الفنانون العرب في أوروبا... أعمال ممسوخة عن التجارب الغربية؟

الأكثرية منهم عينها على الأسواق العربية

فاروق يوسف - شاكر لعيبي - طلال معلا
فاروق يوسف - شاكر لعيبي - طلال معلا
TT

الفنانون العرب في أوروبا... أعمال ممسوخة عن التجارب الغربية؟

فاروق يوسف - شاكر لعيبي - طلال معلا
فاروق يوسف - شاكر لعيبي - طلال معلا

الملاحظ أن النشاط الفني الذي يراد منه عكس تجربة الفنانين من أبناء العالم الثالث في بلدان المغترب الأوروبي قد أغرق نفسه عموماً بمسألة الأداء ومسخ الشكلية التقنية الغربية، فكثير من الفنانين يبدون غير معنيين أساساً برصد التمخضات والتحولات داخل مجتمعاتهم، وبالتالي ابتعدوا عن الهدف الأساسي، ألا وهو الكشف عن الهوية المختلفة لفنان العالم الثالث أمام المشاهد الغربي. صحيح أن قليلاً من الرسامين قد سعوا إلى التركيز على بعض الملامح الشرقية ذات الطابع الفلكلوري البحت، ولكن في الفن المفاهيمي تكاد أغلب التجارب الفنية العربية تكون ممسوخة عن التجارب الغربية.
هل يحق لنا أن نبحث في خصوصية لإنتاج مبدعي العالم الثالث، ومنه البلدان العربية؟ هنا آراء ثلاثة من العاملين في الجماليات والنقد التشكيلي:

- فاروق يوسف: هوية فردية لا هوية جماعية
أفهم أن السؤال يتعلق بالهوية القلقة أو المزاحة. لنقل مبدئياً إن سؤال الهوية الفنية كان على الأقل بالنسبة للعالم العربي سؤالاً سياسياً ملفقاً، فرضته الأحزاب على الفن من غير أن يفكر فيه الفنانون إلا بطريقة عرضية سببت كثيراً من المشكلات في علاقتهم بالحداثة الفنية. كان ذلك باباً دخل من خلاله الجمهور العادي لكي يكون حكماً على أصالة الأعمال الفنية؛ بمعنى السماح لنوع من «الشعبوية» بمواجهة «نخبوية الفن». لكن ذلك لم يكن ضرورياً بالنسبة للفنان العربي المقيم في أوروبا. سيكون على ذلك الفنان أن يخلص لوجوده ولحساسيته الإنسانية ولمشاعره ويصدق في اعترافاته لو أنه تماهى مع ما تعلمه وما أعجب به وما سعى إلى أن يكون جزءاً منه؛ أي أن يكون أوروبياً على مستوى التفكير في الفن. فبغض النظر عن النظريات التي ألحقت بتجارب الفنانين العرب الرواد، فإن تلك التجارب من جهة التقنية والمعالجات كانت أوروبية خالصة. ولأن الفن ليس موضوعه، فإن الموضوع لن يكون مقياساً للأصالة. أما الربط بين الموضوع المحلي والهوية الفنية فإنه عبارة عن كذبة ملفقة، فأنت على سبيل المثال ترسم لا لترى، بل لتكتشف.
وهنا تلعب أدوات الاكتشاف دوراً مهماً في التعريف بالفن وخصوصياته. الفنان العربي في مثل تلك الحالة لا يملك سوى أن يتفاعل مع ما يجري من حوله من ممارسات مختبرية داخل المحترف الأوروبي. أما إذا اختار العزلة والتفكير في ماضيه الذي تغلب عليه العاطفة الإنشائية، فإنه يكون قد قرر أن يوقف الساعة ويخرج من الزمن. ما حدث أن قلة من الفنانين العرب استطاعت أن تكسر الحدود الزائفة وتتبنى الحقيقة، وهي القلة التي عاشت زمنها الحقيقي، وتماهت مع المكان الذي تعمل وتعيش فيه، وأدارت ظهرها إلى العالم العربي.
أما الأكثرية فإنها تقيم في أوروبا وعينها على الأسواق الفنية العربية. لست هنا بمنكر أو مستنكر لما يجده بعضهم حلاً لأزمته الاقتصادية، بشرط ألا يتم ذلك من خلال التمويه بقيم فنية وجمالية وفكرية تتعلق بمسألة الهوية الجماعية التي هي من وجهة نظري مجرد وهم بالنسبة للفنانين العرب. أؤيد أن يكون لكل فنان عربي هويته؛ ذلك طبيعي، بل مطلوب. أما استعارة مفردات الفنون اليدوية الشعبية، فإنها لا تشكل طريقاً سوياً يصل المرء من خلاله إلى هويته.

- طلال معلا: عالم مليء بالمخاوف
مقاربة هذا الموضوع على صلة بالآثار الاجتماعية للفنون، بما تطرحه من حجج على صلة بالهوية من جهة، وشروط الانتماء والتفاعل مع هذه الهوية، ومهما حاولنا أن نمنح الأمر بعض التجاوزات الإنسانية، بفعل المواطنة العالمية المطروحة وأثرها على فهم الفنون المعاصرة، فإن الأمر يبقى في أعماقه على ارتباط بالإفرازات العاطفية التي يمكن أن تتبادلها الشعوب والأفراد في صلاتهم بعضهم ببعض، وفق شروط المناقشات التي باتت تحددها المؤسسات الفنية، وتتحكم بها آليات تنفس الأسواق الفنية وكل ما يشكل الهرم الدرامي للثقافات الإنسانية وفق مفاهيم ما بعد الحداثة.
أنا لا أحاول أن أجد مبرراً لما نعيشه على أرض الواقع. بالصلة مع القيمين والمنسقين، وحتى نقاد الصالات والمتاحف وسواهم ممن يعالجون القضايا بناء على اتفاقات فيما بينهم، دون أي قيمة للتحسن الحضاري والأخلاقي المفترض التعامل من خلاله باعتبار الإبداع المعاصر إبداعاً تشاركياً ينتمي فيه الفنان إلى ذاته المتحولة فيما يمكن أن ندعوه الترابط الاجتماعي الإنساني القائم على استقلال الفنون عبر تاريخه المشترك الذي ما زال حتى اليوم يخضع لمركزيات دون أخرى.
وبالتالي، فإن عملية قبول الآخر إنما تنضوي تحت هذا الإشكال الذي يصنف الفنون في تاريخيتها وفق نظم القوة السياسية أو الاستعمارية أو الاقتصادية، وليس عبر الكيفيات الإبداعية والحضارية للمجتمعات.
في الأدوار الاجتماعية التي نعيشها اليوم يتم التركيز على الفنون باعتبارها قوة اقتصادية وتغييرية للمجتمعات، وقيمة ثقافية على مستوى الهوية، وهنا يكمن مصدر القلق الذي أشرت إليه باعتبار أن فنانيهم هم الأوصياء على أحلامهم، بل إن بعض نقادهم ذهبوا إلى أن الفنون الوطنية في الغرب هي مقياس صحة وسلامة تلك المجتمعات، بل هي ما يمنحه التفرد والترويج الذاتي الجماعي في السياقات الاجتماعية والمؤسساتية، فيما الفنون في مجتمعاتنا تقدر غالباً بأقل من قيمتها بكثير، بل إن بعضها مجمد دون وعي. الفنانون في بلدانهم، وفي ترحالهم وتنقلهم، يحملون معهم المعاني الإنسانية والروحية، ويتوقعون من الآخرين ضيافة تنبع من عمق روحي مشترك، ليجدوا أنفسهم في عالم مليء بالمخاوف، وأحياناً بالعنف، فتزداد الحاجة للشعور بضرورة مواجهة الواقع الجديد، والدفاع عن ضرورات العيش، متعطشين للسلام وهم الهاربون من واقع مليء بالحروب والصراعات وانعدام الحريات، وكل ما يدفع المبدعين لمغادرة أرضهم وأوطانهم، والبحث عن استقرار في عوالم لا يجدون فيها إلا التحدي وانعدام الحوار والاعتراف بقيم التعدد والتنوع التي تنادي بها المنظمات الدولية، ليبقى النداء نداء، وتبقى الحيرة تعرقل الذين يبحثون عن إمكانية الاستقرار بسلام كي يشاركوا في تفعيل وتطوير المحترفات الإبداعية التي يفدون إليها، والتي تبقى سداً منيعاً في قبولهم، وكأن اتفاقاً دولياً فيما بينهم يقتضي إقصائهم، فيعيشون غرباء منفيين في الواقع الجديد.

- شاكر لعيبي: الحرية من الداخل أولاً
قد تبدو حيثيات السؤال لبعضهم مشحونة بمفاهيم فكرية عريضة، لعلها بعيدة قليلاً عن الجماليات، بل هي أقرب للآيديولوجي والسياسي، بالمعنى المكروه الممنوح حالياً في الثقافة العربية للآيديولوجي والسياسي. شخصياً، لم أفهم يوماً علاقة (الفن) التشكيلي (بالواقع) بالمصطلحات والمفاهيم السائدة مسبقة الصنع، فهي علاقة معقدة تستحق بالفعل المساءلة، وأود فهم السؤال بهذه الدلالة المعقدة ذات المستويات المتعددة.
لكن قد تبدو عناصر السؤال الحالي مشتتة: من جهة، يجري الحديث عن «الفن المهاجر» و«العالم الثالث»، ومن جهة أخرى تجري الإشارة في السياق نفسه إلى «مسخ التقنية الغربية» في هذا الفن. وفي الحقيقة، فإن «مسخ» هذه التقنية الحداثية الغربية ليس رهناً ولا حكراً على العالم الثالث المهاجر، فالعالم الغربي يلقي بظلاله بقوة كبيرة على العالم كله، الثالث وغير الثالث، وعلى كل صعيد: الفن، والموضة، والطعام، واحتكار اللغة، وتوحيد المفاهيم على كل مستوى، والمسارات الاجتماعية والروحية والجنسانية... إلخ. يتعلق الأمر بهيمنة شاملة لا يبدو أن أي عالم ثالث محصن ضدها، خاصة أنه منقطع الجذور عن أفضل ما في إرثه التشكيلي التاريخي، أو هو (هذا العالم) يستعيد الفلكلوري والفن ذا الطبع المقدس منه، لذا يصير بداهة أن يقلد تشكيلياً الآخر المتفوق. وإذا كانت جماليات مجتمعاتنا جامدة، وفق هذه الوضعية، فإن التحولات الاجتماعية والسياسية بالأحرى في هذه المجتمعات تسير وفق النسق نفسه، بل بطريقة أسوأ، فلا فنانونا بباطني وحلمي النزعة، ولا هم في تماس جمالي وتأملي في معالجة مشكلات الواقع.
العمل الفني بالأصل والضرورة هو عمل فردي، هو انتعاش الحرية من الداخل أولاً، وما زالت تفصلنا مسافات كبيرة عن إدراك مغزى الفردانية ومفهوم اكتمال الحرية بأبعادها المعقدة.



مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
TT

مصر: الكشف عن صرح معبد بطلمي في سوهاج

المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)
المعبد البطلمي تضمّن نقوشاً ورسوماً متنوّعة (وزارة السياحة والآثار)

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، السبت، عن اكتشاف صرح لمعبد بطلمي في محافظة سوهاج (جنوب مصر). وذكرت البعثة الأثرية المشتركة بين «المجلس الأعلى للآثار» في مصر وجامعة «توبنغن» الألمانية أنه جرى اكتشاف الصرح خلال العمل في الناحية الغربية لمعبد أتريبس الكبير.

وعدّ الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، الدكتور محمد إسماعيل خالد، هذا الكشف «النواة الأولى لإزاحة الستار عن باقي عناصر المعبد الجديد بالموقع»، وأوضح أنّ واجهة الصرح التي كُشف عنها بالكامل يصل اتساعها إلى 51 متراً، مقسمة إلى برجين؛ كل برج باتّساع 24 متراً، تفصل بينهما بوابة المدخل.

ولفت إسماعيل إلى أنّ الارتفاع الأصلي للصرح بلغ نحو 18 متراً، وفق زاوية ميل الأبراج، ما يضاهي أبعاد صرح معبد الأقصر، مؤكداً على استكمال أعمال البعثة في الموقع للكشف عن باقي المعبد بالكامل خلال مواسم الحفائر المقبلة، وفق بيان للوزارة.

جانب من صرح المعبد المُكتشف (وزارة السياحة والآثار)

بدوره، قال رئيس «الإدارة المركزية لآثار مصر العليا»، ورئيس البعثة من الجانب المصري، محمد عبد البديع، إنه كُشف عن النصوص الهيروغليفية التي تزيّن الواجهة الداخلية والجدران، خلال أعمال تنظيف البوابة الرئيسية التي تتوسَّط الصرح، كما وجدت البعثة نقوشاً لمناظر تصوّر الملك وهو يستقبل «ربيت» ربة أتريبس، التي تتمثّل برأس أنثى الأسد، وكذلك ابنها المعبود الطفل «كولنتس».

وأوضح أنّ هذه البوابة تعود إلى عصر الملك بطليموس الثامن الذي قد يكون هو نفسه مؤسّس المعبد، ومن المرجح أيضاً وجود خرطوش باسم زوجته الملكة كليوباترا الثالثة بين النصوص، وفق دراسة الخراطيش المكتشفة في المدخل وعلى أحد الجوانب الداخلية.

وقال رئيس البعثة من الجانب الألماني، الدكتور كريستيان ليتز، إنّ البعثة استكملت الكشف عن الغرفة الجنوبية التي كان قد كُشف عن جزء منها خلال أعمال البعثة الأثرية الإنجليزية في الموقع بين عامَي 1907 و1908، والتي زُيّن جانبا مدخلها بنصوص هيروغليفية ومناظر تمثّل المعبودة «ربيت» ورب الخصوبة «مين» وهو محوط بهيئات لمعبودات ثانوية فلكية، بمثابة نجوم سماوية لقياس ساعات الليل.

رسوم ونجوم تشير إلى ساعات الليل في المعبد البطلمي (وزارة السياحة والآثار)

وأضاف مدير موقع الحفائر من الجانب الألماني، الدكتور ماركوس مولر، أنّ البعثة كشفت عن غرفة في سلّم لم تكن معروفة سابقاً، ويمكن الوصول إليها من خلال مدخل صغير يقع في الواجهة الخارجية للصرح، وتشير درجات السلالم الأربع إلى أنها كانت تقود إلى طابق علوي تعرّض للتدمير عام 752.

يُذكر أنّ البعثة المصرية الألمانية المشتركة تعمل في منطقة أتريبس منذ أكثر من 10 سنوات؛ وأسفرت أعمالها عن الكشف الكامل لجميع أجزاء معبد أتريبس الكبير، بالإضافة إلى ما يزيد على 30 ألف أوستراكا، عليها نصوص ديموطيقية وقبطية وهيراطيقة، وعدد من اللقى الأثرية.

وعدَّ عالم الآثار المصري، الدكتور حسين عبد البصير، «الكشف عن صرح معبد بطلمي جديد في منطقة أتريبس بسوهاج إنجازاً أثرياً كبيراً، يُضيء على عمق التاريخ المصري في فترة البطالمة، الذين تركوا بصمة مميزة في الحضارة المصرية». وقال لـ«الشرق الأوسط» إنّ «هذا الاكتشاف يعكس أهمية أتريبس موقعاً أثرياً غنياً بالموروث التاريخي، ويُبرز تواصل الحضارات التي تعاقبت على أرض مصر».

ورأى استمرار أعمال البعثة الأثرية للكشف عن باقي عناصر المعبد خطوة ضرورية لفهم السياق التاريخي والمعماري الكامل لهذا الصرح، «فمن خلال التنقيب، يمكن التعرّف إلى طبيعة استخدام المعبد، والطقوس التي مورست فيه، والصلات الثقافية التي ربطته بالمجتمع المحيط به»، وفق قوله.

ووصف عبد البصير هذا الاكتشاف بأنه «إضافة نوعية للجهود الأثرية التي تُبذل في صعيد مصر، ويدعو إلى تعزيز الاهتمام بالمواقع الأثرية في سوهاج، التي لا تزال تخفي كثيراً من الكنوز».