سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

زعيمة قوية وهادئة وخبيرة متمرّسة

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا
TT

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

«من الممكن جداً أن تتولى امرأة إدارة هذه البلاد، فلمَ لا؟! وقد نجح ذلك في أماكن أخرى. إذا كان بمقدور امرأة مثلي أن تتولى منصب نائب الرئيس، فما الذي يمنع غيري من تولي منصب الرئيس»، كلمات قالتها سامية صُلُحو حسن، الرئيسة الجديدة لتنزانيا، في حوارها بداية العام الماضي مع محطة الإذاعة الرسمية التنزانية تعليقاً على إمكانية تولي النساء رئاسة الجمهورية، إلا أن حسن التي كانت تتكلّم بشكل عام عن الموضوع، وترى أن بإمكان غيرها من النساء الوصول لمقعد الرئاسة، فوجئت بأن الأقدار تدفعها دفعاً نحو أعلى منصب في كبرى دول شرق أفريقيا من حيث عدد السكان، لتؤدي اليمين الدستورية رئيسةً لدولة تنزانيا، وتكتب تاريخاً جديداً لها ولبلادها أول امرأة مسلمة تجلس على مقعد الرئاسة فيها وفي أفريقيا.
جاء تولي حسن رئاسة الجمهورية في تنزانيا خلفاً للرئيس جون ماغافولي، الذي وافته المنية بعد عامه الأول في فترة ولايته الثانية. ولقد خلفته سامية حسن، التي كانت حتى وفاته تشغل منصب نائب الرئيس، بموجب الدستور التنزاني الذي ينصّ على تولّي النائب مهام الرئيس إذا ما حالت ظروف صحية أو الوفاة دون استكمال مدة ولايته.

أداء سامية صُلُحو حسن اليمين الدستورية جاء بعد يومين من وفاة الرئيس جون ماغوفولي متأثراً - كما هو مرجّح - بإصابته بفيروس «كوفيد 19». وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية لم يترافق تولّيها المنصب مع الأجواء الاحتفالية المعتادة في هذه الحالات؛ بل صاحبته حالة حداد على موت الرئيس، واقتصرت المراسم الاحتفالية على إطلاق المدفعية 21 طلقة تحية للقائدة الجديدة للقوات المسلحة.
كذلك كان هناك استعراض فاتر لحرس الشرف، نكّست خلاله الأعلام حداداً على الرئيس الراحل. ولقد وصفت حسن ذلك اليوم بقولها في أسى ظاهر بأنه «يوم صعب في حياتها السياسية». وأردفت: «أؤدي اليوم يميناً دستورية مختلفة عما اعتدت على تأديته في حياتي، وفي ظروف مختلفة يغلفها الحداد وليس الفرح والبهجة. غير أن ماغوفولي الذي كان يحب تعليمي أعدني للمهمة، ولتوحيد البلاد».
- «نادي» الرئيسات الأفريقيات
ستمضي سامية حسن، التي كانت قد انتخبت نائبة لماغوفولي عام 2015، وأعيد انتخابها مرة أخرى العام الماضي، ما تبقى من السنوات الخمس لولاية الرئيس الراحل، وبذلك تنضم إلى القائمة القصيرة للقيادات النسائية في القارة السمراء، وإن كانت تعد حالياً الزعيمة السياسية «التنفيذية» الوحيدة في أفريقيا، باعتبار أن دور رئيسة جمهورية إثيوبيا «بروتوكولي» إلى حد ما.
وستبدأ حسن مهامها رئيسة لتنزانيا، في ظل استمرار جائحة «كوفيد 19» التي طالما أنكرها سلفها ماغوفولي، ويُعتقد على نطاق واسع أنها كانت سبباً في وفاته، إذ اختفى نحو أسبوعين قبل الوفاة... لكن الحكومة التنزانية أعلنت أنه توفي بأزمة قلبية. ويبدو أن اللغط بشأن سبب وفاة الرئيس التنزاني السابق وطريقة تعامله مع «كوفيد 19» هما ما دفعا الرئيسة الجديدة إلى التأكيد في خطاب تنصيبها على الوحدة. وقولها صراحةً: «هذا وقت دفن خلافاتنا، لنكون دولة واحدة، هذا ليس وقت توجيه أصابع الاتهام؛ بل وقت أن يتشبث بعضنا بأيدي البعض، والمضي قدماً».
وهنا يرى مراقبون أن تنزانيا قد تتبع سياسة مختلفة في التعامل مع الجائحة خلال الفترة المقبلة، وبالأخص، في ضوء خطاب التهنئة الذي أرسله الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، إلى الرئيسة التنزانية الجديدة. ولقد أعرب غيبريسوس في خطابه عن أمله في «العمل معها للحفاظ على سلامة الناس من (كوفيد 19) وإنهاء الجائحة، والوصول إلى تنزانيا أكثر صحة».
- ابنة زنجبار
ولدت حسن الملقبة بـ«ماما سامية» في جزيرة صغيرة تابعة لزنجبار، يوم 27 يناير (كانون الثاني) عام 1960. ولقد باتت بذلك الرئيسة الأولى لتنزانيا من هذا الأرخبيل المسلم المواجهة لشواطئ تنجانيقا، حيث ولدت تنزانيا من اتحادهما. ومن ثم، درست في مدارس محلية بزنجبار، وكانت من بين عدد قليل من الفتيات اللواتي حصلن على التعليم خلال تلك الفترة، في مواجهة السياق التقليدي للمرأة ربة منزل وزوجة.
تابعت سامية حسن تعليمها في عدة بلدان. إذ إنها التحقت عام 1986 بجامعة مزومبي التنزانية حيث درست إدارة التنمية، ثم أكملت تخصصها المتقدم في الإدارة العامة. وبعد ذلك التحقت بالمعهد الوطني للإدارة العامة في مدينة لاهور بباكستان، قبل أن تستكمل دراستها بمعهد الإدارة للقادة، في حيدر آباد في الهند، في 1991. ثم بين 1992 و1994 استكملت دراستها في جامعة مانشستر البريطانية حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد. فيما بعد خلال عامي 2004 و2005 نالت درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية المجتمعية من خلال برنامج مشترك بين جامعة تنزانيا المفتوحة وجامعة جنوب نيو هامبشاير بالولايات المتحدة الأميركية.
- حياتها العائلية
عام 1978، أي عندما كانت حسن في الثامنة عشرة من عمرها، تزوّجت من رجل أكاديمي يعمل في مجال الزراعة اسمه حافظ أمير، وأنجبت منه 4 أطفال، 3 أولاد وبنتاً، من بينهم موانو حافظ أمير، عضو مجلس النواب في زنجبار. وحرصت طوال عملها الاجتماعي والسياسي على أن تظل عائلتها، وبالأخص زوجها، في منأى عن الأضواء، حتى إنها لم تلتقط صورة لها مع زوجها منذ توليها منصب نائب الرئيس، وإن كان زوجها يُقدم في بعض الفعاليات المحلية في زنجبار باعتباره زوج نائبة الرئيس. وهو على حد وصف المقربين من الأسرة رجل متدين وهادئ.
من جهة أخرى، كان العمل السياسي سبباً في بُعد سامية حسن عن المهام المنزلية التقليدية. وفي حوار لها قبل سنة أجرته معها «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) قالت إن «مهامها الرسمية تحرمها من دخول المطبخ، رغم أن هوايتها المفضلة في وقت الفراغ هي الطبخ».
- امرأة قوية وهادئة
عارفو الرئيسة التنزانية الجديدة يشيرون إلى نشاطها في مجال العمل الاجتماعي، وإلى أنها لم تقتحم المجال السياسي سوى في سن الأربعين عندما تولّت لأول مرة منصباً سياسياً، نائبةً برلمانيةً في مجلس النواب بزنجبار عام 2000. وفي حينه، عيّنها الزعيم الزنجباري أماني كرومي وزيرة في مجلس وزراء زنجبار، وكانت المرأة الوحيدة في الحكومة.
بعد ذلك، عام 2010 انتخبت نائبة في البرلمان التنزاني. وأخذ نجمها يلمع في الفضاء السياسي عام 2014 عندما عُيّنت وزيرة دولة لشؤون الاتحاد، كما تولت منصب نائبة رئيس الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وفي هذا الموقع بالذات ظهرت قدراتها في إدارة الحوارات والخلافات «بهدوء وحكمة»، على حد وصف المقربين منها. والواقع أنها عادةً ما توصف بـ«الشخصية المتأنية الهادئة والمستمعة الجيدة». وينقل عن أحد أعضاء البرلمان التنزاني واسمه جانيواري ماكمبا قوله إن «حسن زعيمة قديرة، لم تمنحها السياسة بعد القَدر الذي تستحقه».
- الطريق إلى القمة
في عام 2015، اختارها ماغوفولي في منصب نائب الرئيس، وجاء اختياراً مفاجئاً في حينه، إذ تخطّت كثيرين من الساسة البارزين في حزب تشاما تشا ما بيندوزي (سي سي إم)، الذي سيطر على الحكم في البلاد منذ الاستقلال عام 1961. وغدت بذلك ثاني امرأة تتولى منصب نائب الرئيس في منطقة شرق أفريقيا بعد نائبة رئيس أوغندا سبيسوزا وانديرا كايزيبوي خلال الفترة من 1994 حتى عام 2003.
من ناحية ثانية، فإن سامية حسن باتت الرئيس السادس لتنزانيا، بعد جون ماغوفولي الذي حكم تنزانيا من 2015 حتى 2021، وجاكايا كيكتيني من 2005 حتى 2015، وبنيامين مكابا من 1995 حتى 2005، وعلي حسن مويني من 1985 حتى 1995، والرئيس والزعيم الاستقلالي البارز جوليو نيريري 1962 – 1985.
وتجدر الإشارة إلى أن تنزانيا، التي يربو عدد سكانها على 56 مليون نسمة، تقع وسط شرق أفريقيا، وتحدها كينيا وأوغندا من الشمال، وراوندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا وملاوي وموزمبيق من الجنوب، والمحيط الهندي على الحدود الشرقية. وهي تتكون من 26 منطقة، وكانت مدينة دار السلام، كبرى مدنها وقاعدتها الاقتصادية وميناءها الرئيس، وهي العاصمة الرسمية لها بعد الاستقلال عام 1961، بيد أن مقر الحكومة ومكاتبها ومقر البرلمان نُقلوا إلى العاصمة الجديدة إلى مدينة دودوما في وسط البلاد عام 1996.
على صعيد آخر، كون سامية حسن امرأة مسلمة من إقليم زنجبار، يضيف بُعداً جديداً وتوقعات أكثر عن الطريقة التي ستدير بها البلاد، خاصة أن الإسلام هو الديانة الثانية في تنزانيا بعد المسيحية؛ لكنه أيضاً قد يضيف عليها أعباء في الحصول على دعم حزب «سي سي إم» الحاكم، كونها امرأة مسلمة، وهو ما يتوقع أن يكون له دور أيضاً في صياغة فترة ولاية حسن، التي تضع قضية الوحدة على رأس أولوياتها.
ويعتقد مراقبون أن فترة ولاية حسن ستكون مختلفة عن سلفها، فهي شخصية دبلوماسية، متسامحة معروفة بين زملائها بحسن إدارتها للصراعات والخلافات، وبقدراتها التفاوضية، وبروحها المرحة، حتى إنها علقت على ذلك من قبل في أحد حواراتها. وعن هذا الأمر، قالت ذات يوم: «بعض الناس تعتبر طريقتي الهادئة في الكلام دليلاً على الضعف، لكن جعل الناس يفهمونك لا يتطلب الصراخ بصوت عالٍ، فأنا قادرة على إيصال رسالتي بهذه الطريقة لسنوات والناس تفهمني».
- خبيرة متمرسة
وفي سياق متصل، تواجه حسن قضايا جدلية في الحكم إلى جانب قضية جائحة «كوفيد 19»، مثل تلك المتعلقة بقرار ماغوفولي منع الفتيات الحوامل من الذهاب للمدرسة، وتشجيع النساء على وقف تعاطي حبوب منع الحمل، وقضايا أخرى متعلقة بحقوق الإنسان. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت حسن ستستمر على السياسة ذاتها أم لا، ولا سيما، أن سلفها ماغوفولي المُلقّب بـ«البُلدوزر» كانت له مواقف حاسمة من قضايا متعددة، على رأسها الفساد. ولكن يُحسب عليه في المقابل، قمعه للحريات العامة، بما في ذلك إغلاق وسائل إعلام وتعليقها، وحظر التجمعات وفرض قيود على الإنترنت.
وربما يكون الفقر إحدى القضايا الرئيسية على أجندة الرئيسة الجديدة لتنزانيا، فرغم أن تنزانيا لم تعانِ اضطرابات سياسية كغيرها من الدول الأفريقية، فإنها تواجه كغيرها من دول القارة مشكلات متعلقة بالفقر، الذي يزداد انتشاره في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر من 80 في المائة من السكان البالغ عددهم أكثر من 56 مليون نسمة، وفقاً لتقديرات عام 2018. كذلك، يعيش نحو 70 في المائة من التنزانيين بأقل من دولارين في اليوم، وفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد»، وتساهم الزراعة بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي، وتتصدر السياحة مصادر النقد الأجنبي.
مع هذا، البعض يرى أن لحسن نهجها السياسي الخاص. وهي إبان فترة توليها منصب نائب الرئيس اتخذت مواقف بدت مغايرة لموقف الحكومة والحزب الحاكم، كان من أشهرها ما حدث عام 2017. عندما زارت زعيم المعارضة توندو ليسو في مستشفاه بالعاصمة الكينية نيروبي، بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال، كان يعتقد أن لقوات الدولة دوراً فيها. واحتلت صورة اللقاء بين ليسو وحسن العناوين الرئيسية في الصحف يومذاك، وتسببت في حالة من الارتباك داخل حزب «سي سي إم».
أيضاً، قد ينعكس مظهر حسن، على طريقة تصوّر الناس لطريقة حكمها واقتحامها الحياة السياسية بتقلباتها المتعددة، وبخاصة، أنها تتولى المنصب بعد فترة حكم غيرت كثيراً من معالم البلاد السياسية والاقتصادية. وهي تبدو للوهلة الأولى في صورة الأم القوية، الواثقة من نفسها، ويبرز حجابها متعدد الألوان مدى تموّج الحياة السياسية وتعدد ألوانها.
ومعلومٌ أن حسن أن ترفض أن تُصنَّف أو تُنمَّط كامرأة على أساس جندري اجتماعي، فهي خبيرة متمرسة في العمل السياسي، على مدار أكثر من 20 سنة، ومعروفة جيداً داخل تنزانيا، وإن كانت شهرتها لم تتخطَ حدود بلادها في السنوات الماضية. ولكن في مطلق الأحوال، تظل سامية حسن ممثلة لحزب سياسي يحكم البلاد منذ سنوات. وبالتالي، لا يتوقع منها أن تنقلب على حزبها وتُحدِث تغييرات جوهرية في سياسة الحكم، إضافة إلى أنها كانت نائبة للرئيس منذ أكثر من 5 سنوات... ما يعني أنها كانت مشرفة ومشاركة في كثير من السياسات التي اتخذت خلال تلك الفترة. بمعنى آخر، فهي ليست غريبة على ساحة السياسة والحكم في تنزانيا، وإن رغب كثيرون في رصد كيف ستكون فترة حكم أول امرأة مسلمة ومحجبة لجمهورية تنزانيا.


مقالات ذات صلة

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها
TT

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

بوتسوانا... «ماسة أفريقيا» الباحثة عن استعادة بريقها

خطفت بوتسوانا (بتشوانالاند سابقاً) أنظار العالم منذ أشهر باكتشاف ثاني أكبر ماسة في العالم، بيد أن أنظار المراقبين تخاطفت الإعجاب مبكراً بتلك الدولة الأفريقية الحبيسة، بفضل نموذجها الديمقراطي النادر في قارتها، وأدائها الاقتصادي الصاعد.

قد يكون هذا الإعجاب سجل خفوتاً في مؤشراته، خصوصاً مع موجة ركود وبطالة اجتاحت البلاد منذ سنوات قليلة، إلا أنه يبحث عن استعادة البريق مع رئيس جديد منتخب ديمقراطياً.

على عكس الكثير من دول «القارة السمراء»، لم تودّع بوتسوانا حقبة الاستعمار عام 1966 بمتوالية ديكتاتوريات وانقلابات عسكرية، بل اختارت صندوق الاقتراع ليفرز برلماناً تختار أغلبيته الرئيس. وأظهر أربعة من زعماء بوتسوانا التزاماً نادراً بالتنحي عن السلطة بمجرد استكمال مدّد ولايتهم المنصوص عليها دستورياً، بدءاً من كيتوميلي ماسيري، الذي خلف «السير» سيريتسي خاما عند وفاته في منصبه بصفته أول رئيس لبوتسوانا. وهذا التقليد الذي يصفه «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» بأنه «مثير للإعجاب»، جنت بوتسوانا ثماره أخيراً بانتقال سلمي للسلطة إلى الحقوقي والمحامي اليساري المعارض دوما بوكو.

انتصار بوكو جاء بعد معركة شرسة مع الرئيس السابق موكغويتسي ماسيسي ومن خلفه الحزب الديمقراطي... الذي حكم البلاد لمدة قاربت ستة عقود.

ويبدو أن تجربة تأسيس الحزب الديمقراطي من زعماء قبائل ونُخَب أوروبية كانت العلامة الأهم في رسم المسار الديمقراطي لبوتسوانا، عبر ما يعرف بـ«الإدماج الناعم» لهؤلاء الزعماء القبليين في بنية الدولة. لكن المفارقة كانت «الدور الإيجابي للاستعمار في هذا الشأن»، وفق كلام كايلو موليفي مُستشار الديمقراطية في مكتب رئيس بوتسوانا السابق للإذاعة السويسرية. وتكمن كلمة السر هنا في «كغوتلا»، فبحسب موليفي، اختار البريطانيون الحُكم غير المُباشر، عبر تَرك السلطة للقادة القبليين لتسيير شؤون شعبهم، من دون التدخل بهياكل الحكم التقليدية القائمة.

نظام «كغوتلا» يقوم على «مجلس اجتماعي»، ويحق بموجبه لكل فرد التعبير عن نفسه، بينما يناط إلى زعيم القبيلة مسؤولية التوصل إلى القرارات المُجتمعية بتوافق الآراء. ووفق هذا التقدير، قاد التحالف البلاد إلى استقرار سياسي، مع أنه تعيش في بوتسوانا 4 قبائل أكبرها «التسوانا» - التي تشكل 80 في المائة من السكان وهي التي أعطت البلاد اسمها -، بجانب «الكالانغا» و«الباسار» و«الهرو».

وإلى جانب البنية الديمقراطية ودور القبيلة، كان للنشأة الحديثة للجيش البوتسواني في حضن الديمقراطية دور مؤثر في قطع الطريق أمام شهوة السلطة ورغباتها الانقلابية، بفضل تأسيسه في عام 1977 وإفلاته من صراعات مع الجيران في جنوب أفريقيا وزيمبابوي وناميبيا.

على الصعيد الاقتصادي، كان الاستعمار البريطاني سخياً – على نحو غير مقصود – مع بوتسوانا في تجربة الحكم، إلا أنه تركها 1966 سابع أفقر دولة بناتج محلي ضئيل وبنية تحتية متهالكة، أو قل شبه معدومة في بعض القطاعات.

مع هذا، انعكس التأسيس الديمقراطي، وفق محللين، على تجربة رئيسها الأول «السير» سيريتسي خاما؛ إذ مضى عكس اتجاه الرياح الأفريقية، منتهجاً نظام «رأسمالية الدولة»، واقتصاد السوق، إلى جانب حرب شنَّها ضد الفساد الإداري.

على صعيد موازٍ، أنعشت التجربة البوتسوانية تصدير اللحوم، كما عزّز اكتشاف احتياطيات مهمة من المعادن - لا سيما النحاس والماس - الاقتصاد البوتسواني؛ إذ تحتضن بلدة أورابا أكبر منجم للماس في العالم.

ثم إنه، خلال العقدين الأخيرين، جنت بوتسوانا - التي تغطي صحرء كالاهاري 70 في المائة من أرضها - ثمار سياسات اقتصادية واعدة؛ إذ قفز متوسط الدخل السنوي للمواطن البوتسواني إلى 16 ألف دولار أميركي مقابل 20 دولاراً، بإجمالي ناتج محلي بلغ 19.3 مليار دولار، وفق أرقام البنك الدولي. كذلك حازت مراكز متقدمة في محاربة الفساد بشهادة «منظمة الشفافية العالمية». ومع أن الرئيس البوتسواني المنتخب تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع في ظل مستويات بطالة مرتفعة، وانكماش النشاط الاقتصادي المدفوع بانخفاض الطلب الخارجي على الماس، إلا أن رهان المتابعين يبقى قائماً على استعادة الماسة البوتسوانية بريقها.