اكتشاف 110 مقابر أثرية في دلتا مصر

تعود إلى حضارة بوتو ونقادة وعصر الهكسوس

اكتشاف 110 مقابر أثرية في دلتا مصر
TT

اكتشاف 110 مقابر أثرية في دلتا مصر

اكتشاف 110 مقابر أثرية في دلتا مصر

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية اكتشاف 110 مقابر أثرية، بمنطقة كوم الخلجان بالدقهلية (دلتا مصر)، تعود إلى ثلاث مراحل تاريخية مختلفة تبدأ بحضارة مصر السفلى المعروفة بـ«بوتو» 1 و2، وحضارة نقادة، وعصر الانتقال الثاني المعروف بفترة الهكسوس، وذلك خلال أعمال الحفائر التي نفذتها البعثة الأثرية العاملة في منطقة آثار الدقهلية برئاسة الدكتور سيد الطلحاوي.
وقال الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي أمس، إن «الكشف يعتبر إضافة تاريخية وأثرية مهمة للموقع، الذي تستمر فيه الحفائر للكشف عن أسرار هذه المنطقة»، مشيراً إلى أنه «يضم 68 مقبرة ترجع لمرحلة حضارة مصر السفلى، وخمس مقابر من عصر (نقادة III)، و37 مقبرة من عصر الهكسوس».
بدوره، أكد الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية «أهمية الكشف الأثري الذي يلقي الضوء على موقع مهم في عصر ما قبل الأسرات، تم الاستيطان فيه منذ نحو 6000 سنة»، وقال في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «الكشف يوضح امتداد الاستيطان المصري في عصر الهكسوس، قبل نحو 3500 سنة، حيث اتخذ الهكسوس من تل الضبعة بالشرقية (دلتا مصر) عاصمة لهم، وحكموا مصر لمدة 100 عام حتى طردهم أحمس»، موضحاً أن «منطقة كوم الخلجان تعد أحد المواقع الأثرية المهمة في الدقهلية، وتضم آثاراً لعصور ما قبل الأسرات»، مؤكداً أن «هذه المقابر تعود لمصريين عاشوا في عصر الهكسوس، وليس للهكسوس أنفسهم».
وهذا ليس الكشف الأول من نوعه في منطقة كوم الخلجان الأثرية، ففي يناير (كانون الثاني) 2020، أعلنت وزارة السياحة والآثار عن اكتشاف مجموعة من المقابر ترجع إلى عصر الانتقال الثاني أو فترة الهكسوس و20 دفنة ترجع إلى فترة نقادة الثالثة، وفي فبراير (شباط)، 2020 تم العثور على 83 مقبرة ترجع إلى حضارة بوتو أو ما يعرف بمصر السفلى.
وقال الدكتور أيمن عشماوي، رئيس قطاع الآثار المصرية بالمجلس الأعلى للآثار، في بيان صحافي، إن «المقابر الـ68 التي تم اكتشافها، عبارة عن حُفر ذات أشكال بيضاوية قطعت في طبقة الجزيرة الرملية بالمنطقة، ووضع بداخلها دفنات لأشخاص في وضع القرفصاء، يرقد أغلبها على الجانب الأيسر وتتجه رأسها نحو الغرب، إضافة إلى الكشف عن بقايا دفنة لطفل رضيع داخل إناء من الفخار من فترة (بوتو 2) وُضِع معه إناء صغير من الفخار كروي الشكل».
وأضاف عشماوي، أن «الكشف يضم خمس مقابر ترجع لفترة (نقادة III)، عبارة عن حفر بيضاوية الشكل أيضاً، منها مقبرتان غطيت جوانبهما وقاعهما وسقفهما بطبقة من الطين».
وأوضح عبد البصير، أن «التحنيط لم يكن معروفاً في تلك الفترة، وكان يتم دفن الشخص في وضع القرفصاء الأقرب لوضع الجنين في بطن أمه، ويوجه ناحية النيل أو الشمس حتى يحيا في العالم الآخر، ويوضع معه بعض الأثاث الجنائزي وفي الغالب يكون عبارة عن فخار، وحبوب ونباتات كانت تستخدم كقرابين».
وعثرت البعثة الأثرية على مجموعة من الأثاث الجنائزي تضمن أواني أسطوانية وكمثرية الشكل، بالإضافة إلى صلايات صحن الكحل (أداة مصرية قديمة لطحن الكحل)، مزينة برسومات وأشكال هندسية وعليها كتلة صغيرة من الظران (حجر) كانت تستخدم لصحن الكحل.
وقال عبد البصير، إن «الصلايات كانت من أهم ما يميز تلك الفترات»، موضحاً أن «المعتقدات المصرية القديمة كانت تقول إن الكحل ينير العين، ويمنحك القدرة على الرؤية في العالم الآخر، كما أن طبيعة مصر المشمسة كانت تجعل الكحل ضرورياً لحماية العين، وتعتبر صلاية نارمر الموجودة في المتحف المصري، من أشهر الصلايات، وهي صلاية تذكارية لم تستخدم».
الكشف ضم أيضاً مقابر تعود إلى عصر الانتقال الثاني أو فترة الهكسوس، وقالت الدكتورة نادية خضر، رئيس الإدارة المركزية للوجه البحري بالمجلس الأعلى للآثار، إن «البعثة عثرت على 37 مقبرة من عصر الانتقال الثاني (فترة الهكسوس)، منها 31 عبارة عن حفر شبه مستطيلة الشكل تتراوح أعماقها بين 20 سم و85 سم، جميع دفناتها في وضع ممدد والرأس يتجه نحو الغرب والوجه إلى أعلى».
وأضافت خضر، أنه «تم العثور على تابوت من الفخار بداخله دفنة لطفل، ومقبرتين لطفلين من الطوب اللبن على شكل بناء مستطيل موضوع بداخله دفنات الطفلين وبعض الأثاث الجنائزي، من بينها إناء فخاري صغير الحجم وحلق من الفضة، إضافة إلى بقايا دفنة لطفل رضيع داخل إناء كبير من الفخار».
وأشار عبد البصير إلى تطور عملية الدفن في عصر الانتقال الثاني، وتحولها إلى الشكل المستطيل، مشيراً إلى أن «الأطفال كثيراً ما كانوا يدفنون في جرار، حتى أن البعض كان يتم دفنه في أرضية المنزل لصغر حجمه».
وعثرت البعثة أيضاً على مجموعة من الأفران والمواقد وبقايا أساسات مباني من الطوب اللبن، والأواني الفخارية، والتمائم خاصة الجعارين التي صنع البعض منها من الأحجار شبه الكريمة والحلي مثل الأقراط.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».