«مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة» يحيي نسخته الثانية

بين المكرمات رينيه الديك ورندة كعدي وبرناديت حديب

«مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة» يحيي نسخته الثانية
TT

«مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة» يحيي نسخته الثانية

«مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة» يحيي نسخته الثانية

إيماناً منها بالدور الطليعي الذي تلعبه المرأة، تطلق كل من «جمعية تيرو للفنون» و«مسرح إسطنبولي» في مدينة صور الجنوبية النسخة الثانية من «مهرجان لبنان المسرحي الدولي لمونودراما المرأة» في 22 مايو (أيار) حتى 24 منه، بعنوان «من أجل الحرية والمساواة».
ويكرم في المناسبة 5 نساء لمعت أسماؤهن في عالم المسرح، بينهن 3 راحلات، وأخريات لا يزلن يتحفن لبنان والعالم العربي بأعمال تمثيلية بإطلالاتهن المحترفة.
ولأول مرة منذ رحيلها في 14 أبريل (نيسان) الفائت يجري خلال النشاط الثقافي الفني تكريم الممثلة رينيه الديك. وتعد الديك واحدة من أعمدة المسرح اللبناني، وركناً من أركانه الأساسية. لها تاريخ طويل على الخشبة، ومن أهم أعمالها «الخادمتان»، مع المخرج جواد الأسدي. وتلقت الديك دروس المسرح في مدرسة «المسرح الحديث» التابعة لإدارة لجنة «مهرجانات بعلبك الدولية»، وكانت في الثامنة عشرة من عمرها. وفي مسرحية «الذباب» التي لعبت فيها دورين، قدمت لوحات راقصة وأخرى تمثيلية، فنجحت وأصبحت عضواً في الفرقة. وشاركت في مسرحية «الإزميل» التي كانت أول مسرحية لبنانية تقدم في إطار فعاليات مهرجانات بعلبك، ولعبت فيها دور البطولة، إلى جانب ميشال نبعة ورضا خوري ونبيل معماري. وجسدت في هذا العمل دور امرأة من المدينة أراد شاب قروي إقطاعي الزواج منها. كما شاركت في مسرحيتي «الملك يموت» و«علماء الفيزياء» لمنير أبو دبس اللتين عرضتا في كثير من العواصم العربية، و«روميلوس الكبير» لدورنمات، من إخراج شكيب خوري، إلى جانب نضال الأشقر.
ومن النساء المكرمات أيضاً الراحلات الدكتورة وطفاء حمادة، والدكتورة فدوى هاشم، إضافة إلى كل من الممثلتين رندة كعدي وبرناديت حديب اللتين تتمتعان بمشوار مسرحي وتلفزيوني طويل.
أما المكرمة وطفاء حمادة التي رحلت في مارس (آذار) الفائت، فعملت أستاذة للنقد المسرحي في كلية الآداب في الجامعة اللبنانية، وفي المعهد العالي للفنون المسرحية في الكويت، وهي عضو «تجمع الباحثات اللبنانيات»، ورمز من رموز الأدب الحديث والنقد المسرحي العربي. وتعد من بين أبرز الأسماء النقدية في المسرح العربي منذ تسعينيات القرن الماضي. وتميزت وطفاء باطلاع واسع عميق على التطورات الأدبية والفكرية في الآداب العالمية، ما مكنها من إثارة قضايا نسوية بكل جرأة في كتاباتها. ورحلت حمادة هذا العام متأثرة بإصابتها بفيروس «كورونا».
وبالنسبة إلى الراحلة الدكتورة فدوى هاشم المندرجة على لائحة المكرمات في المهرجان، فقد شاركت المسرحي روجيه عساف في أكثر من عمل، وعملت أستاذة جامعية في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، وتوفيت في عام 2017.
يقول المخرج الممثل قاسم إسطنبولي، مؤسس المسرح الوطني اللبناني المشرف على المهرجان، إن المكرمات في الدورة الثانية من المهرجان أسهمن بشكل كبير في الحركة الثقافية والمسرحية والسينمائية في لبنان. ويأتي الاحتفاء بهن من أجل تسليط الضوء على دور المرأة المهم في تاريخ الحركة المسرحية والسينمائية والفنية في لبنان. ويتابع في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لقد نوعنا في خياراتنا كي نسلط الضوء على أكثر من جيل رائد في عالم المسرح اللبناني. ففدوى الهاشم رغبنا في تكريمها من باب عطاءاتها الكثيرة في عالم المسرح والفنون من دون أن تأخذ حقها. أما وطفاء حمادة فقد كانت عنصراً فعالاً في مهرجانات لبنان الدولية للمسرح. وكذلك بالنسبة لرينيه الديك التي تعد من مؤسسات المسرح في لبنان. وبالنسبة إلى كعدي وحديب فهما تمثلان الجيل الشاب والمخضرم من نجوم المسرح، وصاحبتا تاريخ طويل مع النجومية على الشاشة الصغيرة أيضاً».
ويحضر هذه التكريمات عائلات المحتفى بهن، وسيعرض لهن أفلام وثائقية قصيرة أعدت خصيصاً للمناسبة. يقول إسطنبولي: «هذه الأفلام سترافقنا في عروضها طيلة أيام المهرجان كي يتعرف إلى صاحباتها رواد المهرجان من كثب، ويصبح لديهن فكرة واضحة عما استطعن تحقيقه على الساحتين الفنيتين اللبنانية والعربية معاً».
وبموازاة هذه التكريمات تقام عروض مسرحية لبنانية وعربية في يومي 23 و24 مايو (أيار) الحالي. ومن بينها 4 عروض مسرحية لبنانية، واثنان من تونس وسلطنة عمان، وهما: «وما ملكت» و«حبيبي جندي». ويتابع قاسم إسطنبولي، في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «لأول مرة يدخل المسرح اللبناني من بابه العريض في المهرجان. وستكون العروض التي ذكرتها مباشرة، يحضرها الجمهور على خشبة المسرح الوطني اللبناني مجاناً. وسنعتمد تطبيق التباعد الاجتماعي، بحيث لا يزيد عدد الحضور على نسبة 30 في المائة من مجمل المقاعد في الصالة».
وتتألف العروض المسرحية اللبنانية من «عزيزتي ألفت» للكاتبة الممثلة ألفت خطار، وإخراج شادي الهبر؛ ومسرحية «50 دقيقة»، من كتابة سارة زين، وإخراج سالي فواز ورنين كسرواني. أما مسرحيتا «امرأة وحيدة» و«خطبة حب» (Diatribe of love)، فهما من إخراج نزار إسماعيل ولارا حاج.
ويعرض المهرجان كذلك أعمالاً مسرحية من تركيا وإسبانيا ومصر والمغرب وإيطاليا والعراق، ويكون متاحاً متابعتها افتراضياً من قبل الجمهور عبر الصفحات الإلكترونية الخاصة بالمهرجان.
وفي نهاية المهرجان، سيجري توزيع الجوائز ضمن فئات جوائز أفضل ممثلة وأفضل نص وأفضل سينوغرافيا وأزياء وأفضل إخراج وأفضل عمل متكامل. وكذلك ستوزع جائزة لجنة التحكيم المؤلفة من المخرجة المصممة جنى الحسن، والكوريغراف دلال بزي، ومصممة الأزياء نور النوصلي.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».