«فيراري» و«آي بي إم» تُطلقان تجربة رقمية جديدة لعشاق «فورمولا 1»

تطبيق يعيد تعريف التفاعل الرقمي مع الجمهور

«فيراري» و«آي بي إم» تطلقان تطبيقاً جديداً يعزز تجربة مشجعي «فورمولا 1» من خلال الذكاء الاصطناعي (آي بي إم)
«فيراري» و«آي بي إم» تطلقان تطبيقاً جديداً يعزز تجربة مشجعي «فورمولا 1» من خلال الذكاء الاصطناعي (آي بي إم)
TT

«فيراري» و«آي بي إم» تُطلقان تجربة رقمية جديدة لعشاق «فورمولا 1»

«فيراري» و«آي بي إم» تطلقان تطبيقاً جديداً يعزز تجربة مشجعي «فورمولا 1» من خلال الذكاء الاصطناعي (آي بي إم)
«فيراري» و«آي بي إم» تطلقان تطبيقاً جديداً يعزز تجربة مشجعي «فورمولا 1» من خلال الذكاء الاصطناعي (آي بي إم)

تُعَدّ «فورمولا 1» عرضاً مذهلاً للسرعة والدقة والشغف العالمي. ومع وجود نحو 400 مليون مشجع حول العالم لم يعُد التحدي محصوراً فيما يحدث على مضمار السباق، بل أصبح يتمثل في كيفية تقريب هذا الحماس من الجماهير في كل مكان. في خطوة جريئة تهدف إلى إحداث ثورة في تفاعل الجمهور الرقمي، أطلقت «آي بي إم (IBM)»، بالتعاون مع «سكوديريا فيراري» (وهو فريق «فيراري» لسباقات «فورمولا 1») تطبيقاً متطوراً معاداً تصميمه بالكامل، يعد بأن يكون «الوجهة الرقمية الأولى» لعشاق «فيراري» حول العالم.

وقبل أيام فقط من انطلاق جائزة ميامي الكبرى المرتقبة، كشفت العلامتان الأسطورتان عن النسخة الجديدة من تطبيق «سكوديريا فيراري HP»المتاحة الآن باللغتين الإنجليزية و(لأول مرة) الإيطالية. وتمثل هذه الإعادة إطلاق علامة فارقة في شراكة متعددة السنوات بين «IBM» و «فيراري» تهدف إلى تسخير الذكاء الاصطناعي التوليدي وتحليلات البيانات المتقدمة لتقديم تجربة رقمية غير مسبوقة للمشجعين.

ستيفانو باللارد رئيس قسم التفاعل مع المشجعين في «فيراري» متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (فيراري)

من تصفّح سلبي إلى تفاعل يومي

لسنوات، قدّم تطبيق «فيراري» تجربة تحريرية بسيطة، لكنه لم يصل إلى مستوى التفاعل الحقيقي. يوضح ستيفانو باللارد، رئيس قسم التفاعل مع المشجعين في «فيراري»، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت، أن التحدي الذي يشاركه مع «IBM» يتمثل في تحويل هذا المنتج الجيد إلى منصة تفاعلية وغامرة؛ حيث لا يكتفي المشجعون باستهلاك المحتوى، بل يتفاعلون معه، ومع الفريق، ومع بعضهم. وقد أصبح هذا الطموح واقعاً نتيجة بناء التطبيق باستخدام منصة «واتسون إكس» (watsonx) التابعة لـ«IBM»، وهو يقدّم مجموعة من الميزات الجديدة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، مثل ملخصات السباقات خلال ساعات من انتهائها وتحليلات تاريخية للبيانات ورسوم بيانية بعد السباق واستطلاعات تفاعلية يومية، بالإضافة إلى إمكانية إرسال رسائل مباشرة إلى فريق «فيراري».

تخطط الشراكة لتطويرات مستقبلية تشمل عضويات رقمية وتجارب ثلاثية الأبعاد وتوسيع المحتوى ليشمل فئات جمهور أوسع (آي بي إم)

الذكاء الاصطناعي كراوٍ للقصص

الميزة الأكثر ثورية في التطبيق الجديد هي قدرته على توليد محتوى سردي عالي الجودة باستخدام الذكاء الاصطناعي. فمن خلال معالجة البيانات التليمترية وظروف الطقس ومعطيات السباق وتواصلات الفريق، يستطيع نموذج الذكاء الاصطناعي من «IBM» إنشاء ملخصات للسباقات بنبرة صوت تتماشى مع أسلوب «فيراري».

وأوضح فريد بيكر، رئيس قسم الرياضة والترفيه في «IBM» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا أن هذه هي المرة الأولى التي يمكن فيها للمشجعين الاستفادة من بيانات فريق «فيراري» الهندسية وبيانات السباق بطريقة سهلة ومثيرة. ويقوم الذكاء الاصطناعي أيضاً بتسليط الضوء على اللحظات التاريخية كتحقيق السائق لأفضل لفّة أو معادلة رقم قياسي سابق ومقارنتها بالسباقات الأسطورية من ماضي «فيراري». هذا الدمج بين الحاضر والماضي يمنح الجماهير تجربة متكاملة ومليئة بالعمق.

فريد بيكر رئيس قسم الرياضة والترفيه في «IBM» لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا متحدثاً لـ«الشرق الأوسط» (IBM)

التخصيص والشمولية

بعيداً عن عطلة نهاية الأسبوع الخاصة بالسباقات، يهدف التطبيق إلى الحفاظ على تفاعل الجمهور يومياً. فمع ميزة الاستطلاعات اليومية والمحتوى المتجدد باستمرار، يمكن للمشجعين التفاعل حتى في أيام الأسبوع العادية.

وينوَّه باللارد إلى السعي لإيجاد توازن بين شمولية الوصول وتميّز العلامة. ويقول إن الهدف هو إبقاء المشجعين متصلين بشكل يومي، وليس فقط خلال السباقات.

وقد تم تصميم التطبيق على بنية سحابية هجينة باستخدام تقنيات «IBM Cloud» و«AWS» لضمان الأمان والقدرة على التوسع. ويذكر بيكر أنه تم تصميم التطبيق ليتناسب مع مختلف الشخصيات، من المتابعين العرضيين إلى عشاق «فيراري» المتحمسين. أما جوناثان أداتشيك، نائب الرئيس الأول للتسويق والاتصالات في «IBM» فيصرح لـ«الشرق الأوسط» بأن هذا ليس مجرد حملة تسويقية، بل هو دراسة حالة حقيقية تُظهر كيف يمكن للبيانات والذكاء الاصطناعي خلق تجارب مخصصة وديناميكية ليس فقط في الرياضة، بل في أي قطاع.

توقيت إطلاق مدروس

جاء توقيت الإطلاق قبل سباق ميامي بشكل مقصود ومدروس. وعلّل باللارد سبب ذلك باعتبار ميامي أول سباق في أميركا هذا الموسم، ومنصة مثالية للتواصل مع جمهورنا الأميركي وإطلاق مشروع تكنولوجي بهذا الحجم. وبالنسبة لـ«IBM»، كانت الأولوية هي الوصول إلى الجمهور في أسرع وقت ممكن.

يستخدم التطبيق منصة «watsonx» لتوليد ملخصات سباقات فورية وتحليلات مرئية وبيانات مقارنة تاريخية (شاترستوك)

ما المستقبل؟

يمثل الإطلاق الحالي مجرد بداية. تخطط «فيراري» و«IBM» لإطلاق مزيد من الميزات خلال عام 2025. بما في ذلك مساعد ذكي يمكنه الإجابة عن الأسئلة بلغة طبيعية حول تاريخ «فيراري» ونتائجها وسائقيها. ويوضح باللارد لـ«الشرق الأوسط» أنه يتم التخطيط أيضاً لإطلاق عضوية رقمية قبل موسم 2026 وتجارب ثلاثية الأبعاد غامرة. يقول: «إنها مجرد بداية رحلة طويلة».

نحو ريادة في تحليلات الرياضة

وبينما يستهدف التطبيق جمهور «فيراري»، فإن آثاره تتعدى الـ«فورمولا 1»؛ إذ ترى «IBM» أن هذه التجربة تشكّل نموذجاً لما يمكن أن يكون عليه تفاعل المشجعين الرقمي في مختلف الرياضات. يقول أداتشيك إن «الناس يرون سباق الـ(فورمولا 1)، ونحن نرى بيانات. وهذه العقلية التي نتّبعها في مختلف القطاعات».

وتُعد مقاييس الأداء الرئيسية للتطبيق في الوقت الحالي هي معدلات التفاعل، خصوصاً عدد المستخدمين النشطين يومياً، حتى خارج فترات السباق. ويشير باللارد إلى أن هدفه الشخصي هو إبقاء المشجعين منخرطين يومياً، حتى عندما لا تكون هناك سباقات.

جوناثان أداتشيك نائب الرئيس الأول للتسويق والاتصالات في «IBM»

دعم الذكاء الاصطناعي

رغم الدور المحوري للذكاء الاصطناعي، يظل المحتوى البشري عنصراً أساسياً. ويوضح باللارد أن غالبية المحتوى لا يزال يتم إنتاجه بواسطة الفرق التحريرية والمرئية، لكن المحتوى الذي يُنتجه الذكاء الاصطناعي ذو جودة عالية، ولا يحتاج إلا إلى مراجعة بسيطة. ويؤكد بيكر أن الهدف من الذكاء الاصطناعي ليس استبدال المحتوى التحريري، بل توسيع إمكانيات إنتاج المحتوى، خصوصاً بلغات متعددة وبأنماط مختلفة تناسب جميع فئات الجمهور.

مع إطلاق التطبيق لملايين المستخدمين حول العالم، تثبت «IBM» «و«فيراري» أن تقاطع التكنولوجيا مع الرياضة لم يعد أمراً مستقبلياً، بل واقع نعيشه الآن. بتحويل البيانات إلى قصص وتفاعلات، أصبح التطبيق بمثابة «محرك تفاعل رقمي» يقوده الذكاء الاصطناعي ويغذّيه الشغف.


مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط جاهز تقنياً... فهل الموظفون كذلك؟

تكنولوجيا «كيندريل»: معظم المؤسسات استثمرت في الذكاء الاصطناعي لكنّ عدداً قليلاً فقط نجح في مواءمة استراتيجياته مع جاهزية القوى العاملة (غيتي)

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط جاهز تقنياً... فهل الموظفون كذلك؟

تكشف دراسة من «كيندريل» عن أن معظم الشركات تستثمر في الذكاء الاصطناعي، لكن ضعف جاهزية القوى العاملة يعوق تحقيق العائد، خصوصاً في الشرق الأوسط.

نسيم رمضان (لندن)
تكنولوجيا استراتيجية «ميتا» تعتمد على تقديم الإعلانات بشكل غير مزعج من خلال ترويج القنوات وحالات إعلانية واشتراكات مدفوعة للمحتوى الحصري (واتساب)

«واتساب» يبدأ عرض الإعلانات لأول مرة في تبويب «التحديثات»

«واتساب» يبدأ بعرض الإعلانات لأول مرة في تبويب «التحديثات» دون المساس بالرسائل الخاصة ضمن استراتيجية تهدف إلى تحقيق دخل مع الحفاظ على الخصوصية.

نسيم رمضان (لندن)
خاص تبني «سيسكو» نظاماً متكاملاً يشمل العتاد والبروتوكولات والبرمجيات لتبسيط استخدام الشبكات الكمومية دون الحاجة لفهم فيزيائي معقد (غيتي)

خاص ​هل تكون شريحة «سيسكو الكمومية» بداية عصر الإنترنت غير القابل للتنصّت؟

«سيسكو» تطور شبكة كمومية تعمل بدرجة حرارة الغرفة لربط الحواسيب الكمومية الصغيرة وتطبيقها في الأمن والتداول عبر حلول عملية قابلة للتنفيذ اليوم.

نسيم رمضان (سان دييغو - الولايات المتحدة)
خاص «سيسكو»: الذكاء الاصطناعي لم يعد مستقبلاً بل أصبح واقعاً يتطلب بنية تحتية جديدة وشاملة (سيسكو)

خاص «سيسكو» ترسم ملامح عصر الذكاء الاصطناعي... والسعودية في قلب استراتيجيتها

«سيسكو» تطلق خلال مؤتمرها السنوي رؤية شاملة لعصر الذكاء الاصطناعي، واضعةً السعودية في قلب استراتيجيتها من خلال شراكات وبنية تحتية وتنمية المواهب.

نسيم رمضان (سان دييغو - الولايات المتحدة)
تكنولوجيا تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل (رويترز)

«أبل» تطلق تطويراً ثورياً في أنظمة التشغيل مع توسع في الذكاء الاصطناعي

كشفت شركة أبل عن مجموعة واسعة من التحديثات الثورية لأنظمة التشغيل الخاصة بأجهزتها المختلفة.

مساعد الزياني (كوبيرتينو)

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط جاهز تقنياً... فهل الموظفون كذلك؟

«كيندريل»: معظم المؤسسات استثمرت في الذكاء الاصطناعي لكنّ عدداً قليلاً فقط نجح في مواءمة استراتيجياته مع جاهزية القوى العاملة (غيتي)
«كيندريل»: معظم المؤسسات استثمرت في الذكاء الاصطناعي لكنّ عدداً قليلاً فقط نجح في مواءمة استراتيجياته مع جاهزية القوى العاملة (غيتي)
TT

الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط جاهز تقنياً... فهل الموظفون كذلك؟

«كيندريل»: معظم المؤسسات استثمرت في الذكاء الاصطناعي لكنّ عدداً قليلاً فقط نجح في مواءمة استراتيجياته مع جاهزية القوى العاملة (غيتي)
«كيندريل»: معظم المؤسسات استثمرت في الذكاء الاصطناعي لكنّ عدداً قليلاً فقط نجح في مواءمة استراتيجياته مع جاهزية القوى العاملة (غيتي)

لا شك أن الذكاء الاصطناعي يَعِد بفرص هائلة في شتى المجالات. إلا أن دراسة عالمية جديدة أصدرتها شركة «كيندريل Kyndryl»، المزوِّد الرائد لخدمات تكنولوجيا المعلومات الحيوية للمؤسسات، تشير إلى أن الكثير من الشركات حول العالم بما في ذلك في الشرق الأوسط ما زالت تكافح لتحقيق قيمة حقيقية من استثماراتها في الذكاء الاصطناعي.

غياب الاستعداد البشري

وفقاً لتقرير «جاهزية الأفراد 2025» من «كيندريل»، فإن 95 في المائة من المؤسسات قد استثمرت بالفعل في الذكاء الاصطناعي، لكن 71 في المائة من القادة يعترفون بأن فرق عملهم غير مستعدة بعد للاستفادة الفعلية منه. والأسوأ من ذلك، أن 51 في المائة من الشركات تقول إنها تفتقر إلى المهارات المناسبة، في حين يرى 45 في المائة من الرؤساء التنفيذيين أن الموظفين إما يقاومون الذكاء الاصطناعي وإما يعارضونه صراحةً.

بيتر بيل نائب الرئيس والمدير التنفيذي لدى «كيندريل» في الشرق الأوسط وأفريقيا ( كيندريل)

بنية تحتية قوية

تُعد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من أبرز الدول في المنطقة التي جعلت الذكاء الاصطناعي جزءاً أساسياً من رؤاها الوطنية، مثل «رؤية السعودية 2030» و«استراتيجية الإمارات الوطنية للذكاء الاصطناعي». ووفقاً للتقرير، فإن 77 في المائة من الشركات في البلدين تستثمر حالياً في الذكاء الاصطناعي والتعلُّم الآلي، وهي نسبة تفوق المتوسط العالمي بكثير. ومع ذلك، فإن 39 في المائة فقط من هذه الشركات تحقق عائداً إيجابياً على هذا الاستثمار. ويُظهر التقرير أن 92 في المائة من القادة في الإمارات والسعودية يعتقدون أن بنيتهم التحتية الرقمية من الطراز الأول، لكن 43 في المائة فقط يعتقدون أنها مستعدة لمواجهة تحديات المستقبل. وهنا تتضح الفجوة الخطيرة بين الثقة في التكنولوجيا والاستعداد البشري.

يقول بيتر بيل، نائب الرئيس والمدير التنفيذي لدى «كيندريل» في الشرق الأوسط وأفريقيا، إن «الشرق الأوسط يحقق تقدماً ملحوظاً في مجال الذكاء الاصطناعي». ويضيف: «أصبحت جاهزية القوى العاملة موضوعاً محورياً للنقاش ليس فقط في المنطقة، بل في العالم أجمع».

مَن «روّاد الذكاء الاصطناعي»؟

حدَّد التقرير مجموعة صغيرة من المؤسسات تُعرف باسم الروّاد في الذكاء الاصطناعي (AI Pacesetters) وتشكل 14 في المائة فقط من العينة العالمية. هؤلاء يحققون نجاحاً فعلياً لأنهم لا يكتفون بالاستثمار في التقنية، بل يقومون بمحاذاة استراتيجية واضحة تشمل التكنولوجيا والموارد البشرية معاً. ويرى التقرير أن هؤلاء أكثر احتمالاً بثلاث مرات لأن تكون لديهم استراتيجية مكتملة لإدارة التغيير متعلقة بالذكاء الاصطناعي.

كما أنهم أقل عرضة بنسبة 29 في المائة لمواجهة مخاوف الموظفين من الذكاء الاصطناعي. ويتابع بأنهم أكثر احتمالاً بنسبة 67 في المائة لاستخدام أدوات دقيقة لتقييم مهارات موظفيهم، و40 في المائة منهم لا يعانون من أي فجوات مهارية على الإطلاق.

تؤكد «كيندريل» أن إعداد القوى العاملة لمستقبل الذكاء الاصطناعي يتطلب بيئة متكاملة من الثقافة والأنظمة ونهجاً متعدد الأبعاد لبناء المهارات

الذكاء الاصطناعي داخل الشركات

رغم أن 95 في المائة من الشركات تقول إنها استثمرت في الذكاء الاصطناعي، فإن 35 في المائة فقط قامت بدمجه فعلياً في العمليات اليومية، فيما لا تزال 60 في المائة في مراحل الاستكشاف أو التجريب. ويُظهر التقرير أيضاً أن 84 في المائة من الشركات تستخدم أو تستكشف أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لكن 24 في المائة فقط لديها أطر حوكمة واضحة لهذا النوع من التكنولوجيا. أما فيما يخص إدارة المهارات، فإن ربع الشركات فقط لديها رؤية واضحة لمهارات موظفيها الحالية، وأقل من ذلك لديها أدوات لتوقُّع احتياجات المهارات المستقبلية.

دور الذكاء الاصطناعي

معظم الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين العمليات الداخلية مثل أتمتة المهام وزيادة الكفاءة التشغيلية، ولكنها نادراً ما تستخدمه لتطوير منتجات أو خدمات جديدة. وهذا يفسر جزئياً سبب ضعف العائد على الاستثمار. وتوضح ماريجو شاربونييه، الرئيس التنفيذي للموارد البشرية في «كيندريل»، أن الاستعداد للذكاء الاصطناعي يتجاوز البنية التحتية التقنية. وتشرح أن «التحضير لعصر الذكاء الاصطناعي سهل نظرياً، صعب عملياً، ولكنه أمر ملحّ للقادة». وتتابع شاربونييه: «إن الأمر يتعلق بتوقع تأثيراته على الأعمال، وربط بيانات المهارات باحتياجات العملاء، وتوفير مسارات متعددة لبناء المهارات وتطبيق أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي».

«كيندريل»: المؤسسات الرائدة في الذكاء الاصطناعي تعتمد على استراتيجيات واضحة لتغيير الثقافة التنظيمية وتتمتع برؤية دقيقة لمهارات موظفيها (أدوبي)

الشرق الأوسط أمام لحظة رقمية حاسمة

رغم الطموحات الرقمية الواضحة في المنطقة، يسلّط التقرير الضوء على حاجة ملحّة لإعادة ترتيب الأولويات؛ فالتركيز الذي كان موجّهاً بشكل كبير نحو تطوير البنية التحتية التقنية يجب أن يمتد ليشمل الاستثمار في العنصر البشري، بوصفه العامل الحاسم في نجاح أي تحوّل تقني. وتبرز في هذا السياق ثلاث فجوات رئيسية تعوق تقدّم الذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط. أولاها فجوة الثقة، حيث لا يزال كثير من الموظفين في المنطقة يشعرون بالقلق تجاه مستقبل وظائفهم مع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، وهو ما يؤثر سلباً على تقبّلهم التقنيات الجديدة. الفجوة الثانية تتعلق بالمهارات، إذ يفتقر كثير من المؤسسات إلى رؤية دقيقة لقدرات ومهارات موظفيها الحالية، مما يعوق قدرتها على وضع خطط فعّالة للتدريب أو التوظيف وسد الثغرات. أما الفجوة الثالثة فهي الحوكمة. فعلى الرغم من النمو السريع في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، لا يزال كثير من الشركات تفتقر إلى أطر تنظيمية واضحة تحكم كيفية استخدام هذه الأدوات بشكل آمن وأخلاقي.

من الجاهزية إلى المرونة

يشير التقرير إلى ثلاث ركائز أساسية لا بد أن تعمل المؤسسات والحكومات على معالجتها بشكل متوازٍ من أجل تحقيق استفادة حقيقية من الذكاء الاصطناعي. الركيزة الأولى هي الاستراتيجية، والتي تتطلب وضع خريطة طريق واضحة تتضمن أهدافاً محددة وخططاً شاملة لإدارة التغيير، تضمن دمج الذكاء الاصطناعي بسلاسة في مختلف جوانب العمل. أما الركيزة الثانية فهي المهارات، حيث يُعد تطوير نظم دقيقة لرصد المهارات الحالية لدى الموظفين أمراً ضرورياً، إلى جانب بناء بيئات تعليم مستمرة ومرنة تمكّن الأفراد من اكتساب المهارات الجديدة التي يتطلبها عصر الذكاء الاصطناعي. وتكمن الركيزة الثالثة في الثقافة المؤسسية، إذ إن بناء الثقة لدى الموظفين يُعد أمراً محورياً، ليس فقط لتقليل المخاوف المرتبطة بالتكنولوجيا، بل لتحويل هذا القلق إلى دافع للتعلّم والتطوّر والمشاركة الفاعلة في رحلة التحوّل الرقمي.

ولا تُعد هذه الركائز مجرّد توصيات نظرية، بل تمثل ضرورات حاسمة لا غنى عنها. فرغم امتلاك الشرق الأوسط عناصر القوة من حيث التمويل، والرؤية الاستراتيجية، والبنية التحتية المتقدمة، فإن العامل البشري يظل الحلقة الأضعف التي يجب تعزيزها لضمان نجاح شامل ومستدام.

الميزة التنافسية الحقيقية

إذا كانت هناك رسالة واحدة واضحة من تقرير «جاهزية الأفراد»، فهي أن النجاح في الذكاء الاصطناعي لا يعتمد فقط على التقنية، بل على الناس. المؤسسات التي ستتفوّق في هذا العصر ليست بالضرورة الأسرع في تبنّي التكنولوجيا، بل الأذكى في دمجها مع كوادرها.

لدى المملكة العربية السعودية فرصة فريدة لتكون رائدة عالمياً ليس فقط في حجم الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، بل في استثمار الإنسان نفسه. وإذا تحقق ذلك، فستكون المنطقة نموذجاً عالمياً في التحول الذكي الحقيقي.