ينجم عنه حرمانهم من التعليم والعلاج المجاني، وأي امتيازات أو منح تقدمها الدولة لمواطنيها، مثل منحة أرباب الأسر».
وأضافت الناني، رئيسة جمعية «أنا ليبية وابني غريب» (غير حكومية) أن الحرب التي مرت بها البلاد «تسببت في فقد كثير من الوافدين المتزوجين من ليبيات لمصادر رزقهم، وبسبب تضاعف أعباء هذه الأسر بدأنا في تأسيس الجمعية عام 2015 سعياً لحصول أبنائهم على الجنسية الليبية». مشيرة إلى أن المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي «تتم معاملتها هي أيضاً كأجنبية، حتى إن ظلت محتفظة بهويتها الوطنية»، وأوضحت في هذا السياق أن «رقم القيد الخاص بهؤلاء الليبيات يتضمن إشارة إلى زواجها من أجنبي، وينجم عن ذلك في أحيان كثيرة تعامل البعض معها على أنها أجنبية، وبالتالي إسقاط حقها في أي منظومة حكومية يتم التسجيل بها إلكترونياً، مثل التوظيف وانتهاء بحق المشاركة بالانتخابات، بل إن هناك حالات سيدات فقدن وظائفهن بالفعل».
وأوضحت الناني أنه «لا توجد إحصائية رسمية حول عدد هؤلاء الليبيات، لكن عددهن ليس قليلاً، وللأسف لم نستطع إقناع بعض النواب، الذين تواصلنا معهم، بتقديم مشروع قانون يصحح هذه الأوضاع». وتابعت موضحة «علاوة على الوضع المادي، تعاني هؤلاء الليبيات من نظرة دونية من قبل البعض، وأحياناً المعايرة بأن الزواج بها تم بدافع المصلحة والاستغلال من قبل الزوج الأجنبي!».
ولم تبتعد الأكاديمية والمحاضرة المتخصصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي بجامعة طرابلس، خديجة البوعيشي، عن الطرح السابق، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن المادة رقم (11) من قانون الجنسية لعام 2010 «لم تمنع حصول أبناء الليبيات المتزوجات من أجنبي على الجنسية، إلا أنها قيدت ذلك الحق بما تضمنته اللائحة التنفيذية للقانون من ضوابط عديدة. فمثلاً إذا كان هؤلاء الأبناء أقل من 18 عاماً فإنه لا يجوز لهم التقدم لطلب الحصول على الجنسية، إلا في حالة وفاة الوالد الأجنبي، أو اعتباره مفقوداً بحكم قضائي، وإذا تجاوز الأبناء هذه السن فيتوجب عليهم إحضار ما يثبت موافقة الأهل على طلب اكتساب الجنسية. بالإضافة إلى مستندات تفيد بحصول والديهم على موافقة مسبقة من وزارة الشؤون الاجتماعية قبل عقد قرانهما، وبعدها يكون الأمر متروكاً لتقدير السلطات المختصة في قبول هذا الطلب أو رفضه».
وقارنت البوعيشي بين وضع هؤلاء الليبيات وبين تمتع الرجل الليبي المتزوج بأجنبية، سواء كان يقيم في البلاد أم خارجها، بنقل جنسيته بسهولة لأولاده فور ميلادهم، معتبرة أن ذلك يعد تمييزاً ضد المرأة، ويتعارض كلية مع مصادقة ليبيا على اتفاقية «سيداو» الخاصة بالقضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة.
ومن جهتها، ورغم إبداء تفهمها الكامل للظروف التي دفعت الليبيات للزواج من أجنبي، وخصوصاً ارتفاع العنوسة بسبب الحرب، وهجرة الشباب وتزايد نفقات الزواج، اعتبرت عضو الهيئة التأسيسية للدستور، نادية عمران، أن ذلك «ليس مبرراً على الإطلاق لتخلي الدولة عن واجبها، وفرضها إجراءات وقائية لحماية المرأة من الاستغلال، في ظل ما تشهده ليبيا من تدفق غير محدود من المهاجرين غير الشرعيين والوافدين».
وقالت عمران لـ«الشرق الأوسط» إن القانون الليبي «لا يمنح الأجنبي الجنسية لمتزوج بليبية، لكن يعطيه أفضلية للحصول عليها، ويمنحه حق الإقامة، لكنْ هناك حالياً تريث في إجراءات منح الجنسية بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية».
وبمواجهة الحديث عن معاناة تلك الشريحة، طالبت عمران بالنظر بموضوعية للكوارث، التي نجمت عن تزايد هذه الزيجات بعد عام 2011، وقالت إن «الأمر لا يتوقف عند عودة الزوج إلى وطنه، أو الهجرة إلى أوروبا، وترك زوجته الليبية وأولادها، وللأسف هناك من يتركها دون مستند يثبت صحة الزواج، وبالتالي يعامل أولادها معاملة الأطفال غير الشرعيين ومجهولي النسب، ولذا وجب على وزارة الشؤون الاجتماعية دراسة طلبات الزواج للتأكد من الجدية والتكافؤ». وحول ما تضمنه مشروع الدستور المُعد وما يتعلق بهذه القضية، قالت عمران إن الدستور «قائم على المواطنة وعدم التمييز، ولم يمنع منح الجنسية لأبناء المتزوجة من أجنبي وترك الأمر للقانون، وبإمكان الجمعيات النسائية والمجتمع المدني بعد الاستفتاء على الدستور تنظيم الجهود للضغط على السلطة التشريعية لإصدار مثل هذا التشريع، اعتماداً على مبدأ المساواة».
واختتمت عمران حديثها بالتأكيد على أن زواج الليبية من أجنبي «لا ينتقص بأي حال من حقوقها كمواطنة في الاحتفاظ برقمها الوطني، ورقم القيد الخاص بها، وما يتبعه من حصولها على كافة حقوق من الدولة».



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.