«أرض لدنة»... معمار مستمَدّ من البيئة بهوية إماراتية

في بينالي العمارة الدولي بفينيسيا

معرض «أرض لدنة» بجناح دولة الإمارات في «بينالي فينيسيا للعمارة»
معرض «أرض لدنة» بجناح دولة الإمارات في «بينالي فينيسيا للعمارة»
TT

«أرض لدنة»... معمار مستمَدّ من البيئة بهوية إماراتية

معرض «أرض لدنة» بجناح دولة الإمارات في «بينالي فينيسيا للعمارة»
معرض «أرض لدنة» بجناح دولة الإمارات في «بينالي فينيسيا للعمارة»

تحت شعار «كيف يمكننا العيش معاً في المستقبل؟» ينطلق يوم 22 من الشهر الحالي بينالي العمارة الدولي بفينيسيا. وحسب هاشم سركيس المنسق العام للبينالي، رسالة المعرض تنبع من وضع عالمي «وضع المعمار أمام تحديات جديدة. أتطلع للعمل مع المعماريين المشاركين من جميع أنحاء العالم لنتخيل معاً كيف يمكننا التصدي لهذه التحديات».
من جهته يقدم جناح الإمارات العربية المتحدة في البينالي تصوراً وإجابة لرسالة سركيس تتمثل في معرض بعنوان «أرض لدنة» وهو من تنسيق وائل الأعور وكينيتشي تيراموتو.
كيف سيتعامل المعرض مع التيمة العامة للبينالي؟ سؤال أطرحه على وائل الأعور خلال حديث شيق حول العمارة الحديثة والتحديات البيئية التي يواجهها كوكب الأرض. يقول المنسق: «في إجابتنا عن تساؤل هاشم سركيس: كيف يمكننا العيش معاً في المستقبل؟ نحاول تحديد هويتنا. نرى أن ضمير المتكلم في (نحن) يرجع لنا كبشر نعيش على نفس الكوكب». يشرح أن البيئة لم تكن على قائمة أولويات معماريي القرن العشرين ويقول إن أفكار مثل الاحترار المناخي والاستدامة هي مفاهيم حديثة: «مؤخراً أصبح هناك كثير من التركيز في مجتمع المعماريين على مفهوم الاستدامة في العمارة وتأثير ممارساتها على البيئة ودورها في الاحتباس الحراري، ففكرة التصميم المعماري المستدام في القرن الـ20 كانت مهمَلة أو مغفَلة».
يتحدث عن الضرر الذي يُحدثه الإسمنت بتركيبته الحديثة وتحديداً (الإسمنت البورتلاندي) ودوره في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون ويقول: «أردنا أن نسلّط الضوء على مادة الإسمنت، وهي المادة الثانية في الاستهلاك على الأرض بعد الماء، وهي مسؤولة عن 8% من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. نستطيع فهم الأمر كالتالي: إنتاج طن من الإسمنت مسؤول عن انبعاث 1 طن من الغاز». ويرى أن المسؤولية تقع على عاتق المعماريين في المقام الأول: «علينا أن نعرف ما الذي نبنيه بالتحديد وكيف يؤثر على المناخ، أعتقد أن المصممين المعماريين لم يتحملوا كامل مسؤوليتهم في القرن الماضي وبصفة شخصية أرى أننا لا نستطيع تجاهل هذه المشكلة. عدد سكان العالم 7.9 مليار ويُتوقع أن يصل العدد بحلول عام 2050 إلى 9.9 مليار، فكيف سنستطيع استيعاب هذا العدد، من ناحية المباني، باستخدام نفس المواد التي تسببت في كثير من الضرر للبيئة؟ فنحن (شعوب العالم) نستهلك ما يقارب 30 تريليون طن من الإسمنت في العام، ومن المتوقع أن يصل الرقم إلى 60 تريليون طن من الإسمنت بحلول 2050، لا أعتقد أن الأمر ممكن، لن يكون لدينا كوكب إذا ما استمر الحال على ما هو عليه».
ويضرب المثل بمجتمعات أخرى تستخدم بدائل للإسمنت الحديث مثل واحة سيوة بمصر وشط الجريد بتونس. ويوضح: «هي أساليب بناء تقليدية بمواد مستخرَجة من مسطحات الملح وتعد بدائل دارجة للإسمنت. المباني في هذه المجتمعات موجودة منذ مئات السنين ولا تزال في مكانها».
في أثناء إجراء الأبحاث للوصول إلى مادة بديلة للإسمنت البورتلاندي حرص القيمان على الجناح على الاستفادة من الموارد وطبيعة البيئة في منطقة الخليج، ووجدا الحل في سبخات (مسطحات الملح) منطقة الرويس بالإمارات والتي تم ترشيحها للانضمام إلى قائمة المواقع التراثية الدولية التابعة لمنظّمة اليونيسكو نظراً إلى مساحاتها وأهميتها الثقافية وكونها نظاماً بيئياً مهماً.
يستطرد الأعور في حديثه: «الخطوة التالية كانت النظر المتعمق والبحث في التفاصيل الكيمائية للسبخات والتي يمكن اعتبارها بمثابة رئة للمنطقة. وبدأنا في التفكير في الوصول لنفس المادة الموجودة في السبخات والتي استُخدمت قديماً في البناء من دون المساس بالسبخات نظراً لأهميتها».
نجح الفريق في تطوير مادة مستدامة بديلة للإسمنت من أكسيد المغنسيوم مصنوعة من المحلول الملحي عالي التشبع المتخلف عن عملية تحلية المياه الصناعية. وتتمتع هذه المادة المبتكرة بخصائص عديدة من القوّة والمتانة، بما يجعلها خياراً مثالياً للاستخدام في التصاميم المعمارية العصرية وبنفس أشكال وأحجام قوالب الطوب القياسية.
بالنسبة إلى الأعور فالمادة الجديدة والتي يمكن استخدامها في البناء بدلاً من الإسمنت البورتلاندي تتميز بأنها مادة لها خصوصية محلية: «الحل يتناسب مع البيئة المحيطة، فكل بلد له مواده الطبيعية فعلى سبيل المثال في لبنان يُستخدم الحجر في البناء بسبب توفره في الطبيعة، وفي الصين يُستخدم البامبو المتوافر هناك». يرى أن مشكلة البناء الحديث هي توحيد أساليب ومواد البناء: «المعماري القديم كان يعرف ما المواد المتوافرة والتي يستطيع البناء بها، لم يكن منفصلاً عن البيئة المحيطة به. مشكلة المعمار الحديث هي أن مواد البناء موحدة مثل الإسمنت والصلب، أعتقد أن المعمار فقد هويته الثقافية. وربما يعود ذلك للنمو السكاني وأن البناء التقليدي لم يعد يلبي الحاجة». ولكن رغم ذلك لا يرى أن العودة للأساليب المتّبعة قديماً حلاً عملياً: «أعتقد أن العودة للممارسات القديمة لن تسعفنا بسبب زيادة سكان العالم، لن تكون لدينا أشجار كافية للبناء بالأخشاب أو أحجار كافية للبناء بالحجر».
معرض «أرض لدنة» يقدم تصميماً مستلهماً من الممارسات الإنشائية التقليدية بدولة الإمارات والتي تمثّلت في المنازل المصنوعة من الأحجار البحرية والشعب المرجانية، فاستخدم القيمان قوالب (مصنوعة باستخدام المادة المطورة) مصبوبة يدوياً على أشكال الشعاب المرجانية الطبيعية. وحسب البيان الصحافي فالتصميم المعروض يهدف إلى «إعادة صياغة مفهوم الممارسات المعمارية الحديثة مع الاحتفاظ بالروح التراثية والعراقة المحلية المترسخة في هوية المنطقة وثقافتها عبر هذا التصميم الهيكلي المبتكر».
ويعرض الجناح نموذجاً أولياً ضخماً مصنوعاً من المادة المبتكرة والتي تم تطويرها من نفايات المحلول الملحي المُعاد تدويره. ويدخل في تكوين هذا الهيكل المبتكر ما يصل إلى 3000 وحدة مصنوعة من مادة بديلة للإسمنت مصنوعة من أكسيد المغنسيوم (MgO) المطوّرة تحت إشراف القيمين.
وداخل أروقة الجناح سيبرز النموذج الأولي مقابل صور فوتوغرافية قياس 4.5 متر (عرض) و3 أمتار (طول) تلتقط سحر جمال الطبيعة والمناظر الخلابة في سبخات منطقة الرويس، التي التقطتها عدسة الفنانة الإماراتية فرح القاسمي المقيمة بمدينة نيويورك. وبأسلوبها المتميّز، تجمع صور القاسمي الساحرة بين العلاقة المتوترة القائمة بين مشهد التطوّر الحضري والطبيعة في منطقة السبخة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».