التمرد والمجزرة في موزمبيق: تغيرت اللعبة

جرحى ونازحون في مطار بيمبا لدى وصولهم من مدينة بالما التي سيطر عليها متمردون موالون لـ«داعش» في موزمبيق (إ.ب.أ)
جرحى ونازحون في مطار بيمبا لدى وصولهم من مدينة بالما التي سيطر عليها متمردون موالون لـ«داعش» في موزمبيق (إ.ب.أ)
TT

التمرد والمجزرة في موزمبيق: تغيرت اللعبة

جرحى ونازحون في مطار بيمبا لدى وصولهم من مدينة بالما التي سيطر عليها متمردون موالون لـ«داعش» في موزمبيق (إ.ب.أ)
جرحى ونازحون في مطار بيمبا لدى وصولهم من مدينة بالما التي سيطر عليها متمردون موالون لـ«داعش» في موزمبيق (إ.ب.أ)

الهجوم الذي تبنته «ولاية وسط أفريقيا» في «داعش» على بلدة بالما في موزبيق، غيّر طبيعة التمرد الذي تشهده مقاطعة كابو ديلغادو، ما يُدخل البلاد في حقبة مختلفة من الصراع بين حكومة مابوتو والحركة الإسلامية التي تطلق على نفسها اسم «أنصار السنة».
أسفر الهجوم على بالما الذي بدأ يوم الأحد 29 مارس (آذار) عن عشرات القتلى لم ينته إحصاؤهم بعد بسبب تعدد نقاط المواجهات وعمليات القتل. وبدأ بتقدم قوة من ثلاثة محاور إلى البلدة وسيطرتها على مواقع الجيش وحصار عدد من العمال الأجانب في فندق في الضواحي. ويتميز الهجوم على بالما عن الهجمات التي كانت تشنها الجماعة بحسن التنسيق بين القوات واستخدام قذائف الهاون ما يعطي انطباعا بحصول نقلة نوعية في القيادة والسيطرة.
وكان إرهابيون ينتمون إلى «أنصار السنة» في شمال موزمبيق قد قطعوا أعناق 29 طفلا في هجمات شنوها قبل أسبوعين على قرى في المنطقة الشمالية عينها. الجماعة ذاتها التي تخوض تمردا مسلحا منذ 2017 كانت قد قتلت 50 شخصا في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي في إطار تصعيد هجمات الإرهابيين التي تسببت بمقتل حوالى 2500 شخص وتهجير 700 ألف نسمة من المقاطعة الشمالية الغنية بالغاز الطبيعي. ويقول العاملون في المنظمات الإنسانية إن عشرات الآلاف فروا من قراهم بعد اقتحام المسلحين لبلدة بالما ما يفاقم أزمة النزوح في موزمبيق.
الحادث السابق في كابو ديلغادو لم يثر كبير اهتمام في وسائل الإعلام الرئيسة ربما بسبب القضايا الأكثر إلحاحاً وحضورا مثل وباء كورونا، كما لا يُعرف كثير عن «أنصار السنة» الذين يسمون أنفسهم أيضا «أهل السنة والجماعة» سوى أنهم مرتبطون «بولاية وسط أفريقيا» التابعة لتنظيم «داعش» كما سبقت الإشارة. بيد أن عددا من المراقبين يشيرون إلى ضعف الصلة المذكورة واحتمال أن تكون مجرد مبايعة شكلية نظرا إلى غياب حالات الاستقطاب التي تشهدها بؤر «داعش» في العادة وتحولها إلى نقاط جذب «أممية» على غرار ما جرى في سوريا والعراق وما يحصل في عدد من مناطق الساحل الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى حيث يتدفق الجهاديون من دول الغرب لدعم «دولة الخلافة» وعيش تجربتها.
يضاف إلى ذلك أن المجموعة المسلحة التي كانت سلطات موزمبيق قد قللت من شأنها واعتبرتها عند انطلاقها «حفنة من حملة السواطير» قد ضاعفت في العامين الماضيين عدد عملياتها لتصل إلى تنزانيا المجاورة ولتشمل حملات تجنيد للأطفال والشبان في مناطق سيطرتها وهي الحملات التي ربما تسببت في مقتل الأطفال في الهجوم قبل الأخير في كابو ديلغادو.
لكن رغم مرور أخبار هجمات «أنصار السنة» من دون إثارة ضجيج في الإعلام العالمي، فإن ما يجري في شمال موزمبيق يحمل كل العلامات المميزة لأزمة معاصرة يحضر فيها جميع «المشبوهين المعتادين»: هناك أولا التغير المناخي. فتقارير الأمم المتحدة تتوقع أن تعاني موزمبيق من التغير المناخي معاناة قاسية بحيث يتفاقم الجفاف وتخسر المزيد من الأراضي الزراعية ويرتفع مستوى البحر والظواهر المناخية المتطرفة. وكتأكيد لذلك، ضرب إعصاران البلاد في 2019 بفارق أسابيع وتسببا في مقتل أكثر من ألف شخص وألحقا دمارا واسعا بالمحاصيل الزراعية. ونجد ثانيا الفساد. ولا تبخل لائحة الاتهامات التي وجهتها بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في موزمبيق وغيرها من المجموعات الرقابية إلى الرئيس الحالي فيليبي نيوسي الذي يتولى منصبه منذ 2015 ممثلا لجبهة «فريليمو» الحاكمة منذ الاستقلال سنة 1975، بممارسة التزوير والتهديد والقتل. كما أن عددا من الدعاوى القانونية رفعت ضده في الولايات المتحدة وبريطانيا بتهمة تقاضي رشى عندما كان وزيرا للدفاع. وبدهي ألا يقتصر الفساد على رئيس الدولة بل يشمل جملة من هيئاتها وخصوصا عندما يصل الأمر إلى العقود الضخمة مع الشركات الدولية، ما يقود إلى المشتبه به الثالث: اكتشاف كميات ضخمة من الغاز الطبيعي في البحر مقابل كابو ديلغادو ما جذب شركات الطاقة الكبرى. ولم تكن صدفة أن يبدأ «أنصار السنة» عملياتهم المسلحة في العام ذاته الذي بدأ فيه عملاق الطاقة الفرنسي «توتال» إنشاء مصنع تسييل للغاز في المنطقة يكلف حوالى عشرين مليار دولار وحصلت بفضله الشركة على أراض شاسعة عملت السلطات على طرد سكانها الذين شكلوا ذخيرة للجماعة المتطرفة.
أما المشتبه به الرابع فليس غير الدينامية التي تطلقها مثل هذه الاكتشافات. ذاك أن كمية الغاز التي تُقدّر بعدة آلاف من المليارات من الأقدام المكعبة في البحر أمام شاطئ كابو ديلغادو جذبت أيضا شركات الحماية الخاصة كشركة «داغ» من جنوب أفريقيا و«فاغنر» سيئة السمعة من روسيا وغيرهما. وغني عن البيان أن الشركات هذه تعمل وفق جداول أعمال الشركات الكبرى بغطاء من قوى الأمن المحلية. ووفق الدينامية ذاتها تتورط شركات الأمن الخاصة (أو المرتزقة الأجانب إذا أردنا تسمية الأمور بأسمائها) في طرد السكان ومنعهم من المطالبة بتعويضات عن أراضيهم الزراعية ما يعزز دور الجماعات المتطرفة التي تجعل من قضية السكان المهمشين لواء ترفعه لجني المزيد من النفوذ والسطوة أو ربما كتعبير لا بديل له أمام سلطة غير قابلة للإصلاح ولا للتغيير.
وأخيرا، يأتي التدخل الدولي على شكل خبراء عسكريين أميركيين يتولون تدريب قوات الجيش على تقنيات مكافحة التمرد ضمن «الحرب العالمية على الإرهاب» من دون أن يترافق ذلك مع رفع الظلم عن مزارعي كابو ديلغادو ومن يشبههم من مواطنيهم ولا معالجة فساد الحكومة في مابوتو التي ستجني المليارات من بيع الغاز الطبيعي من دون أن تؤمن برامج تنموية للمناطق الفقيرة. وكأنها القصة ذاتها تتكرر في كل العالم وبحضور «المشبوهين المعتادين» والضحايا ذاتهم.
الارتفاع النوعي في مستوى العنف الذي يمارسه «أنصار السنة» لا يشير فقط إلى زيادة ثقتهم بأنفسهم وبتحسن أوضاعهم التنظيمية ناهيك من استمرار تخبط الحكومة المركزية وسعيها إلى إشراك القوة الأجنبية في قمع التمرد، بل يقول أيضا إنه لا أفق لحل سياسي في المستقبل المنظور وإن حربا صغيرة جديدة قد اندلعت.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
TT

ميركل تعرب عن حزنها لعودة ترمب إلى الرئاسة الأميركية

الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)
الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتحدث خلال اجتماع ثنائي مع المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي في واتفورد ببريطانيا... 4 ديسمبر 2019 (رويترز)

أعربت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل عن «حزنها» لعودة دونالد ترمب إلى السلطة وتذكرت أن كل اجتماع معه كان بمثابة «منافسة: أنت أو أنا».

وفي مقابلة مع مجلة «دير شبيغل» الألمانية الأسبوعية، نشرتها اليوم الجمعة، قالت ميركل إن ترمب «تحد للعالم، خاصة للتعددية».

وقالت: «في الحقيقة، الذي ينتظرنا الآن ليس سهلا»، لأن «أقوى اقتصاد في العالم يقف خلف هذا الرئيس»، حيث إن الدولار عملة مهيمنة، وفق ما نقلته وكالة «أسوشييتد برس».

وعملت ميركل مع أربعة رؤساء أميركيين عندما كانت تشغل منصب مستشار ألمانيا. وكانت في السلطة طوال ولاية ترمب الأولى، والتي كانت بسهولة أكثر فترة متوترة للعلاقات الألمانية الأمريكية خلال 16 عاما، قضتها في المنصب، والتي انتهت أواخر 2021.

وتذكرت ميركل لحظة «غريبة» عندما التقت ترمب للمرة الأولى، في البيت الأبيض خلال شهر مارس (آذار) 2017، وردد المصورون: «مصافحة»، وسألت ميركل ترمب بهدوء: «هل تريد أن نتصافح؟» ولكنه لم يرد وكان ينظر إلى الأمام وهو مشبك اليدين.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب والمستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل يحضران حلقة نقاشية في اليوم الثاني من قمة مجموعة العشرين في هامبورغ بألمانيا... 8 يوليو 2017 (أ.ف.ب)

ونقلت المجلة عن ميركل القول: «حاولت إقناعه بالمصافحة بناء على طلب من المصورين لأنني اعتقدت أنه ربما لم يلحظ أنهم يريدون التقاط مثل تلك الصورة... بالطبع، رفضه كان محسوبا».

ولكن الاثنان تصافحا في لقاءات أخرى خلال الزيارة.

ولدى سؤالها ما الذي يجب أن يعرفه أي مستشار ألماني بشأن التعامل مع ترمب، قالت ميركل إنه كان فضوليا للغاية وأراد معرفة التفاصيل، «ولكن فقط لقراءتها وإيجاد الحجج التي تقويه وتضعف الآخرين».

وأضافت: «كلما كان هناك أشخاص في الغرفة، زاد دافعه في أن يكون الفائز... لا يمكنك الدردشة معه. كان كل اجتماع بمثابة منافسة: أنت أو أنا».

وقالت ميركل إنها «حزينة» لفوز ترمب على كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني). وقالت: «لقد كانت خيبة أمل لي بالفعل لعدم فوز هيلاري كلينتون في 2016. كنت سأفضل نتيجة مختلفة».