اليمن: تسابق انقلابي علني على تجارة الوقود في السوق السوداء

اتهامات للجماعة باحتجاز الناقلات ومضاعفة معاناة السكان

TT

اليمن: تسابق انقلابي علني على تجارة الوقود في السوق السوداء

وسط اتهامات للميليشيات الحوثية باحتجاز ناقلات الوقود عند مداخل صنعاء، لرفع الأسعار وتسهيل مهمات قادتها في جني الأرباح المضاعفة، سمحت الجماعة قبل أيام بفتح عدد محدود من محطات الوقود يملكها تجار موالون لها لكي تبيع المشتقات النفطية للمواطنين بأسعار السوق السوداء.
وحسب سكان تحدثوا في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، يصل سعر صفيحة البنزين سعة 20 لتراً إلى 11 ألف ريال بزيادة 120 في المائة عن أسعار الأشهر الماضية (الدولار حوالي 600 ريال).
ويؤكد السكان أن الجماعة واصلت بمقابل ذلك إغلاق بقية المحطات، وهي بالمئات، وعدم السماح لها ببيع البنزين لضمان تحكمها في السوق السواء واستمرار البيع بأسعار مرتفعة للحصول على أكبر قدر من الإيرادات التي تذهب لجيوبها ودعم مجهودها الحربي.
وتحدثت المصادر عن استمرار الرفض الحوثي وعدم السماح لبقية المحطات في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها ببيع المشتقات، رغم تقديم الكثير منهم مبالغ مالية ضخمة كرشاوى لقيادات حوثية.
وأرجعت أسباب ذلك الرفض إلى خشية الميليشيات من خلق منافسة في السوق ما يؤدي إلى انخفاض أسعار الوقود وتراجع المبالغ التي تجنيها الجماعة من وراء ذلك.
على صعيد متصل، أكد عاملون في شركة النفط الخاضعة لسيطرة الجماعة بصنعاء لـ«الشرق الأوسط»، استمرار الانقلابيين في افتعال أزمة الوقود في العاصمة صنعاء ومدن يمنية أخرى، وفرضهم حصاراً نفطياً متعمداً بهدف ضمان مواصلة حالة الاختناق وارتفاع الأسعار التي تدر على الجماعة وقادتها مليارات الريالات.
وكشف العاملون، الذين ضجوا من فساد ونهب الجماعة، عن استمرار احتجاز الانقلابيين منذ أسابيع لعشرات الصهاريج المحملة بالمواد النفطية على المدخل الشرقي لمدينة صنعاء.
وقالوا إن ذلك يندرج في سياق جرائم الحرب والتجويع وتضييق الخناق على ملايين المواطنين في صنعاء والمدن القريبة منها.
وسبق أن وجهت الميليشيات بفتح بعض المحطات بشكل مفاجئ، وبموجب توجيهات من الرئيس الصوري لمجلس حكم الانقلاب مهدي المشاط، في سياق ألاعيب الجماعة التي يعرف اليمنيون أنها الجهة الوحيدة المسؤولة عن إدارة وتغذية السوق السوداء بالمشتقات، وبشكل مباشر عبر عصابات يطلق عليهم في مناطق سيطرة الجماعة مسمى «هوامير النفط الحوثية».
وبخصوص إعادة الجماعة، وكيل طهران في اليمن، فتح بعض المحطات المملوكة لتجار موالين لها سلالياً، والسماح لها ببيع المشتقات في صنعاء بأسعار خيالية، أعرب مواطنون وملاك سيارات وشاحنات نقل عن غضبهم واستغرابهم من عودة ظهور الوقود وتوفره بشكل سريع في تلك المحطات، في وقت كانت ولا تزال فيه الميليشيات تصرخ وتدعي وجود أزمة حادة وخانقة للمشتقات في مناطق سيطرتها.
وفي صعيد استمرار ادعاءات الانقلابيين بانعدام المشتقات وتسخير ذلك للمزايدة إعلامياً وإنسانياً، تحدثت العاملون في شركة النفط الحوثية عن أن الجماعة لا تزال تجبر الموظفين بمختلف القطاعات الحكومية، سواء في صنعاء أو الحديدة أو بقية مناطق سيطرتها تحت قوة التهديد بالفصل، على تنظيم وقفات احتجاجية تنديداً بما تسميه منع دخول المشتقات إلى موانئ الحديدة.
وكشفوا لـ«الشرق الأوسط»، عن إجبار الجماعة منذ مطلع العام الحالي لموظفي أكثر من 30 مؤسسة وهيئة واقعة تحت سيطرتها على تنظيم أكثر من 53 فعالية ووقفة احتجاجية أمام مقرات منظمات أممية تحت مزاعم منع دخول المحروقات.
كانت مصادر يمنية وناشطون محليون فندوا قبل أيام تلك المزاعم الحوثية التي أطلقتها الجماعة عبر وقفات احتجاجية نظمت بإيعاز وتوجيهات من قادة الميليشيات، إذ أشاروا إلى أن ناقلات النفط يتم عادة إفراغ حمولتها إلى أحواش السوق السوداء التي تملكها قيادات حوثية بارزة، في حين يتحول من أجبرتهم الجماعة على الاحتجاج إلى مستهلكين لذلك الوقود من السوق السوداء.
وأكد الناشطون أن فرع شركة النفط في الحديدة أصبح تحت سيطرة وإدارة «هوامير السوق السوداء الحوثية»، ولم يعد يحرك ساكناً عما يحدث من استغلال للبسطاء والمتاجرة باحتياجاتهم.
ووفق هؤلاء الناشطين، فإن شحنات الوقود تخرج من ميناء الحديدة مباشرة إلى أحواش تجار السوق السوداء الحوثيين، التي يوجد بها خزانات كبيرة، ومن ثم يتم ضخ الوقود منها إلى السوق لبيعها بأسعار باهظة.
ويقول الناشط والصحافي اليمني بسيم الجناني، «إن الميليشيات أرغمت موظفي القطاعات الحكومية على الخروج بوقفات تندد بمنع من دخول المشتقات، وعندما تدخل الناقلات لا تذهب للمواطن، بل للهوامير من مشرفي وقيادات الجماعة في أحواش مجهزة على مرأى ومسمع شركة النفط الحوثية التي تديرها مافيا السوق السوداء».
ونشر الجناني على صفحته على «فيسبوك» صوراً عدة توضح تكاثر أعداد خزانات هوامير السوق السوداء التي يديرها قادة الميليشيات في الحديدة وكل مناطق سيطرتها.
وتتهم تقارير محلية وحكومية الجماعة بأنها تواصل تحويل مشتقات النفط إلى سلعة للمزايدة بها من خلال مخاطبة المجتمع الدولي بوجود من يمنع وصولها لمناطق سيطرتها، في وقت تكشف أرقام وإحصائيات حكومية عن أن كميات الوقود التي تصل إلى الحديدة للجماعة تفوق الكمية التي تتدفق إلى المناطق المحررة من قبضة الميليشيات.


مقالات ذات صلة

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

المشرق العربي طالبات جامعة صنعاء في مواجهة قيود حوثية جديدة (غيتي)

قيود حوثية جديدة تستهدف طالبات كُبرى الجامعات اليمنية

بدأت الجماعة الحوثية إجراءات جديدة لتقييد الحريات الشخصية للطالبات الجامعيات والتضييق عليهن، بالتزامن مع دعوات حقوقية لحماية اليمنيات من العنف.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ونائبه خلال استقبال المبعوث الأميركي والسفير فاجن... الاثنين (سبأ)

جهود إقليمية ودولية لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن برعاية أممية

شهدت العاصمة السعودية، الرياض، في اليومين الماضيين، حراكاً دبلوماسياً نشطاً بشأن الملف اليمني، ركَّز على الجهود الإقليمية والدولية لخفض التصعيد.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

تتزايد أعداد القتلى من قيادات الجماعة الحوثية الذين يجري تشييعهم دون الإشارة إلى أماكن سقوطهم، بالتوازي مع مقتل مشرفين حوثيين على أيدي السكان.

وضاح الجليل (عدن)
أوروبا مدنيون يرتدون زياً عسكرياً يشاركون في تدريب عسكري من قبل جنود أوكرانيين في كييف (أ.ف.ب)

تقرير: بمساعدة الحوثيين... روسيا تجند يمنيين للقتال في أوكرانيا

أفاد تقرير صحافي أن روسيا تقوم بتجنيد رجال من اليمن لإرسالهم إلى الجبهة في أوكرانيا بمساعدة من الحوثيين في اليمن.

«الشرق الأوسط» (لندن )
العالم العربي مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

فرضت الجماعة الحوثية إتاوات جديدة على الكسارات وناقلات حصى الخرسانة المسلحة، وأقدمت على ابتزاز ملاكها، واتخاذ إجراءات تعسفية؛ ما تَسَبَّب بالإضرار بقطاع البناء.

«الشرق الأوسط» (صنعاء)

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
TT

مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي

وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)
وزير الخارجية المصري يلتقي ولي العهد الكويتي الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح (الخارجية المصرية)

أكدت مصر خلال زيارة وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للكويت، على دعم القاهرة الكامل للأمن الخليجي بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وسط لقاءات ومباحثات تناولت مجالات التعاون، لا سيما الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة.

تلك الزيارة، بحسب خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، تأتي تأكيداً على مساعي مصر والكويت لتعميق التعاون وزيادة التنسيق الإقليمي بوتيرة أكبر ونشاط أوسع، خصوصاً في ضوء علاقات البلدين التاريخية، وكذلك حجم الاستثمارات بين البلدين الكبيرة، مشددين على أهمية التنسيق بين بلدين مهمين في المنطقة.

واستهل عبد العاطي زيارته إلى الكويت بلقاء ولي العهد الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصباح، الأحد، مؤكداً «عمق العلاقات التاريخية والروابط الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، وتوافر الإرادة السياسية لدى قيادتي البلدين من أجل تطوير العلاقات لآفاق أرحب»، مبدياً «الحرص على تعزيز التعاون والتنسيق مع دولة الكويت وزيادة وتيرته»، وفق بيان صحافي لـ«الخارجية المصرية».

وأبدى الوزير المصري «تطلُّع مصر لتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين البلدين، أخذاً في الحسبان ما اتخذته الحكومة المصرية من خطوات طموحة لجذب الاستثمارات، وتنفيذ خطة الإصلاح الاقتصادي»، مشدداً على «دعم مصر الكامل للأمن الخليجي، بوصفه جزءاً لا يتجزأ من الأمن القومي المصري».

وفي مايو (أيار) الماضي، قال سفير الكويت بالقاهرة، غانم صقر الغانم، في مقابلة مع «القاهرة الإخبارية» إن الاستثمارات الكويتية في مصر متشعبة بعدة مجالات، وتبلغ أكثر من 15 مليار دولار، بينها 10 مليارات دولار للقطاع الخاص.

كما اجتمع عبد العاطي مع الشيخ فهد يوسف سعود الصباح، رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي، مؤكداً «الحرص على الارتقاء بعلاقات التعاون إلى آفاق أرحب، بما يحقق طموحات ومصالح الشعبين الشقيقين»، وفق بيان ثانٍ لـ«الخارجية المصرية».

وزير الخارجية المصري يجتمع مع رئيس الوزراء بالإنابة ووزير الداخلية ووزير الدفاع الكويتي الشيخ فهد يوسف سعود الصباح (الخارجية المصرية)

فرص استثمارية

عرض الوزير المصري «الفرص الاستثمارية العديدة التي تذخر بها مصر في شتى القطاعات، والتي يمكن للشركات الكويتية الاستفادة منها، فضلاً عن الاتفاق على تبادل الوفود الاقتصادية، وتشجيع زيادة الاستثمارات الكويتية في مصر»، مبدياً «ترحيب مصر ببحث مجالات التعاون الأمني والعسكري لمواجهة التحديات الأمنية المختلفة».

كما بحث الوزير المصري في لقاء مع وزيرة المالية ووزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار، نوره الفصام، الفرص الاستثمارية المتاحة في مصر بشتى القطاعات، وسط تأكيد على حرص الجانب المصري على تعزيز الاستثمارات الكويتية في مصر وإمكانية تعزيز نشاط الشركات المصرية لدعم عملية التنمية في الكويت.

ووفق خبير شؤون الخليج في «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» بالقاهرة، الدكتور محمد عز العرب، فإن الزيارة تحمل أبعاداً عديدة، أبرزها الحرص المصري على تطوير العلاقات المصرية العربية، ومنها العلاقات مع الكويت لأسباب ترتبط بالتوافقات المشتركة بين البلدين والتعاون ليس على المستوى السياسي فحسب، بل على المستوى الأمني أيضاً.

التنسيق المشترك

البعد الثاني في الزيارة مرتبط بالاستثمارات الكويتية التي تستحوذ على مكانة متميزة وسط استثمارات خليجية في مصر، وفق عز العرب، الذي لفت إلى أن الزيارة تحمل بعداً ثالثاً هاماً مرتبطاً بالتنسيق المشترك في القضايا الإقليمية والدولية خاصة وهناك إدراك مشترك على أولوية خفض التصعيد والتعاون الثنائي بوصفه صمام أمان للمنطقة.

تحديات المنطقة

يرى الكاتب والمحلل السياسي الكويتي، طارق بروسلي، أن زيارة عبد العاطي «خطوة مهمة في إطار العلاقات التاريخية الوطيدة بين البلدين، وتعكس عمق التفاهم والاحترام المتبادل بين قيادتي البلدين والشعبين الشقيقين».

وتحمل الزيارة قدراً كبيراً من الأهمية، وفق المحلل السياسي الكويتي ورئيس «المنتدى الخليجي للأمن والسلام» فهد الشليمي، خصوصاً وهي تأتي قبيل أيام من القمة الخليجية بالكويت، مطلع الشهر المقبل، وما سيتلوها من ترأس الكويت مجلس التعاون الخليجي على مدار عام، فضلاً عن تحديات كبيرة تشهدها المنطقة، لا سيما في قطاع غزة وحربها المستمرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأفادت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية، الأحد، بأن أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح تلقى رسالة شفهية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تتعلق بالعلاقات الأخوية المتميزة بين البلدين والشعبين الشقيقين وآخر المستجدات الإقليمية والدولية، خلال استقبال ولي العهد لوزير الخارجية المصري.

كما نوهت بأن عبد العاطي التقى رئيس الوزراء بالإنابة، و«جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون بين البلدين إضافة إلى بحث آخر المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية».

تطوير العمل الدبلوماسي

وتهدف الزيارة، وفق بروسلي، إلى «تعميق التعاون في عدة مجالات والتنسيق المشترك في المواقف على الصعيدين الإقليمي والدولي، لا سيما في قضايا فلسطين وسوريا ولبنان واليمن»، مرجحاً أن تسهم المباحثات المصرية الكويتية في «زيادة فرص التعاون الاقتصادي والتجاري وتعزيز الاستثمارات وزيادة التنسيق الأمني ومواجهة التحديات الأمنية المشتركة».

ويعتقد بروسلي أن الزيارة «ستكون فرصة لبحث تطوير العمل الدبلوماسي، ودعم البرامج التعليمية المتبادلة بين البلدين والخروج بمذكرات تفاهم تكون سبباً في تحقيق التكامل الإقليمي، وتعزيز التعاون في ظل التحديات المشتركة بالمنطقة».

بينما يؤكد الشليمي أن الزيارة لها أهمية أيضاً على مستوى التعاون الاقتصادي والتجاري، خصوصاً على مستوى تعزيز الاستثمارات، إضافة إلى أهمية التنسيق بين وقت وآخر بين البلدين، في ظل حجم المصالح المشتركة الكبيرة التي تستدعي التعاون المستمر.