مارسيل خليفة يستقبل بعرس يعيده إلى طفولته الأولى في طرابلس

غنى كما في بداياته مسترجعًا الأحلام الكبار وطالبًا حماية آلة العود

غنى مارسيل: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم وفي يدنا يلمع الرعب  -  مع «ريتا» لم يتمالك الوزراء الجالسون في الصف الأول البقاء ساكنين.. غنوا بقوة وحماسة
غنى مارسيل: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم وفي يدنا يلمع الرعب - مع «ريتا» لم يتمالك الوزراء الجالسون في الصف الأول البقاء ساكنين.. غنوا بقوة وحماسة
TT

مارسيل خليفة يستقبل بعرس يعيده إلى طفولته الأولى في طرابلس

غنى مارسيل: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم وفي يدنا يلمع الرعب  -  مع «ريتا» لم يتمالك الوزراء الجالسون في الصف الأول البقاء ساكنين.. غنوا بقوة وحماسة
غنى مارسيل: صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم وفي يدنا يلمع الرعب - مع «ريتا» لم يتمالك الوزراء الجالسون في الصف الأول البقاء ساكنين.. غنوا بقوة وحماسة

بعد غياب طويل، عاد مارسيل خليفة إلى طرابلس مكرما، فيما يشبه العرس الحافل. ما بين تكريم في النبطية في الجنوب، وآخر ينتظره في المغرب، حط مارسيل خليفة في عاصمة الشمال. لم يكن حفلة عادية تلك التي أحياها مساء السبت الماضي، في «مؤسسة الصفدي الثقافية»، فقد جاء مشجعا ومربتا على أكتاف أطفال «فرقة الأعواد الصغيرة»، التي لم يتجاوز عمرها الثلاث سنوات، عازفا معهم، ومنشدا أغنياته على نغمات أوتارهم. الموسيقي الكبير بدا محتفيا بما يقارب 10 أطفال، بينهم من لم يتعد الثامنة على الأرجح، تحلقوا حوله بأعوادهم، شاركوه حفله، ومنحهم دفء كلماته التي أرادها مشجعة لهم، وبمثابة نهج يسيرون على هديه.
هذه المرة غنى مارسيل خليفة قديمه، بعد أن احتشدت القاعة وغصت بالحاضرين وقوفا وجلوسا، وبدا أن لا متسع للمزيد. البعض فضل سماع مارسيل من خارج القاعة، بعد أن أصبح مجرد التنفس صعبا وعسيرا. تذكر مارسيل، في كلمته التي ألقاها، حين جاء إلى طرابلس، وأحيا حفلا في الرابطة الثقافية، وكانت الحشود كبيرة أيضا، تحدث عن الحب الذي ربطه منذ صغره بالمدينة، حين كان يأتيها صغيرا، زائرا ميناءها وأسواقها بصحبة والده، ثم يعود «إلى الضيعة عصر مساء على موال يهزه صوت والدي الحنون»، كما جاء في كلمته.
لعله كان حفلا استثنائيا هذا الذي كان عابقا بذكريات طفولة الرجل، وعلاقته بالعود. تحدث مارسيل عن عوده الأول، الذي أوصى والده سائقا على طريق بيروت الشام على إحضاره له من هناك، بعد أن دفع ثمنه 25 ليرة سورية مقدما. وروى بكثير من الحنين أن العود «دخل إلى بيتنا الصغير، بعد أن كانت الآتي الموسيقية محصورة بعلب الحليب والطناجر، وكراسي الخيزران، وقصب الغزار اليابس».
أستاذه الأول، كان دركيا متقاعدا، يجيد بعض النوتات الموسيقية التي سرعان ما استنفد تعليمه إياها، ليقول له بعد 3 أشهر «أعطيتك كل ما عندي، هذا كل ما أعرفه». هنا بدأت رحلة الأم، المؤمنة بموهبة ابنها، طوال عام كامل بحثا عمن يكمل تعليم ابنها الموسيقي إلى أن وجدت ضالتها في بيروت، بعيدا عن ضيعته عمشيت أكثر من ساعة ونصف الساعة بالسيارة.
تحدث مارسيل خليفة عن أمه التي «أصبحتُ موسيقيا بفضلها لأنها استفزتني بحب، وساهمت مساهمة جبارة في تحديد مساراتي الفنية»، وتحدث عن والده الذي كان يتابعه بشغف واعتزاز، رغم أنه لا يعرف عن الموسيقى الكثير.
تحية لمارسيل خليفة، غنى باخوس هيكل من فرقة الأعواد الصغيرة، برفقة قائد الفرقة المايسترو خالد النجار «أحن إلى خبز أمي». كان الشاب بديعا على طريقته، ومارسيل خليفة يصغي ويصفق ويشجع. عزفت فرقة الأعواد معزوفات متلاحقة، قبل أن يصعد مارسيل خليفة إلى الخشبة ويبدأ حماسيا، بمشاركة موسيقى اليافعين، بواحدة من أشهر أغنياته «منتصب القامة أمشي، مرفوع الهامة أمشي». القاعة كلها غنت مع مارسيل، العود هذه المرة، وفي الصالة المغلقة جاد كما لو أنه يغني هو الآخر. قدم مارسيل حفلا على طريقته القديمة، حين كان يغني للعمال وطلاب الجامعات، يجول على عشاقه حيثما كانوا، قبل أن يغادر إلى باريس وعواصم أوروبا، بأغنيات تلك الفترة المزدحمة بالأحلام الكبار. مع «ريتا»، لم يتمالك الوزراء الجالسون في الصف الأول البقاء ساكنين، غنوا بقوة وحماسة. وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس انسجم وصرخ وقد بلغت به نشوة الطرب مبلغها: «الله». شكر مارسيل الوزراء والمسؤولين طالبا من الجمهور أن يصفق لهم، لأن الصف الأول لا يغني في العادة.
«يطير الحمام، يحط الحمام» وصفها مارسيل خليفة قبل أن يغنيها بأنها أغنية ملتزمة، قائلا للجمهور: «انتبهوا معي!»، طالبا منهم أن ينشدوها معا. هذه الأغنيات الطويلة حاول خليفة أن يتحاشى غناءها مكتملة في حفلات السنوات الأخيرة، مبتعدا عن الروح الثورية التي رافقت مساره الأول. لكن الخيارات في طرابلس جاءت مختلفة: «صامدون هنا، قرب هذا الدمار العظيم، وفي يدنا يلمع الرعب.. في يدنا، في القلب، غصن الوفاء النضير. صامدون هنا، باتجاه الجدار الأخير»، هي أغنية ما قبل الختام.
كلمات محمود درويش تعود عفية طازجة، كأنها ابنة اليوم الطالعة من أحشاء الحزن العربي الذي لا ينقضي. ربما، هذا هو ما جعل الجمهور العريض يردد كما «كورس» منسجم، مما جعل مارسيل يثني على الأداء، قائلا: «كان بمقدورنا أن نسجل أسطوانة معا».
مع أغنية «يا بحرية»، التي أنشدتها القاعة كلها مع مارسيل خليفة، منتفضة، واقفة، كانت الخاتمة.
في هذا الحفل الذي دعت إليه «مؤسسة الصفدي الثقافية»، و«جمعية شباب البلد» برعاية وزير الثقافة روني عريجي الذي كان حاضرا ومشاركا في الغناء، تحدث مارسيل خليفة عن موضوع شديد الأهمية، عن مصير آلة العود والكتابة الموسيقية، طالبا، بمناسبة مشاركته العزف مع فرقة لليافعين، التجديد والانفتاح، مع الحفاظ على الخطوط العامة للتراث، وقال: «نحن اليوم في أمس الحاجة، لتخريب المجرى المنطقي للأمور، وعصيان قوانين اللغة الموسيقية. أن التطور لا يزال ممكنا، أي إعادة النظر بالثوابت»، حث مارسيل في كلمته: «على تطوير العود شكلا ومضمونا والإسهام في خلق توازن بين اتجاهين يهددان العود والكتابة الموسيقية؛ الاتجاه الأول: السلفية المفرطة في إنكار التطور التاريخي للعود. أما الاتجاه الثاني: فهو الفوضى العبثية التي تقترح على العود بابا واحدا للمعاصرة، أي أن ينقطع عن تاريخيه ويختار شكلا محددا».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».