سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

زعيمة قوية وهادئة وخبيرة متمرّسة

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا
TT

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

سامية صُلُحو حسن... سياسية «محنكة» تقود معركة توحيد تنزانيا

«من الممكن جداً أن تتولى امرأة إدارة هذه البلاد، فلمَ لا؟! وقد نجح ذلك في أماكن أخرى. إذا كان بمقدور امرأة مثلي أن تتولى منصب نائب الرئيس، فما الذي يمنع غيري من تولي منصب الرئيس»، كلمات قالتها سامية صُلُحو حسن، الرئيسة الجديدة لتنزانيا، في حوارها بداية العام الماضي مع محطة الإذاعة الرسمية التنزانية تعليقاً على إمكانية تولي النساء رئاسة الجمهورية، إلا أن حسن التي كانت تتكلّم بشكل عام عن الموضوع، وترى أن بإمكان غيرها من النساء الوصول لمقعد الرئاسة، فوجئت بأن الأقدار تدفعها دفعاً نحو أعلى منصب في كبرى دول شرق أفريقيا من حيث عدد السكان، لتؤدي اليمين الدستورية رئيسةً لدولة تنزانيا، وتكتب تاريخاً جديداً لها ولبلادها أول امرأة مسلمة تجلس على مقعد الرئاسة فيها وفي أفريقيا.
جاء تولي حسن رئاسة الجمهورية في تنزانيا خلفاً للرئيس جون ماغافولي، الذي وافته المنية بعد عامه الأول في فترة ولايته الثانية. ولقد خلفته سامية حسن، التي كانت حتى وفاته تشغل منصب نائب الرئيس، بموجب الدستور التنزاني الذي ينصّ على تولّي النائب مهام الرئيس إذا ما حالت ظروف صحية أو الوفاة دون استكمال مدة ولايته.

أداء سامية صُلُحو حسن اليمين الدستورية جاء بعد يومين من وفاة الرئيس جون ماغوفولي متأثراً - كما هو مرجّح - بإصابته بفيروس «كوفيد 19». وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية لم يترافق تولّيها المنصب مع الأجواء الاحتفالية المعتادة في هذه الحالات؛ بل صاحبته حالة حداد على موت الرئيس، واقتصرت المراسم الاحتفالية على إطلاق المدفعية 21 طلقة تحية للقائدة الجديدة للقوات المسلحة.
كذلك كان هناك استعراض فاتر لحرس الشرف، نكّست خلاله الأعلام حداداً على الرئيس الراحل. ولقد وصفت حسن ذلك اليوم بقولها في أسى ظاهر بأنه «يوم صعب في حياتها السياسية». وأردفت: «أؤدي اليوم يميناً دستورية مختلفة عما اعتدت على تأديته في حياتي، وفي ظروف مختلفة يغلفها الحداد وليس الفرح والبهجة. غير أن ماغوفولي الذي كان يحب تعليمي أعدني للمهمة، ولتوحيد البلاد».
- «نادي» الرئيسات الأفريقيات
ستمضي سامية حسن، التي كانت قد انتخبت نائبة لماغوفولي عام 2015، وأعيد انتخابها مرة أخرى العام الماضي، ما تبقى من السنوات الخمس لولاية الرئيس الراحل، وبذلك تنضم إلى القائمة القصيرة للقيادات النسائية في القارة السمراء، وإن كانت تعد حالياً الزعيمة السياسية «التنفيذية» الوحيدة في أفريقيا، باعتبار أن دور رئيسة جمهورية إثيوبيا «بروتوكولي» إلى حد ما.
وستبدأ حسن مهامها رئيسة لتنزانيا، في ظل استمرار جائحة «كوفيد 19» التي طالما أنكرها سلفها ماغوفولي، ويُعتقد على نطاق واسع أنها كانت سبباً في وفاته، إذ اختفى نحو أسبوعين قبل الوفاة... لكن الحكومة التنزانية أعلنت أنه توفي بأزمة قلبية. ويبدو أن اللغط بشأن سبب وفاة الرئيس التنزاني السابق وطريقة تعامله مع «كوفيد 19» هما ما دفعا الرئيسة الجديدة إلى التأكيد في خطاب تنصيبها على الوحدة. وقولها صراحةً: «هذا وقت دفن خلافاتنا، لنكون دولة واحدة، هذا ليس وقت توجيه أصابع الاتهام؛ بل وقت أن يتشبث بعضنا بأيدي البعض، والمضي قدماً».
وهنا يرى مراقبون أن تنزانيا قد تتبع سياسة مختلفة في التعامل مع الجائحة خلال الفترة المقبلة، وبالأخص، في ضوء خطاب التهنئة الذي أرسله الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، رئيس منظمة الصحة العالمية، إلى الرئيسة التنزانية الجديدة. ولقد أعرب غيبريسوس في خطابه عن أمله في «العمل معها للحفاظ على سلامة الناس من (كوفيد 19) وإنهاء الجائحة، والوصول إلى تنزانيا أكثر صحة».
- ابنة زنجبار
ولدت حسن الملقبة بـ«ماما سامية» في جزيرة صغيرة تابعة لزنجبار، يوم 27 يناير (كانون الثاني) عام 1960. ولقد باتت بذلك الرئيسة الأولى لتنزانيا من هذا الأرخبيل المسلم المواجهة لشواطئ تنجانيقا، حيث ولدت تنزانيا من اتحادهما. ومن ثم، درست في مدارس محلية بزنجبار، وكانت من بين عدد قليل من الفتيات اللواتي حصلن على التعليم خلال تلك الفترة، في مواجهة السياق التقليدي للمرأة ربة منزل وزوجة.
تابعت سامية حسن تعليمها في عدة بلدان. إذ إنها التحقت عام 1986 بجامعة مزومبي التنزانية حيث درست إدارة التنمية، ثم أكملت تخصصها المتقدم في الإدارة العامة. وبعد ذلك التحقت بالمعهد الوطني للإدارة العامة في مدينة لاهور بباكستان، قبل أن تستكمل دراستها بمعهد الإدارة للقادة، في حيدر آباد في الهند، في 1991. ثم بين 1992 و1994 استكملت دراستها في جامعة مانشستر البريطانية حيث حصلت على دبلوم الدراسات العليا في الاقتصاد. فيما بعد خلال عامي 2004 و2005 نالت درجة الماجستير في التنمية الاقتصادية المجتمعية من خلال برنامج مشترك بين جامعة تنزانيا المفتوحة وجامعة جنوب نيو هامبشاير بالولايات المتحدة الأميركية.
- حياتها العائلية
عام 1978، أي عندما كانت حسن في الثامنة عشرة من عمرها، تزوّجت من رجل أكاديمي يعمل في مجال الزراعة اسمه حافظ أمير، وأنجبت منه 4 أطفال، 3 أولاد وبنتاً، من بينهم موانو حافظ أمير، عضو مجلس النواب في زنجبار. وحرصت طوال عملها الاجتماعي والسياسي على أن تظل عائلتها، وبالأخص زوجها، في منأى عن الأضواء، حتى إنها لم تلتقط صورة لها مع زوجها منذ توليها منصب نائب الرئيس، وإن كان زوجها يُقدم في بعض الفعاليات المحلية في زنجبار باعتباره زوج نائبة الرئيس. وهو على حد وصف المقربين من الأسرة رجل متدين وهادئ.
من جهة أخرى، كان العمل السياسي سبباً في بُعد سامية حسن عن المهام المنزلية التقليدية. وفي حوار لها قبل سنة أجرته معها «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي) قالت إن «مهامها الرسمية تحرمها من دخول المطبخ، رغم أن هوايتها المفضلة في وقت الفراغ هي الطبخ».
- امرأة قوية وهادئة
عارفو الرئيسة التنزانية الجديدة يشيرون إلى نشاطها في مجال العمل الاجتماعي، وإلى أنها لم تقتحم المجال السياسي سوى في سن الأربعين عندما تولّت لأول مرة منصباً سياسياً، نائبةً برلمانيةً في مجلس النواب بزنجبار عام 2000. وفي حينه، عيّنها الزعيم الزنجباري أماني كرومي وزيرة في مجلس وزراء زنجبار، وكانت المرأة الوحيدة في الحكومة.
بعد ذلك، عام 2010 انتخبت نائبة في البرلمان التنزاني. وأخذ نجمها يلمع في الفضاء السياسي عام 2014 عندما عُيّنت وزيرة دولة لشؤون الاتحاد، كما تولت منصب نائبة رئيس الجمعية التأسيسية لصياغة دستور جديد للبلاد. وفي هذا الموقع بالذات ظهرت قدراتها في إدارة الحوارات والخلافات «بهدوء وحكمة»، على حد وصف المقربين منها. والواقع أنها عادةً ما توصف بـ«الشخصية المتأنية الهادئة والمستمعة الجيدة». وينقل عن أحد أعضاء البرلمان التنزاني واسمه جانيواري ماكمبا قوله إن «حسن زعيمة قديرة، لم تمنحها السياسة بعد القَدر الذي تستحقه».
- الطريق إلى القمة
في عام 2015، اختارها ماغوفولي في منصب نائب الرئيس، وجاء اختياراً مفاجئاً في حينه، إذ تخطّت كثيرين من الساسة البارزين في حزب تشاما تشا ما بيندوزي (سي سي إم)، الذي سيطر على الحكم في البلاد منذ الاستقلال عام 1961. وغدت بذلك ثاني امرأة تتولى منصب نائب الرئيس في منطقة شرق أفريقيا بعد نائبة رئيس أوغندا سبيسوزا وانديرا كايزيبوي خلال الفترة من 1994 حتى عام 2003.
من ناحية ثانية، فإن سامية حسن باتت الرئيس السادس لتنزانيا، بعد جون ماغوفولي الذي حكم تنزانيا من 2015 حتى 2021، وجاكايا كيكتيني من 2005 حتى 2015، وبنيامين مكابا من 1995 حتى 2005، وعلي حسن مويني من 1985 حتى 1995، والرئيس والزعيم الاستقلالي البارز جوليو نيريري 1962 – 1985.
وتجدر الإشارة إلى أن تنزانيا، التي يربو عدد سكانها على 56 مليون نسمة، تقع وسط شرق أفريقيا، وتحدها كينيا وأوغندا من الشمال، وراوندا وبوروندي والكونغو الديمقراطية من الغرب، وزامبيا وملاوي وموزمبيق من الجنوب، والمحيط الهندي على الحدود الشرقية. وهي تتكون من 26 منطقة، وكانت مدينة دار السلام، كبرى مدنها وقاعدتها الاقتصادية وميناءها الرئيس، وهي العاصمة الرسمية لها بعد الاستقلال عام 1961، بيد أن مقر الحكومة ومكاتبها ومقر البرلمان نُقلوا إلى العاصمة الجديدة إلى مدينة دودوما في وسط البلاد عام 1996.
على صعيد آخر، كون سامية حسن امرأة مسلمة من إقليم زنجبار، يضيف بُعداً جديداً وتوقعات أكثر عن الطريقة التي ستدير بها البلاد، خاصة أن الإسلام هو الديانة الثانية في تنزانيا بعد المسيحية؛ لكنه أيضاً قد يضيف عليها أعباء في الحصول على دعم حزب «سي سي إم» الحاكم، كونها امرأة مسلمة، وهو ما يتوقع أن يكون له دور أيضاً في صياغة فترة ولاية حسن، التي تضع قضية الوحدة على رأس أولوياتها.
ويعتقد مراقبون أن فترة ولاية حسن ستكون مختلفة عن سلفها، فهي شخصية دبلوماسية، متسامحة معروفة بين زملائها بحسن إدارتها للصراعات والخلافات، وبقدراتها التفاوضية، وبروحها المرحة، حتى إنها علقت على ذلك من قبل في أحد حواراتها. وعن هذا الأمر، قالت ذات يوم: «بعض الناس تعتبر طريقتي الهادئة في الكلام دليلاً على الضعف، لكن جعل الناس يفهمونك لا يتطلب الصراخ بصوت عالٍ، فأنا قادرة على إيصال رسالتي بهذه الطريقة لسنوات والناس تفهمني».
- خبيرة متمرسة
وفي سياق متصل، تواجه حسن قضايا جدلية في الحكم إلى جانب قضية جائحة «كوفيد 19»، مثل تلك المتعلقة بقرار ماغوفولي منع الفتيات الحوامل من الذهاب للمدرسة، وتشجيع النساء على وقف تعاطي حبوب منع الحمل، وقضايا أخرى متعلقة بحقوق الإنسان. ومن غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت حسن ستستمر على السياسة ذاتها أم لا، ولا سيما، أن سلفها ماغوفولي المُلقّب بـ«البُلدوزر» كانت له مواقف حاسمة من قضايا متعددة، على رأسها الفساد. ولكن يُحسب عليه في المقابل، قمعه للحريات العامة، بما في ذلك إغلاق وسائل إعلام وتعليقها، وحظر التجمعات وفرض قيود على الإنترنت.
وربما يكون الفقر إحدى القضايا الرئيسية على أجندة الرئيسة الجديدة لتنزانيا، فرغم أن تنزانيا لم تعانِ اضطرابات سياسية كغيرها من الدول الأفريقية، فإنها تواجه كغيرها من دول القارة مشكلات متعلقة بالفقر، الذي يزداد انتشاره في المناطق الريفية حيث يعيش أكثر من 80 في المائة من السكان البالغ عددهم أكثر من 56 مليون نسمة، وفقاً لتقديرات عام 2018. كذلك، يعيش نحو 70 في المائة من التنزانيين بأقل من دولارين في اليوم، وفقاً للصندوق الدولي للتنمية الزراعية «إيفاد»، وتساهم الزراعة بنحو ربع الناتج المحلي الإجمالي، وتتصدر السياحة مصادر النقد الأجنبي.
مع هذا، البعض يرى أن لحسن نهجها السياسي الخاص. وهي إبان فترة توليها منصب نائب الرئيس اتخذت مواقف بدت مغايرة لموقف الحكومة والحزب الحاكم، كان من أشهرها ما حدث عام 2017. عندما زارت زعيم المعارضة توندو ليسو في مستشفاه بالعاصمة الكينية نيروبي، بعد تعرّضه لمحاولة اغتيال، كان يعتقد أن لقوات الدولة دوراً فيها. واحتلت صورة اللقاء بين ليسو وحسن العناوين الرئيسية في الصحف يومذاك، وتسببت في حالة من الارتباك داخل حزب «سي سي إم».
أيضاً، قد ينعكس مظهر حسن، على طريقة تصوّر الناس لطريقة حكمها واقتحامها الحياة السياسية بتقلباتها المتعددة، وبخاصة، أنها تتولى المنصب بعد فترة حكم غيرت كثيراً من معالم البلاد السياسية والاقتصادية. وهي تبدو للوهلة الأولى في صورة الأم القوية، الواثقة من نفسها، ويبرز حجابها متعدد الألوان مدى تموّج الحياة السياسية وتعدد ألوانها.
ومعلومٌ أن حسن أن ترفض أن تُصنَّف أو تُنمَّط كامرأة على أساس جندري اجتماعي، فهي خبيرة متمرسة في العمل السياسي، على مدار أكثر من 20 سنة، ومعروفة جيداً داخل تنزانيا، وإن كانت شهرتها لم تتخطَ حدود بلادها في السنوات الماضية. ولكن في مطلق الأحوال، تظل سامية حسن ممثلة لحزب سياسي يحكم البلاد منذ سنوات. وبالتالي، لا يتوقع منها أن تنقلب على حزبها وتُحدِث تغييرات جوهرية في سياسة الحكم، إضافة إلى أنها كانت نائبة للرئيس منذ أكثر من 5 سنوات... ما يعني أنها كانت مشرفة ومشاركة في كثير من السياسات التي اتخذت خلال تلك الفترة. بمعنى آخر، فهي ليست غريبة على ساحة السياسة والحكم في تنزانيا، وإن رغب كثيرون في رصد كيف ستكون فترة حكم أول امرأة مسلمة ومحجبة لجمهورية تنزانيا.


مقالات ذات صلة

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

يوميات الشرق في عام 2023 قُتلت امرأة كل 10 دقائق على يد شريكها أو فرد من عائلتها (أ.ف.ب)

3 سيّدات يروين لـ«الشرق الأوسط» رحلة الهروب من عنف أزواجهنّ

«نانسي» و«سهى» و«هناء»... 3 أسماء لـ3 نساءٍ كدن يخسرن حياتهنّ تحت ضرب أزواجهنّ، قبل أن يخترن النجاة بأنفسهنّ واللجوء إلى منظّمة «أبعاد».

كريستين حبيب (بيروت)
شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.