«سيرك لبنان العالمي» يطلب الكلاسيكية لحظة تخلى عنها الآخرون

بعد بيروت ينتقل إلى خارجها بنموره وحيواناته الأليفة

«سيرك لبنان العالمي» يطلب الكلاسيكية لحظة تخلى عنها الآخرون
TT

«سيرك لبنان العالمي» يطلب الكلاسيكية لحظة تخلى عنها الآخرون

«سيرك لبنان العالمي» يطلب الكلاسيكية لحظة تخلى عنها الآخرون

مستمر «سيرك لبنان العالمي» في عروضه والجولات لن تتوقف «فإقبال الجمهور يشجع على الاستمرار لا بل والاجتهاد من أجل الأفضل» بحسب ما يقول تيري أنطونيوس وهو مؤسس السيرك مع زميله إسحاق بوساري. الشابان الرياضيان اللذان دفعهما حب السيرك للذهاب إلى أوكرانيا والتدرب هناك، وهما في مطلع عشريناتهما، لمدة سنتين، قبل أن يعودا ليشكلا فرقتهما الخاصة، ينظمان الحفلات الصغيرة الخاصة كما العروض الكبرى التي تحتاج إلى نقل أطنان المعدات من منطقة إلى أخرى.
بعد بيروت، حطت الفرقة المكونة من 10 لبنانيين و12 فنانا من جنسيات مختلفة في طرابلس بداية شهر فبراير (شباط) وهي مستمرة حتى الثامن من مارس (آذار). هناك فنانون فرنسيون وكولومبية وألماني وروسي وسويسرية، كل جاء بتجربته وأدواته لينضم إلى آخرين لهم خلفياتهم الثقافية أيضا. الخيمة المنصوبة في معرض رشيد كرامي الدولي، رغم العواصف الصقيعية والأمطار المتواصلة، تستقبل آلاف الآتين من مختلف مناطق الشمال، مع أولادهم، خلال الحفلات التي تقدم مع نهاية كل أسبوع.
السير على الحبال المشدودة للفنانين وهم مغمضو العينين على ارتفاع شاهق، أو قطع مسافة على حبل وهم معلقون في الهواء، القفز في الفراغ، المخاطرة المثيرة للفرجة، جزء من هذا السيرك، الذي يركز على إبراز مهارة لاعبيه، متقصدا تأجيج الخوف في قلوب المتفرجين.
يأتي السيرك اللبناني، في وقت يبدو فيه هذا النوع من السيرك الكلاسيكي وكأنه في بلدان كثيرة بات إلى اندثار. الأولوية اليوم، لأنواع أخرى من الفرجة تضيف إلى ألعاب الخفة والتهريج، المؤثرات الصوتية والضوئية بالاستعانة بآخر التكنولوجيات، لتوليد الإثارة، وجلب جمهور غفير. تيري أنطونيوس يعترف بأن «السيرك الذي يشترك فيه حيوانات هو حتما إلى التراجع، بسبب الحملات التي قامت بها جمعيات الدفاع عن حقوق الحيوان، وأصبح الاهتمام الأكبر منصبا على الإخراج والأزياء والتقنيات العالية للتعويض عن غياب العنصر الحيواني في العرض والذي كان يشد انتباه الناس بشكل كبير». لكن تيري من خلال خبرته منذ تشكيل الفرقة عام 2008 يؤكد «إن الأطفال لا يزالون يحبون مشاهدة الأسد والنمر والفيل وغيرها في حفلات السيرك، لكنهم حرموا منها، وهو ما لا نريد لأطفالنا أن يفتقدوه. فالتلامذة الذين يتعلمون في المدرسة دروسا عن الحيوانات يبقون بحاجة لأن يتفاعلوا مع هذه الكائنات ويرون مهاراتها، وما تستطيع أن تبلغه بالتدريب».
السيرك اللبناني لا يبدو أنه يعبأ كثيرا بالجمعيات التي علا صوت مطالبها، وانتصرت على مديري السيرك ومشغليه في بلدان كثيرة. في العرض الذي يقدم حاليا، نمور لها وقتها الخاص وتجهيزاتها وأقفاصها التي تركب بعناية خوفا على سلامة الجمهور، ولها أيضا مروضها الذي يجعلها تتحرك كما لو أنها مجرد مخلوقات أليفة تقفز داخل حلقة مشتعلة أطرافها بالنار، وتستريح وتسترخي حين يطلب إليها ذلك.
الاعتماد في غالبيته على حيوانات هي في جلها منزلية، تعوّدها الأطفال لكنها هنا تقدم عروضا ظريفة للغاية، وهذا ما يجعل لهذه الألعاب نكتها التي تميزها. 16 قطة مع مدربتهم تستطيع أن تتنقل بين السلال التي تختبئ فيها، وترقص على أنغام الموسيقى، وتتحرك وكأنها تؤلف معا فرقة متناغمة في حركتها وقدرتها على الإبهار. عرض آخر للعصافير والببغاوات لا يقل حنكة وطرافة. ضمن الألعاب السير بالدراجات النارية بسرعة فائقة أفقيا وعموديا داخل قفص دائري مغلق، والبهلوانيات المتنوعة، كما القفز في الأراجيح، واستعراض الليونة حين تصل حد طي الجسد كما لو أنه خلا من عظام تحد من حركته.
الفرقة التي قدمت ألعابها في الأردن والعراق ومصر والدوحة، سعت دائما لتدريب لبنانيين وضمهم إليها، لكنها اصطدمت منذ البداية كما يقول تيري بالأفكار الجاهزة: «فمن ذا الذي يقبل لأولاده في لبنان أن يجعلوا من ألعاب السيرك مهنتهم؟ لا تزال الذهنية تنظر إلى عملنا بخفة، وعلى أنه يصعب الوثوق به لتأمين حياة للمستقبل. فهل هناك حقا من يريد لأحد أبنائه أن يعمل مهرجا؟»
تيري وإسحاق، مؤسسا السيرك اللبناني، خرجا من ثقافة لا تعير الليونة الجسدية اهتماما، ولا ترى إلى فنون السيرك مكانا مناسبا ينخرط فيها أبناؤها، ومع ذلك يقول تيري «نحن عملنا واجتهدنا، ولسنا نادمين. الإنترنت سمح لنا بأن نطلع على كل جيد في مجال عملنا يحدث في العالم، أن نتواصل مع آخرين يشاركوننا مهنتنا، أن نطلب منهم الانضمام إلى الفرقة. كل يأتي بمعداته ويعرف شروط لعبته. السيرك حاجة للأولاد ونحن نلبي هذه الحاجة في مجتمع لا يعيرها كبير اهتمام».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».