الغياب المريب لفيلم جيد بلا قضية

السينما العربية في الكمّاشة السياسية

الفيلم اللبناني «يوسف»
الفيلم اللبناني «يوسف»
TT

الغياب المريب لفيلم جيد بلا قضية

الفيلم اللبناني «يوسف»
الفيلم اللبناني «يوسف»

فيلمان جديدان يحملان اسم يوسف في العنوان ويسردان موضوعين مختلفين بطل كل منهما شاب يُعاني من أوضاعه.
الأول فيلم لبناني يشرف على الانتهاء من مرحلة ما بعد التصوير بعنوان «يوسف» لكاظم فياض والثاني عراقي بعنوان «أنا يوسف يا أمي» من إخراج محمد رضا فرطوسي، انتهى تصويره وبصدد البحث عن منافذ لمهرجانات عالمية، وهي كذلك غاية الفيلم اللبناني المذكور. كلا المخرجين يقفان وراء الكاميرا للمرّة الأولى.
عدا اشتراكهما في الحديث عن شخصية رئيسية اسمها يوسف يرتبط كل منهما في وضع البلد الذي ينطلق منه. «يوسف» اللبناني يدور حول مشاكل البيئة السياسية والاجتماعية الحالية التي أدت لمقتل شقيق بطله. في جانب منه هو فيلم انتقام. في جانب ثانٍ هو فيلم عن تجارة السلاح الرائجة (التي يعمل فيها يوسف وشقيقه) وفي ثالث هو عن يوسف الذي ربما يتخيّل كل ما لا يحدث معه معتقداً أنه الواقع.
مشكلة يوسف العراقي أكثر استقراراً في الظاهر. هارب من الجندية خلال حرب العراق ضد إيران ولا يزال يحمل الخوف من عاقبة فعلته ساجناً نفسه في حجرة سرية منذ 27 سنة. والدته تدعي أنها لا تعرف عنه شيئاً. الغزو الأميركي الذي أدى إلى سقوط نظام صدام حسين، ليس بعيداً، وجدانياً وجغرافياً عنها، لكنها تعيش داخل جدران منزلها وتحاول إبقاء المكان مغلقاً إلا على قريبين يزورانها. لا أحد منهما يعرف أن ابنها يوسف ما زال حياً وإنها تخفيه.

أنماط محددة
في مرجعية كل منهما الحال والوضع القائم كل في بلده. لكن مع اختلاف في حركة السير. «يوسف» هو عن حالة عامة من الفوضى. فيلم متعدد الشخصيات والأحداث التي يعرضها الفيلم في شوارع المدينة وأحيائها. الثاني يتمحور حول الأمس البعيد منه والقريب وآثارهما على يوسف وأمه وفي نطاق ضيق قليل الشخصيات مع كاميرا لا تغادر المنزل إلا قليلاً.
شاهدت النسخة الأولى من كل فيلم وهما جيداً التكوين للموضوع وتنفيذه. لكن ما لا يقدمان عليه هو الخروج من الحدث المتجذر في الواقع السياسي صوب وضع مغاير للمتوقع. لا يعني ذلك إنهما أساء اختيار الموضوع الأساسي الذي تتمحور أحداث كل فيلم حوله، لكنه يعني فقط انتمائهما المباشر وشبه التلقائي لسينما عربية تتبع أنماطاً محددة من الحكايات والموضوعات.
نظرة سريعة على بعض السينمات العربية تؤكد أن ملجأ معظم أفلامها هو الموضوع المرتبط بالحدث السياسي الذي يعيشه كل بلد أو الموضوع الناتج عن الوضع السياسي سواء انتمى لفترة مضت أو لفترة ما زالت واقعة.
السينما اللبنانية ما زالت تطرح قضايا الحرب الأهلية أو تدور في رحاها («ميراث» لفيليب عرقتنجي، «روحي» لجيهان شعيب). السينما السورية تعيش الوضع نفسه، حيث قصص الحرب من وجهتي نظر متضادتين نظامية («نجمة الصبح» لجود سعيد) ومعادية للنظام («آخر رجال حلب» لفراس فيّاض) تشكل النسبة شبه الوحيدة من المواضيع المطروحة.
في الجزائر هي سينما السنوات السوداء التي عاشتها الجزائر تحت هيمنة المنظّمات الأصولية («بابيشا» لمنية مدوّر، «حكاية الليالي السود» لسالم براهيمي)‪.‬ كذلك هي سنوات الحاضر التي تعبّر عنها المظاهرات التي تشهدها الجزائر أسبوعياً (كما حال فيلم «نرجس أ.» لكريم عينوز. أما في العراق فإن الموضوع المثار أكثر من سواه ما زال يتمحور حول سنوات صدام حسين وما بعدها («أوديسا عراقية» لسمير جمال الدين)، «الرحلة» لمحمد الدراجي
مصر هي الوحيدة التي ما زالت تطرح مواضيع من هذا الارتباط مع الحدث السياسي عن ثورة 2010 وما بعد (آخرها «كما أريد» لسماهر القاضي) جنباً إلى جنب أفلام جماهيرية تخرج من صناديق الرغبة في إنجاز أفلام تشبه أفلام الأكشن الأميركية («أولاد رزق» لطارق العريان، «حرب كرموز» لبيتر ميمي).
أما السينما الفلسطينية (أو العربية المرتبطة بالقضية الفلسطينية) فإن المتوقع من معظمها («200 متر» لأمين نايفة و«الهدية» لفرح النابلسي آخرها) هو طرح الوضع القائم في الأراضي المحتلة والعلاقة غير العادلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
فوق هذه السينمات جميعاً، مظلة من الأفلام التي تتناول قضايا المرأة. بعضها آتٍ من البلدان المذكورة وبعضها آتٍ من المغرب وتونس وبعضها قادم من المحاولات الطازجة لسينما دول خليجية.
ليس أن هذا كاف للحكم لها أو عليها. في الواقع كثير منها جيد وكثير منها متوسط الإجادة أو ما دون ذلك. لكنها تشكل معاً ظاهرة عامّة غريبة رغم الأسباب الداعية إليها.
معظم العناوين المُساقة هنا (وهي مجرد أمثلة من فيض كبير) على مستويات جيدة بلا غُبار كذلك لا يمكن لوم السينمائي إذا ما التفت إلى الماضي القريب وطرحه، أو إلى قضية شائكة في مسار بطله تنتمي إلى أخرى في مسار وطنه وعالجها، أو إلى حدث كبير كحرب أهلية هنا أو هناك. لكن هذا المنوال من التأثير على ملامح السينما العربية لدرجة تبعث على الذعر.
أفلام محددة

الكلمات السحرية التي تتردد في وصف البعض لتلك الأفلام هي أنها «أفلام قضايا» تطرح ما تطرحه من مشكلات وأزمات الإنسان ومجتمعه، و«أفلام تعكس معاناة الفرد والمجتمع». تماشياً مع ذلك، فإن المرء إذا ما أراد وضع قائمة بأفلام القضايا والأزمات لوجد أن معظم الإنتاج العربي في السنوات العشر الأخيرة على الأقل سيلج القائمة بلا تردد.
لكن هل على السينما العربية أن تعيش هذا الواقع وحده؟
أحد الأسباب التي دفعت بفيلم كوثر بن هنية «الرجل الذي باع ظهره» إلى ترشيحات الأوسكار في ميدان الفيلم الأجنبي هي اختلافه. نعم يعرض لمسألة طرحتها أفلام عربية كثيرة وهي مسألة الهجرة، لكن الطرح هنا جديد في ناحيتين: خلو الفيلم من الرغبة في تجسيد «معاناة» المهاجر (هي صعبة لكن صعوبتها ليست موضع نقاش) وانتقال الفيلم، عبر حكاية مختلفة عن السائد، من الحدود العربية إلى الأوروبية بحثاً عن الحب الذي توارى.
في هذا الإطار العام لتقوقع معظم الأفلام العربية في طروحاتها المعيّنة تبرز مسألة المفهوم الذي يحرّك المخرجين العرب (في غالبيّتهم) لدخول معمعة المواقف الاجتماعية والسياسية بملامح متجهمة. فعند كثيرين على السينما توجيه المشاهدين لما يمكن اعتباره أسباباً مباشرة لما يعانون منه. في هذا الإطار قد تكون المعاناة سيادة التقاليد وبطش القوانين أو فساد السياسيين أو منع المرأة من ممارسة حقوقها الإنسانية والاجتماعية. كلها مواضيع محقّة بالطبع لكن هناك حكايات بعيدة عن هذه النصوص التي لا بد من ملاحظة تكرارها.
الوجه الآخر من هذا المفهوم هو أنه حال تطرح موضوعاً مختلفاً عن دور السينما في تعريف المواطنين بآلامهم (مع الأخذ بعين الاعتبار أن مشكلة العروض السينمائية تمنع إيصال هذه الرسالة) تجد نفسك متّهماً بأنك حققت فيلماً ترفيهياً. أو فيلم ينتمي إلى التصنيفات الهوليوودية والتجارية: بوليسي، رعب، خيال - علمي، ميلودراما، كوميدي إلخ.
هذا الجانب هو عقدة بالنسبة لكثيرين ففي حين يمكن لمخرجين عديدين الشعور بالتوهان إذا ما أقدموا على تحقيق أفلام محددة باهتمامات مخالفة لما يعتبرونه لزاماً فإن الحقيقة هي أن الجودة لا تعرف نوع الفيلم ولا إذا ما كان منتمياً إلى سينما المؤلف أو إلى السينما السائدة.
ولا بد من التذكير بأن السبعينات كانت من أفضل سنوات السينما المصرية على الأخص كونها شهدت أفلاماً ناجحة ومهمّة من كل لون ونوع، وعلى جانبي الاتجاه الفاصل بين السينما البديلة والسينما السائدة. «ليل وقضبان» في مواجهة «خللي بالك من زوزو» و«الخوف» في مقابل «أبي فوق الشجرة» وكل من النوعين كان رائجاً ويحمل في ذواته أسباب تفوقه فيما اختاره المخرج من انتماء.


مقالات ذات صلة

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

يوميات الشرق الممثل البريطاني راي ستيفنسون (أ.ب)

وفاة الممثل البريطاني راي ستيفنسون نجم «ثور» و«ستار وورز»

توفي الممثل البريطاني راي ستيفنسون الذي شارك في أفلام كبرى  مثل «ثور» و«ستار وورز» عن عمر يناهز 58 عامًا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق «إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

«إسماعيلية رايح جاي» يشعل «الغيرة الفنية» بين محمد فؤاد وهنيدي

أثارت تصريحات الفنان المصري محمد فؤاد في برنامج «العرافة» الذي تقدمه الإعلامية بسمة وهبة، اهتمام الجمهور المصري، خلال الساعات الماضية، وتصدرت التصريحات محرك البحث «غوغل» بسبب رده على زميله الفنان محمد هنيدي الذي قدم رفقته منذ أكثر من 25 عاماً فيلم «إسماعيلية رايح جاي». كشف فؤاد خلال الحلقة أنه كان يكتب إفيهات محمد هنيدي لكي يضحك المشاهدين، قائلاً: «أنا كنت بكتب الإفيهات الخاصة بمحمد هنيدي بإيدي عشان يضحّك الناس، أنا مش بغير من حد، ولا يوجد ما أغير منه، واللي يغير من صحابه عنده نقص، والموضوع كرهني في (إسماعيلية رايح جاي) لأنه خلق حالة من الكراهية». واستكمل فؤاد هجومه قائلاً: «كنت أوقظه من النوم

محمود الرفاعي (القاهرة)
سينما جاك ليمون (يسار) ومارشيللو ماستروياني في «ماكاروني»

سنوات السينما

Macaroni ضحك رقيق وحزن عميق جيد ★★★ هذا الفيلم الذي حققه الإيطالي إيتوري سكولا سنة 1985 نموذج من الكوميديات الناضجة التي اشتهرت بها السينما الإيطالية طويلاً. سكولا كان واحداً من أهم مخرجي الأفلام الكوميدية ذات المواضيع الإنسانية، لجانب أمثال بيترو جيرمي وستينو وألبرتو لاتوادا. يبدأ الفيلم بكاميرا تتبع شخصاً وصل إلى مطار نابولي صباح أحد الأيام. تبدو المدينة بليدة والسماء فوقها ملبّدة. لا شيء يغري، ولا روبرت القادم من الولايات المتحدة (جاك ليمون في واحد من أفضل أدواره) من النوع الذي يكترث للأماكن التي تطأها قدماه.

يوميات الشرق الممثل أليك بالدوين يظهر بعد الحادثة في نيو مكسيكو (أ.ف.ب)

توجيه تهمة القتل غير العمد لبالدوين ومسؤولة الأسلحة بفيلم «راست»

أفادت وثائق قضائية بأن الممثل أليك بالدوين والمسؤولة عن الأسلحة في فيلم «راست» هانا جوتيريز ريد اتُهما، أمس (الثلاثاء)، بالقتل غير العمد، على خلفية إطلاق الرصاص الذي راحت ضحيته المصورة السينمائية هالينا هتشينز، أثناء تصوير الفيلم بنيو مكسيكو في 2021، وفقاً لوكالة «رويترز». كانت ماري كارماك ألتوايز قد وجهت التهم بعد شهور من التكهنات حول ما إن كانت ستجد دليلاً على أن بالدوين أبدى تجاهلاً جنائياً للسلامة عندما أطلق من مسدس كان يتدرب عليه رصاصة حية قتلت هتشينز. واتهم كل من بالدوين وجوتيريز ريد بتهمتين بالقتل غير العمد. والتهمة الأخطر، التي قد تصل عقوبتها إلى السجن خمس سنوات، تتطلب من المدعين إقناع

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
سينما سينما رغم الأزمة‬

سينما رغم الأزمة‬

> أن يُقام مهرجان سينمائي في بيروت رغم الوضع الصعب الذي نعرفه جميعاً، فهذا دليل على رفض الإذعان للظروف الاقتصادية القاسية التي يمر بها البلد. هو أيضاً فعل ثقافي يقوم به جزء من المجتمع غير الراضخ للأحوال السياسية التي تعصف بالبلد. > المهرجان هو «اللقاء الثاني»، الذي يختص بعرض أفلام كلاسيكية قديمة يجمعها من سينمات العالم العربي من دون تحديد تواريخ معيّنة.


«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
TT

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

 مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)
مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات، خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» المقام في لوس أنجليس بمفاجأة رائعة ترفع من أهميّته غير المحسوبة في إعلامنا العربي ومنهج صنع الفيلم العربي عموماً.

يوم الخميس، أغلق المهرجان الآسيوي دورته الجديدة بإعلان فوز فيلم «مندوب الليل» بجائزته الكبرى. الفيلم هو أول أعمال المخرج السعودي علي الكلثمي، وعند الناقد كاتب هذه السطور، هو أفضل فيلم سعودي طويل خرج في الأشهر الاثني عشر الماضية.

حين رشّحته للمهرجان المذكور، اتصل بي رئيسه جورج شمشوم معبّراً عن دهشته: «أذهلتني جودة الفيلم حرفة وموضوعاً. كانت مفاجأة كبيرة لي بعدما سمعت عن كثيرٍ من الأفلام السعودية الجديدة، وكيف أنها باتت تُسهم في تغيير السائد والتقليدي. مع ذلك، فإن هذا الفيلم كان روعة».

لمن لم يسمع به من قبل أو سمِع به ولم يشاهده، «مندوب الليل» هو عن شاب (الجيد محمد الدوخي) يُطرد من عمله في شركة اتصالات هاتفية إثر مشادة بينه وبين مسؤوليه. والده مُعتل وشقيقته مطلّقة عادت لبيت أهلها مع طفلها. سيجد عملاً بصفته مندوب توصيل البيتزا. لكنه يكتشف طريقة أخرى للثراء وهي، سرقة مؤونة من الكحول المخبأة التي يبيعها أصحابها للأثرياء. بذلك يضع قدميه عند نقطة تحوّلٍ واعدة غير مدركٍ مغبّة ما قام به وكيف سيضع نفسه وأهله في خطر جسيم.

فوز ناصع

الفيلم ليس قصّة بوليسية، لكنه قصّة تشويقية، والتشويق فيه مُحكم. فيلم متقن كتابة وإخراجاً وتأليفاً وتصويراً وتمثيلاً ومصمم بدقة. مُعالج بدراية وفعّال في عرض التفاصيل بذكاء. وهو نتيجة رائعة لعملية لا بدّ استغرقت كثيراً من التّصميم المُسبق والتنفيذ.

لجانب هذا الفوز الناصع لا يجب أن ننسى أن العام الآيل إلى الرحيل خلال 40 يوماً من الآن، شهد اشتراك السينما السعودية في إحدى مسابقات مهرجان «كان» رسمياً لأول مرّة. الفيلم هو عملٌ جيّد آخر، لكن من وزن مختلف، عنوانه «نورة» ومخرجه هو الطموح توفيق الزايدي.

الاشتراك السعودي الرسمي في «مهرجان القاهرة» الذي يُنهي أعماله مساء الجمعة تَوزّع بين فيلمين هما، «ثقوب» لعبد المحسن الضبعان، و«فخر السويدي» لثلاثة مخرجين هم هشام فتحي وعبد الله بامجبور وأسامة صالح.

هذا الكم لا يوقف المد القادم: حديثٌ عن اشتراك سعودي مقبل في «مهرجان برلين» في فبراير (شباط) 2025، وتحضيرٌ مبكر لجعل الدورة المقبلة من «كان» مايو (أيار) تُنجز أكثر ممّا أنجزت الدورة الماضية من حضورٍ كمي ونوعي كبيرين.

محمود حميدة و«الفن السابع»

كُتب وتكريمات

بالنسبة لـ«مهرجان القاهرة»، هناك محاورٌ عدّة للحكم له أو عليه. هو واحد من المهرجانات العربية التي تقع في الربع الأخير من كل عام. هذا يصلح كمسافة زمنية تمنح المهرجان فرصة عمل لجمع وتجميع أفلام من كل حدبٍ وصوب، لكنه توقيت يحرمه من أن يكون منصّة انطلاق لأي غاية. لا يخرج فيلم من هنا ليجوب العالم. حتى الفيلم الذي يربح جائزة كبرى فإن حدود جائزته تنتهي مع إقلاع المخرج عائداً إلى بلده.

هذا ليس شأنه فقط، بل شأن كلّ المهرجانات العربية تقريباً باستثناء «مهرجان البحر الأحمر» ولو إلى حدٍ. هو أصبح محطة انطلاق، على الرغم من وجوده في هذا الرُّكن الزمني من السنة، وذلك لأنه حرص على عرض أفلام سعودية تستطيع الانطلاق منه والسفر كونها في الأساس جيدة وتستحق. عاملٌ آخر هو أن الغرب بات يعرف أن السعودية أصبحت لاعباً ثقافياً وفنياً واضحاً. ما عاد الرِّهان عليه، بل على ارتفاع شأنه مستقبلاً.

ما هو عبثي في كثير من المهرجانات العربية، أن تلك التي تُوزّع التكريمات والاحتفاءات باتت أمام مفترق طرق: لقد كُرّم معظم الحاضرين والذين كانوا حاضرين وقت تكريمهم. هناك آخرون يستحقون (كُتاب سيناريو، مديرو تصوير، مؤلفو موسيقى، ممثلون ونقاد ومؤرخون) لكن أحداً قلّما شعر بهم.

«فخر السويدي» (مهرجان القاهرة السينمائي)

على «مهرجان القاهرة» أن ينفض عنه الالتزام بالواجب لأنه واجب، وأن يبحث في طيّات السينمات العربية عمن يستحق «تكريمه» فعلاً.

ما هو لافت كذلك في «مهرجان القاهرة» أكثر من سواه، هو إصداره كتباً سينمائية. هذه عادة توقّفت عنها غالبية مهرجانات العالم الرئيسية منذ عقود، مدركة أن كتب الاحتفاء لم تعد تأتي بجديد يُضاف إلى ما صدر عن كلّ محتفى به.

يمكن للمهرجان المصري إصدار كتابٍ قيّم واحد عوض ثلاثة أو حتى اثنين.

خلال العام الحالي أصدر المهرجان كتاباً مميّزاً ومهمّاً من إعداد ناجي فوزي بعنوان «مختارات من الفن السابع». وكانت مجلة «الفن السابع» السينمائية الرائعة التي أسسها محمود حميدة في عام 1997 قد سدّت ثغرة كبيرة آنذاك في ثقافة الفيلم المطبوعة.

الكتابان الآخران هما «حلم عز» لرامي المتولّي و«سينما يسري نصر الله» لأحمد عزّت عامر. الأول لا يعدو عن بضع صفحات لممثل لم يختم بعد عقداً واحداً من شهرته، والثاني لمخرج يستحق كتاباً يحلّل أفلامه ما لها وما عليها. كتاب من المهرجان لأي مخرج أو سينمائي، يعني انحيازاً للإيجابيات فقط.

عدم إصدارها في الغرب لا يعني أنه قرار صائب، خصوصاً أن البديل لدينا يجب أن يكون مختلفاً وهناك كثير من الأفكار في هذا الشأن.