قصة الصائغ فابرجيه ومحله اللندني في معرض ضخم

200 قطعة من مقتنيات متحف الهرميتاج والمجموعة الملكية البريطانية في «فابرجيه في لندن: الرومانسية والثورة»

محل فابرجيه في شارع بوند ستريت بلندن عام 1911  (The Fersman Mineralogical Museum, Moscow and Wartski, London)
محل فابرجيه في شارع بوند ستريت بلندن عام 1911 (The Fersman Mineralogical Museum, Moscow and Wartski, London)
TT

قصة الصائغ فابرجيه ومحله اللندني في معرض ضخم

محل فابرجيه في شارع بوند ستريت بلندن عام 1911  (The Fersman Mineralogical Museum, Moscow and Wartski, London)
محل فابرجيه في شارع بوند ستريت بلندن عام 1911 (The Fersman Mineralogical Museum, Moscow and Wartski, London)

فابرجيه... كلمة تحمل وراءها تاريخاً قديماً اختلطت فيه قصص إمبراطورية وأمراء ونبلاء ونبيلات مموهة بلمعان الذهب وبريق الكريستال والأحجار الكريمة، كل ذلك تختزله قصة مجوهرات و«بيضات» الصائغ فابرجيه ما جعلها صوراً مألوفة ومطبوعة في الذاكرة حتى اليوم. وإن كان الصائغ ومحلاته وحكاياته قد غابت عن الوجود لكن تبقى الأسطورة حية عبر تشابكاتها وآثارها من القطع دقيقة الصنع التي تلقي ببريقها على كل محفل ومعرض تظهر فيه ولتصبح مضرب المثل في الإتقان والإبداع والفخامة.
واحتفالاً بالصائغ الشهير الذي ارتبطت مجوهراته بالإمبراطور الروسي نيكولاس الثاني وعائلته وأيضاً بالعائلات الملكية والأرستقراطية في أوروبا، أعلن متحف «فيكتوريا آند ألبرت» بلندن عن إقامة معرض ضخم يتناول تاريخ فابرجيه ويضم 200 قطعة من إبداعاته. كما يسلط الضوء على متجر فابرجيه في لندن وهو الفرع الوحيد للصائغ الشهير خارج روسيا، الذي أثار حالة من الافتتان بمصوغات فابرجيه وقطعه المتفردة في فخامتها ودقة صنعها وطرافتها أيضاً.
المعرض يحمل عنوان «فابرجيه في لندن: الرومانسية والثورة» ويعد الأول من حيث الحجم والتفاصيل من حيث التركيز على إرث الصائغ الشهير وأهمية فرعه اللندني الذي طواه النسيان مع زبائنه من المجتمع الراقي في بريطانيا وأوروبا.
ومن خلال 200 قطعة موزعة على ثلاثة أقسام، يسرد العرض قصة كارل فابرجيه الرجل صاحب الشركة العالمية التي تحوّلت إلى علامة للحرفية والأناقة الروسية، خصوصاً بما كونته من صلات وثيقة مع الأسرة الإمبراطورية الروسية التي صبغت على «بيضات» فابرجيه تحديداً غلالة من الرومانسية والثراء وأيضاً التراجيديا التي انتهت بها حياة أفراد الأسرة بعد الثورة البلشفية.
ولعل الكثير قد كتب عن فابرجيه في روسيا ومصوغاته وبيضات عيد الفصح المصنوعة من الذهب والمجوهرات التي أبدعها للقيصر وبناته، ولكن المعرض هنا يحرص أيضاً على التوغل في أصداء أسطورة فابرجيه خارج روسيا وعلاقاته مع العملاء في إنجلترا، وذلك بفضل افتتاحه محلاً في لندن عام 1903. المحل تحوّل لنقطة جذب لأفراد العائلات الملكية في أوروبا والمؤثرين والأرستقراطيين والممثلات الأميركيات والمهراجات وغيرهم من نجوم المجتمع المخملي في عدد من دول العالم الذين وجدوا عند فابرجيه الهدايا الثمينة المتفردة ليهدوها لبعضهم، ما جعل فرع المتجر في لندن بنفس أهمية متجره الرئيسي في روسيا.
أول أقسام المعرض يتناول أهمية تبني أسرة رومانوف لمجوهرات فابرجيه، وللتدليل على ذلك استعار المتحف قطعاً من متحف هرميتاج، منها قطع صنعها الصائغ خصيصاً للعرض في باريس عام 1900، وتعكس فيما بينها فخامة البلاط الإمبراطوري وتؤكد على مكانة فابرجيه بوصفه الصائغ الرسمي للعائلة الإمبراطورية. وحسب العرض، فتلك المكانة تتضح من القطع الكثيرة التي صنعها لأفراد العائلة مثل زهور مصنوعة من الكريستال الصخري وإطارات صور باذخة لأفرادها وغيرها من القطع التي صنعت بناء على طلب الإمبراطور وعائلته، ولا شك أن أشهرها البيضات الملونة الباذخة التي لا تزال تثير الخيال حتى اليوم.

حرفة وصنعة وتقنية

لا يمكن أن يتحدث معرض عن مجوهرات فابرجيه بدون الدخول في تفاصيل صنعها لمحاولة فهم الحرفية الراقية التي ميزت عمله، وهو ما يستكشفه القسم الثاني من العرض. فيعرض لحرفية التصميم والتنفيذ الدقيق التي ميزت إبداعات شركة كارل فابرجيه وورش العمل فيها، وألهمت المصممين والحرفيين للتعاون الخلاق.
من القطع التي تعبر عن كل تلك العناصر نرى تاجاً من الألماس مزيناً بأحجار الزبرجد وهو كان هدية من دوق مكلنبورغ شويرين لعروسه ألكساندرا هانوفر يوم عرسهما.
ومن إبداع إحدى مصممات الدار المعروفات واسمها آلما بيل قلادة عرفت باسم «الكريستال الثلجي» صنعت من الكريستال الصخري وأحجار الألماس.

فابرجيه في لندن

هذا القسم مخصص لقصة متجر فابرجيه في لندن والرعاية الملكية التي حصل عليها وكيف تحوّلت مجوهراته إلى قطع مرغوبة من الطبقة المخملية في العاصمة البريطانية. ويقدم المعرض بعض القطع المستعارة من مجموعة الملكة إليزابيث الثانية من المجوهرات، ومنها إطارات صور وعلب سجائر وبيضات ملونة وأيضاً بعض الهدايا التي أرسلها القيصر نيكولاس الثاني لأقربائه من أفراد العائلة الملكية البريطانية.
ولكن بما أن لكل قصة نهاية ونهاية، يتطرق العرض لنهاية أسطورة فابرجيه، التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى 1914، حين تحولت ورش الصياغة في فابرجيه من صناعة المجوهرات الثمينة إلى إنتاج الذخيرة ومن صياغة الجواهر إلى تشكيل الحديد والنحاس. ومع الثورة البلشفية 1917 أغلقت محلات فابرجيه في موسكو وفي لندن أيضاً، لتظل من الصائغ الشهير مصوغاته وقطعه المتفردة في إبداعها لتشهد على أسطورة ترفض الموت.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».