بإمكان الكبار أن يتعلموا من الأطفال

حينما تتحول الكراهية إلى فعل إيجابي

بإمكان الكبار أن يتعلموا من الأطفال
TT

بإمكان الكبار أن يتعلموا من الأطفال

بإمكان الكبار أن يتعلموا من الأطفال

هل بإمكاننا نحن الكبار أن نتعلم من الصغار؟ الجواب نعم. هكذا تعلمنا الحياة. ولكن المسألة لا تتعلق بالإمكانية، بل بالرغبة في الاعتراف بأهمية تقبلنا للفكرة. خِبَر الحياة تعطينا أمثلة كثيرة وتعرض لنا صوراً جلية عن هذه الموضوعة. حينما يتعرض إنسان إلى إساءة من آخرين، يتولد في داخله كره إزاء المسيئين. هذا الكره يتحول إلى طاقة سلبية ربما تؤثر على حياة الشخص ذاته فيصبح مندحراً قلقاً يعيش في خوف ورعب كبيرين. لذلك لا بد من التفكير بالاتجاه الآخر، أي تحويل الكره والحقد إلى فعل إيجابي. وهذا ما دار في ذهنية ألياس فوهلوند، مؤلف كتاب «دليل الأبطال الخارقين» حينما أخبرته ابنته البالغة من العمر 9 سنوات عن تعرضها للتنمر في المدرسة الذي تعرض له هو شخصياً في طفولته. الكتاب مصور بلمسات إبداعية بريشة أغنيس فوهلوند وصدر باللغة السويدية بستة أجزاء حتى الآن، تصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في السويد وبلدان الشمال الاسكندنافي الأخرى.
سلسة الكتب هذه ترجمت إلى العربية بعنوان «كيف تصبح بطلاً خارقاً» وصدرت عن «دار المنى» في السويد والأردن. وتدور سلسلة الكتب التي تحمل عنواناً واحداً هو «دليل الأبطال الخارقين» وعناوين فرعية لكل كتاب، حول ليسا التي انتقلت إلى مدرسة جديدة في المدينة التي تسكن فيها عند جدتها، بعدما سافرت والدتها إلى مدينة أخرى بشأن العمل.
في المدرسة تتعرض ليسا إلى مضايقات ثلاثة من زملائها التلاميذ، الذين يتنمرون عليها ويطاردونها ويسخرون من أذنيها الطويلتين الكبيرتين، فتهرب منهم إلى المكتبة، وبينما تحاول الاختفاء تحت إحدى الطاولات تلمح كتاباً على أحد الرفوف السفلى يثير دهشتها بسبب شدة توهج لونه الأحمر. يحمل الكتاب عنوان «دليل الأبطال الخارقين». هذا الكتاب سيغير حياتها، لتصبح ليس بطلة خارقة تحمي المدينة من الأشرار، بل وتجعل من مضطهديها الثلاثة الذين كانوا يتندرون عليها ويذلونها، أبطالاً مثلها تجمعهم في فريق تقوده هي لحماية المدينة ومساعدة الأهالي من اللصوص والأشرار.
يتحدث الكتاب الأول «دليل الأبطال الخارقين» الذي تتصدره مقولة «قد تستطيع الهرب من أعدائك، لكنك لا تستطيع أن تهرب من نفسك» عن معاناة ليسا في المدرسة نتيجة اضطهادها من قبل ماكس، روبرت، ونك، ثلاثة تلاميذ يسخرون منها بسبب أذنيها الطويلتين ويلقبونها بصاحبة أذني الوطواط. كرهت ليسا المدرسة وهي تشعر بالوحدة في أوقات الاستراحة، بينما تسمع ضحكات ولعب وتندر الآخرين، وفي كل يوم كان التلامذة الثلاثة يطاردونها، ويستمر الحال حتى لقائها مع الكتاب الأحمر المشع «دليل الأبطال الخارقين»، الذي أهدته الموظفة إليها، لأنه لم يكن مدوناً في سجلات المكتبة.
من هذا الكتاب تعلمت ليسا كيف تدافع عن نفسها، وتمرنت على القوى الخارقة التي احتواها الدليل، ودشنت أولى قدراتها بأنها تصدت لعصابة التلامذة الثلاثة ووقفت تتحداهم، لكنهم استهزأوا بها وتركوها وهم يهددون بمعاقبتها غداً.
نجحت ليسا في إتقان بعض القوى الخارقة، وأصبح لها اسماً مستعاراً هو «القناع الأحمر»، العنوان الفرعي للكتاب الثاني الذي يبدأ بمقولة «إذا حلم المرء بشيء فترة طويلة، فسيأتي يوم ويصبح فيه الحلم حقيقة». وفعلاً تحقق لها ذلك اليوم حيث أصبحت ليسا «القناع الأحمر» بطلة المدينة.
ولم تعد ترى أذنيها طويلتين. ثم تعود في الكتاب الثالث بعنوان «وحيدة» ومقولة «الوحيد ليس قوياً»، وفي الكتاب الرابع بعنوان «الذئب قادم» والذئب لقب أطلق على رئيس شبكة من المجرمين الذين يرتدون أقنعة بوجوه الذئاب، ومقولة «عندما يصبح أشد ما تخشاه واقعاً لا يعود لديك ما تخشاه». والخامس بعنوان «المفقودون» ومقولة «وحدها الأمواج العاتية تستطيع أن تظهر ضعفها». أما السادس فهو بعنوان «بلا أمل» وبمقولة «قد يصبحُ الخائفون أكثر خطراً من الذين يُخافون مِنهم».
ولم يكتف الزوجان مؤلفا الكتاب بستة أجزاء أصبحت مادة للنقاش بقضية التنمر في المدارس السويدية، بل يخططون لأن يكون العدد 42 كتاباً.



من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
TT

من الخطابات الرئاسية إلى قراءة الوثائقيات... «محيطاتنا» بصوت باراك أوباما

وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)
وثائقي جديد عن المحيطات من إنتاج باراك أوباما وبصوته (نتفليكس)

ليست الوثائقيات المخصصة لاستكشاف أعماق البحار مادّةً تلفزيونية جديدة، فأول هذه الأعمال يعود إلى عام 1954. ومع مرور السنوات، توالت تلك الأفلام الوثائقية إلى أن باتت تُعَدّ بالآلاف وتملأ شاشات التلفزيون ومنصات البث. صحيح أنّها مادّة عابرة للأزمنة ولا يُملّ منها، غير أنه صار من الصعب إنتاج وثائقي آخر عن عالم ما تحت الماء، وتقديم محتوى جديد ومختلف عمّا سبق.

لعلّ التميّز والاختلاف هما أكثر ما سعى إليه فريق عمل «Our Oceans (محيطاتنا)»، السلسلة الوثائقية الجديدة التي تُعرض على «نتفليكس». وقد اجتمعت عناصر كثيرة لتحقّق هذا الهدف؛ بدءاً باللقطات الحصريّة للمخلوقات البحريّة التي جرى تصويرها بتكنولوجيا تُستَخدم للمرة الأولى ومن مسافاتٍ قريبة جداً، وليس انتهاءً بصوت الراوي... باراك أوباما شخصياً.

وما بين هاتين الميزتَين، عناصر أخرى كثيرة تجعل من مشاهَدة «Our Oceans» تجربة استثنائية، لا تختلف كثيراً عن متابعة مسلسل مشوّق وزاخرٍ بالمؤثّرات البصريّة.

تُخصَصُ كلٌ من الحلقات الـ5 لأحد محيطات هذا العالم، بدءاً بالمحيط الهادئ، وصولاً إلى الجنوبي، مروراً بالهندي والأطلسي والمتجمّد. يقول الراوي إنّ تيّاراً يسافر بين تلك المحيطات ويجعل منها عالماً واحداً. لكن بين الحلقة والحلقة، تختلف السرديّات وتتنوّع المَشاهد، لتبقى نبرة الراوي ثابتةً ومُريحة للسمع.

ليس من المنصف مقارنة موهبة أوباما الصوتيّة بأيقونة وثائقيات الطبيعة، المذيع والعالِم البريطاني ديفيد أتينبورو. فالأخير رائدٌ في مجاله وأحد مؤسسي هذا النوع من الأعمال التوثيقية، بينما أوباما حديث العهد في هذا المجال. قد يغرق الرئيس الأميركي الأسبق في السرد الرتيب أحياناً، إلا أنه يحاول جاهداً أن يجعل من صوته مرآةً للصورة المذهلة، لاجئاً إلى التلوين في النبرة، وإلى خفّة الظلّ المثيرة للابتسام، وإلى التفاعل الصوتيّ البارز مع المَشاهد المُدهشة. فأوباما، إلى جانب كونه موهبة تلفزيونية صاعدة، مدافعٌ شرس عن البيئة البَحريّة، هو الذي ترعرع في جزيرة هاواي الأميركية.

صُوّر الوثائقي بتكنولوجيا متطوّرة أتاحت الاقتراب من الكائنات البحريّة بشكل غير مسبوق (نتفليكس)

يتلاقى صوت أوباما مع نصٍّ كُتبَ بحنكةٍ وإحساسٍ عاليَين، مع لمسةٍ لافتة من الفكاهة. تتميّز السلسلة الوثائقية بسرديّتها التي لا تُشبه النصوص المرافقة عادةً لهذا النوع من المحتوى، وهي ترتكز إلى تقنية الكتابة على الصورة، أي استلهاماً ممّا تقدّمه المحيطات وكائناتها من مَشاهد مذهلة. في «Our Oceans»، تتحوّل الكائنات البَحريّة إلى شخصيات، لكلٍّ منها قصة بما فيها من كفاح وتحديات ومشاعر وعلاقات صداقة وعداوة. وأمام هكذا نص على قدرٍ عالٍ من الإنسانية، لا بدّ للمُتفرّج من أن يتماهى مع المواقف التي تواجه المخلوقات المائية والطيور البَحريّة.

في المحيط الهنديّ، يتعرّف المُشاهد إلى أنثى الحوت التي تسعى جاهدةً لأكل ما تستطيع، من أجل إرضاع صغيرها المولود حديثاً الذي يستهلك الكثير من الحليب. أمّا في المحيط الأطلسي، فيجهّز ذكور سمكة الفرّيدي الأرض لاستقبال إناثها من أجل أن تضع بيضها. تتنافس الأسماك فيما بينها لترتيب المكان وتنظيفه من كل ما قد يزعج الإناث، كالأعشاب والأصداف وحتى نجمات البحر.

يُدرك فريق «Our Oceans» أنّ المعلومات العلميّة وحدَها لا تُقنع الجمهور ولا تكفي لتُعلّقه في شرك العمل. لذلك فقد ارتأى أن يستند إلى المشاعر، من خلال ملاحقة الأسماك وسائر الحيوانات، وتصويرها ضمن مواقف يسهل التماهي البشري معها؛ كما أنثى الدب تلك في حلقة المحيط المتجمّد الشمالي، والتي تبحث بشراسة عن طريدةٍ ما من أجل إطعام صغيرها المتضوّر جوعاً.

ومن بين المَشاهد التي تذهل العين والفكر على حدٍّ سواء، ذاك الأخطبوط الصغير في المحيط الهندي، الذي يصرّ على العثور على طبقتين متجانستَين من إحدى الأصداف، كي يختبئ بينهما من عيون الأسماك المفترسة وأفواهها.

لا يعتمد الوثائقي بث المعلومات العلمية بقدر ما يرتكز إلى نص وتصوير زاخرَين بالمشاعر (نتفليكس)

ما يميّز السلسلة الوثائقية كذلك، مواكبتُها لسلوكيّات المجتمعات البَحريّة. تساعد في التقاط تلك المشاهد عن قُرب، تكنولوجيا متطوّرة جداً تُستخدم للمرة الأولى على هذا العمق. ولم تنتج عن ذلك التصوير الفريد متعة بصريّة فحسب، بل انهماكُ علماء البحار في تحضير 20 دراسة جديدة حول سلوكيّات الكائنات البحريّة، بناءً على ما شاهدوه ضمن السلسلة. مع العلم بأنّ 700 عالِم وباحث شاركوا في تحضير «Our Oceans».

من المواضيع المهمّة التي يلقي الوثائقي الضوء عليها، التلوّث البحري والآثار السلبية للتغيّر المناخي على المحيطات. يأتي ذلك انطلاقاً من الاهتمام الذي يوليه المنتجان المنفّذان، باراك وميشيل أوباما، للتوعية البيئية. وإذا كانت الحلقة الأولى مكرّسة لتصوير السِّحر البحري، فإنّ الحلقة الثانية والخاصة بالمحيط الهندي تُظهر كيف يمكن أن تتحوّل جنّة ما تحت الماء إلى حاوية نفايات ضخمة. وفي هذه الحاوية، كائناتٌ صغيرة وكبيرة تآلفت مع المواد البلاستيكية وسائر أشكال القمامة وباتت تقتات منها.

لا يغفل الوثائقي موضوع التلوّث البحري المتسببة به أيادي البشر (نتفليكس)

ليس الهدف من الوثائقي تجارياً بقَدر ما هو توعويّ إلى خطورة اليد البشريّة على جمال المحيطات. يجتاز فريق العمل 75 ألف ميل انطلاقاً من حب كبير للبحار والمياه التي تغطّي 71 في المائة من مساحة كوكب الأرض. على رأس الفريق، الثنائي الرئاسي الأميركي الأسبَق المنشغل منذ عام 2018 بمشروعٍ ترفيهيّ كبير، هو عبارة عن شركة إنتاج تُدعى Higher Ground.

اجتاز فريق العمل 75 ألف ميل واستعان بـ700 باحث وعالِم بحار (نتفليكس)

أنتجت شركة آل أوباما حتى اللحظة، أكثر من 20 مشروعاً تتنوّع ما بين أفلام روائية، ووثائقيات، ومسلسلات، وبرامج للأطفال، وبودكاست. وتُعتبر معظم تلك الإنتاجات هادفة، بما أنها تتضمّن رسائل توعويّة إنسانياً، وبيئياً، ومجتمعياً.

أمّا الموهبة الصاعدة التي يلوّن صوتُها بعض تلك الأعمال، أي باراك أوباما، فيبدو صاحبَ مستقبلٍ واعد في المجال. تُوّج مجهوده الصوتيّ بجائزة «إيمي» عام 2022 عن فئة أفضل راوٍ. وكان قد حاز سابقاً جائزتَي «غرامي» في الإطار ذاته.