احتفاء بإبداعات المعماريين الإيطاليين في مصر

عبر كتاب توثيقي ومعرض افتراضي لأشهر مبانيهم

قصر المنتزه بالإسكندرية على طراز النهضة الإيطالية
قصر المنتزه بالإسكندرية على طراز النهضة الإيطالية
TT

احتفاء بإبداعات المعماريين الإيطاليين في مصر

قصر المنتزه بالإسكندرية على طراز النهضة الإيطالية
قصر المنتزه بالإسكندرية على طراز النهضة الإيطالية

يحتفي الجهاز القومي للتنسيق الحضاري المصري، بإبداعات المعماريين الإيطاليين على أرض مصر عبر كتاب توثيقي يبرز جماليات 50 مبنى أثرياً وتراثياً بالقاهرة والإسكندرية، ومعرض افتراضي لأشهر أعمال هؤلاء المعماريين الذين وفدوا إلى مصر منذ أواخر القرن الـ18 وحتى منتصف القرن العشرين الميلادي، ضمن جالية إيطالية كبيرة ليشكلوا مع أوروبيين آخرين ملامح عمارة مصر الحديثة.
ونظم جهاز التنسيق الحضاري، أخيراً معرضاً حياً بقاعة آدم حنين بدار الأوبرا المصرية (وسط القاهرة) ضم 110 صور لمبانٍ أثرية قام بتصميمها معماريين إيطاليين، وحملت تنوعاً كبيراً ما بين مبانٍ سكنية وقصور الأمراء، ونُصب تذكارية، ومتاحف، ومحطات سكك حديدية ومصانع، ومبانٍ تعليمية ومسارح، ومستشفيات ومبانٍ إدارية، وامتدت كذلك إلى المساجد والكنائس والأضرحة، التي لا تزال شاهدة على تميزهم.
المهندس محمد أبو سعدة، رئيس الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، يقول لـ«الشرق الأوسط»، «إن هذا الاحتفاء يمثل نوعاً من الرصد لانصهار الحضارات بين العمارة الإيطالية والإسلامية، عبر العديد من المباني والمساجد والكنائس، والتي أضفت بدورها رونقاً فريداً على المباني في مصر»، مؤكداً أن «الكتاب ليس مجرد لوحات، بل يعد دراسة تحليلية للمباني المختلفة».
ويكشف الكتاب والمعرض عن ثلاثة معماريين إيطاليين كانوا أصحاب البصمة الأكبر في تطور البناء العمراني في مصر خلال القرن الـ، وهم أنطونيو لاشياك، ومايو روسي، وأرنستو فروتشي، الذين صمموا عدداً كبيراً من البنايات والقصور، ومنها قصر عابدين بالقاهرة، والذي صممه في البداية الفرنسي دي كوريل روسو عام 1874، ثم تعرّض للاحتراق وأسند الخديو توفيق إعادة بناء ما تهدم منه للمعماري الإيطالي أنطونيو لاشياك، ثم تولى مواطنه ماريو روسي تصميم أكشاك الشاي والموسيقى بالحديقة الواسعة الملحقة بالقصر.
كما صمم أنطونيو لاشياك قصر الأمير يوسف كمال عام 1909 وجمع في تصميمه بين طراز النهضتين الفرنسية والإيطالية، وقصر المنتزه بالإسكندرية الذي صممه أرنستو فوتشي عام 1923 على طراز النهضة الإيطالي، والذي كان الوجهة المفضلة للعائلة الملكية صيفاً، ومن المباني السكنية عمارة «الإيموبيليا» التي شيدها المعماري جاستوني روسي مع ماكس أدرعي عام 1940 لتصبح أعلى مبنى بالقاهرة في ذلك الوقت، وتمكّن سكانها من رؤية القلعة والأهرامات عند بنائها وضمت نحو 350 شقة و27 مصعداً، وسكنها مشاهير المجتمع المصري على غرار أسمهان، والمنتجة آسيا داغر، والمخرج كمال الشيخ، وعمارة «جروبي» التي صمم مبناها المعماري كاستمان عام 1925 على الطراز الكلاسيكي، ومنزل «سوارس» الذي شيده أنطونيو لاشياك عام 1897 على غرار طراز النهضة الإيطالية، ومبنى معهد الموسيقى العربية بالقاهرة الذي شيده أرنستو فروتشي عام 1923، وضم مسرح ومكتبة موسيقية وغرف بروفة، وتم تخصيص طابقه الثاني فيما بعد مقراً لمتحف محمد عبد الوهاب.
وصمم ألفونسو مانسيكالكو متحف الفن الإسلامي بداية من 1893 - وحتى 1899 على الطراز المملوكي، كما صمم بيترو أفوسكاني مبنى الأوبرا الخديوية بالقاهرة التي تحاكي «لاسكالا تياترو» الشهير في ميلانو والتي تعرضت للاحتراق فيما بعد، ومحطة قطار مصر التي صممهها أنطونيو لاشياك بين عامي 1915 و1927.
كما صمم لاشياك مبنى «بنك مصر» الذي يجمع بين العمارة البندقية والزخارف المملوكية، ومسجد عمر مكرم الشهير بميدان التحرير الذي صممه المعماري ماريو روسي عام 1948، وهو أيضاً من صمم مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، وكنيسة القديس يوسف التي وضع تصميمها المعماري أريستيد ليونور بين عامي 1904 - 1909
وعن تأثير العمارة الإيطالية، تقول الدكتورة هايدي شلبي، مدير الإدارة العامة للحفاظ على المباني الأثرية، لـ«الشرق الأوسط»، «اللمسة الإيطالية على العمارة في مصر بدأت منذ عام 1885 وحتى 1950، وامتدت لعدد من المدن المصرية ومنها المنصورة والأقصر إلى جانب القاهرة والإسكندرية وبورسعيد فقد ساهموا في تصميم عمارة بديعة باقية إلى الآن على الطرز الأوروبية المشهورة في عصر النهضة الأوروبية مثل قصر المنتزه بالإسكندرية، ومع تطور الحركة المعمارية وظهور (النيوكلاسيك) انعكس ذلك على تصميماتهم داخل المدن المصرية مثل قصر الأميرة نعمة الله توفيق بميدان التحرير، وفي عشرينات وثلاثينات القرن العشرين ظهر (الأرت ديكو) كاتجاه معماري فقاموا بتصميم مبانٍ عديدة على طرازه، ومنها عمارتا جروبي وصيدناوي المتقابلتان بميدان التحرير، بينما ظهر اتجاه (الأرت ديكو المتطور) في الأربعينات كما في عمارة الإيموبيليا والمدرسة الإيطالية بالإسكندرية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».