«الحارة المصرية» في الدراما... من الاحتواء إلى العنف

TT

«الحارة المصرية» في الدراما... من الاحتواء إلى العنف

شابان يقصان شعرهما على طريقة قوات المارينز الأميركية، أحدهما يمسك بسلسلة حديدية «جنزير»، والآخر بيده سيف، بينما يقفان في منتصف الشارع، ويعلنان ما يشبه حظر التجول نتيجة مطاردة يتعقبان فيها عدداً من «الأعداء» ضمن معركة كبرى. يطل السكان من النوافذ والشرفات في حذر بدافع الفضول لمشاهدة ما يجري، فإذا بالشابين يمسكان بأحد الخصوم ويخضعانه لعملية تعذيب سادية تسيل فيها دماء الضحية، ويحملانها مثل «الذبيحة» ويعلقانه في «خُطاف» أحد محال اللحوم والجزارة.
مثل هذه المشاهد، أصبحت تشكل نمطاً متكرراً في موسم رمضان الحالي من الدراما المصرية، لا سيما في مسلسلي «ملوك الجدعنة» بطولة عمرو سعد ومصطفى شعبان، و«لحم غزال» لغادة عبد الرازق، والمسلسل الأول الذي يحكى قصة «سفينة»، و«سرية» - لاحظ دلالة الاسمين - اثنان من العاطلين عن العمل لا يجدان أي مصدر لكسب قوت يومهما سوى الضرب والعنف والبلطجة. كل المشاكل لا تُحل إلا في إطار قانون «البقاء للأقوى»، حتى عندما يُسيء زوج أخت «سفينة» معاملتها لا يجد الأخير طريقة للرد سوى الضرب المبرح الذي ينال الزوج على رؤوس الأشهاد. ويتورطان مع شبكة دولية لتهريب المخدرات فيصبح العنف منهج حياة وليس حالة استثنائية عابرة. حتى قصص الحب، لا تجد وسيلة للتعبير سوى استعراض القوة من خلال عنتر، (يجسد دوره ببراعة وليد فواز بطوله الفارع ونبرة صوته الغليظة)، الذي يقع في غرام فاتن (تجسد شخصيتها ياسمين رئيس) فيتحدى سرية (عمرو سعد) في نزال مباشر يشبه حروب القرون الوسطى بدمويتها ووحشيتها.
في مسلسل «لحم غزال» تجسد غادة عبد الرازق دور «غزال» التي تتعرض للاغتصاب على يد سيد جلالة (يجسد دوره خالد كمال)، كما تتعرض للتحرش والتآمر على يد صبحي قرن (يجسد دوره عمرو عبد الجليل). تدور الأحداث في قلب «المذبح»، حيث اللغة السائدة خشنة عنيفة والشخصيات متوترة وتتلذذ بممارسة الشر.
في هذين المسلسلين وغيرهما من مسلسلات المواسم الدرامية الأخيرة، تختفي الحارة المصرية، كما عرفناها جميعاً ورسم ملامحها الجيل الذهبي لمؤلفي الدراما مثل أسامه أنور عكاشة، ومحمد جلال عبد القوي كمساحة للتسامح والشهامة والمحبة. لم تعد هناك تلك العلاقات المغزولة بقيم التكافل ولا الشخصيات المغمورة بالرضا والقناعة. اختفت اللغة الرشيقة العفيفة المهذبة، كما اختفت مشاهد ارتشاف الشاي بالنعناع والبال الرائق لزراعة الفل والياسمين. حلت صورة مغايرة لحارة أخرى يسودها قانون الغاب وتنتشر فيها المخدرات وتخضع للبلطجة والعنف حتى نسائها يتورطن في معارك عنيفة على المستوى اللفظي عبر مشادات حادة وعنيفة لا تكاد تنتهي حتى تشتعل مجدداً.
يرى الناقد الفني محمد عبد الرحمن أنّ «ما يحدث في الدراما هو عملية تشويه كاملة الأركان لصورة الحارة المصرية حيث يُلتقط ما هو استثنائي وعابر ويُضخم ليبدو وكأنه المكون الرئيس في الصورة»، موضحاً أنّ «التركيز على العنف والمخدرات والبلطجة وكافة صور الخروج على القانون تؤكد أنّنا أمام حارة خيالية لا تمت للواقع بصلة».
ويقول عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط» إنّ «التفسير الوحيد لهذه الظاهرة هو رغبة صناع الدراما في جذب أكبر عدد من المشاهدين عبر خلق حالة مفتعلة من هستيريا العنف والدم، حتى لو جاء ذلك على حساب المصداقية.
مستطرداً: «دراما العصر الذهبي لم تقدم حارة مثالية، بل كان فيها الشر والمنحرفون، لكن كان يتم وضعهم في حجمهم الطبيعي، كما كان يحدث في حارة (نجيب محفوظ) حيث رأينا الفتوة الساعي لفرض سيطرته بقوة ذراعه لكن كانت ثمة قوانين أخلاقية تمنعه مع ذلك».


مقالات ذات صلة

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

الوتر السادس تركز الفنانة نسمة محجوب على الحضور الفني بشكل دائم (صفحتها على {فيسبوك})

نسمة محجوب: أطمح لتقديم سيرة ماجدة الرومي درامياً

طرحت الفنانة المصرية نسمة محجوب، مطلع ديسمبر (كانون الأول) الجاري، أحدث أعمالها الغنائية بعنوان «الناس حواديت»، والتي حظيت بتفاعل من المتابعين عبر مواقع التواصل

داليا ماهر (القاهرة)
يوميات الشرق الفنان السوري جمال سليمان (حساب سليمان على «فيسبوك»)

إعلان جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة سوريا يثير ردوداً متباينة

أثار إعلان الفنان السوري جمال سليمان نيته الترشح لرئاسة بلاده، «إذا أراده السوريون»، ردوداً متباينة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من البرومو الترويجي لمسلسل «ساعته وتاريخه» الذي يعرَض حالياً (برومو المسلسل)

مسلسلات مستوحاة من جرائم حقيقية تفرض نفسها على الشاشة المصرية       

في توقيتات متقاربة، أعلن عدد من صُنَّاع الدراما بمصر تقديم مسلسلات درامية مستوحاة من جرائم حقيقية للعرض على الشاشة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق من وجهة نظر العلاج بالفنّ (غيتي)

علاج القلق والكآبة... بالمسلسلات الكورية الجنوبية

رأى خبراء أنّ المسلسلات الكورية الجنوبية الزاخرة بالمشاعر والتجارب الحياتية، قد تكون «مفيدة» للصحة النفسية؛ إذ يمكنها أن تقدّم «حلولاً للمشاهدين».

«الشرق الأوسط» (سيول)
يوميات الشرق الفنانة مايان السيد في لقطة من البرومو الترويجي للمسلسل (الشركة المنتجة)

«ساعته وتاريخه»... مسلسل ينكأ جراح أسرة مصرية فقدت ابنتها

أثار مسلسل «ساعته وتاريخه» التي عرضت أولى حلقاته، الخميس، جدلاً واسعاً وتصدر ترند موقع «غوغل» في مصر، خصوصاً أن محتوى الحلقة تناول قضية تذكّر بحادث واقعي.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».