العقل العربي واستعادة طاقة التفكير الفلسفي

بمناسبة صدور عدد أول من «المجلة السعودية للدراسات الفلسفية»

TT

العقل العربي واستعادة طاقة التفكير الفلسفي

متعة عقلية كبيرة (مصحوبة بدهشة تنم عن إعجاب مستحق) اعترتني وأنا أطالع بعض المواد المتاحة للقراءة المجانية في النسخة الإلكترونية من المطبوع الجديد «المجلة السعودية للدراسات الفلسفية» (SJPS)، في عددها الأول لسنة 2021. وقد تكفل الموقع الإلكتروني لمنصة «معنى» الثقافية بهذا المشروع الفلسفي، في سياق جهد ثقافي يمكن الاطلاع عليه في الموقع الإلكتروني لهذه المنصة.
وتمثل «المجلة السعودية للدراسات الفلسفية» الذراع الأكاديمية المحكومة بمقاسات صارمة معروفة في عالم المجلات الأكاديمية المحكمة، لكن هذه الصرامة الأكاديمية هي محض جانب واحد من الحكاية، وليست الحكاية كلها، فثمة أيضاً أبوابٌ أخرى متخففة من هذه الصرامة، رغم أن كاتبيها (عرباً وأجانب) معروفون بقدراتهم الفلسفية العالية، وإمكانياتهم في مخاطبة العقل البشري في كل تشكلاته الذهنية والنفسية، وأشير خاصة إلى النسخة المعربة من مجلة «الفيلسوف الجديد» (NEW PHILOSOPHER). ويضم موقع «معنى» حوارات ممتازة مع بعض الفلاسفة المعروفين على مستوى العالم، وأشيرُ بالتخصيص إلى الحوار مع الفيلسوف دانييل دينيت (Daniel Dennett) الذي يوصف دوماً بأنه الصديق المحبوب للعلماء بسبب أبحاثه التي تلامس الجبهات المتقدمة لبعض أقدم الموضوعات الفلسفية، وأعني بذلك معضلة الوعي.
ومن المثير تاريخياً الإشارة إلى الحقيقة التالية: شاعت في العقود الأولى من القرن العشرين حتى ستينياته جهود عالمية موجهة تسعى إلى إشاعة نمط مما يمكن تسميته (فلسفة علمية)، وقد تجذر هذا المسعى، وتعمقت أدواته لدى بعض أعضاء «حلقة فيينا» (Vienna Circle) الذين أثمرت جهودهم عن نشأة الفلسفة الوضعية المنطقية؛ ذلك الاتجاه الفلسفي الذي أراد أن يكون فلسفة عصر العلم. وسعت الوضعية المنطقية إلى إحداث ثورة على المستوى الفلسفي، طالت الاشتغالات الفلسفية التقليدية، وأثمرت كشوفات فلسفية جديدة، لعل حركة التحليل اللغوي (Linguistic Analysis) والنزعة التحليلية (Analiticity) في الفلسفة بعامة تعد أهم معالمها، وقد ساهم فلاسفة مثل برتراند راسل (Bertrand Russell) ولودفيغ فيتغنشتاين (Ludwig Wittgenstein) في قيادة رَكْب هذه الفلسفة.
وعندما أقرأ مثل هذه الأطروحات ترتسم أمامي أسئلة جوهرية: ما الذي ننشده من الفلسفة؟ وهل المطلوب أن تصبح الفلسفة علمية؟ وهل الفلسفة العلمية هي الشكل الوحيد للفلسفة الذي يمتلك مشروعية البقاء والنمو والسيادة؟
بشر كثير من العلماء بموت الفلسفة (في مقدمتهم الفيزيائي الراحل ستيفن هوكنغ)، وقصدوا بهذا الموت ضرورة ابتعاد الفلسفة عن مقاربة الموضوعات الوجودية الأساسية الثلاثة الخاصة بأصل كل من الكون والحياة والوعي، وفي منطقتنا العربية ساهم فلاسفة مرموقون من العيار الثقيل (في مقدمتهم الراحل زكي نجيب محمود) بالتبشير بسيادة عصر الفلسفة الوضعية المنطقية، وموت كل الفلسفات الأخرى، بصفتها غير علمية، وأظن أن شيوع الجهل والخرافة والأصوليات الدينية هي الأسباب التي دعت هذا الفيلسوف إلى إعلاء شأن هذه الفلسفة، وتسخيف ما سواها إلى حد صارت معه الفلسفة الوضعية المنطقية تمثل أصولية مقابلة للأصوليات السائدة.
ولعل كثيرين منا -خاصة المشتغلين في الحقل الثقافي- يشهدون ملامح الدعوة إلى الفلسفة وتنشيط العقل الفلسفي في بيئتنا العربية. وقد اتخذت هذه الدعوة شكلاً أقرب إلى الصحوة الفكرية التي تسعى إلى وخز مكامن الجمود والاستكانة في العقل العربي الذي عانى كثيراً تحت سطوة المواضعات الثقافية والمجتمعية السائدة. ومثل هذه الدعوة محمودة في متبنياتها العامة، ونبل المقاصد الرامية إليها، لكن هناك بعض التفاصيل الصغيرة التي يمكن الإشارة إليها، وفي التفاصيل يكمن الشيطان اللعوب كما تنبؤنا الأمثولة المعروفة.
أولاً: لا ينبغي تصور أن تحريك جذوة الدرس الفلسفي (على صعيد التعليم والثقافة العامة معاً) هو تعويذة «افتح يا سمسم» التي ستفك لنا مغاليق الانسدادات التي نعانيها على صعيد العلم والتقنية، وبالتالي ستمكننا من اعتلاء ناصية اقتصاد المعرفة الكفيل بفتح نوافذ جديدة للتمكين المالي -للدولة والأفراد معاً- بعيداً عن مظاهر الاقتصاد الريعي التي تمسك بخناق معظم مجتمعاتنا العربية. الذائقة الفلسفية التي يحركها عقل فلسفي مدرب على مساءلة الثوابت في كل جوانب الحياة هي ذائقة لازمة لتحقيق تثوير حقيقي في الإنجاز العلمي والتقني، وولوج بوابة اقتصاد المعرفة وعتبة الثورة البشرية الرابعة، لكن هذه الذائقة وحدها ليست كفيلة بتحقيق هذه المقاصد النبيلة التي لا تتحقق إلا بتوافر عناصر أخرى يمكن دراستها في أدبيات التنمية المستدامة. ثمة آفاق واعدة في هذا الميدان، ويمكن الإشارة فحسب إلى المشروع الواعد «رؤية 2030» الذي تبنته المملكة العربية السعودية، وتعمل عليه بجدية مشهودة تقوم على أساس التنمية الخضراء التي تراعي الاعتبارات البيئية.
ثانياً: نسمع كثيراً عن أهمية الفلسفة وضرورتها في إحلال المياه النقية محل المياه الراكدة، لكن أي فلسفة هي المنشودة لتثوير العقل العربي؟ ما يلاحظ في الأدبيات الفلسفية السائدة في جامعاتنا وثقافتنا العربية هو كونها تتموضع في ثلاثة أشكال معروفة: فذلكات تأريخية أقرب إلى الهوامش الخاصة بتدوين الوقائع التاريخية الخاصة بفلسفة محددة، أو فلسفة تتصادى مع بعض جوانب تراثنا الذي ما كانت فيه الفلسفة سوى شكلٍ مضمرٍ من الثقافات السائدة، أو رطانات لغوية هي في أغلبها ترجمات مبتسرة لبعض الفلسفات الموصوفة بـ«ما بعد الحداثية» التي سادت في القارة الأوروبية (فرنسا خاصة) بعد الحرب العالمية الثانية. وقد ادعت هذه الفلسفات إحداث «قطيعة إبستمولوجية» مع الفلسفات السابقة لها، عبر تعشقها مع الثورات الحديثة في اللغة وعلم النفس الإدراكي... إلخ. لكن ما حصل لاحقاً هو انكفاء تلك الفلسفات في مواطنها، بينما لا يزال لدينا بعض من يتوهم في نفسه القدرة على نفخ الحياة في جسم ميت عبر تلال هائلة من الرطانات اللغوية التي لا تكاد تتمايز عن رطانات أخرى تسود قطاعات واسعة في مجتمعاتنا.
ثالثاً: عند إحياء الفلسفة في بيئتنا، لا بد من الانتباه إلى حقيقة شيوع ما أصبح يدعى «الثقافة الثالثة»، تلك الثقافة التي تتجاوز محدوديات كل من الثقافتين الكلاسيكيتين العلمية والأدبية نحو ثقافة تخليقية جديدة، توظف الأفكار المستحدثة في الحقول المعرفية الخاصة بالذكاء الاصطناعي، وأصول الكون والحياة والوعي البشري، والنظم الدينامية المعقدة، والتعلم الآلي، والبيولوجيا التطورية. وهناك دعوة باتت تشيع في العالم الغربي، مفادها أن الفلسفات التي سادت في بداية الألفية الثالثة ما عادت قادرة على التناغم مع متطلبات الثورة الرابعة، وبسبب هذا شاعت مقولة «موت الفلسفة»! إذن، علينا الانتباه منذ البدء إلى ضرورة البدء بتكريس الأطروحات الفلسفية المتناغمة مع الثورات العلمية والتقنية في عصرنا، بدلاً من جعل الفكر الفلسفي ينزوي في جزيرة معزولة.
وأرى أن المسعى الجوهري للفلسفة في عصرنا الحاضر (عصر الثورة التقنية الرابعة) يكمن في تقديم الفلسفة دروساً وأمثولات معيارية للعيش الطيب والحياة الخيرة، فضلاً عن تقديمها عزاءات للإنسان تمكنه من مواصلة حياته المتخمة بألوان التراجيديا الوجودية المؤلمة، وربما يمكن تلمس مصداقية هذه القناعة في حقيقة الزيادة المذهلة لقراء الكلاسيكيات الفلسفية الإغريقية (خاصة المحاورات الأفلاطونية والملاحم الإغريقية المعروفة)، إلى جانب الكلاسيكيات الفلسفية التي سادت عصر النهضة الأوروبية، والتي تشهد قراءات متنامية لم تخفت جذوتها على مر السنوات، كما يمكن الاستفادة من بعض مصنفات تراثنا الفلسفي العربي الذي يزخر بإشراقات فلسفية لامعة لا يمكن تجاوزها من جانب كل عقل فلسفي شغوف.
حياتنا أكبر من أن تكون رهينة لمنتجات العلم والتقنية، ولا بد من إضفاء نكهة فلسفية على وجودنا الإنساني منذ سنوات النشأة الباكرة، وكلما نجحنا في تثبيت أركان التساؤل الفلسفي المقترن بدهشة اكتشاف الأسرار الخبيئة في وجودنا الإنساني كان هذا المسعى استثماراً حقيقياً للرأسمال البشري سنشهد نتائجه في سنوات (أو ربما في عقود) مقبلة.



مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.