تنشر «الشرق الأوسط» اليوم الحلقة الثالثة من كتاب {دولة الخيمة} الذي يصدر قريباً للكاتب الليبي مجاهد البوسيفي عن ليبيا في ظل حكم العقيد الراحل معمر القذافي.
تتناول حلقة اليوم الفترة التي تلت «ثورة الفاتح» وكيف تمكن القذافي من تصدر المشهد على حساب رفاقه من الضباط الأحرار الذين شاركوا في إطاحة حكم الملك إدريس السنوسي، وكيف بدأ حملة إخراج القواعد البريطانية والأميركية في ليبيا ثم طرد أبناء الجالية الإيطالية منها.
الكتاب من منشورات «ضفاف» في بيروت وسيصدر خلال معرض القاهرة للكتاب.
ما إن تكوَّن مجلس قيادة الثورة واعتمد رتبه الجديدة التي اقترحها عبد الناصر، وبدأ العمل، حتى برزت مشكلة عملية جوهرية. فقد كان مجلس قيادة الثورة لا يملك خططاً تتعدى يوم الانقلاب، وليس لديه مشروع لتنفيذه بعد ذلك اليوم. لقد قاموا بثورتهم أساساً لهدف خارجي، وهو دعم المجهود الحربي القومي الذي يقوده عبد الناصر، والمساهمة في المعركة المنتظَرة التي ستسترجع الأراضي المحتلة، وعدا شعارات عامة تخص الفساد والقمع، فإن المشروع الداخلي الليبي لم يكن وارداً من البداية، ولم تكن هناك خطط لليوم التالي، لفترة ما بعد نجاح الثورة. ولم يُخفِ الضباط الشباب ذلك، ولم يطالبهم به أحد، أو على الأقل لم ينتبه لعدم وجود المشروع الداخلي كثير من الناس.
كانت تلك الأشهر الحماسية، التي بدأت بإعلان الثورة صباح أول سبتمبر (أيلول) 1969، فترة رومانسية، تخلط بشكل كامل بين المحلي والعربي، بحيث كان عبد الناصر وأفكاره شأناً محلياً في كل بلد (...)، وما إن مرت أسابيع على ما حدث، حتى كان فتحي الديب، مبعوث عبد الناصر الخاص إلى ليبيا، ورجاله، وما هو موجود من كوادر ليبية، قادرين على تسيير دولة الثورة والقيام بالمطلوب من الخدمات.
ولم تكن هناك عملياً حاجة حقيقية لوجود مجلس الضباط الثوريين في ظل انعدام وجود عمل حقيقي لهم بعد عودة الهدوء إلى البلاد. لكنهم كانوا يقضون وقتهم، على أي حال، في اجتماعات ماراثونية مفتوحة، يتنازعون فيها فرص الكلام والوزارات، والحرص على البروز بمساواة مع الآخرين.
لم يكن بينهم خلاف سياسي في الرؤى أو الأفكار، لانتفاء وجود المشروع بالأساس. صحيح أن القذافي هو الزعيم، بمسافة واضحة عن الباقين، لكنهم كانوا بشكل ما متساوين في الحضور، لأنهم كانوا في أغلبهم من بيئة متشابهة، ونتاج مجتمع غير منمطٍ بعد، والأهم أنهم متساوون في حبهم لعبد الناصر «الأب»، وهو تقريباً كان المقياس للتميُّز والحضور، على طريقة ناموس ثقافة المجتمعات الأبوية.
أنتج هذا السياق من الأوامر المتتالية والنزاعات الشخصية، نوعاً من الفوضى والمنافسة غير المريحة.
لقد كانت فترة حماس هستيري، شهدت فيها اجتماعات مجلس ضباط الثورة، المنعقدة غالباً في مقر الإذاعة، التدافع والاعتراضات. ورغم أن الأجواء العامة كانت رفاقية، وفيها ما يكفي من مودة العشرة والشراكة، فإن الأمور كانت تفلت أحياناً وتخرج عن المألوف. ففي أحد تلك الاجتماعات، وصل التزاحم إلى حد أن سحب العقيد القذافي رشاشه، وهدد مباشرة زملاءه الحاضرين. وكان اعتمادهم على فتحي الديب كبيراً بشكل لا يمكن تجاوزه.
وأسهم رجل ناصر مع فريقه، كما مر بنا، بفاعلية في كل شيء تقريباً، من الحفاظ على تدفق السلع التموينية، إلى إيجاد مناصرين جدد للثورة من التيار المدني والتنسيق معهم في مهام، وأيضاً المساعدة في إعادة بناء الجيش وإنشاء جهاز المخابرات، ثم قام بـ«التشريع» لعملية تأمين الثورة، واقترح قوانين لا يُسمح بتجاوزها، وسياقات لعمل الأشياء استمرت إلى آخر يوم.
كانت «براءتهم» مسرحاً عريضاً يتحرك عليه ذلك الرجل الذكي، الذي حاز مرتبة كبيرة عند الضباط الشباب، يصفها هو نفسه في رسالة إلى زعيمه، بالقول إن أعضاء مجلس الثورة يثقون به إلى درجة أنهم يستشيرونه في كل خطوة قبل تنفيذها.
وكان أداء العقيد معمر القذافي أيضاً يتطور بسرعة في الوقت ذاته. فبينما هز حدث الثورة كل رفاقه الضباط الشباب وأظهر خفَّتهم وحماسهم العاطفي ومطالبهم المتواضعة، بقي هو على المسار نفسه: شابٌ في السابعة والعشرين، نحيف وهادئ، يجيد الاستماع، ويحرص على البقاء بعيداً عن الإعلام، قدر الإمكان، التقطته عين الرجل المصري سريعاً وقدّرت له مكانته، فوصفه في تقريره الذي كتبه بعد أقل من يومين من وصوله، وأرسله إلى زعيمه في القاهرة، بأنه: متزن وصلب ومتدين، لديه بعض الغموض، ويتمتع باحترام زملائه، ومدرك لما يدور في العالم، ويميل للابتعاد عن الأضواء.
لقد أدار العقيد عملية خروجه إلى العلن بموهبة فطرية كامنة تجاه الإعلام، سيعرفه العالم بها فيما بعد. فبينما كان الجميع يريد أن يعرف مَن وراء هذا كله، كان هو يبدو متمهلاً في تعريف العالم إليه، مغذياً بشكل غريزي شهوة الفضول عند الصحافة التي نشطت حوله. وهكذا، اكتسب حضوراً شعبياً جارفاً بأقل تكلفة ممكنة. وعندما كانت تتسرب صورة أو لقطات له إلى العامة، كان الناس يشعرون بالسعادة والفرح، لأن الله وهبهم زعيماً شاباً من بينهم يحب عبد الناصر، ويأكل «البازين» (طبق ليبي تقليدي) بيديه وهو يفترش الأرض.
وكان الديب محقاً. فصورة معمر القذافي بدت مختلفة عن صورة زملائه، التي كانت تتراجع، لأنهم كانوا يتحركون في كل اتجاه، مشتتين قدراتهم بسبب حماس اللحظة الشديد.
وأياً كانت الأسباب، فقد خرج العقيد منتصراً، بعد أن عمّده منشئ القومية العربية أمام شعبه في القيادة، أثناء خطبته في ملعب المدينة الرياضية المكتظ، في يوم من أيام الأمة الخالدة.
كانت يد عبد الناصر ما زالت تملك تلك اللمسة السحرية لمنح الشرعية، لمسة أحياها سيل من التعاطف الكاسح معه بعد الهزيمة، وكان ناصر، الذي ضاقت مساحة تحركه، قد أصبح ماهراً في استخدام ذلك المقدار المحسوب من البرَكة الذي تبقّى له.
وسرعان ما بدأت عملية تأمين الثورة وقائدها تظهر للعلن. فبعد إعلان غامض عن محاولتين أو ثلاث للانقلاب على الثورة تمت الإطاحة في أبرزها باسمين كبيرين من الشركاء، هما وزيرا الدفاع آدم الحوّاز، والداخلية موسى أحمد، اللذان كانا من خارج المجلس، لكنهما قدّما خدمات مهمة أسهمت في حسم الأمر لصالحه. فقد قام موسى أحمد بالسيطرة على قاعدة «قرنادة» العسكرية الكبيرة في الشرق الليبي، التي تعدّ مقر قيادة القوات المتحركة، التي تعدّ اليد الأخرى مع الجيش للنظام، وبذلك جعل من أمر الانقلاب ممكناً بالفعل. أما آدم الحوّاز فقد كان آمر معسكر «قاريونس» الذي كان يخدم فيه القذافي بصفته ضابطاً في الجيش، وكان ليلة الثورة في حمايته.
لكن هذين الضابطين، موسى أحمد وآدم الحوّاز، كانا من الفئة التي اتفق عبد الناصر مع البعثيين على النصح بعدم منحها الثقة، لأنهما من رتب عسكرية أعلى من رتب ضباط المجلس الشباب، وبالتالي لن يكفّوا أبداً عن تذكير أنفسهم بأنهم الأوْلى بالقيادة والحكم. وحدث ذلك في ديسمبر (كانون الأول)، بعد ثلاثة أشهر تقريباً من قيام الثورة، وهو الوقت نفسه الذي استغرقه أمر البدء بمعالجة مسألة الصحافة التي تعرضت لمحاكمات علنية من الثورة، ووُضِع مؤسسوها وأبرز صحافييها خلف القضبان، وجُرجروا إلى المحاكم، حيث وُجِّه إليهم خليط من التهم، تخص التلاعب بالرأي العام لصالح الملك، وتم إغلاق الصحف المستقلة وإنشاء أخرى جديدة بإمكانات كبيرة تتبع الثورة، كما حدث في الجارة الكبيرة، مصر، من قبل. وكما حدث في الجيش والصحافة، حدث في قطاعات أخرى، وإن بضجة أقل، عبر حملات أمنية سريعة وحازمة ضد كل من يُعتَقَد أنه يشكل احتمالاً للخطر.
الإزعاج الحقيقي الوحيد الذي ظل أمام العقيد وزعامته الكاملة، بعد أن انقضى ربع العام الأول على ثورته، لم يكن آتياً من الخارج، بل من داخل حلقته الخاصة التي يعمل ويتحرك فيها، ومن ضغوط زملائه وفوضويتهم وطريقتهم في التصرف، كأنهم أصحاب في «زردة» (نزهة) ليبية، تعلو فيها الأصوات لشباب متحمس ليس عليه أن يفكر في العواقب وفي الأخطار. كان شعور الندية العفوي سائداً بين الكل، وكانت النقاشات تبدأ ولا تنتهي، والآراء تستمر في الدوران في غرفة الاجتماع دون أن تستقر. كان هناك حماس وغضب كامن وضعف شديد في الخبرات. وإذا مزج هذا الخليط مع انتفاء وجود مشروع للحكم من الأساس، يصبح وقوع الأمر كله تحت باب الارتجال والتغيير المستمر للخطوات أمراً محتوماً. ولم يكن إبقاء هذه الخلافات طي الكتمان أمراً ممكناً على الدوام. فقد كانت هناك لحظات يفلت فيها العقال وتخرج للعلن، كما حدث في واقعة الرشّاش، أو في تلك المرة التي تعارك فيها أعضاء المجلس في حضور عبد الناصر نفسه، الذي أغضبه الموقف الطفولي الذي وجد نفسه فيه، فغادر الجلسة ليتبعه «الأبناء» إلى مقره يعتذرون له ويطلبون منه السماح.
والحال، أنه بعد فترة قصيرة من قيام الثورة، شعر العقيد بأن مجلس قيادة الثورة لم يعد يستطع متابعة التغيرات، وأن زملاءه لا يحملون رؤية ثورية ناضجة، وإمكاناتهم الإدارية البسيطة لا تسعفهم في إكمال المهمات الموكلة إليهم، وأنهم بدل أن ينهمكوا مثله في العمل، يقضون أوقاتهم في الاعتراض على ما يطرح من أفكار والصراع على النفوذ. وبعد أن توفي عبد الناصر وانفتحت آفاق جديدة للحركة أمامه، ازداد هذا الشعور، وأصبح نوعاً من الهاجس الذي يدفع نحو البحث عن حل.
فقد كان العقيد القذافي يريد التخفف من حمولته ليستطيع مجاراة السباق القومي الذي افتتح شريطه بعد غياب الزعيم. وحتى يصل إلى ذلك الهدف، كان يدرك أن عليه اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتمتين الجبهة الداخلية وتهيئة البلاد للانطلاق، وهو أمر من الصعوبة أن يحدث في ضوء البطء الذي تعيشه الثورة الآن، بفعل قلة وعي وثقافة ضباط المجلس، وقلة خبرتهم في الإدارة والحياة، بينما كانوا هم يرون، أحياناً بالإجماع وأحياناً بموافقة بعض منهم، أنه صار ينفرد بالعمل والقرارات يوماً بعد يوم، وأنه يعاملهم بتعالٍ كناقصي وعي أو ولاء، وأن ضحالة ثقافتهم ليست بالضرورة إدانة لهم. وبين وجهتي النظر وتداعياتها العملية، ستنمو حالة من الاعتراض شبه الدائم، والخلافات بين ضباط المجلس بعضهم مع بعض أولاً، أو بين ضباط المجلس والعقيد غالباً، وستتطور هذه العلاقة حتى تصل إلى مكان آخر مختلف تماماً كما سنرى.
ورغم تأخر حسم موضوع المجلس، فإنه، في واقع الأمر، لم يعد له الكلام الفصل منذ الأشهر الأولى بعد الثورة، خصوصاً بعد أن قام العقيد القذافي بنقلتين كبيرتين خلال أشهر فقط من قيام ثورته، أفردت له ما يحتاجه من فرادة إعلامية وحضور بين الناس، كانت النقلة الأولى هي إخراج القواعد البريطانية والأميركية الموجودة في ليبيا، في يونيو (حزيران) 1970، والثانية هي إخراج الجالية الإيطالية من ليبيا بعد ذلك بثلاثة شهور. ورغم أن الخطوة الأولى كان متفقاً عليها بين حكومة الملك ودولتي القواعد منذ سنوات، إذ وافقت الدولتان على مطالبات الملك المستمرة استجابة لضغط الرأي العام في الستينات، لوضع نهاية لوجود تلك القواعد، وحددت التواريخ لتنفيذ ذلك من قبل، وتمت كتابة ذلك كعناوين عريضة في كل الصحف، فإنها جُيِّرت بالكامل لصالح العهد الجديد وقائده. كذلك كانت الخطوة الثانية التي قضت بإخراج «المستوطنين الإيطاليين» في أكتوبر (تشرين الأول) 1970، حيث صار يسوّق كل عام للاحتفال بتلك الذكرى وترويجها كإنجاز استردت به الثورة ما سلبه الاستيطان الإيطالي من حقوق، وتم تحويل مشكلة اجتماعية اقتصادية محلية، إلى معركة بين فُسطاطين، انتهت سريعاً، كما هو محسوب، بطرد «الجالية الإيطالية» التي صار كثير من أفرادها ليبيين حقيقيين منذ زمن، في عملية شعبوية سريعة، أدت إلى إخلاء ليبيا بالقوة، من شريحة ثقافية واجتماعية وعرقية كاملة، يصفها كاتب متابع لحركة المجتمع ومساهم في بعض مفاصلها، هو الدكتور محمد عبد المطلب الهوني، بأنها كانت «تدريباً على النهب أكثر منه استرداداً للحقوق»، بهدف «تدمير سلّم القِيَم، لاستبدال سلّم آخر بديل به»، وذلك بناءً على ما رصده من تحولات بعد هذا الحدث.
فقد فُتح الباب واسعاً أمام التجريف الثقافي والعرقي في البلاد، بتقديم المغريات، ولو إلى حين. وبعد مدة قليلة، ستُضاف شريحة ليبية أخرى كاملة للتجميد، عندما توجَّب على «الأمازيغ» الليبيين أن يتصرفوا الآن كعرب، بعد أن أثبت العقيد، شخصياً، في التلفزيون، انتماءهم العروبي الأصيل، بعد سرد تاريخي مُطوَّل، استعرض فيه سعة اطلاعه وقدرته على استنتاج القوانين التاريخية القادرة على تصحيح الخطأ. ومقابل هذا الشرف، منع عليهم التحدث أو الكتابة بلغتهم الأمازيغية الأم، تحت طائلة القانون، نحو أربعين سنة.
وسيصبح استخدام أسلوب التجريف المجرب هذا فناً ثورياً خاصاً، مضمون النجاح. ففي إحدى تلك المرات، حرّض العقيد علناً على أن يكون «البيت لساكنه»، وخلال أيام، تم الاستيلاء على ملكية أكثر من ثمانين ألف بيت تعود لمواطنين آخرين. لقد كانت طريقة مُجرَّبة وخاضعة لتدريب خفيّ.
وفي الواقع، فإن الثورة نفسها ما انفكت تفصح عن ذلك منذ اليوم الأول، وبوضوح مباشر وشديد، وكررت فكرة «القضاء على ثقافة العهد البائد» في كل ميعاد ووسيلة إعلام وصلت إليها. ولا يمكن القضاء على ثقافة ذلك العهد إلا بالقضاء على «ثقافات» أخرى داخله، تمثل بناءً اجتماعياً دقيقاً ومَرِناً في تنوعه، وقادراً على العمل. وما يقوله الهوني هنا، في تلك المحادثة الهاتفية الطويلة، إن كل ما تم هو أن الثورة نفذت شعارها في «القضاء» على سلّم قِيَم معتاد، ولكن من «بوابة ذكية» حسب توصيفه الخاص، وزعت من خلالها جوائز من تركة الغصن المطرود من الشجرة الليبية على الباقين، لمكافأتهم على الامتثال، وإذاقتهم حلاوة الطاعة في الوقت نفسه.
ومنذ ذلك الوقت، تعلم الناس أن هناك أشياء جيدة تنتج عن المشاركة في مثل هذه الأحداث، وقد تكون فرصة للانتقال من وضع اجتماعي واقتصادي إلى وضع آخر جديد، بمعنى أن «الثورة تمنح مكافآت لأولئك الجريئين» الذين يريدون الالتحاق بأنشطتها الجارية في المجتمع للقضاء على ثقافة العهد المُباد، وهي «نقلة» ذكية ولا شك في فن تحريك المجاميع داخل الشعب، ولكنها أيضاً دليل تفكير مُبكِّر مدروس. ومهما أخذت في اعتبار دعم الآخرين له، يبقى حيزاً من المتابعة والتنفيذ كأنه لشخص «مبرمج» على الحكم.
وهكذا، تم طرد «الجالية الإيطالية» التي صار كثير من أفرادها العشرين ألفاً ليبيين حقيقيين منذ زمن، مرتبطين بالمجتمع اقتصادياً واجتماعياً، وإضافة ثقافية للتنوع والاختلاف. وهكذا خسرت ليبيا، تحت شعارات وهمية تماماً، فرعاً مهماً من شجرتها، شمل حياة كاملة، لغةً وثقافةً وعادات، لتختفي من القاموس الاجتماعي الليبي، بداعي «جلاء الفاشيست»، وهو جلاء استُقبل بتأييد شعبي كبير، مع أن شرائح كثيرة من المجتمع الليبي تنحدر من بقايا حالات احتلال سابقة لهذه الأرض.
بهاتين الخطوتين، جلاء القواعد وجلاء الفاشيشت، كان العقيد قد فرغ، مرة وإلى الأبد، من إقناع الجميع بأنه الرجل الذي انتظروه، قائداً لمسيرة بدأت للتو، وها هي «ثمار» النقلتين تصب في واديه عبر مجرى إعلامي تم تجريبه وأثبت نجاعته.
(1 -3) : القذافي و«دِين الغرب»... حاجة الثورة لعدو يمنحها شرعية البقاء
(2 -3) : سنوات البراءة: «القوميون» تسابقوا لاستقطاب العقيد... ففاز عبد الناصر