بايدن يحشد دول العالم في مواجهة تغير المناخ

«تعهدات يوم الأرض»: الولايات المتحدة لخفض 52 % من انبعاثاتها... والصين والهند وروسيا تتجاوب

بايدن يفتتح «قمة المناخ» بحضور زعماء العالم أمس (رويترز)
بايدن يفتتح «قمة المناخ» بحضور زعماء العالم أمس (رويترز)
TT

بايدن يحشد دول العالم في مواجهة تغير المناخ

بايدن يفتتح «قمة المناخ» بحضور زعماء العالم أمس (رويترز)
بايدن يفتتح «قمة المناخ» بحضور زعماء العالم أمس (رويترز)

حشد الرئيس الأميركي جو بايدن 40 من زعماء البلدان الأكثر تأثيراً وتأثراً بظاهرة الاحتباس الحراري، معيداً للولايات المتحدة دورها القيادي في التصدي لأحد أخطر تحديات البشرية في القرن الحادي والعشرين؛ إذ دفع بزعماء، مثل الرئيسين الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين وغيرهما، إلى تقديم التزامات نحو هدف طموح لخفض انبعاثات الكربون وغيره من الغازات المسببة لتغير المناخ، بمعدل النصف بحلول عام 2030، على أمل تصفيرها عام 2050.
وافتتحت كامالا هاريس؛ نائبة الرئيس الأميركي، هذه القمة التي عقدت بشكل افتراضي مراعاة لشروط الصحة العامة بسبب تفشي جائحة «كوفيد19»، فيما جلس بايدن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن والمبعوث الأميركي للمناخ جون كيري حول طاولة أمام شاشات كبيرة في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض، حيث نقلت كلمات زعماء العالم عبر الإنترنت، فشهدت بعض التقطعات الوجيزة بسبب سوء الاتصال أحياناً مع بعض الدول، ولكنها لم تؤثر بصورة جوهرية على مسار القمة التي عقدت بمناسبة «يوم الأرض» في 22 أبريل (نيسان)، وتختتم اليوم الجمعة.
- بايدن يدق ناقوس الخطر
وأدار بلينكن الاجتماع الذي توالى الزعماء فيه على تقديم التزامات وتعهدات يتوافق أكثرها مع الهدف الطموح الذي حدده الرئيس الأميركي لأكبر اقتصادات العالم، وهو خفض الانبعاثات من الولايات المتحدة بنسبة 52 في المائة بحلول عام 2030. وحذّر بايدن من أن عدم التحرك سيؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بأكثر من 1.5 درجة مئوية عن معدل ما قبل الثورة الصناعية، منبهاً إلى العواقب الكارثية، بما في ذلك ازدياد ثورات البراكين والأعاصير وحرائق الغابات والفيضانات التي تهدد حياة البشر والصحة العامة. ووضع خريطة طريق لتنفيذ أهداف إدارته لخفض الانبعاثات عبر بناء خطوط نقل لشبكة نظيفة وحديثة، وتقليص الاعتماد على آبار النفط ومناجم الفحم.
وأعلن بايدن أن بلاده والاقتصادات الكبيرة الأخرى يجب أن «تنجز» الهدف الذي تطالب به الوكالات الدولية المختصة حول خفض الانبعاثات الناجمة عن الفحم الحجري والغازات الناتجة عن النفط الأحفوري. وقال إن الاجتماع «في هذه اللحظة هو أكثر من مجرد الحفاظ على كوكبنا»، مضيفاً أن «الأمر يتعلق بتوفير مستقبل أفضل لنا جميعاً». ووصف اللحظة بأنها «خطرة، ولكنها تشكل فرصة»، مشيراً إلى أن «العلامات لا لبس فيها. العلم لا يمكن إنكاره». وحذر بأن «تكلفة التقاعس عن العمل آخذة في الارتفاع». وعدّ أن الخطوات التي تتخذها إدارته «ستضع أميركا على مسار اقتصاد خال من الانبعاثات»، منبهاً إلى أن «أميركا تمثل أقل من 15 في المائة من انبعاثات العالم، ولا يمكن لأي دولة أن تحل هذه المشكلة بمفردها».
من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إن العالم يقف «على حافة الهاوية» بسبب تغير المناخ، داعياً إلى اتخاذ خطوات حازمة لتجنب وقوع كارثة. وحض زعماء العالم على بناء تحالف عالمي لتصفير انبعاثات الكربون بحلول عام 2050.
- الصين لخطوات كبيرة
لم يتطرق الرئيس الصيني إلى القضايا الخلافية الكثيرة مع الولايات المتحدة. بيد أنه أشاد بمبادرة بايدن، مؤكداً أن بلاده تقوم بخطوات كبيرة من أجل الحد من الانبعاثات، علماً بأنها أيضاً أكبر منتج للألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية. ووعد بخفض استهلاك الفحم تدريجاً بين عامي 2026 و2030 وخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون «في جزء من الجهود للحد من انبعاثات الاحتباس الحراري». كما تعهد شي بخفض مشاريع توليد الطاقة بالفحم، والالتزام بالحياد الكربوني. وطالب دول العالم بالالتزام باتفاقات الأمم المتحدة و«اتفاق باريس» والعمل المشترك لحماية الطبيعة. وقال إن «حماية البيئة تعني حماية الإنتاجية، وتعزيز البيئة يعني زيادة الإنتاجية»، عادّاً أن «الأمر بهذه البساطة».
وضغط رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي تعدّ بلاده ثالث أكبر مَصدر لغازات الوقود الأحفوري في العالم، على الولايات المتحدة والدول الأكثر ثراءً من أجل تقديم مليارات الدولارات التي وعدوا بها الدول الفقيرة من أجل بناء بدائل لمحطات الفحم، والشبكات التي تمتص الطاقة من الشمس والرياح والأمواج. وقال: «نحن في الهند نقوم بدورنا»، مشيراً إلى «اتخاذ كثير من الخطوات الجريئة» لخفض الانبعاثات من الهند.
وقال رئيس الوزراء الياباني، يوشيهيدي سوغا، إن بلاده مستعدة لخفض انبعاثات الكربون «بنسبة 46 في المائة خلال السنة المالية 2030»، مضيفاً أن اليابان ستعمل من أجل «دورة حميدة من الاقتصاد والبيئة»، وأنها ستزيد من استخدامها مصادر الطاقة المتجددة في الفترة التي تسبق عام 2030 من خلال تحفيز الاستثمار.
- دعوات لتحفيز التعاون الدولي
كذلك، لم يشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين؛ الذي كانت حكومته غاضبة علناً من وصف بايدن له بأنه «قاتل»، إلى خلافه مع بايدن، بل قال إن روسيا التي تعدّ رابع أكبر مَصدر لانبعاثات الوقود الأحفوري في العالم «مهتمة حقاً بتحفيز التعاون الدولي من أجل البحث بشكل أكبر عن حلول فعالة لتغير المناخ، بالإضافة إلى كل التحديات الحيوية الأخرى». وأكد أن موسكو مستعدة لتقديم عدد من المشروعات المشتركة والنظر في التفضيلات للشركات الأجنبية الراغبة في الاستثمار في التقنيات النظيفة، بما في ذلك تلك الموجودة في روسيا.
بدوره، طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دول العالم بـ«التحرك بسرعة أكبر لتنفيذ التزامات 2030»، داعياً إلى «خطة عمل واضحة وقابلة للقياس ويمكن التحقق منها». وقال إن «عام 2030 هو عام 2050 الجديد»، في إشارة إلى ضرورة تقريب الهدف المنشود لوقف الانبعاثات الضارة بالمناخ، موضحاً أن «هذه هي الخطة التي طرحها الاتحاد الأوروبي في ديسمبر (كانون الأول)، مع صفقته الخضراء الأوروبية. وبالتالي؛ فإن الأمر متروك لنا لاستخدام جميع الروافع المتاحة لنا: الابتكار، والتحول، والتنظيم».
- «مهمة شاقة»
قدم رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، إحدى أكثر الخطط وضوحاً وطموحاً لجهود المملكة المتحدة حول المناخ، وحض الدول الأغنى على أن «تتحد لتقديم أكثر من المليارات المائة من الدولارات التي تعهدت بها بالفعل عام 2009»، مشيداً بما قاله الرئيس الصيني عن ضرورة «الانسجام مع الطبيعة». وأضاف: «إذا أردنا معالجة تغير المناخ بشكل مستدام، فعلينا التعامل مع كارثة فقدان الموائل وفقدان الأنواع عبر كوكبنا».
ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل المعركة ضد تغير المناخ بأنها «مهمة شاقة»، عادّةً أن «المطلوب ليس أقل من تحول كامل، وتغيير كامل للطريقة التي نؤدي بها أعمالنا، والطريقة التي نعمل بها».
وقال رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، إن كندا ستخفض انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري إلى ما بين 40 و45 في المائة من مستويات عام 2005 بحلول عام 2030، واعداً بأن تكون كندا محايدة كربونياً بحلول عام 2050. وأضاف: «سنصدر قانوناً لاحترام هدفنا الجديد لعام 2030، وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050. هذه هي قصتنا المحلية، ويمكن أن تكون جزءاً من قصة نجاح عالمية أيضاً». وزاد: «عملنا بجد للوصول إلى أكثر من 80 في المائة من الكهرباء الخالية من الانبعاثات، ولن نتوقف حتى نصل إلى 100 في المائة».
- الدول النامية
وصفت رئيسة الوزراء البنغالية، شيخة حسينة، بلادها بأنها «رائدة عالمية في التكيف مع المناخ والتخفيف من آثاره»، رغم محدودية مواردها، موضحة أن بنغلاديش تنفق نحو 2.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي على تدابير مقاومة المناخ والتكيف معه.
وألقى رئيس جنوب أفريقيا، سيريل رامافوزا، كلمة حض فيها الدول المتقدمة على مساعدة الدول النامية في تحقيق أهداف المناخ، «للتأكد من أن الأكثر ضعفاً في المجتمع لا يتخلفون عن الركب». وقال: «ندعو الاقتصادات المتقدمة التي تتحمل تاريخياً المسؤولية الكبرى عن الانبعاثات، إلى الوفاء بمسؤولياتها تجاه الاقتصادات النامية».
ودعا الرئيس الإندونيسي، جوكو ويدودو، العالم إلى «اتخاذ إجراءات ملموسة» ضد تغير المناخ، شارحاً جهود بلاده لوقف حرائق الغابات الطبيعية.


مقالات ذات صلة

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

العالم «النينا» هي ظاهرة طبيعية تحدث كل بضع سنوات (أرشيفية - رويترز)

خبراء الأرصاد الجوية يتوقعون ضعف ظاهرة «النينا»

قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن هناك مؤشرات على أنه ربما تتشكل ظاهرة «النينا» المناخية، ولكن بشكل ضعيف للغاية.

«الشرق الأوسط» (جنيف )
الاقتصاد حذّر البنك الدولي من أن موجات الجفاف قد تطول نحو نصف سكان العالم في عام 2050 (واس) play-circle 00:30

البنك الدولي: الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً

قال البنك الدولي إن الجفاف الحاد ارتفع بنسبة 233% خلال 50 عاماً، موضحاً أن له تأثيرات البشرية والاقتصادية بعيدة المدى.

عبير حمدي (الرياض)
بيئة مواطنون في حديقة بمدينة شوني بولاية أوكلاهوما الأميركية في نوفمبر 2024 (أ.ب)

2024 يتجه لتسجيل أعلى درجة حرارة في تاريخ الأرض

سجلت درجة حرارة الأرض خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ثاني أعلى درجة حرارة في مثل هذا الشهر من أي عام.

«الشرق الأوسط» (برلين )
العالم العربي برامج البنك الدولي تساهم في التوعية بمخاطر التغير المناخي في اليمن (البنك الدولي)

تدهور الأراضي الزراعية في اليمن... ونصف مليون نازح بسبب المناخ

حذّر اليمن من تدهور الأراضي الزراعية بمعدل مقلق، بالتوازي مع إعلان أممي عن نزوح نصف مليون شخص خلال العام الحالي بسبب الصراع والتغيّرات المناخية.

وضاح الجليل (عدن)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.