هل أصبحت الممثلة جولي غاييه سيدة فرنسا الأولى الجديدة؟

صور لصديقة هولاند في سيارة رسمية مع حارسين من الرئاسة

الممثلة جولي غاييه
الممثلة جولي غاييه
TT

هل أصبحت الممثلة جولي غاييه سيدة فرنسا الأولى الجديدة؟

الممثلة جولي غاييه
الممثلة جولي غاييه

مرة ثانية تعود مجلة «كلوزر» إلى صدارة نشرات الأخبار في فرنسا، بعد أن نشرت على غلافها، أول من أمس، صورة للممثلة جولي غاييه (42 عاما) وهي في سيارة تابعة للدولة وبرفقة عنصرين من الأمن الرئاسي.
وسبق للمجلة أن تسببت في انفصال الرئيس فرنسوا هولاند عن شريكة حياته السابقة فاليري تريرفيلر، بعد تسببها في فضيحة مدوية، مطلع العام الماضي، ونشرها صورا له وهو يتسلل ليلا على دراجة نارية إلى شقة تقيم فيها غاييه، ثم وهو يخرج من الشقة في صباح اليوم التالي. ولم يصدر عن «الإليزيه» تعليق حول الصورة الجديدة.
المجلة التي اشتهرت بملاحقة أخبار المشاهير ونشر صور مختلسة لهم في حياتهم الشخصية، أوضحت أن الصورة أُخذت في الخامس من الشهر الحالي بينما كانت صديقة هولاند تزور مدينة «رين»، شمال غربي البلاد، لحضور تصوير فيلم من إنتاجها. وظهرت غاييه في الصورة وهي تستخدم سيارة سوداء من نوع «مونوسباس»، عائدة للدولة، وبرفقتها اثنان من رجال الأمن، مما يعني أنها باتت تتمتع بموقع رسمي مقرب من الرئيس وتحظى بالحماية التي تخصص لأفراد عائلته.
وبحسب متخصصين في شؤون الرئاسة فإن هيكلها يخلو من منصب «سيدة فرنسا الأولى»، على غرار تقليد «السيدة الأولى» في الولايات المتحدة الأميركية. وبينما ينتخب الأميركيون ثنائيا يمثل المرشح وزوجته التي ترافقه في حملاته وتقف بجواره في التجمعات الانتخابية وعلى مبعدة خطوات منه وهو يلقي خطاباته، فإن الناخب الفرنسي يدلي بصوته للمرشح منفردا. مع هذا فقد حملت زوجات رؤساء فرنسيين سابقين هذا اللقب، شكليا، وحاولن القيام بنشاط إنساني وسياسي إلى جانب دورهن البروتوكولي الذي ينحصر في مرافقة الرئيس في الحفلات والرحلات الرسمية. ومن أبرزهن دانيال ميتران التي أدارت مؤسسة تعنى بالدفاع عن الحريات والمضطهدين في العالم، وبرناديت، قرينة الرئيس الأسبق جاك شيراك التي ما زالت تشرف على جمعية لتحسين ظروف مستشفيات الأطفال وتشييد مبان لإقامة ذويهم بجوارهم خلال فترة العلاج. كما كانت سيسيليا، الزوجة السابقة للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، مساعدة له في عدد من نشاطاته ولعبت دورا دبلوماسيا في مفاوضات إطلاق سراح الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني الذين كانوا محتجزين في ليبيا. وبعدها جاءت كارلا بروني التي نأت بنفسها عن السياسة واكتفت بالنشاط الإنساني وبدورها كفنانة رقيقة تسهم في تلطيف الصورة العدوانية الشائعة عن زوجها.
هل يعترض الفرنسيون على الحماية الأمنية لجولي غاييه، باعتبارها نفقات غير شرعية يتحملها دافع الضرائب، مثلما اعترضوا على نفقات الإسكان والمعيشة التي تمتعت بها، لأكثر من 20 عاما، مازارين، الابنة غير الشرعية للرئيس ميتران ووالدتها آن بانجو؟
بحسب آراء المعلقين والمتخصصين الأمنيين الذين ظهروا على شاشات التلفزيون الفرنسي، أمس، فإن توفير الحماية لجولي غاييه أمر مقبول نظرا للعلاقة التي تربطها بالرئيس. وفي حالة تعرضها لاعتداء أو حادث اختطاف، على سبيل المثال، فإن من شأن ذلك أن يؤثر على هولاند مباشرة، وقد يكون وسيلة للضغط عليه لاتخاذ قرارات معينة أو مبادلات لإرهابيين سجناء في فرنسا.
هل تكون السيارة الرسمية والحماية المقربة خطوة أولى نحو تأكيد موقع غاييه كشريكة لحياة الرئيس الفرنسي الذي ما زال أعزب رغم ارتباطه بامرأتين في السابق وإنجابه 4 أبناء؟ لم يعد خافيا أن الممثلة الشقراء التي تتحدر من أسرة معروفة وميسورة وتمتلك شركات للإنتاج السينمائي باتت من الوجوه المألوفة في «الإليزيه». وقد أكدت تقارير صحافية أنها تمضي عدة ليال، كل أسبوع، في القصر الرئاسي. وجاء الدليل من مجلة «فواسي» الشعبية التي نشرت في الصيف الماضي صورا مشتركة يظهر فيها هولاند وغاييه وهما يتبادلان الحديث حول طاولة في شرفة من شرفات القصر. وفي حينها، أثارت الصور جدلا واسعا حول ظروف التقاطها وألقت بشكوك حول فاعلية جهاز الأمن في «الإليزيه». وبعد تحقيق داخلي تم استبعاد 5 من رجال الأمن الخاص بالرئيس.
يذكر أن غاييه كانت قد تقدمت بدعوى قضائية ضد مجلة «كلوزر» بعد نشر الصور المختلسة لزيارة هولاند الليلية لها، وكسبت القضية وصدر حكم على المجلة بدفع غرامة قدرها 15 ألف يورو. وهو مبلغ زهيد بالقياس للمكسب الذي جنته «كلوزر» من توزيع «عدد الفضيحة».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)