«ديفليه ـ 19» يسخر من الجائحة بمشاهد مسرحية ملونة

TT

«ديفليه ـ 19» يسخر من الجائحة بمشاهد مسرحية ملونة

أحلام الإنسانية في انتهاء الجائحة وعودة الحياة إلى طبيعتها تترجمها مشاهد مشرقة تزدان بالألوان المبهجة والأحداث الرمزية والجمل المرحة في العرض الفني «ديفليه - 19» الذي تقدمه فرقة الرقص الحديث بقيادة وليد عوني، على مدار يومين بمسرح الجمهورية بالقاهرة.
ويقدم العرض الجديد محتوى فنياً وإنسانياً مختلفاً تماماً يدعو الجميع إلى الضحك والتزود بالطاقة الإيجابية، بحسب الفنان والمخرج اللبناني وليد عوني، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «فكرت منذ فترة في تقديم عمل فني عن (كوفيد – 19)، لكنني شعرت بأنه قد يكون سابقاً لأوانه، فلا يزال أمام الفن وقت حتى يستطيع تجسيد الجائحة برؤية عميقة، لكني كإنسان وفنان مهموم بالأحداث المحيطة، وجدت أنها أكبر من ألا تستفزني وتدفعني إلى التعبير عنها، وأمام هذا التعارض وجدت نفسي أكتب عملاً عنها، انطلاقاً من فكرة أنه ليس من الضروري أن نظهر درامية ومأساوية الفترة التي نمر بها الآن».
ويضيف «توصلت إلى أنه من الممكن أن نعبر عن عكس ما نعيشه؛ لأننا في حالة ما اكتفينا بدراما الواقع في الفن سننتهي نفسياً، وقد يكون الصحيح هو أن نقدم عكس الدراما، فذلك أحياناً يكون دور الفن، وهو ليس نوع من الاستخفاف بالأحداث، أو من التغييب للمتلقي، فكل شيء أمامه واضح، وأكبر من أن يقوم أحد بخداعه أو تغييبه، إنما هو شيء من الفكاهة وبث الأمل، وتحدي الجائحة بالسخرية منها، فهكذا هو حال كثير من الشعوب العربية، لا سيما الشعبين المصري واللبناني حتى في أوقات الحروب والكوارث».
مؤكداً أنه اختار رقم 19 لارتباطه باسم الوباء، «سيبقى هذا الرقم الذي شهد بدايات (كورونا) (2019) راسخاً في الوجدان لتتناقله الأجيال التالية»، ويأتي الديفليه كمكان يشهد انطلاق الرقصات والرمزيات المسرحية بالعرض، وإذا كان ليس بجديد على فرقة الرقص الحديث استخدام الرموز، إلا أنه من الواضح أن «كوفيد» قد أتاح لعوني مساحة أكثر رحابة للاستعانة بها؛ إذ يكتشف المتلقي أن حتى كلمة «ديفليه» نفسها تمثل رمزاً موحياً، انطلاقاً من أننا في الواقع أصبحنا نعيش عرضاً مستمرا ومتجدداً لأحداث عدة، كما لو أن الحياة مثل عارضة الأزياء التي تبدل ملابسها كل بضع دقائق أو ثوان في بعض الأحيان!، يقول «أصبحنا في ديفليه لا ينتهي».
ومن خلال فقرات العرض الجديد يجد المشاهد نفسه في عرض فني يتماهى مع فكرة التغيير التي يحملها بين طياته «كوفيد» كل يوم، بداية من أرقام الإصابات والأعراض، ومروراً بموجاتها وتداعياتها، عبر أحداث شيقة وجماليات بصرية ممتعة؛ فالديفليه يقدم أزياءً مختلفة وإن كانت بسيطة في خطوطها وخاماتها، إلا أنها ثرية بدلالاتها ورموزها وتنوع تصاميمها، «أردت من وراء هذا التعدد وتغيير الفتيات للملابس التي يظهرن بها أن أوصل رسالة للمتلقي مفادها... لا تقلق، كل شيء سيتغير، فها هي الأزياء تتغير، وقد يكون حال الدنيا كتلك الأزياء التي تراها في الديفليه، وتبدلها الفتيات في رمزية موحية، فقد تستيقظ في الصباح تجد كل شيء تحول للأفضل، وانتهت الجائحة للأبد ومن هنا جاءت الأجزاء التي قمت بتصميمها بنفسي وتزدان بالزهور والنقوش والألوان المبهجة»، ولا يجد الفنان حرجاً أو تعارضاً ما بين هذا التمازج اللوني الراقص ومأساوية الأحداث، «من حقي كمسرحي اختيار المعنى والمكان والمغزى».
لكن لم يتوقف الأمر عند ذلك بالنسبة لعوني، فقد وظف خبرته وأسلوبه الفني كذلك في إدخال مفردات الجائحة بتفاصيلها المختلفة داخل العرض من دون افتعال أو تصنع، فالمشاهد يجد نفسه وجهاً لوجه أمام عناصر أصبحت جزءا من الحياة اليومية للإنسانية باختلاف أطيافها وجنسياتها، لكن بشكل ساخر خفيف الظل ويثير الضحك! حتى فيما يتعلق بإجراء المسحة والتحاليل والأشعة والتعقيم والتلقيح، وغير ذلك من أحداث يؤديها بشكل رمزي 22 فناناً على خشبة المسرح ببراعة ورشاقة.
إذا كان قد سبق للمتلقي حضور عروض أخرى لفرقة الرقص الحديث سيجد «ديفليه 19» مختلفاً إلى حد كبير من حيث الأسلوب الفني، فالإضاءة والسينوغرافيا على سبيل المثال في عرض أخناتون من المؤكد أنها قد استوقفته وأبهرته طويلاً، وكذلك لا بد أنه وقف مشدوهاً أمام الزخم التشكيلي الأخاذ في عروض محمود سعيد، وتحية حليم، ومحمود مختار، من قبل، لكنه هنا أمام عرض لن يجد فيه مثل هذا الإبهار «الشكلي»، في حين أنه سيجد نوعاً آخر من الإبهار، وهو إبهار الفكرة والثراء الرمزي، يقول عوني «اتجهت للمعنى والمسرح أكثر من الاحتفاء بالإضاءة والسينوغرافيا، إن طبيعة المرحلة التي نعيشها تتجاوز الشكل لتغوص في المعنى».
لكن ذلك لا ينفي أن المتلقي يبقى خلال ساعة ونصف الساعة هي مدة العرض مستغرقاً في الضحكات والابتسامات الساخرة تجاه مشاهد خفيفة الظل ذات تناول مسرحي راقص غير تقليدي، منجذباً لصياغات جمالية تنبع من ثراء الألوان وزهوها لا سيما في ملابس الفنانات؛ ما يشكل تكوينات بصرية أقرب إلى اللوحات الفنية الملهمة، وهو ما دفع بعض التشكيليين - ومنهم الفنان محمد عبلة - حضور البروفة النهائية حاملين ريشتهم وبالتة ألوانهم لرسم أعمال مستوحاة من العرض.


مقالات ذات صلة

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

يوميات الشرق تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه (البوستر الرسمي)

«الماعز» على مسرح لندن تُواجه عبثية الحرب وتُسقط أقنعة

تملك المسرحية «اللؤم» المطلوب لتُباشر التعرية المُلحَّة للواقع المسكوت عنه. وظيفتها تتجاوز الجمالية الفنية لتُلقي «خطاباً» جديداً.

فاطمة عبد الله (بيروت)
ثقافة وفنون مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

مجلة «المسرح» الإماراتية: مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي

صدر حديثاً عن دائرة الثقافة في الشارقة العدد 62 لشهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 من مجلة «المسرح»، وضمَّ مجموعة من المقالات والحوارات والمتابعات حول الشأن المسرح

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
يوميات الشرق برنامج «حركة ونغم» يهدف لتمكين الموهوبين في مجال الرقص المسرحي (هيئة المسرح والفنون الأدائية)

«حركة ونغم» يعود بالتعاون مع «كركلا» لتطوير الرقص المسرحي بجدة

أطلقت هيئة المسرح والفنون الأدائية برنامج «حركة ونغم» بنسخته الثانية بالتعاون مع معهد «كركلا» الشهير في المسرح الغنائي الراقص في مدينة جدة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق أشرف عبد الباقي خلال عرض مسرحيته «البنك سرقوه» ضمن مهرجان العلمين (فيسبوك)

«سوكسيه»... مشروع مسرحي مصري في حضرة نجيب الريحاني

يستهد المشروع دعم الفرق المستقلّة والمواهب الشابة من خلال إعادة تقديم عروضهم التي حقّقت نجاحاً في السابق، ليُشاهدها قطاع أكبر من الجمهور على مسرح نجيب الريحاني.

انتصار دردير (القاهرة )
الاقتصاد أمسية اقتصاد المسرح شهدت مشاركة واسعة لمهتمين بقطاع المسرح في السعودية (الشرق الأوسط)

الأنشطة الثقافية والترفيهية بالسعودية تسهم بنسبة 5 % من ناتجها غير النفطي

تشير التقديرات إلى أن الأنشطة الثقافية والفنية، بما فيها المسرح والفنون الأدائية، تسهم بنسبة تتراوح بين 3 و5 في المائة من الناتج المحلي غير النفطي بالسعودية.

أسماء الغابري (جدة)

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.