البرلمان اللبناني يؤجل العتمة 45 يوماً

أقر سلفة بـ 200 مليون دولار لصالح الكهرباء

البرلمان اللبناني في جلسته أمس (الوكالة الوطنية)
البرلمان اللبناني في جلسته أمس (الوكالة الوطنية)
TT

البرلمان اللبناني يؤجل العتمة 45 يوماً

البرلمان اللبناني في جلسته أمس (الوكالة الوطنية)
البرلمان اللبناني في جلسته أمس (الوكالة الوطنية)

أقر البرلمان اللبناني، أمس (الاثنين)، سلفة بقيمة 200 مليون دولار لصالح مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك بعد شهر من تحذير وزير الطاقة ريمون غجر من عتمة شاملة نهاية الشهر الحالي، ما لم تتوفر الاعتمادات المالية اللازمة لاستيراد الفيول.
ويشكل هذا المبلغ 20 في المائة فقط من السلفة التي كانت مطروحة في اقتراح القانون المقدم من نواب «التيار الوطني الحر»، المحددة بـ1500 مليار ليرة (مليار دولار وفقاً لسعر الصرف الرسمي)، ومن المفترض أن يساهم في تأخير العتمة لشهر ونصف الشهر.
وكان رئيس مجلس النواب نبيه بري قد عد خلال الجلسة البرلمانية أنه «حسناً فعلت اللجان المشتركة بإعطاء سلفة الكهرباء لأن لبنان أمام تعتيم البلد نهائياً. وبين أن يقول الناس إن المجلس النيابي عتم البلد أو إعطاء السلفة، يبقى الخيار الأول أكثر مرارة من الثاني».
وعد نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، خلال الجلسة، أن هذه السلفة ستكون الأخيرة، فإذا لم يتم تشكيل حكومة خلال شهرين، فإن معظم النواب لن يوافقوا بعد الآن على أي سلفة، ما سيعرض كل لبنان للعتمة.
ومن جهته، رأى عضو تكتل «لبنان القوي» (يضم نواب التيار) النائب إبراهيم كنعان أن سياسات الحكومات المتعاقبة كانت تكلف الدولة أموالاً باهظة. واليوم، وفي ظل الانهيار الكبير، إما أن نطفئ البلد والمؤسسات الخاصة والعامة أو أن نلجأ إلى سلفة، معتبراً أنه من الضروري ألا تستمر هذه الطريقة.
ورأى نائب حزب القوات اللبنانية جورج عدوان، خلال الجلسة، أن سلفة الكهرباء ليست قانونية لأنها ليست سلفة، إذ إن الحكومة لم ترد يوماً هذه السلفة، وهي لا تحترم قرارات مجلس النواب، محذراً من أن أي مس بالاحتياطي الإلزامي يعرض رئيس الحكومة حسان دياب، وأعضاء الحكومة، ووزير المال غازي وزني، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، للملاحقة الجزائية لأنها مخالفة دستورية ومخالفة للقانون، كون الاحتياطي وديعة وضعها الناس.
ورأى عضو «اللقاء الديمقراطي» (يضم نواب الحزب الاشتراكي) النائب هادي أبو الحسن من مجلس النواب أن الاعتراض على سلفة الكهرباء التي ستدفع من الاحتياطي الإلزامي؛ أي من أموال المودعين، ليس مبنياً على خلفية سياسية، بل على رؤية إصلاحية، معتبراً أن الخيار اليوم يجب أن يكون بين الإصلاح والعتمة، لذلك اختار نواب الاشتراكي الإصلاح، وعارضوا السلفة، كي لا تعم العتمة بعد ثلاثة أشهر.
ويقول مدير عام الاستثمار السابق في وزارة الطاقة والمياه غسان بيضون لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب تحديد المدة بشكل دقيق، وذلك بسبب عاملين أساسيين: الأول مدى استقرار سعر النفط عالمياً، والثاني سعر الدولار الذي سيعتمده المصرف المركزي لصرف هذه السلفة»، مشيراً إلى أن ما هو مؤكد أن اللبنانيين سيجدون أنفسهم بعد أشهر أمام الخيار نفسه، إما العتمة أو سلفة جديدة.
ويرى بيضون أن أخطر ما في هذه السلفة أنها غطت على الفساد الحاصل في ملف الكهرباء، إذ كان على النواب أقله وضع شروط إصلاحية للحصول على سلف لاحقة، منها مثلاً أن تصرف من الاعتماد المفتوح بموجب القانون، حصراً، المبالغ الواجبة ثمناً للمحروقات التي يتم تأمينها لمؤسسة كهرباء لبنان بنتيجة مناقصة تجري لدى إدارة المناقصات، مع منع الشركات والمتعهدين موضع شبهات فساد أمام القضاء من المشاركة فيها، على أن يتم تحديد آلية فتح الاعتمادات اللازمة لدى مصرف لبنان، وتصفية وصرف ودفع المبالغ الواجبة بموجب قرار يصدر عن وزير المالية، بالاتفاق مع مصرف لبنان، ووفقاً للأصول المقررة في قانون المحاسبة العمومية، وبما يضمن تسلم المحروقات بالكمية والنوعية المتعاقد عليها، بالإضافة إلى أن يحظر على مؤسسة كهرباء لبنان إجراء أي عملية بيع أو إعارة للمحروقات.
ويعد بيضون أنه كان يجب أيضاً اشتراط أن تباشر مؤسسة كهرباء لبنان فوراً رفع تعرفة مبيع الطاقة لدى المؤسسة، والتعجيل بتحصيل فواتيرها المتأخرة، وإعداد وتقديم حساباتها النظامية إلى ديوان المحاسبة، ووضع جداول بمستحقات المؤسسة لدى الإدارات العامة، مما يمكن تنزيله من الواجب بذمة المؤسسة لصالح خزينة الدولة، على أن تقترن هذه الجداول بموافقة وتصديق الإدارات المعنية على المبالغ الخاصة بكل منها، ويتم إرسالها إلى ديوان المحاسبة لتدقيقها واقتراح المناسب لمعالجتها.
وبعيداً عن جدوى هذه السلفة، يشير بيضون إلى أنها عبارة عن «عملية حرق لأموال الناس، ومخالفة دستورية، واعتداء صريح على أموال المودعين».
ويأتي إقرار هذه السلفة بعد يوم واحد من إطفاء معمل الزهراني الذي يؤمن نحو ربع كهرباء لبنان محركاته نهائياً بسبب نفاد مادة الغاز أويل، إثر عدم تمكن باخرة من إفراغ حمولتها جراء خلاف حول اختبار المواصفات بين مؤسسة كهرباء لبنان ومديرية النفط في وزارة الطاقة، وذلك بالتزامن مع عدم وصول ناقلة بحرية أخرى آتية من الكويت محملة بمادة الغاز أويل، بعدما علقت في مضيق قناة السويس جراء الحادثة التي أدت إلى تعطل حركة الملاحة.
ويشهد لبنان حالياً تقنيناً كبيراً في تغذية كهرباء الدولة بسبب نقص الفيول، وتعطل معمل الزهراني، يترافق مع تقنين بتغذية المولدات الخاصة بسبب أزمة المازوت.



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.