قلب باريس الثقافي النابض يزداد وهناً

المكتبات ودور السينما والمقاهي {تنكمش} أمام زحف متاجر الأزياء والوجبات السريعة

TT

قلب باريس الثقافي النابض يزداد وهناً

لطالما شكلت مكتبات «غيبير جون»، المتخصصة في بيع الكتب الرخيصة المستعملة بمظلاتها الصفراء الزاهية وأرففها الحديدية المتدلية، ملمحاً أساسياً بالحي اللاتيني في باريس على مدار قرن كامل، وأحد الأعمدة الرئيسية للحياة الثقافية داخل الحي، وتحظى بإقبال كبير من جانب السائحين.
في هذا الصدد، قالت آني لوكارت (74 عاماً)، التي ظلت طوال عمرها واحدة من زبائن مكتبات «غيبير جون»، بينما كانت تبحث في الصناديق الممتلئة بكتب ذات أغلفة ورقية بنبرة كشفت عن حنين جارف للماضي: «هذا المكان قديم للغاية، ويصعب تغييره».
على الجانب الآخر، أخبر أحد المساعدين المعنيين بالمبيعات لوكارت، أن أربعة من بين سبعة فروع للمكتبة موجودة بالمنطقة، ستغلق أبوابها قريباً جراء الانخفاض الحاد في المبيعات بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد.
وعلقت لوكارت على الخبر بقولها: «مع إغلاق هذه المكتبات أبوابها ينهار جزء من الحي».
ويبدو مصير مكتبات «غيبير جون»، التي يعود تاريخها إلى أواخر القرن الـ19، مجرد أحدث حلقة في سلسلة من إجراءات إغلاق متاجر كبرى تسببت في تآكل الهوية الثقافية للحي اللاتيني باعتباره مركزاً للآداب الباريسية وموطناً لما لا حصر له من الكتاب والفلاسفة والفنانين والثوريين والطلاب.
والواضح أن موجة التطوير التي يتطلع نحوها الكثير من الباريسيين بخوف لم يسلم منها حتى الحي اللاتيني، وذلك مع استحواذ متاجر الأزياء ومطاعم الوجبات السريعة على الكثير من المساحات التي كانت تشغلها مقاهٍ قديمة ومكتبات ودور سينما. ونظراً للجاذبية التي تمتع بها الحي اللاتيني، شهدت أسعار الإيجارات فيه ارتفاعاً شديداً، ما أدى لانهيار الحياة الطلابية التي كانت تنبض بالحياة فيه في يوم من الأيام.
وتكشف الأرقام الصادرة عن وكالة «أبور» المعنية بالتخطيط الحضري، أن 42 في المائة من مكتبات الحي اللاتيني تبخرت على امتداد الأعوام الـ20 الماضية، في الوقت الذي يناضل بائعو الكتب في الأماكن المفتوحة في باريس للبقاء على قيد الحياة.
ومع هذا، جاء خبر إغلاق مكتبات «غيبير جون» على وجه التحديد، وهي مؤسسة ينظر إليها الكثيرون باعتبارها خالدة ـ ليطلق صافرة إنذار استثنائية، ذلك أن هذا القرار يصيب قلب هوية الضاحية: القدرة على الوصول لمواد ثقافية بأسعار في المتناول.
جدير بالذكر أن ثلاثة منافذ لمكتبات «غيبير جون» أغلقت أبوابها بالفعل، ومن المتوقع أن يغلق الرابع أبوابه في غضون أيام قلائل.
من ناحيته، أعرب إريك أنسو، المؤرخ الذي يتولى التدريس بجامعة السوربون، الجامعة العريقة التي تأسست في قلب الحي اللاتيني عام 1253: «تعتبر هذه المكتبة التجسيد الأمثل لروح الحي اللاتيني». يذكر في هذا الصدد أن اسم الضاحية مستوحى من حقيقة استخدام اللاتينية لغة دراسة بين طلاب جامعة السوربون خلال العصور الوسطى.
ويقع الحي اللاتيني على الضفة الغربية من نهر السين، وقد نجا من موجة الإزالات التي أثمرت بناء الشوارع الكبيرة في باريس خلال القرن الـ19. ولا تزال الأزقة الضيقة المتعرجة والمرصوفة بالحصي المميزة للحي تشكل جزءاً من باريس يعود إلى العصور الوسطى. ويحتوي الحي اللاتيني على كوكبة من دور السينما الصغيرة التي كان الناس يتدفقون عليها، خلال فترة ما قبل الجائحة، لمشاهدة الكلاسيكيات السينمائية مقابل بضعة يوروهات فقط، بجانب المكتبات العتيقة التي تعرض نوافذها التي يغطيها التراب كتباً تحول لونها إلى الأصفر مكدسة فوق بعضها البعض حتى السقف.
وعن ذلك، قال أنسو: «إنها ثقافة في متناول الجميع»، مضيفاً: «سنخسر هذه الروح عندما نخسر (غيبرت جون)».
من ناحية أخرى، مساء أحد الأيام القريبة، كانت إنغريد إرنست، الخبيرة بمجال التخطيط الحضري المتقاعدة تتجول عبر أرجاء المنطقة. وعند ناصية كل شارع كانت تتوقف عندها، كانت هناك فرصة أمامها للإشارة إلى مقهى اختفى ليفسح الطريق أمام متجر بقالة حديث أو متجر لبيع الأسطوانات يفسح الطريق لفندق فخم.
وعلقت إرنست (69 عاماً) على الأمر بقولها: «هذه عملية تطوير كلاسيكية»، بينما كانت تتذمر من انتشار المصاعد الكهربية في المباني المجاورة، ما اعتبرته إشارة على وجود عملية «تطوير بأقصى سرعة».
وقالت إرنست إنه لم يعد باستطاعتها تحمل تكاليف استئجار شقة استوديو صغيرة على السطح على غرار تلك التي استأجرتها عندما استقرت في الحي اللاتيني عام 1972؛ عندما كان الحي لا يزال ينبض بالطاقة بفضل مظاهرات مايو (أيار) 1968 التي قادها الطلاب التي اشتعلت هناك. تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الحي اللاتيني يضم الكثير من الجامعات، لكن أعداد الطلاب في تراجع مستمر. وقد بدأت هجرة الطلاب بعيداً عن الحي بسبب أسعار المساكن، التي تعد من بين الأغلى على مستوى باريس، ونتيجة بناء حرم جامعية جديدة على أطراف العاصمة تلبي الطلب المتزايد.
في هذا الصدد، قال كونستانشي بينا (19 عاماً)، أثناء جلوسه على أريكة قرب جامعة السوربون، الذي قطع مسافة طويلة من إحدى الضواحي الغربية للقراءة في مكتبة مجاورة: «يكاد يكون في حكم المستحيل العيش هنا لطالب».
الواضح أنه قد ولت تماماً الأيام التي كتب فيها أرنست همنغواي، أن باريس والحي اللاتيني يسمحان «بأسلوب في العيش جيد وعملي، بغض النظر عن مدى فقرك».
وأضاف كونستانشي أن سكان الحي أصبحوا على نحو متزايد «أشخاص ترانزيت» ـ بمعنى أنهم أثرياء أجانب حريصون على امتلاك شقة سكنية أو سياح يستأجرون شقق عبر «إيربنب».
وفي قلب هذه الديناميكية، تكمن مفارقة: تقتلع موجة التطوير والتحديث جذور السحر البوهيمي ذاته الذي يجتذب الأفراد إلى الحي اللاتيني من الأساس.
في هذا الصدد، قالت إرنست إن السكان الجدد ينجذبون إلى المناخ الثقافي للحي، لكن «لا يشاركون فيه». وأشارت إلى أن الطلاب الذين اعتادوا التدفق على المقاهي المنتشرة على جوانب الطرق حل محلهم بالتدريج أبناء طبقة ثرية عالمية.
علاوة على ذلك، فإن رغبة الكثير من المتاجر في الحفاظ على تميزها حال دون إقدامها على اتخاذ إجراءات تحديث، الأمر الذي تركها دونما دفاع في مواجهة منافسة جديدة رقمية، مثلما اتضح في مثال مكتبات «غيبرت جون».
ولم تفلح الأكشاك الملونة الممتلئة بالكتب المستعملة القائمة على جانب الطريق في صد التهديدات القادمة من «أمازون»، بجانب أن التصميمات الداخلية العتيقة تثير روح الحنين إلى الماضي أكثر عن روح المنافسة.
وعن هذا، قالت إرنست: «إننا نقضي على أنفسنا بأيدينا». تجدر الإشارة هنا إلى أن إرنست وعدداً من السكان الآخرين في الحي شكلوا «لجنة الحي اللاتيني» ترمي للضغط على السلطات في إطار الدفاع عن الهوية الثقافية للضاحية.
وفي محاولة لتقديم العون، قالت سلطات باريس إنها اشترت الأرض الخاصة ببعض المكتبات المتعثرة، وعرضت على أصحابها إيجارات أقل بعض الشيء عن المعدل السائد بالسوق.
من ناحيتها، أشارت إدارة مكتبات «غيبرت جون» في بيان لها إلى أن «أزمة فيروس (كوفيد ـ 19)، بجانب الإخلاء المستمر للحي اللاتيني في باريس» كانا بمثابة القشة الأخيرة.
من ناحيته، قال أنسو، المؤرخ، إن المناخ العام السائد بالضاحية «مروع» منذ بداية الجائحة. وأشار إلى أن سحابة الكآبة التي خيمت على باريس ربما تجلت في أقسى صورها داخل الحي اللاتيني، الذي توقف قلبه ـ المقاهي والمطاعم والمسارح والمتاحف ـ عن النبض في خضم إجراءات الإغلاق التي فرضتها الحكومة لمكافحة الإصابات بفيروس كورونا المستجد.
وترك إغلاق هذه الكيانات الثقافية الكبرى أصداء في أوساط السكان المحليين باعتباره أشبه ببروفة لما سيكون عليه الوضع في المستقبل القريب. يذكر أن المقاهي والمسارح لم تعد فتح أبوابها منذ الخريف، عندما اندلعت موجة ثانية من الإصابات في فرنسا، وخشي الكثيرون من أن الكثير من المؤسسات ستغلق أبوابها إلى الأبد قبل رفع القيود.
داخل رو شامبليون، الشارع الضيق المغطى بالحصى المؤدي إلى جامعة السوربون، اختفت الطوابير التي كانت تمتد على الأرصفة أمام دور السينما في منتصف النهار. كما أغلقت دور السينما الثلاثة الموجودة في الشارع أبوابها بسبب إجراءات الإغلاق.

- خدمة «نيويورك تايمز»



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.