أعمال ترميم في أزقة طرابلس لاستعادة {رونقها الغابر}

TT

أعمال ترميم في أزقة طرابلس لاستعادة {رونقها الغابر}

في أزقة مدينة طرابلس المتشابكة، تجري أعمال ترميم بنشاط من أجل إعادة المجد الغابر إلى قلب العاصمة الليبية الذي هُمّش في عهد الرئيس الراحل معمر القذافي.
ويدفع عمال عربات محملة بالرمل والإسمنت والركام، بينما يحفر آخرون أو يطرقون على الأرض منحني الظهور أو راكعين. ويتوقف ضجيج المطارق عندما يرتفع صوت الأذان من عدد من المساجد في المدينة، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.
ويهدف العمل الذي بدأ في نهاية عام 2020 إلى «المحافظة على المدينة وتاريخها»، وعلى «هذا التراث المعماري الذي يعد واجهة ليبيا ويعبّر عما في تاريخها من تجانس وتنوع وأصالة»، وفق ما يقول رئيس لجنة إدارة جهاز المدينة القديمة في طرابلس محمود النعاس.
ويمتد وسط المدينة على ما يزيد على خمسين هكتاراً يُعمل على تجميلها.
ويقول النعاس إنها «مسؤولية كبيرة جداً ملقاة على عاتق لجنة إدارة الجهاز» الممولة من الحكومة. ويضيف: «أستطيع أن أقول إنه لم يعد من الممكن إدخال قطعة حجر من دون علم الجهاز وإشرافه».
ويحرص القيمون على الأشغال على استبعاد مواد مثل الإسمنت أو الخرسانات، مفضلين عليها المواد التقليدية مثل أحجار البازلت الصخرية لرصف الشوارع.
تأسست المدينة القديمة في طرابلس على أيدي الفينيقيين في القرن السابع قبل الميلاد. وتركت فيها حضارات عديدة (الرومانية واليونانية والعثمانية) بصماتها المعمارية.
ولكن منذ نهاية السبعينيات، فقدت المدينة روحها عندما أُفرغت من عائلاتها العريقة التي استقرت في أحياء طرابلس الجديدة خارج الأسوار العتيقة.
ويقول التاجر القديم الحاج مختار: «تغيّرت المدينة، وتغير سكانها (...) بعد سنوات من إجبار أصحاب المحال والمصانع الحرفية على هجرها، اندثر الكثير من معالمها واختفت حرف كانت تورث من جيل إلى جيل». ويضيف: «حرف كثيرة اختفت»، مشيراً إلى أنه يتم اليوم «استيراد بعض مكونات الزي التقليدي الليبي من الخارج... من الصين أو تركيا مثلاً بدلاً من صناعتها محلياً بأيدٍ ليبية كما في السابق».
ويرى الرسام محمد الغرياني (76 سنة)، وهو صاحب صالة عرض فنية في المدينة القديمة، أن الأعمال «في جميع أزقة المدينة القديمة وبعض شوارعها الرئيسية (...) تثلج الصدر وترد الروح للمدينة التي كنا نتمتع فيها في صغرنا». ويشير إلى أن «المدينة القديمة الآن في مرحلة صيانة عامة وفي كل مرة يخرج مبنى أو معلم، والآن التركيز على دار كريستا» وهو مبنى مسمى على اسم فنان من المدينة القديمة، وستستغرق إعادة تأهيله خمسة أشهر.
وينظر إلى المبنى على أنه شاهد على التنوع الثقافي في طرابلس، إذ لا يزال جزء منه يضم كنيسة القديس جورجيوس اليونانية الأرثوذكسية. وقد بناه عثمان باشا من عائلة القرمنلي العثمانية في عام 1664 ليكون سجناً للأسرى المسيحيين.
على مر السنين، حُوّلت أجزاء في شرق المدينة حيث تقع القلعة، إلى متحف، فيما صمدت أسواق الذهب والحرير في وجه ويلات الزمن. في الأزقة المسقوفة أو تحت الممرات المزخرفة التي تصطف المحال على جانبيها، يتبضع بعض الزبائن.
وهناك أشهر لفية في الصور التذكارية: القوس الروماني لماركوس أوريليوس بالقرب من المدخل الشمالي الشرقي للمدينة المنورة ونخيلها ومئذنة جامع قرجي.
بعض الأماكن المهجورة في المدينة التي كانت تحولت إلى مكبات مفتوحة أصبحت اليوم ورش بناء ضخمة يشرف عليها مهندسون معماريون ومؤرخون وحرفيون وفنانون.
ويقول المهدي عبد الله، وهو من سكان المدينة القديمة وهو في الثلاثينيات من عمره: «الشكر للعاملين في جهاز إدارة المدينة القديمة، ومنهم المهندسون المعماريون والحرفيون والفنانون والخبراء في التاريخ... كل يأتي بخبرته في مجاله».
وبسبب هجرها لوقت طويل، تبدو بعض المباني منشآت عشوائية، وقد تداعى بعضها وتحول إلى ركام.
في أماكن أخرى، دُعمت بعض جدران المباني القديمة التي تنتظر تجديدها بعوارض خشبية تعبر الأزقة الضيقة.
وفي أحد الشوارع المحفورة، يلعب أطفال ويركضون. ويقول المهدي: «الجميع يراقبونهم». إنها ميزة العيش في هذا المجتمع الذي يعاد بناؤه شيئاً فشيئاً.
وأصبحت للواجهة البحرية شمال المدينة القديمة أرصفة وطريق إسفلتية. ولم تعد هناك مواقف عشوائية للسيارات أو حفر تحول الشارع إلى ممر موحل في الأيام الممطرة.
في محله لمعدات الصيد والغوص، يقول محمد ناصر: «ولد أبي في بيت فوق هذا الدكان (...)، وأنا عدت إلى هنا وأرى كل يوم تحسناً كبيراً في مظهر المدينة... كأنها عادت إلينا أخيرا بعد طول غياب».


مقالات ذات صلة

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

يوميات الشرق اكتشافات أثرية جديدة في الأقصر (البعثة الآثارية)

اكتشاف بقايا معبد الوادي لحتشبسوت في الأقصر

أعلن عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس، الأربعاء، عن اكتشاف بقايا معبد الوادي للملكة حتشبسوت بالأقصر (جنوب مصر)، مع عدد من الاكتشافات الأثرية الأخرى.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق شكّلت العلا ملتقى للحضارات القديمة حيث ربطت بين ثقافات شبه الجزيرة العربية (الشرق الأوسط)

شراكة سعودية - صينية لتعزيز الحفاظ على التراث بالعلا

وقّعت الهيئة الملكية لمحافظة العلا وأكاديمية «دونهوانغ» الصينية شراكة استراتيجية تهدف إلى تعزيز التعاون الثقافي والسياحي والتراثي بين المملكة والصين.

«الشرق الأوسط» (العلا)
يوميات الشرق الغرابة (SWNS)

تمثال غريب الشكل في الكويت يُحيِّر علماء الآثار

اكتُشف رأسٌ غريب الشكل لكائن غير معروف، من الفخار، يعود إلى آلاف السنوات خلال عملية تنقيب في الكويت، مما أثار حيرة علماء الآثار بشأنه.

«الشرق الأوسط» (وارسو)
يوميات الشرق المقبرة تضم رموزاً لطبيب القصر الملكي في الدولة القديمة (وزارة السياحة والآثار)

مصر: اكتشاف مصطبة طبيب ملكي يبرز تاريخ الدولة القديمة

أعلنت مصر، الاثنين، اكتشافاً أثرياً جديداً في منطقة سقارة (غرب القاهرة)، يتمثّل في مصطبة لطبيب ملكي بالدولة المصرية القديمة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدخل مقبرة بسقارة

مصر: اكتشاف مصاطب ومقابر أثرية تبوح بأسرار جديدة عن سقارة

ما زالت منطقة سقارة الأثرية تبوح بأسرارها، حيث اكتشفت البعثة الأثرية المصرية اليابانية مصاطب ومقابر ودفنات تكشف مزيداً عن تاريخ هذه المنطقة الأثرية المهمة. …

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.