المناطق النائية تنتعش سياحياً على حساب بيروت

الأزمة تقوض زيارات الأجانب... وتخفض التكلفة لهم

شبان يجلسون على شاطئ بيروت في أول أيام العيد (أ.ب)
شبان يجلسون على شاطئ بيروت في أول أيام العيد (أ.ب)
TT
20

المناطق النائية تنتعش سياحياً على حساب بيروت

شبان يجلسون على شاطئ بيروت في أول أيام العيد (أ.ب)
شبان يجلسون على شاطئ بيروت في أول أيام العيد (أ.ب)

تكاد شوارع بيروت تخلو من روادها في نهاية الأسبوع. لا حركة سياحية فيها، ولا زوار من خارج المدينة، وتختفي زحمة السير من شوارعها، خصوصاً في أيام العيد كما كانت في ليالي رمضان، خلافاً لما اعتادت عليه المدينة في السنوات الماضية، في أسوأ مؤشر على الحركة السياحية، في مقابل انتعاش مناطق بعيدة في الجنوب والشمال والجبال.
ويعود تراجع الحركة في بيروت، إلى غياب السياح. ويقول مازن، وهو مالك لسيارة نقل عمومية، إن لبنان «يعاني أسوأ موسم سياحي على الإطلاق»، موضحاً أن «شوارع العاصمة تخلو من السياح، ونادراً ما يتم الاتصال بنا لنقل سائح من موقع إلى آخر، أو لشراء حاجيات له»، ولافتاً إلى أن السياح العرب «كانوا في أوقات سابقة في رمضان أو غيره، هم الأكثر حضوراً في شوارع بيروت، ويتسببون بحركة فاعلة، لكن في هذه الأوقات نادراً ما نجدهم».
وتسببت الأزمة السياسية القائمة في لبنان بزعزعة عامل الاستقرار الجاذب للسياح، ما حرم البلاد من حركة وافدين وزوار من أجانب ومغتربين لبنانيين في الخارج إلى مستويات قياسية، وأنتجت في المقابل حركة سياحية داخلية، حيث يخرج المواطنون من العاصمة في نهاية الأسبوع إلى المناطق الأخرى في الشمال والجنوب والبقاع، حيث يرتادون المنتجعات السياحية، ما أفضى إلى انتعاش في الحركة السياحية في الأطراف، وتقلصها في العاصمة.
ويقول الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية جان بيروتي لـ«الشرق الأوسط» إن هذه الحركة باتجاه الأطراف «طبيعية لأننا تحولنا من بلد جاذب للسياح من الخارج، إلى بلد يركز على السياحة الداخلية»، موضحاً أن السياحة الداخلية كانت تمثل 15 في المائة فقط من حجم القطاع السياحي في لبنان قبل الأزمة السياسية والاقتصادية الأخيرة، لكن النسبة انقلبت الآن، حيث باتت السياحة الداخلية تستحوذ على 90 في المائة من إجمالي الحركة السياحية، بينما لا تتخطى نسبة الزوار الأجانب أكثر من 10 في المائة في هذا الوقت.
ويشرح بيروتي أن «القوة البشرية الكبيرة في العاصمة، تخرج من بيروت في أيام الإجازات وتتحرك باتجاه المناطق الأخرى في الجبال والمدن الساحلية الأخرى، وفي المقابل لا يشغل مكانهم سياح أجانب في العاصمة، وهو ما يتسبب في المشهد الذي تلحظه» لجهة انتعاش المناطق وخسران بيروت لحركة واسعة، فضلاً عن أن أزمة «كورونا» في العام الماضي، دفعت بعدد من سكان المدن نحو القرى والأطراف، وبات هؤلاء يتوجهون إلى منازلهم الجديدة في فترة الإجازات.
وساهمت الأزمة الاقتصادية في تخفيض تكاليف السياحة في لبنان بشكل قياسي بالنسبة للسائح الأجنبي، حتى باتت الأقل كلفة في الشرق الأوسط، وهي أقل من تكلفة السياحة في بعض البلدات الأفريقية والآسيوية. وتقول مصادر في قطاعات فندقية أن حجز غرفة فندق كان يبلغ 200 دولار، بات الآن لا يتخطى الـ40 دولاراً، وتراجعت أسعار فنادق في العاصمة إلى حدود الـ15 دولاراً في الليلة الواحدة، بعدما كانت 60 دولاراً، وذلك يعود إلى انخفاض قيمة العملة المحلية.
وتشير المصادر إلى أن أسعار الطعام في الفنادق تراجع بنسبة تصل إلى 70 في المائة عما كانت عليه في السابق، حيث انخفضت تكلفة الوجبات في المطاعم المتوسطة من 20 دولارا إلى 5 دولارات، كذلك انخفضت تكلفة التنقلات والتسوق. ومع ذلك، لم يستطع لبنان جذب السياح الأجانب حتى الآن، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أزمة «كورونا»، وإلى عدم الاستقرار السياسي في البلاد. ويقول بيروتي إن أزمة «كورونا» تقلص الحركة السياحية ولا تقضي عليها كما جرى في لبنان، محملاً السياسيين اللبنانيين مسؤولية ما آلت إليه الأمور. ويقول: «الأزمة سياسية، لأنه عندما تظهر مؤشرات على قرب تشكيل الحكومة، يهدأ البلد وتتحسن العملة المحلية، وعند اشتداد الأزمات يرتفع سعر صرف الدولار بشكل قياسي.
ويقول بيروني: «السياسيون وحدهم يتحملون المسؤولية. نحن بحاجة إلى استقرار وتهدئة لإعادة السياح إلى لبنان»، لافتاً إلى أن القطاع «أدخل 6.5 مليار دولار عملة صعبة إلى البلاد في عام 2019، وهو واحد من أسوأ الأعوام السياحية بالنسبة للتوترات الأمنية التي تخللته واندلاع الاحتجاجات، بينما أدخل القطاع 9.5 مليار دولار في عام 2010 كعملة صعبة إلى البلاد».
ويؤكد بيروتي أنه «إذا لم يحصل تدفق مالي أجنبي من الخارج إلى لبنان، فلا يمكن إنعاش القطاع السياحي لأن الحركة الداخلية تستنزف المقدرات ولا تأتي بالعملة الصعبة، فيما القدرة الشرائية عند اللبناني انخفضت باستثناء الطبقات التي تمتلك مصدر دخل خارجي». وإذ يشدد على أن الحركة السياحية الداخلية غير منتجة لأنها لا تأتي بعائدات أجنبية، يؤكد «أننا نحاول أن لا نوقف هذه الحركة، رغم الخسائر المترتبة عليها، كي لا نخسر الكادر العامل والمتخصص في القطاع».
وفي مقابل انتعاش مناطق مثل طرابلس والبترون في الشمال، ومدينة صور في الجنوب، ومنتجعات سياحية في الجبال، لا مؤشرات واضحة بعد على حركة سياحية خارجية كبيرة في الصيف، كون الحجوزات الفندقية قليلة جداً، وخصوصاً من قبل الزوار الأجانب.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.