لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال

الاكتشافات العلمية الكبيرة تستلزم عقولاً كبرى

لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال
TT
20

لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال

لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال

س- ما هي لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال؟ وهل من شأنها منع الأمراض الأخرى فضلاً عن العدوى؟
ج- تعد اللقاحات الأولى المعتمدة في الولايات المتحدة الأميركية للوقاية من فيروس «كورونا» المستجد هي النوع الجديد المعروف باسم: لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال (mRNA vaccines).
• لقاحات متنوعة. إن الطريقة التي يعمل بها أي نوع من اللقاحات تتعلق بتدريب الجهاز المناعي للإنسان على التعرف على الفيروس المستهدف ومهاجمته عندما يدخل إلى الجسم. ويقوم اللقاح بهذه الوظيفة عن طريق «إظهار» للجهاز المناعي إما أن الفيروس الدخيل غير مؤذٍ (ميت أو ضعيف) أو هو عبارة عن جزئية حيوية وحاسمة من الغلاف البروتيني الخاص بالفيروس. وفي حالة فيروس «كورونا» المستجد، فإن غلافه البروتيني الخاص يُعرف باسم «سبايك بروتين» (بروتين الأشواك أو التاج spike protein).
وفي المعتاد، يجري في اللقاحات التقليدية إدخال الفيروس غير المؤذي، أو الجزئية الحيوية من الغلاف البروتيني، إلى الجسم عن طريق الحقن. غير أن إنتاج كميات كبيرة من الفيروسات الميتة أو الضعيفة، أو إنتاج كميات مماثلة من الغلاف البروتيني الحيوي، يستلزم توفير كثير من الوقت والمجهود. وقبل ثلاثة عقود من الآن، تصور كثير من العلماء وسيلة أيسر وأسرع في ذلك، وكانت هي لقاحات الحمض النووي الريبوزي المرسال.
• لقاح المرسال. فكرة لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال بسيطة للغاية. إذ إن الحمض النووي الريبوزي المرسال للفيروس يعمل على توجيه إنتاج غلاف الفيروس البروتيني الحيوي. ويستطيع العلماء بكل سهولة تصنيع الحمض النووي الريبوزي المرسال الذي ينتج بدوره الغلاف البروتيني الحيوي «سبايك بروتين». ما الذي يحدث عن حقن الحمض النووي الريبوزي المرسال لـ«سبايك بروتين» في جسد شخص ما، ثم تحرك الحمض النووي الريبوزي المرسال عبر مجرى الدم، ثم التهمته خلايا الجهاز المناعي، ثم شرعت تلك الخلايا في إنتاج «سبايك بروتين»، هل من شأن ذلك تدريب أو تثقيف الجهاز المناعي للبدء في الهجوم على الفيروس؟
إنها فكرة بسيطة للغاية من الناحية النظرية. غير أن العلماء واجهوا عائقاً تلو الآخر عند التطبيق، والتي يظهر أحدها على الفور بعد الانتهاء من الآخر. ومرت السنون الكثيرة من دون أي ضمانات بنجاح هذا التوجه، الذي أفاد كثير من الخبراء بأنه لن ينجح أبداً. وأيضاً بسبب الأموال الكثيرة المطلوبة لتمويل التجارب، أصبح من الصعوبة بمكان الوصول إلى أي نتيجة نهائية.
لكن، مع ظهور فيروس «كورونا» المستجد، واشتداد حاجة العالم المعاصر إلى الحصول على إجابات ناجعة وسريعة، سرعان ما ابتكر العلماء لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال، ولقد نجح هذه المرة. ولعلكم ترغبون في معرفة قصة النجاح بزيارة مدونة هارفارد الصحية على الرابط التالي: (www.health.harvard.edu-mrna).
• لقاح ضد السرطان. وربما يسأل البعض عن مدى نجاح لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال في منع أو علاج الأمراض الأخرى فضلاً عن العدوى.
تخلق الخلايا السرطانية جزيئات فريدة للغاية من البروتين والتي لا يوجد مثيل لها في الخلايا السليمة. وهذه هي تلك الجزيئات البروتينية التي يمكن استهدافها بواسطة لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال. وفي الآونة الأخيرة، أفاد عدد من العلماء بأول نجاح مُشجع في علاج سرطان الجلد بمثل هذا اللقاح.
• عبقرية العلماء. نذكر اثنين من العلماء البارزين في هذه الرواية، وهما مهاجران من تركيا إلى ألمانيا، ووقعا معاً في عشق لقاح الحمض النووي الريبوزي المرسال، كما أحبا كل منهما الآخر. وفقاً لما ذكرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، في يوم من أيام عام 2002، خرج العالمان المذكوران إلى استراحة تناول الغداء، ثم تزوجا، ثم عادا بعد الظهيرة إلى المختبر لإنهاء العمل على التجارب.
الاكتشافات العلمية الكبيرة تستلزم عقولاً كبيرة، مع شجاعة فائقة للإيمان بالقناعات الشخصية، فضلاً عن الشغف العاطفي بالتجربة كلها. ومما يُضاف إلى ذلك، الاستعداد من بقية أطراف المجتمع للاستثمار في الأشخاص الأذكياء، وأصحاب الشجاعة والحماسة الذين قد ينجحون في تغيير العالم.
* رئيس تحرير رسالة هارفارد الصحية، خدمات «تريبيون ميديا».


مقالات ذات صلة

علماء يطوّرون طريقة رائدة للقضاء على أمراض قاتلة محتملة

صحتك الطريقة الجديدة تستخدم تقنية حقن «النانو» لإدخال مواد جينية مستهدفة في بيض البعوض مما يعطل قدرته على حمل الأمراض (رويترز)

علماء يطوّرون طريقة رائدة للقضاء على أمراض قاتلة محتملة

طوّر علماء تقنيةً ثوريةً لتعديل الجينات تهدف إلى منع البعوض من نقل الأمراض القاتلة مثل الملاريا، التي تقتل نحو 600 ألف شخص سنوياً، معظمهم أطفال دون الخامسة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك انخفاض مستوى ترطيب الجسم يمكن أن يؤدي إلى الدوخة وانخفاض ضغط الدم وفي الحالات الشديدة إلى زيادة «سماكة» الدم ما يزيد من خطر الجلطات والنوبات القلبية (رويترز)

لماذا شرب كمية كافية من الماء ضروري جداً للصحة؟

في ما يأتي خمس طرق رئيسية يمكن أن تؤثر بها قلة شرب الماء على صحتكم، مع نصائح لتحسين ترطيب الجسم.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
صحتك تقليل الأطعمة المصنعة الغنية بالدهون المشبعة تساعد في خفض الكوليسترول (رويترز)

4 تغييرات بسيطة في الطعام تخفّض الكوليسترول قبل الحاجة لدواء

يُعد ارتفاع الكوليسترول، الذي يُطلق عليه غالباً اسم «القاتل الصامت»، عامل خطر رئيسياً للإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك تسبّب الحلويات والمشروبات الغازية تقلبات حادة في مستويات السكر بالدم مما يُخِل بتوازن الهرمونات ويزيد تقلبات المزاج والإرهاق كما أن محتواها العالي من السكر يعزز تراكم الدهون (أ.ب)

3 من «أسوأ» الأطعمة التي تُخِلّ بتوازن الهرمونات وتصعّب فقدان الوزن

ثلاثة أطعمة يجب تجنبها لتحسين الصحة الهرمونية وإدارة الوزن بعد سن الخمسين هي: اللحوم المصنّعة، والحلويات والمشروبات الغازية، والكربوهيدرات المكرّرة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك كشف العلماء عن الآلية التي قد يقلل بها دواء الأسبرين من انتشار بعض أنواع السرطان ما يفتح آفاقاً جديدة لمنع تفشي الخلايا السرطانية في الجسم (متداولة)

هذا الدواء يمنع انتشار أنواع سرطان في جسم الإنسان

اكتشف علماء أنه يمكن لدواء الأسبرين منع انتشار أنواع من السرطان في جسم الإنسان.

«الشرق الأوسط» (لندن)

بينالي الفنون الإسلامية يستعرض مبادئ الاستدامة وأفكاراً عملية لتقليل هدر الطعام

الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
TT
20

بينالي الفنون الإسلامية يستعرض مبادئ الاستدامة وأفكاراً عملية لتقليل هدر الطعام

الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال في ورشة رمضان «بلا إسراف» التي قدمتها في بينالي الفنون الإسلامية (بينالي الفنون الإسلامية)

يأتي شهر رمضان كل عام ليجدد في نفوس المسلمين معاني العطاء، والامتنان، والتقدير للنعم. غير أن مظاهر الإسراف والهدر الغذائي، التي تتفاقم في هذا الشهر الفضيل، تطرح تساؤلات جدية حول كيفية تحقيق توازن بين الوفرة والاعتدال. وفي محاولة لمعالجة هذه القضية، يقيم بينالي الفنون الإسلامية ورشة عمل بعنوان «رمضان بلا إسراف: تقدير النعم والحد من الهدر»، تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي، وتقديم حلول عملية لمواجهة هذه الظاهرة.

سبعة مبادئ لتحقيق الوفرة

الورشة التي تستند إلى نهج الشيف النباتية والناشطة في الاستدامة عُلا كيال، تستعرض المبادئ السبعة للاستدامة المستوحاة من تعاليم الإسلام، والتي تشدد على تقدير النعم وعدم الإسراف. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) كان قدوة في الاعتدال والاقتصاد، يدلل على ذلك قوله: «كلوا واشربوا ولا تسرفوا». هذه المبادئ تؤكد أن الاستدامة ليست مجرد مفهوم حديث، بل هي جزء من الموروث الإسلامي، الذي يحث على الحفاظ على الموارد والاعتدال في الاستهلاك.

من هذا المنطلق ترى كيال أن كل شخص لديه القدرة على إحداث تأثير إيجابي، وأن كل لقمة طعام تمثل نعمة تستحق التقدير. مضيفةً: «تقدير النعم يبدأ من وعينا بكيفية استخدام الطعام والاستفادة من كل جزء منه، حتى لا نهدر مواردنا ونكون ممن يسرفون في النعمة».

من الوفرة إلى الإسراف

تشير الإحصائيات المحلية إلى أن نسبة كبيرة من الأطعمة تُهدر خلال شهر رمضان، إذ تزداد المناسبات والتجمعات الاجتماعية. ومن بين ذلك الخبز، والأرز، والفواكه، والحلويات. وتكشف الأرقام عن تحولات ملحوظة في أنماط الاستهلاك، إذ أصبح الإسراف عادةً مألوفة، على الرغم من الدعوات المتكررة للترشيد. وألقت كيال الضوء على هذا التغير بالقول: «للأسف، اعتدنا ثقافة الأكل السريع وغير الصحي، مما أدى إلى ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة. فالاستدامة تبدأ من المطبخ، من خلال تقليل الكميات وتقدير كل عنصر غذائي نستهلكه».

وخلال الورشة، تم تقديم عرض عملي حول كيفية إعادة استخدام أكثر الأطعمة المهدرة شيوعاً بطرق مبتكرة، مثل الخبز الجاف وتحويله إلى فتوش وبودينغ خبز، كذلك الأرز المتبقي الذي تم إعداد كرات الأرز المقلية منه وإضافته إلى الحساء، وأيضاً الفواكه الناضجة التي تم تحويلها إلى عصائر طبيعية ومربى، وأخيراً الاستفادة مما تبقى من الخضراوات لتحضير الشوربات والسلطات.

الشيف علا كيال تشرح للحاضرين أهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي (بينالي الفنون الإسلامية)
الشيف علا كيال تشرح للحاضرين أهمية تقليل هدر الطعام من منظور ديني وثقافي (بينالي الفنون الإسلامية)

كما تضمنت الورشة نصائح عملية حول كيفية تبريد الطعام بسرعة وتخزينه بشكل آمن لتجنب الأمراض المنقولة بالغذاء. حيث تؤكد الناشطة أهمية التعامل مع بقايا الطعام بوعي ومسؤولية، بالقول: «النقطة الأساسية هي تقليل الكميات من البداية، وإذا تبقى طعام، فيجب تبريده وتخزينه فوراً وإعادة تسخينه جيداً عند استخدامه لاحقاً».

وتم التأكيد خلال الورشة أن الحد من هدر الطعام ليس فقط مسؤولية فردية بل مجتمعية أيضاً. فبالإضافة إلى الاستخدام الشخصي للطعام المتبقي، يمكن التواصل مع شركات حفظ النعمة، التي تقوم بجمع بقايا الطعام بعد المناسبات وإعادة توزيعها على المحتاجين. كما يمكن تقديم بقايا الطعام في المطاعم لعمال النظافة، بوصفها خطوة عملية لتقليل الهدر.

الصحة تبدأ من المطبخ

وتشدد علا كيال على أن الصحة النفسية والجسدية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بجودة الطعام الذي نتناوله. فالأطعمة المكررة مثل السكر الأبيض، والدقيق الأبيض، إضافةً إلى الأطعمة المصنعة، تعد من الأسباب الرئيسية لانتشار الأمراض المزمنة مثل السكري، والضغط، والكوليسترول. كما أن نقص بعض العناصر المعدنية مثل المغنيسيوم، الناجم عن الزراعة غير المستدامة، يؤثر سلباً على الصحة النفسية ويسبب الشعور بالتعب والاكتئاب.

مضيفةً أن «الصحة تأتي من الطعام المتكامل غير المكرر وغير المهدرج، ونحن في (نباتي) نحرص على إعداد كل شيء من الصفر، من دون أي مواد حافظة أو مكونات صناعية، لضمان تقديم طعام صحي 100 في المائة».

«نباتي» لتحقيق الاستدامة والوعي الغذائي

شغف علا كيال بالطهي بدأ منذ الطفولة، حيث كانت تُعِد الحلويات لعائلتها وتبيعها لصديقاتها وهي لا تزال مراهقة. رغم حبها المبكر للطهي، درست إدارة الأعمال في سويسرا قبل أن تحقق حلمها بالانضمام إلى أكاديمية فنون الطهي في سويسرا. وهناك، تلقَّت تدريباً مكثفاً في مطاعم عالمية حاصلة على نجوم ميشلان.

خلال دراستها، أطلقت فكرة مشروع «نباتي»، حيث ابتكرت وصفة آيس كريم نباتي خالٍ من السكر المكرر والمكونات الحيوانية. وفي عام 2019، أسست مشروعها في ميامي، قبل أن تعود إلى السعودية بعد 15 عاماً لتسهم في تعزيز ثقافة الطعام الصحي والمستدام.

يشار إلى أن ورشة رمضان بلا إسراف أكثر من مجرد ورشة عمل، بل هي رسالة ودعوة لإعادة التفكير في عاداتنا الاستهلاكية، وتقدير النعم، والعمل على تحقيق استدامة حقيقية تبدأ من المطبخ وتمتد لتشمل المجتمع بأسره.