كيف غيّر العمل من المنزل خزانات ملابس العالم؟

فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
TT

كيف غيّر العمل من المنزل خزانات ملابس العالم؟

فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية
فرانشيكا زاني ممثلة ومخرجة إيطالية

هل غيرت شهور من العزلة الذاتية، وقرارات الإغلاق، والعمل من المنزل مما سوف نرتديه من ملابس بمجرد الخروج إلى الحياة الطبيعية مرة أخرى؟ كانت الفرضية إيجابية لفترة طويلة من الوقت. أما الآن، ومع البدء في التخفيف من القيود، والعودة إلى الأعمال، والسفر، فإن مثل هذه المجريات باتت أشبه بالتوقعات شبه المرجحة. غير أن تجارب كل دولة تختلف عن الأخرى في هذه النقطة، كما سوف تختلف نوعية الملابس التي هيمنت على خزائن الناس في كل مكان. وقبل أن نتمكن من التنبؤ بما هو آتٍ، فإننا في حاجة إلى فهم ما كان يحدث.

إيطاليا
تتفق تقارير مبيعات التجزئة، ومجلات الموضة والأزياء، مع الروايات الشخصية على ما يلي: مع العمل من المنزل خلال العام الماضي، وجدت نساء كثيرات في إيطاليا عزاءهن في الحياكة. وكان أولئك الذين يستطيعون تحمل التكلفة يفضلون الحياكة من صوف الكشمير، وهو النوع الذي أطلقت عليه مجلة «فوغ» الإيطالية اسم: «النسخة الفاخرة من الملابس المنزلية ذات القطعتين».
يقول فابيو بيتريللا، رئيس «كونفارتتيغياناتو مودا»، وهي فرع الموضة في رابطة الحرفيين والشركات الصغيرة: «بينما تشير اتجاهات المستهلكين إلى التحول من نظرة الأعمال المريحة، فإنها ليست مريحة للغاية. لقد تجنبت النساء الإيطاليات ارتداء الملابس الرياضية بسبب ملابس التريكو عالية الجودة التي تضمن حرية الحركة ولكن مع الحد الأدنى من الأناقة».
عكس استطلاع للرأي اشتمل على عينة عشوائية من النساء العاملات، أغلبهن من فئة الأربعينات والخمسينات من العمر، أن كثيراً منهن استمررن في ارتداء ملابس الخروج كما لو كن يخرجن إلى العمل في المكاتب، حتى مع تفضيل الراحة المنزلية على أي اعتبار آخر.
وقالت إحدى النساء إنها قد حرصت على ارتداء ملابس الخروج والذهاب كل صباح إلى مقهى صغير لتناول قدح من القهوة قبل الجلوس إلى مكتبها لمواصلة العمل. وقالت امرأة أخرى إنها كانت ترتدي ملابس الخروج كما كانت في أوقات ما قبل انتشار الوباء لتكون مثالاً حياً أمام أولادها المراهقين، الذين توقفوا تماماً عن الاستحمام (كما تقول مازحة) بعد شهور من مواصلة التعلم عن بُعد في المنزل.
تقول أستريد ديريديتا، وهي مستشارة ثقافية ووالدة لطفل جديد، إنها تخلت عن ارتداء البيجاما حتى أثناء ما كانت حاملاً في وليدها، وتخيرت ارتداء الملابس المنزلية غير الرسمية وإنما بصورة متناسقة أنيقة. كما حظيت البيجاما والسترة المنزلية بإعجاب من سيمونا كابوكاشيا، وهي مصممة الغرافيك التي تعمل من المنزل منذ شهر مارس (آذار) الماضي، والتي قالت: «إن ارتداء ملابس الخروج للعمل من المنزل يثير إعجابي وتشجيعي كثيراً».
كما يمكن لميلينا غامايتوني، الأستاذة في جامعة روما تري الرئيسية، قضاء عدة أيام كاملة على حاسوبها الشخصي، ما بين مختلف اجتماعات الأقسام عبر تطبيق «زووم» المرئي، وغير ذلك من دروسها مع الطلاب (الذين تطلب منهم عدم ارتداء ملابس المنزل أثناء تلقي المحاضرات عبر الإنترنت)، ولكنها لا تزال ترتدي ملابسها كما كانت تفعل قبل انتشار الوباء، مع سترة أنيقة ملونة تعلو بنطال كاجوال لطيفاً. وقالت وهي تغالب الضحك: «لقد بدأت مؤخراً في استعمال عطوري الخاصة، أشعر بأنني ملتاعة تماماً».
تقول الممثلة والمخرجة فرانشيسكا زاني، التي عملت في تصوير فيلم وثائقي حول المرأة الإيطالية في زمن الإغلاق العام، إن إحدى نساء الفيلم أصرت على الاستمرار في ارتداء الكعب العالي خلال اجتماعات «زووم» المرئية على الرغم من أن أحداً لن يتمكن قط من رؤية حذائها أثناء الاجتماع. في حين أصرت امرأة أخرى على ارتداء ملابس السهرة في المنزل، وكانت تختار لوناً مختلفاً في كل ليلة. وأضافت تقول: «غير أن ذلك لم يستمر لفترة طويلة، لقد سئم زوجها من ذلك».
يقول بيتريللا إن إحدى الدراسات قد خلصت إلى أن النساء الإيطاليات قد اخترن ارتداء ملابس العمل داخل المنزل كنوع من إقامة جدار نفسي لعزل أنفسهن بدرجة من الدرجات عن بقية أفراد الأسرة. وأضاف أيضاً يقول: «ارتداء ملابس العمل داخل المنزل يبعث برسالة مفادها أن الأم لم تغادر المنزل بعد، وأنها تواصل العمل. ولذلك، فإن الاحتياج المستمر للأم في تغطية كل الأعمال والأعباء المنزلية ليس على النحو المفهوم، نظراً لأنها تواصل العمل من المنزل وليست متفرغة. ومن ثم، فإنها قد تبنت نظرة تعكس لأفراد الأسرة الآخرين أنها مستمرة في العمل فعلاً».

الهند
تخير العاملون المهنيون من فئة الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم الراحة على الأناقة خلال العام الماضي. وجرت الاستعاضة عن الملابس الرسمية بأخرى رياضية، كما استبدلت بالأحذية النعال الخفيفة (تماماً كما الحال في كثير من الثقافات الآسيوية الأخرى، لا يرتدي أغلب المواطنين الهنود النعال داخل المنازل)، ويتم ارتداء القمصان الرسمية أثناء المحادثات المرئية مع سراويل البيجامات، أو السراويل الرياضية، أو الشورتات القصيرة في الأسفل.
وواجهت الهند في الفترة الأخيرة واحدة من من أكثر حالات الإغلاق العام صرامة على مستوى العالم بين 25 مارس (آذار) لعام 2020 وحتى نهاية مايو (أيار) من العام نفسه، وكان التسوق مسموحاً به لتغطية الاحتياجات الأساسية فقط من البقالة أو الأدوية ليس إلا. حتى خدمات مبيعات التجزئة عبر الإنترنت قد توقفت تماماً عن توفير العناصر الأساسية لطلبات المنازل. ونتيجة لذلك، تراجعت مبيعات الملابس في البلاد بنسبة بلغت 30 في المائة عن العام الماضي، وذلك وفقاً لتقرير مشترك صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية رفقة رابطة تجار التجزئة في الهند.
ومع أن حالات العدوى كانت منخفضة إلى درجة ما أثناء فصل الشتاء، فإن الأسابيع القليلة الماضية قد شهدت ارتفاعاً مطرداً في حالات الإصابة إلى مستويات مذهلة في غير جزء من أجزاء البلاد. وفي الآونة الراهنة، يبدو أن مزيداً من الاشخاص سوف يواصلون العمل من المنزل لأغلب شهور عام 2021 الجاري.
أما بالنسبة إلى ريتو غوراي، التي تدير شبكة للأمهات في مومباي، الأمر الذي يعني أنها نادراً ما تخرج للتسوق، وبدلاً من ذلك تستعين بالإكسسوارات من شاكلة الأوشحة، والمجوهرات، والنظارات في إضفاء لمسة جمالية لطيفة على مظهرها الخارجي، حتى تحافظ على أناقتها كامرأة.
وبالنسبة إلى ساتشي بهاتيا، المعلمة بالمرحلة الابتدائية، كان الأمر يعني استبدال السراويل الطويلة (الكورتا باللغة الهندية) والبلوزات الرسمية بالقفاطين والسراويل المنزلية. وحتى تتمكن من تشجيع فصلها الدراسي المكون من 30 طفلاً على ارتداء الملابس في الصباح عوضاً عن حضور الدروس بملابس المنزل السهلة، تحرص بهاتيا على أن تبدو أكثر أناقة، مع التأكد من تمشيط شعرها الطويل بصورة سليمة.
أما راناجيت موخيرجي، العضو في حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، فالعمل من المنزل، بالنسبة له، بدلاً من السفر المتواصل إلى مختلف الدوائرة الانتخابية كان يعني استبداله اللازم لأزيائه السياسية الرسمية - سترة كورتا البيضاء الطويلة التي تستخدم في تمييز أعضاء الحزب عن عمال الشركات، مع سترة نهرو المعروفة المستخدمة في الفعاليات الرسمية، بملابس أخرى تتمثل في القمصان القصيرة والسراويل العادية. وأغلب زملاء موخيرجي كانوا يفعلون الشيء نفسه كما قال.

فرنسا
استرسل شعر ناتالي لوكاس بأناقة واضحة على قميصها الأسود المنتفخ بطيات السترة الكبيرة. وتدلت سلسلة فضية سميكة أسفل عنقها، مع أحمر الشفاة اللامع الذي عكس لمحة من اللون البراق، وتحت الخصر كانت ترتدي سروالاً رياضياً مريحاً بلون أسود أيضاً، وقالت: «إنه من متجر فرانكي، تماماً مثل القميص والقلادة». وأضافت السيدة التي كانت تعمل مديرة للتسويق لدى متجر أو برينتامب: «إنني حافية القدمين تماماً. إن العمل عن بُعد من المنزل قد غير من عاداتنا بكل تأكيد».
تقول مانون رينو، الخبيرة في علم اجتماع الموضة: «إن اجتماعات (زووم) المرئية أمر يثير القلق لدى الفرنسيين بصفة خاصة، لا سيما سكان باريس الذين يشعرون بأنهم يمثلون واجهة الأناقة في البلاد وفي العالم». وعلى الرغم من أن بعضاً منهم اطلع على حالة القلق التي اعترت صحيفة (لو فيغارو مدام) الأسبوعية المحافظة بشأن ما إذا كانت عادة ارتداء الملابس المنزلية سوف تجر الموضة الفرنسية إلى حالة من الفوضى العارمة، أم لا، تشير المقابلات مع مجموعة من أهل باريس إلى أنهم تمكنوا من الوصول إلى حل وسط من نوع ما.
عندما عاد خافيير روماتيه، عميد المعهد الفرنسي للموضة وهو مدرسة الأزياء الأولى في فرنسا، إلى العمل، لم يكن يرتدي البدلة الرسمية، وإنما مجرد قميص أبيض اللون تحت سترة من الكشمير الأزرق وسروال رياضي بلون البيج، مثلما كان يرتدي في المنزل. وانتعل زوج من الأحذية الرياضية من ماركة فيجا العلامة التجارية الفرنسية المعروفة بصداقتها للبيئة.
على نحو مماثل، كانت آن لوم، مديرة الابتكار في شركة سان لويس، العلامة التجارية المعروفة لأدوات المائدة الفاخرة، ترتدي الملابس نفسها سواء كانت تعمل عن بُعد أو تمارس حياتها الشخصية العادية بعيداً عن العمل. وكان مظهرها المفضل يتألف من معطف من الكشمير بلون الجمال، من تصميم الصديق لورانس كودورييه، مع سروال فضفاض من الحرير بلون البرقوق الداكن. فضلاً عن أحمر الشفاه، وأقراط الأذن، مع أربعة خواتم سواحيلية اشترتها من رحلة إلى كينيا.
ومن جانبه، صمم تيري ميليه، الرئيس التنفيذي لشركة أوشوت، وهي منصة إنتاج الأصول المرئية، ملابس خاصة بالعمل من المنزل تحتوي على ملابس العمل القديمة من الأعلى وحتى مستوى الخصر - القمصان الزرقاء الفاتحة أو البيضاء التي يبتاعها من إميل لافوري، أو من الإنترنت من موقع شارل تيرويت، مع سترة ذات ياقة مستديرة إن كان الطقس يميل للبرودة، ومن الخصر حتى الأسفل عبارة عن سروال من القماش المرن.
تقول صوفي فونتانيل، الكاتبة والمحررة السابقة للموضة والأزياء في مجلة «إل»: «غالباً ما أقضي معظم وقتي في المنزل بلا نعال، رغم أنني أرتدي فستاناً رائعاً للغاية في الوقت نفسه».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».