«سيرة بدائية» يستدعي ثنائية الخوف والأمل في «زمن كورونا»

المصرية أمل نصر نقلت تجربة إصابتها بالفيروس إلى لوحات المعرض

«سيرة بدائية» يستدعي ثنائية الخوف والأمل في «زمن كورونا»
TT

«سيرة بدائية» يستدعي ثنائية الخوف والأمل في «زمن كورونا»

«سيرة بدائية» يستدعي ثنائية الخوف والأمل في «زمن كورونا»

زواحف صغيرة تبدو وكأنها تقاوم طاقة سلبية ما في المكان، فتيات يحملن قرابين على رؤوسهن متجهات صوب النهر، عيون مفتوحة باتساع وكأن شيئاً ما غامضاً أثار رعبها، وجوه بلا أجساد وأجساد بلا وجوه، نساء سابحات في بحار مجهولة، قوارب بلا أشرعة، وسفن لا تحمل غير النساء، ظلال تمائم قديمة وأطياف تعاويذ فجّرتها جائحة كورونا... هذه بعض ملامح لوحات معرض «سيرة بدائية» للفنانة التشكيلية المصرية الدكتورة أمل نصر، الذي يجري عرضه حالياً بغاليري «ضي».
ويضم المعرض 70 لوحة، من بينها 36 لوحة تنتمي إلى فن التصوير، حيث تبدو خطوط الأكريلك والباستيل والفحم على التوال الخشب وكأنها تعويذة مستلهمة من الفنون القديمة المستقاة من النقوش على الكهوف في الأزمنة السحيقة، و34 لوحة من الألوان المائية والأحبار تنتمي إلى فن الرسم على الورق لتأخذ المتلقي إلى عوالم مدهشة تعزف على واحدة من أهم ثنائيات الغرائز البدائية في النفس الإنسانية وهي ثنائية: الخوف والأمل، الخوف من الموت القادم متنكراً في صورة جائحة أو إعصار أو بركان، والأمل في النجاة من هذا الهلاك الذي يعلن عن نفسه بصور شتى.
ما الذي قصدته الفنانة بالضبط من لوحاتها؟ طرحنا السؤال على الدكتور أمل نصر، فأجابت «أدخلتني جائحة كورونا في عزلة اختيارية مؤلمة، فجأة اختفى النشاط الفني، تراجعت خططي المستقبلية، لم أعد ألتقي طلابي، أصبحت جدران المنزل وسط أولادي وزوجي هي حدود العالم؛ فكان لا بد لي من التمرد على هذا الحصار، ومن هنا ولدت فكرة هذا المعرض بشكل تلقائي دون تخطيط مسبق، انزويت إلى ركن خاص داخل المنزل منهمكة في تجسيد مخاوف البشر من الوباء المستجد على إيقاع صوت النشرات الإخبارية التي تحمل لنا إحصائيات الموت وأصداء النهاية عبر العالم».
وعن دلالة اسم «سيرة بدائية» الذي اختارته لهذا المعرض، تقول نصر لـ«الشرق الأوسط»، «السيرة هنا أوظفها بالمعنى المبسط لتلك المفردة اللغوية، وهو ما يتبقى من ذكرى الإنسان بعد رحيله، حيث آثرت توظيف الفنون البدائية للأجداد والقدماء، ولكن عبر صياغة معاصرة تناسب العصر ووفق رؤيتي الشخصية لها».
تعيد الفنانة هنا توظيف رسوم ونقوش صيادي الكهوف على طريقة الأستراليين الأصليين، تسير على خطى حضارة المايا والأزتيك في المكسيك، تتمثل تماثيل عين غزال الأردنية ذات الرأسين، تخلق حواراً بين «أفروديت» اليونانية و«عشتار» العراقية. يتسع قوس الرموز والإشارات في هذه اللوحات التي تكتسي باللون الرمادي عبر درجاته المتفاوتة لتشمل أعشاباً وشجيرات برية، دمى خشبية محفورة، حفائر لهياكل أسماك، خفافيش تحلق وبومات تترقب لتكتمل دائرة الحذر والترقب.
لم تتقاطع الفنانة مع فنون الحضارات القديمة بعد اكتمالها وفق قواعد فنية مستقرة، وإنما تنحاز هنا إلى الفن الفطري بحسه البدائي العفوي مثل منحوتات ما قبل عصر الأسرات في مصر القديمة والتي تصور العديد من الخدم والعمال والشخصيات الهامشية، الأمر نفسه في الفن اليوناني الروماني، فقد استلهمت تماثيل «التيراكوتا» السوريات وهن يحاورن نساء «التناجرا» السكندريات.
وتكشف نصر عن إصابتها بفيروس كورونا وكيف أثر ذلك على هذا المعرض بقولها «الإصابة بالفيروس منحت التجربة الكثير من الصدق الفني، فجاء المعرض بمثابة سجل بصري حافل بالرؤى والرموز التي تحاول استجلاء مخاوف وآمال الروح الإنسانية».
وتتسم تجربة الدكتور أمل نصر المولودة في عام 1965 بغزارة الإنتاج، حيث شاركت في عشرات المعارض الجماعية، كما قدمت أكثر من عشرين معرضاً خاصاً وصدرت لها العديد من المؤلفات، من بينها «جماليات الفنون الشرقية» و«مرايا العاطفة»، كما تشغل حالياً منصب رئيس قسم التصوير بكلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية.


مقالات ذات صلة

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

شمال افريقيا «الصحة» المصرية تنفي رصد أمراض فيروسية أو متحورات مستحدثة (أرشيفية - مديرية الصحة والسكان بالقليوبية)

متحور جديد لـ«كورونا» في مصر؟... نفي رسمي و«تخوف سوشيالي»

نفت وزارة الصحة المصرية رصد أي أمراض بكتيرية أو فيروسية أو متحورات مستحدثة مجهولة من فيروس «كورونا».

محمد عجم (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أظهر المسح الجديد تراجعاً في عدد الأطفال الصغار المسجلين في الدور التعليمية ما قبل سن الالتحاق بالمدارس في أميركا من جراء إغلاق الكثير من المدارس في ذروة جائحة كورونا (متداولة)

مسح جديد يرصد تأثير جائحة «كورونا» على أسلوب حياة الأميركيين

أظهر مسح أميركي تراجع عدد الأجداد الذين يعيشون مع أحفادهم ويعتنون بهم، وانخفاض عدد الأطفال الصغار الذين يذهبون إلى الدور التعليمية في أميركا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».