باريس تطلق «إنذارها الأخير» استباقاً لتدابير رادعة

لودريان: حكومة فوراً وإلا توقعوا «عقوبات ناعمة»

TT

باريس تطلق «إنذارها الأخير» استباقاً لتدابير رادعة

حذّر مصدر سياسي مسؤول من مغبة الاستخفاف بالإنذار الأخير الذي وجّهه وزير الخارجية الفرنسية جان إيف لودريان للقيادات اللبنانية المسؤولة عن الجمود الذي يعيق تشكيل حكومة مهمة لتنفيذ الإصلاحات، وقال إن إنذاره ينطوي هذه المرة على تكثيف الضغوط التي بحثها مع نظرائه الأوروبيين بهدف تحديد وسائل الاتحاد الأوروبي لتعزيزها لإخراج عملية التأليف من التأزُّم.
ولفت المصدر إلى أن ما قصده لودريان بقوله إن فرنسا حشدت شركاءها الأوروبيين والدوليين والإقليميين يشكل رسالة لكل القوى السياسية، محمّلاً إياها مسؤولية عدم التزامها بما تعهّدت به أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما التقاها في قصر الصنوبر، وأكد أنه قرر من الآن وصاعداً اتباع الدبلوماسية الساخنة لحشر من يعرقل تشكيل الحكومة مستعيناً بالعصا الغليظة التي يمكن أن تدفع باريس للبحث في اتخاذ عقوبات بحق المعرقلين أو من ينوب عنهم وإنما ليس على الطريقة الأميركية.
ولم يستبعد المصدر نفسه أن تكون العقوبات الأوروبية بطلب من باريس والتي لوّح بها لودريان أقل قسوة من العقوبات الأميركية التي شملت وزراء سابقين ونواباً حاليين، لكن «نعومتها» لا تقلّل من أهميتها لما يترتب عليها من مفاعيل، وإن كانت محصورة في تجميد أرصدتهم في المصارف الأوروبية والامتناع عن منحهم سمات دخول إلى الدول الأوروبية.
ورأى أن باريس لم تعد في حاجة إلى التواصل مع الأطراف المعنية بتأليف الحكومة، وعزا السبب إلى أنها باتت على اطلاع مباشر على ما أدت إليه مشاورات التأليف بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ومن خلالهما بين الأطراف السياسية الرئيسية في ضوء إسقاط المبادرات التي يراد منها إخراجها من الحلقة المفرغة التي تدور فيها.
ورأى أنه من غير الجائز أن تُفاجأ الأطراف المعنية بتأليف الحكومة، وتحديداً تلك التي لم تستجب للدعوات المتكررة التي أطلقتها باريس لتسريع ولادة الحكومة، وقال إنه سبق لها أن أعلمت المعنيين بعملية التأليف بأنها تدرس اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات بحق من يعرقل المبادرة الفرنسية ويحاول الالتفاف عليها لتجويفها من مضامينها الإصلاحية.
واعتبر أن ما أورده لودريان في البيان الذي أصدرته الخارجية الفرنسية في أعقاب اتصاله برئيس الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والرئيس المكلف الحريري، ينم عن تحريضه للحراك المدني لمواصلة ضغطه على الطبقة السياسية لإنقاذ بلدهم الذي يقترب من السقوط، خصوصاً أنه حرص على وضع النقاط على الحروف في البيان الذي هو بمثابة مكاشفة للرأي العام ليكون على بيّنة حيال الوضع الراهن بعد مضي 7 أشهر من الجمود منذ الانفجار الذي استهدف مرفأ بيروت.
وكشف المصدر أن لودريان وجّه تهديداً مباشراً إلى الطبقة السياسية يتجاوز تجميد اتصالاته إلى تلويحه بالعواقب الوخيمة التي ستلحق بها إذا استمرت في هدر الوقت من دون أن يُسقط من حسابه اتخاذ تدابير رادعة تدفع باتجاه تسريع ولادة الحكومة، وقال إن الموقف الذي عبّر عنه الرئيس بري في مستهل الجلسة التشريعية للبرلمان أول من أمس، هو نسخة طبق الأصل من المخاوف الفرنسية حيال ما يصيب البلد من نكبات إذا تعطّلت عملية التشكيل.
وأكد المصدر السياسي لـ«الشرق الأوسط» أن لودريان اتصل مساء الأحد الماضي، بكل من عون وبري وعاد أول من أمس، للاتصال بالحريري للوقوف على أسباب التعطيل التي تعيق تشكيل الحكومة، وقال إن عون وإن كان أبلغه عدم مطالبته بالثلث الضامن في الحكومة، فإن رئيس البرلمان ومعه الرئيس المكلف غمزا من قناته واعتبرا أنه يصر على هذا الثلث لأن مجرد رفع عدد الوزراء من 18 إلى عشرين أو أكثر سيؤمّن له ما يدّعي عكسه.
وبكلام آخر، فإن عون - بحسب المصدر - يرفض أن يُحتسب الوزير الذي يمثل حزب الطاشناق من حصته والآخر المحسوب على النائب طلال أرسلان، مع أنهما يشاركان في اجتماعات «تكتل لبنان القوي» برئاسة رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل.
ولفت المصدر إلى أن تخلّي عون عن الثلث الضامن حسابياً وليس ورقياً يفتح الباب أمام التغلُّب على عقبة أساسية اسمها «الثلث المعطّل»، وقال إن بري والحريري أبلغا لودريان بأن مجرد تخلّيه عملياً عن هذا الثلث سيقود حتماً إلى التوافق على التشكيلة الوزارية، خصوصاً أن الرئيس المكلّف يُبدي مرونة ولن يكون عائقاً في حال تقرر زيادة عدد الوزراء وصولاً إلى إعادة النظر في الأسماء وتوزيع الحقائب والتفاهم على مخرج لتسمية من يتولى حقيبة الداخلية.
لذلك، فإن الرئيس المكلّف وإن كان يرمي مشكلة تأخير الحكومة على عون، فهناك من يسأل عن موقف «حزب الله» الذي يتلطى وراء حليفه رئيس الجمهورية فيما لا يحبّذ تشكيلها ولا يجد مشكلة في ترحيلها إلى ما بعد جلاء الموقف على جبهة التفاوض الأميركي - الإيراني، لأن طهران تمسك بالورقة اللبنانية وترفض الإفراج عنها من دون ثمن.



الأمم المتحدة: مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في اليمن

الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
TT

الأمم المتحدة: مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في اليمن

الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)
الفيضانات الأخيرة في اليمن أدت إلى نزوح 400 ألف شخص (الأمم المتحدة)

زاد عدد اليمنيين الذين واجهوا مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بمقدار 100 ألف شخص خلال الثلاثة الأشهر الماضية، ليصل العدد الإجمالي إلى نصف عدد السكان في هذه المناطق في ظل أزمة اقتصادية خانقة تواجهها الحكومة بسبب استمرار الحوثيين في منعها من استئناف تصدير النفط.

وحسب تحليل حديث للأمم المتحدة، فقد عانى ما يقرب من نصف السكان في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية (4.7 ملايين شخص) من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد خلال الفترة من يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول) الماضيين، وتم تصنيف هؤلاء على أنهم في المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أو أعلى (أزمة أو أسوأ).

من المتوقع أن تستمر أزمة الغذاء حتى الأشهر الأولى من عام 2025 (الأمم المتحدة)

ووفق هذه البيانات، فإن ذلك يشمل 1.2 مليون شخص عانوا من مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي - المرحلة 4 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الطوارئ) - التي تتميز بفجوات غذائية كبيرة ومستويات عالية من سوء التغذية الحاد.

ويعكس هذا، وفق التحليل، مستوى مرتفعاً باستمرار من الأمن الغذائي مقارنة بتحديث التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي السابق من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 إلى فبراير (شباط) من العام الحالي، عندما تم تصنيف حوالي 4.6 ملايين شخص في المرحلة 3 أو أعلى.

أسباب التفاقم

ومع دعوة الحكومة اليمنية، المجتمع الدولي، إلى مساعدتها على مواجهة الأزمة الاقتصادية الراهنة نتيجة استمرار منعها من تصدير النفط الخام بسبب استهداف الحوثيين موانئ التصدير منذ عامين، أكد التحليل أن السبب في تسجيل مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد يعود إلى الاقتصاد المتدهور، الذي يتميز بانخفاض قيمة العملة وارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة أسعارها، إلى جانب استمرار الصراع والمساعدات الغذائية الإنسانية غير المنتظمة.

بالإضافة إلى ذلك، يذكر التحليل أن الأمطار الغزيرة التي شهدتها البلاد في أغسطس (آب) الماضي أدت إلى فيضانات محلية دمرت المنازل وعطلت الأنشطة الزراعية وأسفرت عن خسارة الماشية والأراضي الزراعية ونزوح ما يقدر بنحو 400 ألف شخص، خصوصاً في أجزاء من محافظات مأرب والحديدة وتعز والضالع.

رجلان يحملان مساعدات غذائية في صنعاء من إحدى الوكالات الدولية (إ.ب.أ)

وخلال فترة التوقعات من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي وحتى فبراير (شباط) من العام المقبل، يبين التحليل أن الوضع سيتحسن بشكل طفيف مع توقع وجود 4.6 ملايين شخص في المرحلة 3 أو أعلى.

ومن بين هؤلاء، من المتوقع أن يواجه 1.1 مليون شخص مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي (المرحلة 4)، وتوقع أن يواجه 3.5 مليون شخص مستويات أزمة من انعدام الأمن الغذائي، المصنفة على أنها المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (الأزمة).

استمرار الأزمة

في حين توقع التحليل الأممي أن ينخفض عدد المديريات المصنفة في المرحلة 4 من انعدام الأمن الغذائي بنسبة 50 في المائة، من 24 إلى 12 مديرية، فإن عدد السكان في هذه المرحلة سيظل دون تغيير، وذكر أنه وبشكل عام، من المرجح أن تشهد جميع المديريات الـ118 التي تم تحليلها مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة الثالثة أو أعلى) خلال الفترة الحالية وفترة التوقعات.

والتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي هو مبادرة مبتكرة متعددة الشركاء لتحسين تحليل الأمن الغذائي والتغذية واتخاذ القرارات، وباستخدامه، تعمل الحكومات ووكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة معاً لتحديد شدة وحجم انعدام الأمن الغذائي الحاد والمزمن وحالات سوء التغذية الحاد في بلد ما، وفقاً للمعايير العلمية المعترف بها دولياً.

12 مليون يمني عانوا من مستويات حرجة من انعدام الأمن الغذائي (إعلام محلي)

وقد تم تطوير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي في الأصل في عام 2004 لاستخدامه في الصومال من قبل وحدة تحليل الأمن الغذائي والتغذية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.

ومنذ ذلك الحين، تقود شراكة عالمية تضم 15 منظمة تطوير وتنفيذ التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي على المستوى العالمي والإقليمي والقطري.

وبعد أكثر من 10 سنوات من تطبيقه، أثبت التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أنه أحد أفضل الممارسات في مجال الأمن الغذائي العالمي، ونموذج للتعاون في أكثر من 30 دولة في أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.