السيارات تدخل عصر الملاحة الدقيقة

نظم مطورة ومدمجة لتسهيل القيادة على الطرقات

نظام الملاحة في سيارة «فورد برونكو 2021»
نظام الملاحة في سيارة «فورد برونكو 2021»
TT

السيارات تدخل عصر الملاحة الدقيقة

نظام الملاحة في سيارة «فورد برونكو 2021»
نظام الملاحة في سيارة «فورد برونكو 2021»

في المرّة المقبلة، عندما يأخذكم نظام الملاحة في سيارتكم إلى باب مطعم رائع يقدّم أشهى الأطباق، لا تنسوا أن تشكروا ما يُعرف بـ«نظام التموضع العالمي» الشهير بـ«جي بي إس». الذي طوره الجيش الأميركي، وهو عبارة عن شبكة من الأقمار الصناعية التي تتيح تحديد أي موقع على وجه الكوكب.

إرشادات التجول
ولكنّ تقنية الـ«جي بي إس». التي طوّرها الجيش الأميركي لم تكن أوّل خيارات السائقين للحصول على المساعدة والوصول إلى وجهتهم. ففي ثلاثينات القرن الماضي، برز جهاز «إيتر آفتو» الذي يقدّم إرشادات ملاحية. كان هذا الجهاز الذي يُثبّت على لوح مقصورة السيّارة الأمامي، يعتمد على تصفّح خرائط ورقية وسلك يصله بعدّاد السرعة بهدف تتبّع طريقٍ معيّن بشكلٍ تقريبي ما دام أن السائق يسير في الطريق الصحيح لأنّ الخروج عنه ولو للحظات كان يمكن أن يُذهب جهود الجهاز سدى.
تطوّرت تقنيات تحديد المواقع خلال السنوات الماضية ولو ببطء حتّى أصبحت تقنية الـ«جي بي إس». رفيقاً لا غنى عنه أثناء القيادة وباتت الهواتف تعتمد على إشاراته الصادرة عن الأقمار الصناعية في خدمات متعدّدة أبرزها «الملاحة» بمفهومها البري أيضا.
ولكنّ استخدام الهاتف للملاحة أثناء القيادة لا يخلو من الجوانب السلبية ولا سيّما إذا كان لا يتوافق مع نظام المعلومات والترفيه الخاص بسيّارة المستخدم أو إذا كان تثبيت الهاتف صعباً، فضلاً عن أنّ اعتماد الهواتف الذكية على الإرسال الخلوي للحصول على بيانات الخرائط قد يصطدم بتعثّر التغطية في مناطق كالجبال يكون الإرسال فيها ضعيفاً. ولكنّ الهواتف الذكية سهلة الاستخدام والجميع تقريباً يحملها اليوم.

أجهزة حديثة
وتعمل كلّ من غوغل وآبل على تحديث خرائطهما بشكل أوتوماتيكي كلّ ما استدعت الحاجة حتّى أنّ العربات الحديثة باتت تتيح لتطبيقات «كار بلاي» من آبل Apple CarPlay و«آندرويد أوتو» Android Auto العمل على الشاشة المثبّتة في لوح السيّارة الأمامي.
وتعتبر أجهزة الملاحة الحديثة التي يتمّ تثبيتها فوق أو على لوح مقصورة العربة الأمامي خطوة متقدّمة عن الهواتف الذكية وجهاز «إيتر آفتو». على سبيل المثال، يمكن للمستهلك طلب نظام «غارمين درايف سمارت 61 إل إم تي - إس». Garmin DriveSmart 61 LMT - S للملاحة مع شاشة بمقاس 6.95 بوصة للحصول على رؤية أفضل. ويقدم غارمين للمستهلكين توجيهات صوتية مفصّلة ومنظّمة ويستخدم أسماء الشوارع والمعالم بالإضافة إلى النقاط المهمّة والمستشفيات ويصدر تحذيرات من الازدحام المروري ويعرض على شاشته حدود السرعات المسموح بها والتحذيرات الضرورية لسلامة السائق. وتتوفّر في الأسواق نماذج أخرى دقيقة أبرزها «توم توم» و«ماجيلّان» مع مجموعة كاملة من الخصائص المتطوّرة.
تأتي أنظمة الملاحة العصرية محمّلة بخرائط المواقع وتشهد تحديثات لاسلكية عند الحاجة. إذا كنتم تبحثون عن أحدها، يمكنكم العثور عليها في «لائحة أفضل أنظمة الملاحة» عبر شبكة الإنترنت.

أنظمة مدمجة
والآن حان دور أنظمة الملاحة المدمجة صناعياً في السيّارات والتي تتفوّق على الهواتف الذكية والأجهزة التي تُثبت على لوح مقصورة السيّارة الأمامي.
تقدّم هذه الأنظمة التي يتمّ تركيبها أثناء مرحلة الصناعة، لمستخدمها دقّة أفضل ومزايا أكثر واندماجا أكبر. وتأتي عادة مع شاشات أعلى جودة، فضلاً عن أنّها لا تشكّل عامل جذبٍ للسارقين كما هو في الأجهزة الظاهرة التي يتمّ تركيبها على لوح مقصورة السيّارة الأمامي.
تحتوي هذه الأنظمة المدمجة أيضاً على رقائق أقوى من النماذج المنفصلة وتضمّ هوائيات متينة موضوعة في أماكن أفضل.
يُعدّ نظام الملاحة المستخدم في سيّارة «كاديلاك إسكالاد 2021» Cadillac Escalade أحد أفضل الأمثلة على التطوّر الذي بلغته هذه التقنية. فإذا اخترتم مثلاً توجيهات صوتية في لائحة خيارات النظام، يعمل الصوت وفقاً للمهمّة المطلوبة. وعند الاقتراب من منعطف إلى جهة اليمين، يأتي الصوت من الجهة اليمنى في المركبة ومع اقترابكم من تقاطع طرق، يرتفع صوت التّوجيه أكثر. وإذا كنتم تكرهون الصوت المحيط الصادر عن 36 مكبّر صوت يضمّها النظام، فيمكنكم إسكاته والاعتماد بدلاً منه على الشاشة العريضة (16.9 بوصة) العالية الدقّة المتوفّرة في نظام المعلومات والترفيه.
ويضمّ نظام الملاحة أيضاً شاشة إضافية لعرض توجيهات الطرقات مثبّتة على زجاج السيّارة الأمامي، ويزوّدكم بخريطة عالية الدقّة ويعرض لكم صوراً للافتات المرورية في التقاطعات الأساسية. كما يتيح لكم اختيار تقنية الواقع المعزّز المتوفّرة للحصول على صورة مع خريطة مفصّلة للطريق الذي ستسلكونه.
عند اختيار الوجهة، وعند الوصول، يزوّدكم النظام بصورٍ لتعرفوا ما الذي تبحثون عنه، فضلاً عن أنّه قد يطلعكم على تفاصيل المنطقة المحيطة.
يستعين النظام بهذه الصور من برنامج «غوغل ستريت فيو» الذي يضمّ ملايين الصور البانورامية الصادرة عن أعمال الشركة نفسها ومساهمات الأشخاص العاديين بواسطة كاميراتهم. تعتمد معظم أنظمة الملاحة المدمجة في السيّارات على خدمات غوغل الخاصة بالخرائط والتصوير ومنها نظام الملاحة الخاص بشركة تيسلا الذي يزوّد مستخدمه بصور جويّة مصدرها برنامج «غوغل إيرث» عبر شاشته (17 بوصة).
تقدّم العلامات التجارية الكبرى في عالم صناعة السيّارات كتيسلا ومرسيدس بنز وكاديلاك أنظمة ملاحة غنية بالخصائص ولكن هذا لا يعني أنّكم يجب أن تنفقوا مئات آلاف الدولارات للحصول على إرشادات جي بي إس.

تنوع الخيارات
في سياق متصل، كشفت أحدث تقارير جمعية «كونسيومر ريبوتس» أنّ نظام الملاحة «يو كونبكت» Uconnect من كرايسلر يحظى بإعجاب كبير من السائقين ومالكي السيّارات.
على سبيل المثال، ففي سيّارة «جيب شيروكي»، يمكن للسائق أن يشغّل نظام «يو كونبكت» بسهولة من خلال النطق بالعنوان المستهدف. يستخدم هذا النظام أجهزة استشعار لمساعدة الـ«جي بي إس». في أماكن معيّنة كالأنفاق ومرائب ركن السيّارات قد يخسر فيها اتصاله بالأقمار الصناعية. وأيضاً، تقدّم سيّارة «فورد بونكو 2021» المصممة لاستكشاف ما هو أبعد من نهاية الطريق، نظام «سينك 4» SYNC 4 للملاحة على شاشة بمقاس 12 بوصة في الموديلات التي يبدأ سعرها من 40 ألف دولار. يساعد هذا النظام الملاحي المدعوم بتقنية «جي بي إس». السائقين في العثور على أصعب الطرقات وأكثرها تعقيداً ويقدّم مشاهد مصوّرة بواسطة الكاميرا للأشخاص الذين يرغبون بالتجوّل في الطرقات الجبلية الوعرة.

تاريخ حافل
وصلت أنظمة الملاحة المدمجة في السيّارات إلى مرحلة من التقدّم المبهر في السنوات الأخيرة، ولكنّ النماذج الأولى منها كانت متواضعة جداً. ففي عام 1981 طوّرت شركات هوندا و«ستانلي إلكتريك» و«ألبين» نظام «جيرو - كاتور» الذي يستخدم جيروسكوبا (أداة لتحديد الاتجاهات) لرسم خرائط جامدة وشفّافة لتقديم رسمٍ للطريق على شاشة مضيئة. بيع هذا النظام في اليابان فقط وزاد على سعر السيّارة التي دخل في تصميمها مبلغ 1750 دولارا مقدّماً أداءً لا بأس به. وأثبت هذا النظام أنّ توفّر نقطة البداية والسرعة والوجهة يتيح احتساب المسافة حتّى الموقع المطلوب وهذا ما دفع المهندسين إلى تسميته بنظام تقدير الموضع.
وتبع هذا النظام أنظمة أخرى لتقدير الموضع اعتمد بعضها على الخرائط الرقمية المحفوظة على أشرطة أو غيرها من الوسائط إلّا أن هذا النوع من الأنظمة يفتقر إلى الدقّة وينطوي على احتمالات إخفاق كبيرة.
بعدها برز وتطوّر نظاما الـ«جي بي إس». والملاحة وظهر أوّل نظام مدمج بينهما في شركة مصنّعة للسيارات عام 1990 في سيّارة «مازدا أونوس كوزمو» التي توفّرت في اليابان، ثمّ تبعتها شركة جنرال موتورز عام 1992 بنظام أدخلته إلى السيّارات المصممة للإيجار فقط.
وفي 1995، أصبح نظام الجي بي إس الملاحي خياراً يمكن إضافته على سيّارات «أولدس موبايل 88». كان هذا النظام يعتمد على خرائط محفوظة على خراطيش وتمّ بيعه للمرّة الأولى مزوّداً بخرائط للاس فيغاس وكاليفورنيا فقط، وبعدها تمّت إضافة خراطيش أخرى.
عمد صانعو السيّارات إلى إضافة أنظمة الـ«جي بي إس». الملاحية إلى الموديلات الفاخرة تدريجياً ولكنّ وكالات صناعة قطع وإكسسوارات السيّارات تمكّنت من الاستحواذ على الفكرة. قدّمت شركة «ألبين» نظاماً يستخدم قرصاً مدمجاً مخزّناً للخرائط عام 1997 ومن ثمّ لحقت بها شركة «غارمين» عام 1998.
تعود جذور تقنية الـ«جي بي إس». إلى عام 1842 عندما قدّم عالم الفيزياء النمساوي كريستيان أندرياس دوبلر وصفاً لتأثير الحركة على تردّدات الموجات الصوتية. يظهر هذا المبدأ الذي يعرف بتأثير دوبلر بوضوح في صافرة القطار المقبل: عندما يقترب القطار من النّاس، يصل عدد أكبر من الموجات الصوتية إلى أذنهم فيزيد الاهتزاز، ومع ابتعاده، يتراجع الاهتزاز.
وفي أواخر الخمسينات، أي أيّام القمر الروسي سبوتنيك الحماسية، أثبت العلماء أنّه يمكن تعقّب قمرٍ صناعي يدور حول الأرض من خلال بثّ إرسال موجات صغرى باتجاهه ومراقبة تأثير حركتها على تردّد الإرسال في طريق عودته.
في أواسط الستينات، احتاجت البحرية الأميركية إلى تعقّب الغواصات التي تحمل أسلحة نووية، فاستخدم علماؤها ستّة أقمار صناعية تدور حول الأرض ووجدوا أنّهم يستطيعون مراقبة التغيّرات وفقاً لتأثير دوبلر عند بثّ الغواصات لموجات لاسلكية باتجاه الأقمار الصناعية، ما سمح لهم بتحديد مواقع الغواصات حسابياً.
طوّرت وزارة الدفاع هذه الفكرة في أوائل السبعينات عندما بدأت بتصميم نظام ملاحة دقيق يعتمد على الأقمار الصناعية. أطلق أوّل نظام ملاحي مدعوم بقمر صناعي يحدّد التوقيت والنطاق يحمل اسم «نافستار» عام 1978، بينما دخلت أوّل مجموعة كاملة مؤلّفة من 24 قمرا صناعيا من نوع «نافستار» حيّز التشغيل عام 1993.
في الماضي، تتبّعت تقنية الـ«جي بي إس». الغواصات وها هي اليوم تتحوّل إلى أنظمة أقوى بكثير تقدّم المساعدة للأفراد للعثور على أفضل المطاعم.
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

تباطؤ الإنتاج يوقف مسيرة أرباح «تويوتا» القياسية

الاقتصاد مشاة يمرون أمام مقر شركة «تويوتا» لصناعة السيارات في العاصمة اليابانية طوكيو (أ.ف.ب)

تباطؤ الإنتاج يوقف مسيرة أرباح «تويوتا» القياسية

أعلنت «تويوتا موتور» يوم الأربعاء، عن أول انخفاض في أرباحها ربع السنوية في عامين.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
الاقتصاد سيارات صينية معدة للتصدير في ميناء «يانتاي» شرق البلاد (أ.ف.ب)

ترطيب لأزمة الرسوم الكندية - الصينية عقب الإعلان عن «إعفاء مؤقت»

هبطت العقود الآجلة لدقيق الكانولا في الصين، الاثنين، على أمل أن تخفّف بكين تحقيق مكافحة الإغراق.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد زوار في «معرض باريس الدولي للسيارات» يشاهدون سيارة «أيتو 7» الصينية الكهربائية داخل إحدى القاعات (أ.ف.ب)

الصين تدعو إلى محادثات مباشرة مع أوروبا بشأن رسوم السيارات

دعت الصين الاتحاد الأوروبي إلى إرسال فريق فني لمواصلة المرحلة التالية من المفاوضات «وجهاً لوجه» بشأن السيارات الكهربائية.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الاقتصاد منظر جوي لمحطة حاويات في ميناء هامبورغ (رويترز)

أميركا لا تزال أكبر سوق تصدير للاقتصاد الألماني

لا تزال الولايات المتحدة الأميركية أكبر سوق لتصدير المنتجات الألمانية، وفق بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي الألماني.

«الشرق الأوسط» (برلين)
عالم الاعمال «لينكون نوتيلوس» الجديدة كلياً تجمع بين الفخامة والأداء المتطور

«لينكون نوتيلوس» الجديدة كلياً تجمع بين الفخامة والأداء المتطور

يبرز التصميم الخارجي المميز فخامة «نوتيلوس» الجديدة كلياً بينما يعزّز التصميم الداخلي الحديث المساحات ويمنح السائق والركاب إحساساً بالهدوء.


كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
TT

كيف ستؤثر الانتخابات الرئاسية الأميركية على مستقبل التكنولوجيا؟

ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)
ستحدد انتخابات 2024 كيفية تطوير التكنولوجيا وحماية خصوصية المستخدمين ومستوى التدخل الحكومي في ذلك القطاع (أدوبي)

بينما يبدأ الناخبون الأميركيون الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية لعام 2024، تولي صناعة التكنولوجيا في أميركا اهتماماً كبيراً للنتائج المحتملة التي ستكون لها تأثيرات كبيرة على الذكاء الاصطناعي، وخصوصية البيانات، وتنظيمات مكافحة الاحتكار، والابتكار التقني بشكل عام. هذه القضايا أصبحت أكثر إلحاحاً مع استمرار نمو الاقتصاد الرقمي، ما يجعل من الضروري تقييم كيفية تأثير سياسات كل مرشح على مستقبل التكنولوجيا.

الذكاء الاصطناعي بين الابتكار والسلامة

يعدّ الذكاء الاصطناعي أحد القضايا التقنية الأكثر أهمية في هذه الانتخابات، حيث تتسارع وتيرة تطوير وتطبيق تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وكذلك النقاشات حول تنظيمها، والمعايير الأخلاقية، والتنافسية العالمية.

وقد أعربت المرشحة عن الحزب الديمقراطي كامالا هاريس عن التزام قوي بتطوير الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، مركزةً على أهمية الالتزام بمعايير أخلاقية لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. وقد أطلقت إدارة بايدن - هاريس تنظيمات جديدة للذكاء الاصطناعي في عام 2023، تهدف إلى معالجة قضايا مثل الشفافية الخوارزمية، والتحيزات المحتملة، ومعايير الأمان. وتهدف هذه التدابير إلى حماية المستهلكين ومنع الاستخدامات الضارة للذكاء الاصطناعي، ولكن بعض خبراء الصناعة يخشون أن تعيق هذه التدابير الابتكار. وترى هاريس أنه من دون الضوابط المناسبة، يمكن أن يؤدي الذكاء الاصطناعي إلى تفاقم عدم المساواة القائمة، وعواقب غير مقصودة، ما يعكس نهجاً حذراً لتكامل الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول مع مراعاة المخاوف الأخلاقية.

من المتوقع أن يمنح المرشح الجمهوري دونالد ترمب شركات التكنولوجيا الكبرى حرية أكبر بالأسواق الأميركية (أدوبي)

على النقيض من ذلك، يدعو مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترمب إلى اتباع نهج أكثر حرية فيما يتعلق بتنظيم الذكاء الاصطناعي. ترمب يرى أن التنظيم الزائد يمكن أن يعرقل بقاء الولايات المتحدة في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي، خاصة أمام دول مثل الصين التي تستثمر بشكل كبير في هذه التكنولوجيا مع قيود تنظيمية أقل. ومن المتوقع أن يركز ترمب، بالتعاون مع قادة التكنولوجيا مثل إيلون ماسك مالك شركة «إكس» على تخفيف الضوابط حول تطوير الذكاء الاصطناعي لدفع الابتكار بوتيرة أسرع. وقد يساهم هذا النهج في تحقيق تقدم تكنولوجي أسرع، لكن البعض يخشى أن يؤدي ذلك إلى تأثيرات اجتماعية غير متوقعة ويخلق تحديات فيما يتعلق بالشفافية والمساءلة في استخدام الذكاء الاصطناعي.

الاختلاف بين هاريس وترمب حول الذكاء الاصطناعي يعكس النقاشات الأوسع حول تحقيق توازن بين الابتكار والتنظيم، حيث تركز هاريس على ضرورة ضمان الأمان والاعتبارات الأخلاقية، بينما يركز ترمب على الميزة التنافسية مع حواجز تنظيمية أقل أمام قطاع التكنولوجيا.

يرى مراقبون أن الانتخابات ستحدد مسار التكنولوجيا بين تنظيم حذر أو حرية أكبر (أدوبي)

خصوصية البيانات

بلا أدنى شك، أضحت خصوصية البيانات واحدة من أهم القضايا الملحة في مشهد التكنولوجيا، حيث ازداد الوعي بالطرق التي تتبعها الشركات لجمع وتخزين واستخدام البيانات الشخصية، ما يخلق طلباً متزايداً على قوانين شاملة لحماية خصوصية البيانات التي تضمن حقوق الأفراد وتدعم النمو الرقمي.

ولطالما كانت كامالا هاريس مناصرة قوية لحماية خصوصية البيانات، مستلهمةً من خلفيتها كمدعية عامة سابقة لولاية كاليفورنيا، حيث أشرفت على تنفيذ قانون خصوصية المستهلك في كاليفورنيا (CCPA) الذي يمكن لجميع سكان كاليفورنيا بموجبه ممارسة الحق في طلب جميع البيانات الخاصة بهم التي قامت الشركات بتخزينها. وتؤمن هاريس بأهمية وضع معايير فيدرالية لحماية البيانات، تدعم من خلالها تمكين الأفراد من السيطرة على بياناتهم، وتنظم كيفية جمع ومشاركة الشركات للمعلومات، وتعزز الشفافية. ويمكن أن توفر هذه التدابير ثقة أكبر للمستهلكين في الخدمات الرقمية، لكنها قد تفرض أيضاً أعباء امتثال إضافية على شركات التكنولوجيا، خاصة الشركات الصغيرة التي تملك موارد محدودة.

في مقابل ذلك، لم يحدد دونالد ترمب موقفاً واضحاً بشأن خصوصية البيانات. خلال فترة رئاسته السابقة، كانت إدارته تفضل تقليل الأعباء التنظيمية على الشركات، وامتد هذا النهج إلى تشريعات الخصوصية. ويركز ترمب بشكل عام على تعزيز النمو الاقتصادي، مشيراً إلى أن تقليل القوانين التنظيمية يسمح للشركات بالازدهار دون تدخل بيروقراطي. في حين أن هذا النهج قد يوفر مرونة لشركات التكنولوجيا، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يأتي على حساب حقوق خصوصية المستهلك وأمن البيانات.

وجهات النظر المتباينة بين المرشحَين حول خصوصية البيانات تؤكد على أهمية الانتخابات المقبلة في تحديد المستقبل الرقمي، حيث يمكن أن يؤدي موقف هاريس إلى مشهد أكثر تنظيماً يهدف إلى حماية بيانات المستهلك، بينما قد يركز نهج ترمب على مرونة الشركات، ما يترك حماية الخصوصية بشكل أكبر للشركات نفسها.

كامالا هاريس أظهرت دعمها تنظيم الذكاء الاصطناعي لضمان السلامة ومعالجة التحيزات الخوارزمية (أ.ف.ب)

تنظيمات مكافحة الاحتكار

دور الشركات التكنولوجية الكبيرة في الاقتصاد هو موضوع آخر مثير للجدل في انتخابات 2024. هيمنة شركات مثل «أبل» و«غوغل» و«ميتا» و«أمازون» أدت إلى دعوات من كلا الحزبين لتشديد الرقابة المتعلقة بمكافحة الاحتكار واتخاذ إجراءات تهدف إلى تعزيز المنافسة العادلة. ويدرك كلا المرشحين التحديات التي تطرحها هذه الشركات القوية، لكنهما يقترحان حلولاً مختلفة.

أبدت كامالا هاريس دعماً مستمراً لنهج إدارة جو بايدن الصارم تجاه تطبيق قوانين مكافحة الاحتكار. وقد قامت الإدارة بملاحقة عدد من القضايا البارزة ضد شركات التكنولوجيا الكبرى، بهدف كبح الممارسات الاحتكارية، وزيادة المنافسة، وخلق ظروف سوق أكثر عدالة. كما يشمل برنامج هاريس التزاماً بتفكيك الاحتكارات التكنولوجية إذا لزم الأمر، مع التركيز على الحالات التي تتحكم فيها الشركات التكنولوجية الكبرى بشكل مفرط في الأسواق أو تعرقل الابتكار. ويشير نهج هاريس إلى استعدادها لاستخدام السلطة الفيدرالية لمساءلة الشركات الكبرى ومنع الممارسات غير التنافسية، بهدف تحقيق توازن بين مصالح المستهلكين والشركات الصغيرة.

دونالد ترمب كان أيضاً ناقداً للتكنولوجيا الكبيرة، لكن نهجه في تنفيذ قوانين مكافحة الاحتكار كان أقل تنظيماً. بينما عبّر ترمب عن استيائه من شركات التكنولوجيا الكبيرة، غالباً ما كانت دوافعه مدفوعة بخلافات شخصية، ولم تتبع إدارة ترمب نهجاً ثابتاً تجاه تنظيم الاحتكار. إذا فاز ترمب في الانتخابات، فمن المتوقع أن تتبنى إدارته نهجاً أقل تنظيماً بشكل عام، مع التركيز على تقليل التدخل الحكومي في الاقتصاد. قد يوفر هذا مزيداً من الحرية للشركات التكنولوجية الكبرى، لكنه قد يثير المخاوف بشأن قوة السوق غير المقيدة وقلة المنافسة.

تحظى خصوصية البيانات بأهمية قصوى مع تزايد الوعي بحماية المستخدمين (أدوبي)

الاستثمار في الاقتصاد المستقبلي

يعتمد مستقبل قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة أيضاً على آراء كل مرشح حول تعزيز الابتكار. ويدرك كل من هاريس وترمب أهمية الاستثمار في التكنولوجيا من أجل النمو الاقتصادي، لكن لديهما رؤى مختلفة حول أفضل السبل لدعم الابتكار في عالم رقمي سريع التغير.

كامالا هاريس قدّمت نفسها كداعم لسياسات داعمة للتكنولوجيا، بما في ذلك المبادرات للاستثمار في وصول الإنترنت عريض النطاق، وصناعة أشباه الموصلات، والبنية التحتية الرقمية. ويعكس تركيزها على خلق بيئة تقنية تنافسية ومنظمة إيمانها بدور الحكومة في توجيه الابتكار المسؤول. وتدعو هاريس أيضاً إلى سياسات تشجع على تكوين قوة عمل تقنية متنوعة وشاملة، بهدف جعل الاقتصاد الرقمي متاحاً لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فإن التزامها بالإجراءات التنظيمية، خاصة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وخصوصية البيانات، دفع بعض قادة الصناعة إلى التساؤل عما إذا كانت سياساتها قد تؤدي إلى تباطؤ وتيرة التقدم التكنولوجي.

أما دونالد ترمب فيظهر دعماً لبيئة غير منظمة لتشجيع الابتكار، مع التركيز على الحوافز الاقتصادية وتقليل تدخل الحكومة. اختياره جيه دي فانس شريكاً مرشحاً له يدعم موقفه الذي يحظى بدعم شخصيات بارزة في وادي السيليكون الذين يفضلون الحد الأدنى من التنظيم، خاصة فيما يتعلق بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا واستثمارات رأس المال الجريء. ومن المتوقع أن تركز سياسات ترمب على تقليل الحواجز أمام شركات التكنولوجيا الناشئة وخلق بيئة صديقة للأعمال مع قيود تنظيمية أقل. في حين أن هذا النهج قد يحفز النمو الاقتصادي، فإن النقاد يرون أنه يمكن أن يؤدي إلى نقص الرقابة، ما قد يضرّ بالمستهلكين أو يؤدي إلى ممارسات تجارية غير أخلاقية.

ومن خلال التركيز على التنظيم والاعتبارات الأخلاقية أو على إلغاء التنظيم والنمو الاقتصادي، يعكس كل مرشح نهجه في الابتكار الفجوة الآيديولوجية الأوسع حول كيفية تطوير قطاع التكنولوجيا في الولايات المتحدة.

محورية لمستقبل التكنولوجيا

يقدم المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية للناخبين رؤيتين متمايزتين لمستقبل سياسة التكنولوجيا. يتمحور نهج كامالا هاريس حول التنظيم المسؤول، وحماية المستهلك، والمعايير الأخلاقية، بهدف خلق قطاع تكنولوجي يركز على العدالة والمساءلة. على النقيض من ذلك، يركز نهج دونالد ترمب على إلغاء التنظيم والابتكار السريع، مع أولوية للنمو الاقتصادي والتنافسية الوطنية.

وكما يبدو، يمثل كل مسار فوائده ومساوئه المحتملة، حيث يمكن أن يؤدي نهج هاريس إلى صناعة تقنية أكثر أماناً وعدالة، لكنه قد يبطئ بعض أشكال الابتكار، بينما قد تسهم سياسات ترمب في تسريع التقدم التقني والنمو الاقتصادي، لكنها قد تثير المخاوف بشأن الخصوصية واحتكار السوق والممارسات الأخلاقية.