«نسل الأغراب»... مباراة تمثيلية بخلطة «مضمونة النجاح»

أحمد السقا في لقطة من العمل
أحمد السقا في لقطة من العمل
TT

«نسل الأغراب»... مباراة تمثيلية بخلطة «مضمونة النجاح»

أحمد السقا في لقطة من العمل
أحمد السقا في لقطة من العمل

قلما تخلو مسلسلات رمضان من عمل يدور في أجواء الصعيد حيث الملابس المميزة واللهجة المحببة لمحافظات الجنوب المصري، فضلاً عن العادات الصارمة وحروب الثأر والكبرياء التي تبدو خلفية ممتازة لعمل جدير بالمشاهدة وخلطة يعتبرها صناع المسلسل مضمونة النجاح، على هذه الخلفية، يمكن أن نفهم لماذا حظي مسلسل «نسل الأغراب»، إخراج محمد سامي، باهتمام شديد من المتابعين، إذ يجمع بين اثنين من أكثر النجوم جماهيرية وهما أحمد السقا وأمير كرارة، وقد اعتاد الجمهور على رؤية كل منهما ينفرد بعمل مستقل.
الحبكة الأساسية التي يدور حولها العمل لا تطمح للاختلاف أو التجديد، وإنما تدور في فلك التقليدي والمعاد، «عساف الغريب» الذي يجسده السقا يخرج من السجن متعطشاً للدم والانتقام من ابن عمه «غفران الغريب»، الذي يقدمه كرارة، الذي تسبب في سجن الأول والاستيلاء على ثروته في معركة كبرى سقط فيها العشرات ما بين قتلى وجرحى.
استطاع «غفران» أن يثبت عن طريق شهود الزور أنه لم يكن موجوداً في المدينة أثناء المعركة، وصدر الحكم ضد «عساف» بالإعدام شنقاً، ثم يُخفف من جانب محكمة النقض إلى السجن المؤبد 25 عاماً، يقضي «عساف» أجمل سنوات عمره وراء الأسوار، كما أن حبيبته «جليلة» أو الفنانة مي عمر، التي تزوجها وأنجب منها ابنه الوحيد، اختطفها منه «غفران» وأجبرها على الطلاق ليتزوجها وينجب منها، كما يربي ابنها الذي أنجبته من عدوه اللدود، يسعى «عساف» للانتقام من الرجل الثري القوي الذي يملك تجارة مزدهرة كما يمتلك زوجته وابنه.
في المباراة التمثيلية بين النجمين أحمد السقا وأمير كرارة، ثمة عوامل عدة ترجح كفة الأول، فهو بجسده الممتلئ وشعره الحليق وآثار المعارك والجروح الناتجة عن السلاح الأبيض بوجهه ورقبته، فضلاً عن عدة أسنان فضية تبرز كلما ابتسم، يبدو أفضل استعداداً لتجسيد الشخصية، ساعده على ذلك نظرات القسوة التي يرمق بها الجميع، وابتسامته الساخرة، وطريقته المميزة التي ينطق بها حيث يضغط على الحروف بشكل لافت وهو يتكلم.
وسط غبار المعارك والمؤامرات الشريرة، يبرز «علي الغريب» الفنان دياب، رئيس المباحث وابن العم الثالث لكل من «عساف» و«غفران»، الذي أجاد تجسيد شخصيته باعتباره رمز السلطة في سعيه لمنع الفوضى والتأكيد على هيبة القانون، إذ إنه لا ينحاز إلا للحق ويرفض مداهنة أقاربه، ما يضعه في مواجهة مع الطرفين المتخاصمين اللذين يرفعان شعار: «من ليس معي، فهو ضدي».
ورغم ذلك، أثار المسلسل العديد من الانتقادات عبر «السوشيال ميديا»، حيث اعتبر كثيرون أن أمير كرارة لا يجيد التعبير عن الشر بالنظرات وتعبيرات الوجه، كما يفعل متقنو هذه النوعية من الأدوار كمحمود المليجي وعادل أدهم، وإنما لجأ إلى الصراخ والصوت العالي، كما جاء الماكياج الخاص به مبالغاً فيه لا سيما كُحل العينين. واستغرب البعض ظهور أحمد السقا طوال الوقت برأسه الحليق عارياً، إذ إنه يجسد شخصية أحد الأثرياء في ريف الجنوب ممن يعتبرون الظهور بالرأس عارياً نقيصة اجتماعية، ولا بد من ارتداء «العمامة».
الكاتب الروائي، أدهم العبودي ابن صعيد مصر، أبدى استغرابه من تمسك «السقا» بالأسنان الفضية اللامعة، مؤكداً في منشور له عبر حسابه الشخصي على «فيسبوك» أنها «كانت مجرد موضة وانتهت بنهاية التسعينات في الصعيد»، في المقابل طالب آخرون بالصبر على صناع العمل مؤكدين أن «المسلسل قوي ومشوق»، فيما يشير كثيرون إلى أن تجسيد مي عمر لشخصية «جليلة» جاء أقل من المتوقع، إذ لم تستطع تجسيد حالة الحيرة والتمزق بين رجلين تحب كلاهما، وأنجبت من كلاهما، وتراهما للمرة الثانية يستعدان لجولة جديدة من جولات الدم والثأر.
فيما يرى الناقد د. محمد أبو السعود الخياري، أستاذ النقد الحديث، أن «نسل الأغراب» يعتمد على قوالب جاهزة، إذ سبق ورأينا كثيراً ثيمة البطل الذي يخرج من السجن بحثاً عن الانتقام من الجميع بداية من ستينات القرن الماضي، كما في «اللص والكلاب»، سواء في الرواية أو الفيلم، ويضيف الخياري لـ«الشرق الأوسط»، أن «المسلسل تتوفر فيه إمكانيات التشويق والإنتاج الضخم والنجوم الكبيرة، لكن مشكلته هي تقديم صورة لصعيد مصر تكاد تكون غير واقعية، حيث القصور الفخمة والسيارات الفارهة والديكورات والإضاءة المبالغ فيها».


مقالات ذات صلة

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

يوميات الشرق وحدها الثقة بمَن يعمل معهم تُخفّف الحِمْل (صور المخرج)

سامر البرقاوي لـ«الشرق الأوسط»: هاجسي فكريّ قبل أن يكون إنتاجياً

ينظر المخرج السوري سامر البرقاوي إلى ما قدَّم برضا، ولا يفسح المجال لغصّة من نوع «ماذا لو أنجرتُ بغير هذا الشكل في الماضي؟»... يطرح أسئلة المستقبل.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق تعبُ مصطفى المصطفى تجاه أن يكون الدور حقيقياً تسبَّب في نجاحه (صور الفنان)

مصطفى المصطفى: ننجح حين نؤدّي الدور لا وجهات نظرنا

اكتسبت الشخصية خصوصية حين وضعها النصّ في معترك صراع الديوك. بمهارة، حضن الديك ومنحه الدفء. صوَّره مخلوقاً له وجوده، ومنحه حيّزاً خاصاً ضمن المشهد.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

كاميرا السوري أحمد الحرك تألّقت في «تاج» وتحلم برونالدو

بين الوجوه ما يُنجِح الصورة من المحاولة الأولى، وبينها غير المهيّأ للتصوير. يتدخّل أحمد الحرك لالتقاط الإحساس الصحيح والملامح المطلوبة.

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق الفنان المصري دياب حمل السلاح من أجل «مليحة» (الشرق الأوسط)

دياب: لن أجامل أحداً في اختيار أدواري

أكد الفنان المصري دياب أنه وافق على مسلسل «مليحة» ليكون بطولته الأولى في الدراما التلفزيونية من دون قراءة السيناريو، وذكر أنه تعلّم حمل السلاح من أجل الدور.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق استلهمت الكثير من نجمي العمل بسام كوسا وتيم حسن (إنستغرام)

فايا يونان لـ«الشرق الأوسط»: الشهرة بمثابة عوارض جانبية لا تؤثر عليّ

تابعت فايا يونان دورها على الشاشة الصغيرة في مسلسل «تاج» طيلة شهر رمضان. فكانت تنتظر موعد عرضه كغيرها من مشاهديه.

فيفيان حداد (بيروت)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».