إدارة بايدن صامتة إزاء «مفاوضات رهائن» بين فريق ترمب والنظام السوري

TT

إدارة بايدن صامتة إزاء «مفاوضات رهائن» بين فريق ترمب والنظام السوري

التزم عدد من المسؤولين في إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن الصمت حول مفاوضات مع النظام السوري لإطلاق الرهائن الأميركيين المعتقلين في سوريا.
وبخلاف التصريحات العلنية التي تصدر حول المواطنين الأميركيين المعتقلين في إيران، لا تزال السرية هي التي تتحكم في هذه العملية، خصوصاً أن واشنطن ليس لديها أي مبادرات أو مفاوضات تجاه سوريا، التي تحولت منذ وقت طويل إلى ورقة في أيدي لاعبين إقليميين ودوليين أقوياء.
وتعليقاً على تقرير نشرته وكالة «أسوشييتد برس» حول زيارة قام بها الصيف الماضي، مسؤولان أميركيان إلى سوريا، لتحريك ملف الرهائن الأميركيين، قال مصدر سوري معارض إنه «قد يكون مقدمة لتحريك جديد لهذا الملف، في الوقت الذي تتقدم فيه المفاوضات بين واشنطن وطهران حول ملفها النووي». غير أن مصدراً دبلوماسياً معارضاً قال إنه «من غير المتوقع أن يؤدي ذلك إلى أي تقدم، في الوقت الذي يجاهر فيه المسؤولون الأميركيون في إدارة بايدن علناً بمواقف سلبية جداً من النظام السوري». ويضيف أن «رهان النظام في المقابل على تغيير في موقف إدارة بايدن، خاطئ؛ في ظل عدم تقديم أي مبادرة سياسية تتجاوز الحرص على ربط تحركاتها في هذا الملف بالجانب الإنساني». ويضيف أن زيارة المسؤولين الأميركيين إلى سوريا العام الماضي تمت بتنسيق ومرافقة رئيس جهاز الأمن العام اللبناني عباس إبراهيم، الذي التقى في واشنطن مسؤولين في إدارة ترمب حول هذا الملف تحديداً.
غير أن سوء تقدير النظام السوري لما يمكن الحصول عليه من إدارة ترمب، أدى إلى طرحه شروطاً تعجيزية، أنهت المحاولة بين الطرفين.
كان التقرير أشار إلى أن رحلة المسؤولين الأميركيين لم تكن مثمرة، «حيث رفع السوريون سلسلة من المطالب التي من شأنها أن تعيد تشكيل سياسة واشنطن تجاه دمشق بشكل أساسي، بما في ذلك رفع العقوبات، وانسحاب القوات من البلاد، واستعادة العلاقات الدبلوماسية الطبيعية. في المقابل لم يقدموا أي معلومات ذات مغزى عن مصير ومكان أوستن تايس الصحافي المعتقل منذ 8 سنوات، وآخرين».
وقال كاش باتيل، الذي حضر الاجتماع بصفته أحد كبار مساعدي البيت الأبيض، في أول تعليقات علنية له حول هذا الجهد: «كان النجاح سيعيد الأميركيين إلى الوطن، ولم نصل مطلقاً إلى هناك». وأقرت إدارة ترمب بالاجتماع في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في ظل محاولة الرئيس الاستفادة من الصفقة لو تمت في معركته الانتخابية، لكنها لم تقل الكثير. وأضافت الوكالة أن واشنطن «حاولت بناء نيات حسنة مع سوريا قبل وقت طويل من إجراء المحادثات، حيث وصف باتيل كيف قدم حليف غير معروف للولايات المتحدة في المنطقة المساعدة في علاج زوجة الرئيس السوري أسماء الأسد من سرطان الثدي».
سلطت التفاصيل الضوء على الجهود الحساسة والسرية في كثير من الأحيان لتحرير الرهائن المحتجزين من قبل خصوم الولايات المتحدة، وهي عملية أسفرت عن نجاحات رفيعة المستوى لترمب، ولكن أدت أيضاً إلى طريق مسدودة. ومن غير الواضح مدى قوة إدارة بايدن الجديدة في دفع الجهود لتحرير تايس والأميركيين الآخرين المحتجزين في جميع أنحاء العالم، لا سيما عندما تتعارض المطالب على طاولة المفاوضات مع أهداف السياسة الخارجية الأوسع للبيت الأبيض.
ومثّل الاجتماع الذي عقد في أغسطس (آب) الماضي في دمشق، أعلى مستوى محادثات منذ سنوات بين الولايات المتحدة وحكومة دمشق.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.