عصير «الخروب» تقليد رمضاني في طرابلس اللبنانية

أهل المدينة يلقبون ثمار شجره بـ«تمر المتوسط»

نضال المصري يبيع عصير الخروب على العربة في طرابلس
نضال المصري يبيع عصير الخروب على العربة في طرابلس
TT

عصير «الخروب» تقليد رمضاني في طرابلس اللبنانية

نضال المصري يبيع عصير الخروب على العربة في طرابلس
نضال المصري يبيع عصير الخروب على العربة في طرابلس

يشتهر لبنان بزراعة شجر الخروب حتى أن هناك منطقة في الشوف تحمل اسم «إقليم الخروب»، نظراً لكثرة زراعته فيها.
والخروب أو الخرنوب، هو نوع من الشجر دائم الخضرة ينتمي إلى أسرة البقوليات. البعض يلقب ثمره بـ«تمر المتوسط» للفوائد الصحية التي يتمتع بها. كما أنّ تناوله على أنواعه من دبس ومشروبات وحتى على طبيعته، من شأنه أن يشعر صاحبه بالشبع لمدة طويلة.
وفي مدينة طرابلس الفيحاء شمال لبنان، يشتهر مشروب أو عصير الخروب. ويدعوه أهاليها بـ«خروب البحر» نظراً لازدهار زراعته على طول ساحلها.
وفي رمضان يزدهر بيع عصير الخروب في طرابلس، بحيث يتصدر لائحة المشروبات الباردة التي تقهر ظمأ الصائم وتحد من شعوره بالجوع.
وإذا ما زرت هذه المدينة أيام الشهر الفضيل لا بدّ أن ينصحك أحدهم بتناول عصير الخروب. فهو مشروب طبيعي يعد أحد رموز رمضان، ويلتصق التصاقاً مباشراً بها.
كثيرة هي محلات العصائر التي تبيع عصير الخروب في طرابلس، فكما في الميناء والسرايا العتيقة، كذلك يروج بيعه داخل أسواقها القديمة وقرب معالمها الأثرية.
وإذا ما سألت أحد الطرابلسيين عن ألذ مشروب يمكن تناوله في المدينة طيلة أيام السنة فهو يرد عليك بسرعة: «ما إلك إلا عصير الخروب». فشهرته في هذه المدينة تشبه إلى حد كبير تلك التي يحققها مشروب الليموناضة في البترون. إذ لا يسعك أن تزور هذه المدينة الساحلية الشمالية أيضاً، ولا تتذوق كوب الليموناضة بماء الزهر في أحد محلاتها.
ويروي أبو مصباح وهو زبون يومي لأحد محلات بيع عصير الخرنوب في حديث لـ«الشرق الأوسط» عن العلاقة التاريخية التي تربط مدينته بهذا المشروب. «تشتهر زراعة هذا الشجر في طرابلس منذ مئات الأعوام. حتى أنّ بعض الطرابلسيين يعتبرون نكهته هنا لا تشبه أياً منها في منطقة لبنانية أخرى». ويتابع: «أما عصير الخروب، فنستمتع بشرابه خاصة أيام الحر، ويزدهر بيعه في شهر رمضان الفضيل. فهو عصير طبيعي يكافح الظمأ، مغذٍ وله فوائد صحية معروف بها لأنّه مصدر للفيتامينات. كما نستخدمه لمكافحة السعال والتهاب الحلق في فصل الشتاء. حالياً تطورت عملية تناول هذا العصير على البسطات، بعدما صار يباع في أكواب بلاستيكية وزجاجية. ففي الماضي كان الزبون يرتشفها بسرعة بعد أن تصب له في (كيلة) يشاركه بها باقي الزبائن».
وتتنوع أساليب بيع عصير الخروب في طرابلس فبعض الباعة يحملون خليطه ويدورون به بين الأحياء لبيعه عند المساء بالأكواب أو العبوات. فيما آخرون يضعونه في عبوات بلاستيكية شفافة موصولة بحنفية، في صدارة محلات بيع العصائر التي يملكونها، لأنّها تجذب الزبون من بعيد. فيما يتمسك طرابلسيون قدامى يعملون في بيع هذا العصير كمهنة موروثة أباً عن جد وعلى العربات الخشبية. وهذه العربات المطعمة بالنحاس، تأخذ الطابع الشرقي بامتياز، وتعتبر محطة يومية لبعض أبناء مدينة الفيحاء. فهو يتوقف أمامها للحظات ويطلب كوباً بارداً منها تزوده بالطاقة طيلة اليوم. وفي شهر رمضان يصطف الطرابلسيون أمام هذه العربات ليأخذوا حاجتهم منها إلى المنزل، فتتصدر المائدة الرمضانية.
ويقول نضال المصري، أحد باعة عصير الخروب، إنّه ورث هذه المهنة عن والده من قبله، وإنّه يحاول حالياً تعليمها لابنه. ويتابع: «كنت في الثانية عشرة من عمري عندما كنت أرافق والدي في يومه الطويل ليبيع عصير الخروب. وعندما كبرت أصريت على إكمال مشواره. فنحن نبيع عصير الخروب على هذه العربة قرب السرايا منذ عام 1893. ولا نزال نستقطب أجيالاً من الطرابلسيين كان أهاليهم وأجدادهم من عداد زبائن جدي مصطفى».
ويؤكد نضال في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنّ عصير الخروب يعتبر من تراث طرابلس أيام رمضان، وأنّ زراعته تجري بكثافة في المنطقة، بدءاً من طرابلس وصولاً إلى عكار. ويضيف: «لا يعرف كل القيمة الصحية للخروب وفوائده الجمة عليهم. ولذلك عندما يأتينا أحد السياح الأجانب يطالبنا بكوب عصير التوت أو الليموناضة، ننصحه بتذوق الخروب لأنّه لم يسمع به من قبل».
سعر كوب عصير الخرنوب عند نضال المصري يبلغ 1500 ليرة فيما اللتر الواحد منه يبلغ سعره 5 آلاف ليرة. ويعلق المصري: «أسعار مشروب الخروب تفاوتت مع الوقت لا سيما خلال السنة الحالية. في الماضي ثمن كوب منه كان لا يتجاوز الـ500 ليرة، ولكن الأحوال والظروف المادية المتردية دفعتنا إلى رفع سعره».
وعن زبائنه يقول المصري: «إنهم لم يتغيروا، وهم أنفسهم يزورون البسطة هنا منذ أعوام طويلة. وبينهم من يمسك بأيادي أولاده وأحفاده، كي يعتادوا بدورهم على هذه المحطة الرمضانية عندما يكبرون».
في اليونان يصنعون من الخروب مأكولات كثيرة وخبزاً ومعكرونة ودقيقاً، كلها خالية من الغلوتين الذي يتحسس منه بعض الناس؛ ويصدرونه إلى جميع أنحاء العالم من أوروبا حتى كوريا الجنوبية. كما يصنعون منه عسلاً حلو المذاق.


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
TT

الشماغ السعودي في ذروة مواسم بيعه

بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)
بائع يستعرض عشرات الأنواع من الشماغ الذي يبلغ أعلى مواسمه البيعية في آخر رمضان (الشرق الأوسط)

أفصح مختصون في نشاط صناعة واستيراد الشماغ السعودي عن بلوغ هذا الزي التقليدي الرسمي أعلى مواسم البيع السنوية، مسجلاً مبيعات تُقدَّر بنحو 900 مليون ريال سنوياً، كاشفين عن توجهات المستهلكين الذين يبرز غالبيتهم من جيل الشباب، وميلهم إلى التصاميم الحديثة والعالمية، التي بدأت في اختراق هذا اللباس التقليدي، عبر دخول عدد من العلامات التجارية العالمية على خط السباق للاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة السوق، وكذلك ما تواجهه السوق من تحديات جيوسياسية ومحلية.
ومعلوم أن الشماغ عبارة عن قطعة قماش مربعة ذات لونين (الأحمر والأبيض)، تُطوى عادة على شكل مثلث، وتُلبس عن طريق وضعها على الرأس، وهي لباس تقليدي للرجال في منطقة الخليج العربي وبعض المناطق العربية في العراق والأردن وسوريا واليمن، حيث يُعد جزءاً من ثقافة اللبس الرجالي، ويلازم ملابسه؛ سواء في العمل أو المناسبات الاجتماعية وغيرها، ويضفي عليه أناقة ويجعله مميزاً عن غيره.
وقال لـ«الشرق الأوسط»، الرئيس التنفيذي لـ«شركة الامتياز المحدودة»، فهد بن عبد العزيز العجلان، إن حجم سوق الأشمغة والغتر بجميع أنواعها، يتراوح ما بين 700 و900 مليون ريال سنوياً، كما تتراوح كمية المبيعات ما بين 9 و11 مليون شماغ وغترة، مضيفاً أن نسبة المبيعات في المواسم والأعياد، خصوصاً موسم عيد الفطر، تمثل ما يقارب 50 في المائة من حجم المبيعات السنوية، وتكون خلالها النسبة العظمى من المبيعات لأصناف الأشمغة المتوسطة والرخيصة.
وأشار العجلان إلى أن الطلب على الملابس الجاهزة بصفة عامة، ومن ضمنها الأشمغة والغتر، قد تأثر بالتطورات العالمية خلال السنوات الماضية، ابتداءً من جائحة «كورونا»، ومروراً بالتوترات العالمية في أوروبا وغيرها، وانتهاء بالتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة، إلا أنه في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية، فإن العام الحالي (2023) سيكون عام الخروج من عنق الزجاجة، وسيشهد نمواً جيداً مقارنة بالأعوام السابقة لا يقل عن 20 في المائة.
وحول توجهات السوق والمستهلكين، بيَّن العجلان أن غالبية المستهلكين للشماغ والغترة هم من جيل الشباب المولود بين عامي 1997 و2012، ويميلون إلى اختيار التصاميم والموديلات القريبة من أشكال التصاميم العالمية، كما أن لديهم معرفة قوية بأسماء المصممين العالميين والماركات العالمية، لافتاً إلى أن دخول الماركات العالمية، مثل «بييركاردان» و«إس تي ديبون» و«شروني 1881» وغيرها إلى سوق الأشمغة والغتر، ساهم بشكل فعال وواضح في رفع الجودة وضبط المواصفات.
وأضاف العجلان أن سوق الملابس كغيرها من الأسواق الاستهلاكية تواجه نوعين من المشكلات؛ تتمثل في مشكلات جيوسياسية ناتجة عن جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية، ما تسبب في تأخر شحن البضائع وارتفاع تكاليف الشحن وارتفاع الأسعار بسبب التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، بينما تتمثل المشكلات المحلية في انتشار التقليد للعلامات العالمية والإعلانات المضللة أحياناً عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
من جهته، أوضح ناصر الحميد (مدير محل بيع أشمغة في الرياض) أن الطلب يتزايد على الأشمغة في العشر الأخيرة من شهر رمضان من كل عام، ويبدأ الطلب في الارتفاع منذ بداية الشهر، ويبلغ ذروته في آخر ليلتين قبل عيد الفطر، مضيفاً أن الشركات تطرح التصاميم الجديدة في شهر شعبان، وتبدأ في توزيعها على منافذ البيع والمتاجر خلال تلك الفترة.
وأشار الحميد إلى أن سوق الأشمغة شهدت، في السنوات العشر الأخيرة، تنوعاً في التصاميم والموديلات والماركات المعروضة في السوق، وتنافساً كبيراً بين الشركات المنتجة في الجودة والسعر، وفي الحملات التسويقية، وفي إطلاق تصاميم وتطريزات جديدة، من أجل كسب اهتمام المستهلكين وذائقتهم، والاستحواذ على النصيب الأكبر من مبيعات السوق، واستغلال الإقبال الكبير على سوق الأشمغة في فترة العيد. وبين الحميد أن أكثر من نصف مبيعات المتجر من الأشمغة تكون خلال هذه الفترة، مضيفاً أن أسعارها تتراوح ما بين 50 و300 ريال، وتختلف بحسب جودة المنتج، والشركة المصنعة، وتاريخ الموديل، لافتاً إلى أن الشماغ عنصر رئيسي في الأزياء الرجالية الخليجية، ويتراوح متوسط استهلاك الفرد ما بين 3 و5 أشمغة في العام.