العمل عن بُعد جاء ليبقى

شركات أميركية تخلت عن مكاتبها وأخرى قررت السماح بالعمل في مقرها بالتناوب

TT

العمل عن بُعد جاء ليبقى

يشغل مقر شركة «سبوتيفاي» في الولايات المتحدة الأميركية 16 طابقاً من مبنى رقم 4 بمركز التجارة العالمي، وهو مبنى إداري مرتفع في منطقة لوار منهاتن. ومن المرجح أن تظل مكاتب الشركة شاغرة للأبد، حيث أبلغت موظفيها بأنهم يستطيعون العمل من أي مكان حتى لو كان ذلك في ولاية أخرى. كذلك تعتزم شركة «ميديا ماث»، التي مقرها في نفس المبنى وتعمل في مجال الإعلان والتكنولوجيا، التخلي عن مكاتبها، وهو قرار دعمته الترتيبات الجديدة الخاصة بالعمل عن بُعد التي بدأ العمل بها أثناء فترة انتشار الوباء.
أما في وسط منهاتن، فتعتزم شركة «سيلزفورس»، التي يزين اسمها مبنى ارتفاعه 630 قدماً يطل على متنزه «براينت بارك»، السماح بوجود موظفيها في المكتب لفترة تتراوح من يوم واحد إلى ثلاثة أيام فقط أسبوعياً. كذلك تنظر شركة محاماة قريبة هي «لوينستين ساندلر» فيما إذا كانت ستجدد عقد إيجار مكتبها في «أفينيو أوف ذا أميركاز»، حيث اعتاد محاموها البالغ عددهم 140 العمل لمدة خمسة أيام أسبوعياً. ويقول جوزيف باليرمو، رئيس التشغيل بالشركة: «قليلون، وأنا من بينهم، هم من يعتقدون أننا سنعود إلى سابق عهدنا». بعد مرور عام على تسبب فيروس «كورونا» في مغادرة العاملين بشكل استثنائي للمباني الإدارية، ما بدا أنه وضع استثنائي غير ملائم مؤقت، بات الآن جلياً أنه أصبح تحولاً دائماً بنيوياً في مكان العمل وكيفية القيام به. لقد استمتع أصحاب الأعمال والموظفون على حد سواء بمزايا العمل عن بُعد بما في ذلك انخفاض تكاليف العمل في المكاتب، وإتاحة قدر أكبر من المرونة للموظفين، خاصة ممن لديهم أسر.
على الجانب الآخر، لم تشهد بعض المدن الكبرى خارج نيويورك عودة ملحوظة للموظفين، حتى في المناطق التي كانت قرارات الإغلاق الحكومية بها أقل صرامة؛ وأعلنت بعض الشركات أنها لن تسمح بعودة الموظفين بالكامل للعمل طوال الوقت كما كان في السابق.
وقد صرحت شركات كبرى من بينها «فورد» في ولاية ميشيغان، و«تارغت» في ولاية مينيسوتا خلال الأسابيع القليلة الماضية بأنها ستتخلى عن جزء كبير من مساحتها الإدارية بسبب تغير الممارسات الخاصة بأماكن العمل، في حين صرحت شركة «سيلزفورس»، التي يشغل مقرها أطول مبنى في سان فرانسيسكو، بأن عدداً قليلاً جداً من موظفيها هم مَن سيعملون بدوام كامل في المكتب.
مع ذلك لا ينبغي أن تعول أي مدينة في الولايات المتحدة الأميركية، وربما في العالم أجمع، على هذا التحول أو تضعه في الاعتبار سوى نيويورك، وتحديداً منهاتن، وهي جزيرة استطاع اقتصادها الصمود بدرجة كبيرة، من بائع النقانق إلى مسارح برودواي، في ظل حركة ما يزيد على 1.6 مليون شخص يومياً.
لقد دخل أصحاب المباني التجارية في منهاتن عام 2020 وهم مفعمون بالتفاؤل في ظل وجود طلب ثابت مستمر على المساحات الإدارية، وارتفاع أسعار المعروض من المساحات في بعض الأحياء، وحدوث أكبر حركة ازدهار في البناء منذ الثمانينيات، لكن انهار كل ذلك بين عشية وضحاها، حيث وجد أصحاب العقارات أنفسهم فجأة يلاحقون المستأجرين لتقاضي الإيجارات المستحقة، والتفاوض مع المستأجرين على خطط لسداد المستحقات، ويعرضون تخفيضات كبيرة من أجل شغل المساحات الشاغرة.
ويطالب العمدة بيل دي بلازيو بعودة موظفي المجلس المحلي البالغ عددهم نحو 80 ألفاً في بداية مايو (أيار)، في إشارة إلى الموظفين الآخرين بأن العودة إلى مباني نيويورك أمر أساسي وضروري من أجل تعافي الاقتصاد. مع ذلك يعمل نحو 90 في المائة من الموظفين في مكاتب منهاتن عن بُعد، وهو معدل ظل ثابتاً لأشهر، بحسب مسح أجرته مؤسسة «بارتنرشيب فور نيويورك سيتي» مؤخراً عن أصحاب الأعمال البارزين، والتي تشير تقديراتها إلى عودة أقل من نصف العاملين إلى المكاتب بحلول سبتمبر (أيلول).
ومع تزايد عدد الشركات التي تؤجل موعد عودة الموظفين إلى المكاتب، وتجعل عمل بعض الموظفين على الأقل عن بُعد سياسة دائمة، قد تكون العواقب التي ستواجهها نيويورك واسعة النطاق، بحيث تتجاوز المطاعم والمقاهي وغيرها من الأعمال الصغيرة بها، لتشمل عائدات المجلس المحلي التي تعتمد كثيراً على العقارات التجارية.
تؤدي سارة باتيلوس، وهي واحدة من أعضاء فريق «سبوتيفاي» الموسيقي، عملها على منضدة عشاء في تروكي بكاليفورنيا، وهي بلدة جبلية تقع بالقرب من بحيرة تاهو، قضت بها أكثر أيام العام الماضي بعد سفرها إلى هناك في رحلة قصيرة خلال شهر مارس (آذار) 2020، حيث علقت هناك بسبب قرارات الإغلاق التي فرضتها الحكومة. وتقول سارة التي كانت تعيش في بروكلين: «أحب الوجود في المدينة، لكن المرء يفكر في حياته، والتجارب التي يرغب في معايشتها، أو المراحل المختلفة التي يريد المرور بها. الوضع مختلف كثيراً حالياً؛ إن هذا يُحدث تحولاً كبيراً في الحياة».
لطالما جعلت المباني الإدارية، التي تصطف في شوارع منهاتن، من نيويورك مركزاً عالمياً وعاصمة للعديد من الصناعات، من مجال الإعلانات إلى مجال المال والأعمال.
وقد أبلغت بعض الشركات الكبرى وأكثرها استقراراً وقوة، من بينها «جي بي مورغان تشيز أند كامبني»، التي يعمل بها ما يزيد على 20 ألف موظف في المدينة، موظفيها بأن العمل طوال أيام الأسبوع قد بات من الماضي. وينظر المصرف، الذي رفض التعليق من أجل هذا المقال، في تطبيق نموذج عمل عقلاني، مما يعني عمل الموظفين عن بُعد ومن داخل المكتب بالتناوب. وقال دانييل بينتو، أحد رؤساء «جيه بي مورغان» ورئيس التشغيل في مقابلة على «سي إن بي سي» خلال شهر فبراير (شباط): «أعتقد أنه لا يوجد أي احتمال لعودة الموظفين إلى المكاتب بالكامل بدوام كامل».
كذلك تسبب فقدان العاملين في انخفاض القيمة السوقية للعقارات التجارية، التي تشمل المباني الإدارية، بنسبة 16 في المائة تقريباً أثناء انتشار الوباء، ما أدى إلى انخفاض حاد في عائدات الضرائب التي تمول خدمات ضرورية بالمدينة من المدارس إلى الصرف الصحي.
وقد دفع الانخفاض الحاد العاملين في مجال التطوير العقاري إلى الاحتشاد وراء فكرة بدت بعيدة كل البعد عن الخاطر قبل ظهور الوباء، وهي تحويل المباني الإدارية البائسة في منهاتن إلى مساكن منخفضة الدخل. ويُعزى هذا المعدل الكبير لخلو المباني إلى اكتشاف عدد كبير من الشركات في جميع المجالات تقريباً من الإعلام إلى الأزياء مزايا العمل عن بُعد.
إلى جانب توفير التكاليف عند تشغيل مكتب على نطاق محدود، أو الاستغناء عنه تماماً، سمحت التكنولوجيا الحديثة والاتصالات للعاملين بالاتصال والتعاون عن بُعد، مع تحقيق قدر أكبر من الإنتاجية دون الاضطرار إلى الانتقال المضني إلى أماكن العمل في ظل مطالبة الآباء بالمزيد من المرونة للتمكن من رعاية أبنائهم. ويقول ألكسندر ويستردال، نائب رئيس الموارد البشرية في «سبوتيفاي» العملاقة في مجال الموسيقى ومقرها ستوكهولم ويعمل بها أكثر من 6.500 موظف في مختلف أنحاء العالم: «نعتقد أننا مقبلون على تغير جديد، وهو (العصر الموزع) حيث يستطيع الناس التمتع بقيمة أكبر في طريقة العمل التي لن يمثل فيها مكان قضاء الوقت أمراً مهماً».
لا تخطط «سبوتيفاي» حتى هذه اللحظة للحد من وجودها على الأرض في نيويورك، لكن الشركة أبلغت موظفيها في الولايات المتحدة الأميركية، الذين يعمل 2100 منهم في مكتب منهاتن، بأنه بداية من فبراير سوف يعملون من أي مكان يريدونه. وتحفز العولمة والتحول الرقمي حدوث هذا التغير، حيث يضيف ويستردال قائلاً: «باتت وسائلنا أفضل كثيراً في تحقيق إمكانية عمل الناس من أي مكان يريدونه».
خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))
صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
TT

إسبانيا تجبر السياح على كشف المعلومات الشخصية بموجب قانون جديد

فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)
فنادق وكراسي الاستلقاء للتشمس بالقرب من شاطئ في بينيدورم بإسبانيا (شاتيرستوك)

تحذر بعض التقارير من مطالب «الأخ الأكبر» في إسبانيا، بما في ذلك كشف الزوار الأرصدة المصرفية، ولكن هذه المطالب تبدو غير مبررة، حسب صحيفة «الإندبندنت» البريطانية. ومع انخفاض درجات الحرارة في المملكة المتحدة، يستعد كثير من الناس للسفر إلى الجنوب في منتصف الشتاء القارس، وتصبح إسبانيا البلد الأكثر شعبية بين المصطافين البريطانيين. ولكن بداية من يوم الاثنين المقبل، 2 ديسمبر (كانون الأول)، سيواجه السياح مزيداً من الإجراءات البيروقراطية عند التدقيق في أماكن إقامتهم أو استئجار سيارة. وينص قانون إسباني جديد - يهدف إلى تحسين الأمن - أنه يتعين على مقدمي الخدمات جمع كثير من المعلومات الجديدة من المصطافين. وتشعر وزارة الدولة لشؤون الأمن بالقلق إزاء سلامة المواطنين الإسبانيين، وتقول: «إن أكبر الهجمات على السلامة العامة ينفذها النشاط الإرهابي والجريمة المنظمة على حد سواء، في كلتا الحالتين مع طابع عابر للحدود الوطنية بشكل ملحوظ».

وتقول الحكومة إن الأجانب متورطون في «التهديدات الإرهابية وغيرها من الجرائم الخطيرة التي ترتكبها المنظمات الإجرامية». وترغب السلطات في متابعة من يقيم في أي المكان، ومراجعة التفاصيل الشخصية استناداً إلى قواعد بيانات «الأشخاص المعنيين». وكثيراً ما سجلت الفنادق بعض التفاصيل الشخصية، ولكن الحكومة تعمل على تمديد قائمة البيانات المطلوبة، وتريد أيضاً أن يسجل الأشخاص المقيمون في أماكن الإقامة بنظام «إير بي إن بي» أنفسهم.