«شعبة 11».. تنويعات على نغمات التعليم والتشدد

من سلسلة صور «مندسة» (تصوير منية زقزوق)
من سلسلة صور «مندسة» (تصوير منية زقزوق)
TT

«شعبة 11».. تنويعات على نغمات التعليم والتشدد

من سلسلة صور «مندسة» (تصوير منية زقزوق)
من سلسلة صور «مندسة» (تصوير منية زقزوق)

ما أن تخطو داخل معرض الفنان السعودي راشد الشعشعي «شعبة 11» في حافظ غاليري بمدينة جدة، حتى يبادرك الإحساس بأن الفنان يستقي من تجربته اليومية كمدرس تربية فنية ليخلق أعمالا تهتم بالجيل الجديد بشكل ضمني. فعبر عنوان المعرض «شعبة 11» وفكرة المعرض ككل ألا وهي يوم دراسي كامل يقدم دروسا في التاريخ والفيزياء والجغرافيا، يستكشف الفنان هموما وقضايا مجتمعية مؤثرة ترتبط بالتعليم بشكل كبير.
الفنان الذي انشغل يوم الافتتاح بالحديث لزوار معرضه، ويجب القول بأن القاعة كانت ممتلئة بالزوار من جميع الأعمار، قال في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنه يحاول أن يسبر أغوار المجتمع في أعماله ومراقبة تأثير الطفرة المالية وتغير المجتمع.
الخيط العام الذي يبدو لي في الأعمال المقدمة هو تأثير الفكر الإرهابي المتطرف، وأتوجه بتلك الفكرة للفنان الذي يعلق أن هذا أنه يمثل هاجسا له، خاصة حين يرى أمامه بعض من تلاميذه أو أشخاص عرفهم في يوم من الأيام يبدون تعاطفا واتفاق مع الفكر الإرهابي «كان ذلك بالنسبة لي صدمة قوية فأخذت على عاتقي أن أفهم وأتناول تلك الظاهرة. فبدأت أدرس وأبحث حول الشخصيات التي تترك حياتها لتنضم لتلك التنظيمات وحاولت أن أجيب عن بعض هذه الأفكار».
وربما لأنه معلم يرى أن مهمته هي تنوير عقول تلاميذه وتدريبهم على التفكير الناقد، نراه يلجأ لفكرة اليوم الدراسي الافتراضي، يقول «فكرة المعرض الرئيسية هي أن المعرض يقدم يوما دراسيا افتراضيا مكتملا ومجموعة من الدروس التعليمية ومجموعة من الوسائل التعليمية، يقوم على محاولة رفع الوعي لدى الطلاب وأيضا تنمية التفكير الناقد».
من الأعمال التي يتوقف عندها رواد المعرض عمل بعنوان «بيب بيب» يدمج بشكل بارع بين عنصرين متضادين، فيرسم بشكل متقن شخصيتين من أفلام الرسوم المتحركة الشهيرة، «روود رانر» و«وايل إي كايوتي»، على خلفية من الخشب الأرابيسك أو كما يذكر دليل المعرض «صناديق ضوئية مبتكرة على شكل المشربية». ولكن ما المقصود من «بيب بيب»؟ يقول الشعشعي: «القطعتان تمثلان تصميما في المئذنة للجامع الأموي بدمشق، بكل خلفيته التاريخية وتعاقب الأديان والثقافات والدول. هاتان القطعتان (نافذتين) شاهدتان على تغير فكر وثقافات متباينة، «أما عن دمج ذلك الرمز العربي والإسلامي مع شخصيات أفلام رسوم متحركة أميركية، فيقول: «(كايوتي) و(رود رانر) بينهما عراك دائما، لا أريد القول بأن هناك من يصدر هذا العراك إلى ثقافاتنا.. الآن أصبحنا نرى القتال ينشأ بين أصحاب الأفكار المختلفة داخل الدين الواحد والثقافة الواحدة». وضع النافذتان بشكل متقابل يخلق حوارا بينهما، وأيضا حسب دليل المعرض: يشكل «وهما مكانيا ينخرط فيه المتفرج تلقائيا. يريد الفنان أن يقدم مشهديه من الشخصيات المعهودة المتناحرة كحالة وصفية لحالة مستمرة من الشقاق والوفاق والحاجة للتسامح الديني».
العمل جماليا جاذب ويدعو المشاهد للتأمل، ولكن الشخصيات الكارتونية ترتبط بمواقف فكاهية قد لا تتفق تماما مع الرسالة العميقة خلف العمل أو قد يستخدم الفنان ذلك الجانب الهزلي ليخدم فكرة العمل. يعلق على التأثير الجمالي للقطعة بقوله: «عندما نتحدث عن موضوع مؤلم ودموي، قتل وأسلحة، هناك معادلة أمام الفنان ليوازن، إذا لم يشدك العمل بصريا فلن تبحث عن المضمون خلفه. حرصت على أن يكون العمل صادما بصريا، ولكن بعيد عن العنف والدم الذي يتمثل في مضمونه».
من الأعمال المميزة، جماليا وفكريا، ما أطلق عليه الفنان اسم «شهي» وهو عبارة عن مجموعة من السجادات الملفوفة على بعضها البعض ومقطعة على شكل حلوى «سويس رول». يشير إلى أن استخدام السجاد جاء من أهميته «كرمز الثقافة الإسلامية على مر العصر إن لم يكن أهمها. هذه السجادة طويت بشكل معين، فتخيلي مثلا أني أحضرت عدة سجاجيد من إيران وأفغانستان وتركيا ومن جزيرة العرب، وكأني خلطت هذه الثقافات وقطعتها مثل السويس رول، وكأن هناك يدا خفية تسعى لأن يكون هناك اختلاط ثقافي بين هذه المجتمعات، وأيضا هناك تقسيم لتلك الثقافات». من الملاحظ هنا أيضا أن العنوان «شهي» يبدو هزليا أو حتى ساخرا، وإن كان ذلك يبعث الشعور بالحزن على «الصراعات السياسية القائمة التي أدت إلى تقسيم المنطقة».
فكرة تقسيم العالم العربي تطل برأسها من خلال عمل آخر يمثل خريطة العالم الإسلامي، بالاقتراب منها نرى أن الحدود بين الدول مصنوعة من القوالب الحديدية التي تستخدمها المطابع لقطع الورق. الحواف الحادة تعمل «لإلغاء شيء وتثبيت آخر»، يقول الشعشعي ويستطرد: «تأجيج الصراع السياسي باستخدام الدين ليصبح هناك تقطيع حقيقي».
من باقي الأعمال المعروضة، العش الصناعي الذي يبدو وكأنه قفص للطيور، وإن كانت أعمدته مصنوعة من فناجين القهوة العربية المثبتة بعضها فوق بعض في تنويعات على التقاليد العربية الأصيلة والخلط بين العادات وبين التعاليم الدينية، «في بعض الأحيان تطغى العادات والتقاليد على الدين وتختلط فمن العادات والتقاليد ما يلبس ثوب الدين وهو ليس منها.. خلط بين العيب والحرام، بين العادات والتقاليد وبين تعاليم الدين فكونت فيما بينهما ما يشبه القفص».
المعرض يدعو للتفكير والتأمل في الواقع العربي وتداعيات الأفكار المتشددة التي تتمثل في أكثر من عمل وإن كان أفضل تمثيل لها هو مجموعة من الصور الفتوغرافية التي تمثل بيوتا مهجورة نرى آثار لحياة مرت عليها، مقاعد ممزقة، وأكواب شاي لن تمس بعد ذلك، فراش ولوحات قرآنية معلقة. كلها لمنازل من قرية «المندسة» التي تقع على بعد 30 كم من مكة المكرمة. وحسب المقدمة التي كتبها الفنان السعودي أحمد ماطر ضمن دليل المعرض، نعرف أن القرية عاش بها جهيمان العتيبي قائد حادثة الحرم المكي الشهيرة، «وبدأ فيها سبسبة من الدروس التعليمية ونصب خيمته واتخذ منها مكانا للتخطيط لحادثة الحرم المكي. ويذكر أن كثيرا من أهالي القرية تأثروا به وبتعاليمه». ويلخص الشعشعي مدلول تلك الصور بالنسبة له قائلا: «هذه القرية أول ضحايا الإرهاب، بذرت فيهم الفكر الضال».



هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
TT

هشام خرما لـ«الشرق الأوسط»: أستلهمُ مؤلفاتي الموسيقية من التفاصيل

من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز
من حفل افتتاح بطولة العالم للجمباز

يعتمد الموسيقار المصري هشام خرما طريقة موحّدة لتأليف موسيقاه، تقتضي البحث في تفاصيل الموضوعات للخروج بـ«ثيمات» موسيقية مميزة. وهو يعتزّ بكونه أول موسيقار عربي يضع موسيقى خاصة لبطولة العالم للجمباز، حيث عُزفت مقطوعاته في حفل الافتتاح في القاهرة أخيراً.
يكشف خرما تفاصيل تأليف مقطوعاته الموسيقية التي عُزفت في البطولة، إلى جانب الموسيقى التصويرية لفيلم «يوم 13» المعروض حالياً في الصالات المصرية، فيعبّر عن فخره لاختياره تمثيل مصر بتقديم موسيقى حفلِ بطولة تشارك فيها 40 دولة من العالم، ويوضح: «أمر ممتع أن تقدّم موسيقى بشكل إبداعي في مجالات أخرى غير المتعارف عليها، وشعور جديد حين تجد متلقين جدداً يستمعون لموسيقاك».
ويشير الموسيقار المصري إلى أنه وضع «ثيمة» خاصة تتماشى مع روح لعبة الجمباز: «أردتها ممزوجة بموسيقى حماسية تُظهر بصمتنا المصرية. عُزفت هذه الموسيقى في بداية العرض ونهايته، مع تغييرات في توزيعها».
ويؤكد أنّ «العمل على تأليف موسيقى خاصة للعبة الجمباز كان مثيراً، إذ تعرّفتُ على تفاصيل اللعبة لأستلهم المقطوعات المناسبة، على غرار ما يحدث في الدراما، حيث أشاهد مشهداً درامياً لتأليف موسيقاه».
ويتابع أنّ هناك فارقاً بين وضع موسيقى تصويرية لعمل درامي وموسيقى للعبة رياضية، إذ لا بدّ أن تتضمن الأخيرة، «مقطوعات موسيقية حماسية، وهنا أيضاً تجب مشاهدة الألعاب وتأليف الموسيقى في أثناء مشاهدتها».
وفي إطار الدراما، يعرب عن اعتزازه بالمشاركة في وضع موسيقى أول فيلم رعب مجسم في السينما المصرية، فيقول: «خلال العمل على الفيلم، أيقنتُ أنّ الموسيقى لا بد أن تكون مجسمة مثل الصورة، لذلك قدّمناها بتقنية (Dolby Atmos) لمنح المُشاهد تجربة محيطية مجسمة داخل الصالات تجعله يشعر بأنه يعيش مع الأبطال داخل القصر، حيث جرى التصوير. استعنتُ بالآلات الوترية، خصوصاً الكمان والتشيللو، وأضفتُ البيانو، مع مؤثرات صوتية لجعل الموسيقى تواكب الأحداث وتخلق التوتر المطلوب في كل مشهد».
يشرح خرما طريقته في التأليف الموسيقي الخاص بالأعمال الدرامية: «أعقدُ جلسة مبدئية مع المخرج قبل بدء العمل على أي مشروع درامي؛ لأفهم رؤيته الإخراجية والخطوط العريضة لاتجاهات الموسيقى داخل عمله، فأوازن بين الأشكال التي سيمر بها العمل من أكشن ورومانسي وكوميدي. عقب ذلك أضع استراتيجية خاصة بي من خلال اختيار الأصوات والآلات الموسيقية والتوزيعات. مع الانتهاء المبدئي من (الثيمة) الموسيقية، أعقد جلسة عمل أخرى مع المخرج نناقش فيها ما توصلت إليه».
ويرى أنّ الجمهور المصري والعربي أصبح متعطشاً للاستمتاع وحضور حفلات موسيقية: «قبل بدء تقديمي الحفلات الموسيقية، كنت أخشى ضعف الحضور الجماهيري، لكنني لمستُ التعطّش لها، خصوصاً أن هناك فئة عريضة من الجمهور تحب الموسيقى الحية وتعيشها. وبما أننا في عصر سريع ومزدحم، باتت الساعات التي يقضيها الجمهور في حفلات الموسيقى بمثابة راحة يبتعد فيها عن الصخب».
وأبدى خرما إعجابه بالموسيقى التصويرية لمسلسلَي «الهرشة السابعة» لخالد الكمار، و«جعفر العمدة» لخالد حماد، اللذين عُرضا أخيراً في رمضان.