سجالات أوروبية ـ روسية حول «سبوتنيك»... ودعوات لـ«عدم تسييس» الحرب على الوباء

موسكو تبدأ التجارب على لقاح من جرعة واحدة

تقييم وكالة الأدوية الأوروبية فاعلية لقاح «سبوتنيك في» (رويترز)
تقييم وكالة الأدوية الأوروبية فاعلية لقاح «سبوتنيك في» (رويترز)
TT

سجالات أوروبية ـ روسية حول «سبوتنيك»... ودعوات لـ«عدم تسييس» الحرب على الوباء

تقييم وكالة الأدوية الأوروبية فاعلية لقاح «سبوتنيك في» (رويترز)
تقييم وكالة الأدوية الأوروبية فاعلية لقاح «سبوتنيك في» (رويترز)

احتدمت السجالات بين موسكو والمنظمات الأوروبية حول مدى فاعلية اللقاح الروسي المضاد لـ«كورونا» «سبوتنيك في»، واحتمال أن يتم استخدامه في القارة الأوروبية. ومع سعي موسكو إلى تنشيط اتصالاتها الثنائية مع عدد من البلدان الأوروبية، حذرت السلطات الروسية الاتحاد الأوروبي والمنظمات المتخصصة من «تسييس» النقاشات الجارية حول اللقاح، وأعربت عن أمل في أن «يسترشد الاتحاد الأوروبي باعتبارات علمية بحتة وليست سياسية، لدى النظر في تسجيل لقاح «سبوتنيك»» لاستخدامه في دول الاتحاد.
وقال كيريل ديميترييف، مدير صندوق الاستثمار الروسي الذي أشرف ومول تطوير اللقاح، إن بلاده تنتظر وفدا من وكالة الأدوية الأوروبية في منتصف الشهر المقبل، و«نأمل أن يكون القرار بشأن (سبوتنيك في) علميا بحتا وليس سياسيا».
ورغم الانتقادات الأوروبية الكثيرة وحملة التشكيك التي تعرض لها اللقاح الروسي، فإن صندوق الاستثمار الروسي أعرب عن أمله في «أن يتم تسجيل «سبوتنيك في» في الاتحاد الأوروبي بعد شهر يونيو (حزيران) المقبل، مما سيسمح بالبدء في بحث تصدير العقار إلى دول الاتحاد.
وأشار ديميترييف إلى أن الجانب الروسي يتوقع أنه بعد المجر، سيوافق أعضاء آخرون في الاتحاد الأوروبي على استخدام اللقاح الروسي، بغض النظر عن قرار وكالة الأدوية الأوروبية. وأكّد رئيس الصندوق وضع خطط لإطلاق إنتاج اللقاح في ألمانيا ودول أوروبية أخرى، مضيفا أن المفاوضات جارية لإنتاجه باستخدام البنى التحتية الحالية لشركة «آر فارم» في ولاية بافاريا.
- تباين أوروبي
وكانت وكالة الأدوية الأوروبية أعلنت قبل يومين أنها سترسل فريقا من الخبراء إلى روسيا لمراجعة نتائج التجارب السريرية وعمليات إنتاج اللقاح. وقال رئيس إدارة التهديدات الصحية واستراتيجية التطعيم في الوكالة، ماركو كافاليري، إنه «فيما يتعلق باللقاح الروسي، هناك فحص دوري، لذلك سنراجع جميع البيانات عند جمعها من أجل اعتمادها بشكل أسرع. وفي أبريل (نيسان)، سنجري فحصا في روسيا، سواء من حيث الإنتاج أو التجارب السريرية، ثم سنحاول أن نفهم في أي وقت سيكون لدينا جميع البيانات اللازمة للموافقة المحتملة على هذا اللقاح في النهاية».
لكن هذه التصريحات تزامنت مع مواقف متباينة برزت في القارة الأوروبية حول اللقاح الروسي. إذ أعلن مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون السوق الداخلية، تيري بريتون، أن أوروبا «لن تكون بحاجة إلى لقاح (سبوتنيك في) الروسي المضاد لفيروس (كورونا) لأنها ستتمكن من تحقيق مناعة القطيع من دونه». وأوضح أن أجهزة الرقابة الطبية الأوروبية «صادقت على أكبر عدد للقاحات، وهو 4 ونتقدم في مجال إنتاجها، لن نكون على الإطلاق بحاجة إلى سبوتنيك V أو عقارات أخرى». ولفت إلى أن «لدى الروس مشاكل متعلقة بإنتاج هذا اللقاح وتوزيعه داخليا، وفي حال احتياجهم إلى مساعدة في هذا المجال سنتحدث عن ذلك في النصف الثاني من العام».
في المقابل، قال هانز كلوج مدير المكتب الإقليمي لأوروبا في منظمة الصحة العالمية إن «أوروبا بالفعل في حاجة إلى لقاح (سبوتنيك في) الروسي». ونقلت عنه وكالة أنباء «تاس» الحكومية الروسية أنه يأمل في أن «يتم استخدام اللقاح في المنطقة في المستقبل المنظور القريب جدا. ونحن في حاجة إليه بالفعل، فالاتحاد الأوروبي ودول أخرى تعاني من نقص في اللقاحات. وأنا أؤمن به، نحن بحاجة إليه». وزاد أن منظمة الصحة العالمية تجري فحصا متسقا لنتائج التجارب السريرية والبيانات المتعلقة بإنتاج اللقاح الروسي. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين علّق على تصريح المفوض الأوروبي بريتون بالتشديد على أن «روسيا لا تفرض لقاحها على أحد، لكن مثل هذه التصريحات في الاتحاد الأوروبي تجعل المرء يعتقد أن المسؤولين الأوروبيين يدافعون عن مصالح الشركات وليس المواطنين».
وأعلنت روسيا أن أكثر من 52 دولة أكدت موافقتها على استخدام اللقاح الروسي، وقالت إنه بات يحتل المرتبة الثانية في العالم من حيث عدد الموافقات التي حصل عليها المنظمون الحكوميون. لكن المعطيات الروسية أشارت إلى أن اللقاح تم تسجيله فعليا في 23 دولة، بينها الجزائر وفلسطين والإمارات وتونس ولبنان والبحرين، وأن الجزء الأكبر من البلدان التي أنجزت تسجيله أعلنت استعدادها للتعامل مع اللقاح «في حالات الطوارئ».
وفي أحدث تطور في هذا الشأن، كشف الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة عن التوصل إلى اتفاق مع الهند لإنتاج مشترك لـ200 مليون جرعة من اللقاح الروسي. ووفقا للوكالة، فإن الصندوق الروسي اتفق مع الشركة الهندية «ستيليز بيوفارما» التي وصفت بأنها من شركات الأدوية الرائدة في العالم بشأن الإنتاج المشترك للقاح. وأشار الصندوق إلى أن الاتفاق سيسمح بتطعيم 100 مليون شخص ضد فيروس «كورونا» المستجد. وفي وقت سابق أفادت الهند، بأنها أنجزت المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح الروسي.
- إقبال داخلي محدود
وأثار الجدل الساخن مع أوروبا حول اللقاح تساؤلات عدة، خصوصا أنه تزامن مع النشاط الواسع الذي تقوم به روسيا للترويج للقاحها خارجيا. ووفقا لخبراء في روسيا، فإن السبب الأساسي للتساؤلات هو عدم بلوغ الإنتاج المحلي للقاح مستويات واسعة تكفي لتغطية السوق الداخلية بدلا من التوجه إلى الأسواق الخارجية، وهو الأمر الذي رد عليه مسؤولون حكوميون روس بالإشارة إلى أن اتفاقات الإنتاج المشترك خارج البلاد توفر موارد لروسيا من أجل تنشيط الإنتاج المحلي.
وكانت معطيات أشارت إلى تأخر وصول اللقاح إلى كل الأقاليم الروسية، وهو الأمر الذي دفع السلطات إلى محاولة تسريع عمليات الإنتاج وتوسيع نطاق توزيع اللقاح. ورغم ذلك، بقيت نسب المقبلين على اللقاح بشكل طوعي محدودة في روسيا حتى الآن، ووفقاً لتصريح الرئيس بوتين أثناء تلقيه اللقاح أول من أمس، فإن «العمل الفعال والنشيط لشركاتنا ونظامنا الصحي سمح لنا بالاستقرار في مواجهة الفيروس». وأضاف الرئيس أن «6 ملايين و300 ألف حصلوا على اللقاح، وبكل ثقة يمكننا أن نقول في هذه التجربة، إن اللقاح الروسي سليم وآمن، وإنه ليس هناك أي لقاحات أجنبية أخرى تمكنت من الوصول إلى هذه النتائج، وهذا يعتبر نجاحا كبيرا لاختصاصيينا». ويشكل الرقم الذي أعلنه بوتين ما يقارب من أربعة في المائة فقط من الروس. وأوضح بوتين أن «هناك إمكانية للوصول إلى إنتاج 700 مليون جرعة في السنة، وقد وقعنا مع الهند اتفاقية لتصنيع ملايين الجرعات في السنة، وبالمناسبة فإن مسؤولي الحكومات في الأرجنتين والمكسيك قاموا بتحليل نتائج اللقاحات وتوصلوا إلى أنه ليس هناك أي آثار جانبية». وشدّد بوتين على ضرورة أن «تأخذ شركات الأدوية لدينا بعين الاعتبار ديناميكية السوق الدولية والطلب على هذه اللقاحات وزيادة إنتاجنا، والأولوية يجب أن تكون للاستخدام الداخلي ولذلك يجب نقل الأعداد الكافية من اللقاحات إلى الأقاليم والاستمرار في إيصال المعلومات إلى الناس حول أين وكيف يمكنهم الحصول على اللقاح».
- «سبوتنيك لايت»
في غضون ذلك، أعلن مسؤول روسي أن بلاده أطلقت المرحلة الثالثة من اختبارات على نسخة مطورة و«مخففة» من جرعة واحدة للقاح «سبوتنيك في»، حملت تسمية «سبوتنيك لايت»، داخليا وفي الإمارات وغانا. وخلال مؤتمر حول آفاق استخدام لقاح «سبوتنيك في» الروسي في أوروبا، قال أرسين كوباتايف، مدير المسار الطبي في أنشطة الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة (المكلف بالترويج للقاح الروسي وتصديره إلى دول أجنبية): «لقد أطلقنا المرحلة الثالثة للاختبارات السريرية الدولية الخاصة بـ(سبوتنيك لايت)، وهي اختبارات يشارك فيها متطوعون من روسيا والإمارات العربية المتحدة وغانا». وأضاف المسؤول أن قرابة ألفي شخص تلقوا اللقاح الجديد حتى الآن، مشيرا إلى أن الصندوق يخطط لتطعيم ما لا يقل عن 7 آلاف متطوع به.
وتوقع كوباتايف أن تظهر النتائج الأولية للاختبارات في يونيو المقبل. وأضاف: «بالطبع لا ننتظر أن تكون فاعليته بنفس مستوى فاعلية «سبوتنيك في» التي تشكل 91.6 في المائة، لكن نجاح اللقاح الأول الكبير يبعث على تفاؤل بشأن خصائص سبوتنيك لايت الوقائية».
وأشار المسؤول إلى أن اللقاح الجديد يعمل بجرعة واحدة فقط بدلا من جرعتين، الأمر الذي يسهل بكثير استخدامه من الناحية اللوجيستية، ويسمح بتطعيم أعداد كبيرة من السكان. وكان صندوق الاستثمار المباشر الروسي تقدم في 27 فبراير (شباط) الماضي بطلب لتسجيل لقاح «سبوتنيك لايت»، وبدأ تطعيم المتطوعين بالعقار في العاصمة موسكو.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
TT

البابا فرنسيس يعيّن أول امرأة لرئاسة دائرة كبيرة في الفاتيكان

الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)
الأخت سيمونا برامبيلا التي عيّنها البابا فرنسيس لتولي مسؤولية المكتب الذي يُشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم (متداولة)

عيّن البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، اليوم (الاثنين)، أول امرأة لقيادة إحدى الدوائر الرئيسية في الفاتيكان، وهي راهبة إيطالية ستتولى مسؤولية المكتب الذي يشرف على الإرشادات الدينية الكاثوليكية في العالم.

وستتولّى الأخت سيمونا برامبيلا (59 عاماً) رئاسة مجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية في الفاتيكان. وستحل محل الكاردينال جواو براز دي أفيز، وهو برازيلي تولّى المنصب منذ عام 2011، حسب وكالة «رويترز» للأنباء.

البابا فرنسيس يترأس صلاة التبشير الملائكي في يوم عيد الغطاس من نافذة مكتبه المطل على كاتدرائية القديس بطرس في دولة الفاتيكان 6 يناير 2025 (إ.ب.أ)

ورفع البابا فرنسيس النساء إلى أدوار قيادية بالفاتيكان خلال بابويته المستمرة منذ 11 عاماً؛ إذ عيّن مجموعة من النساء في المناصب الثانية في تسلسل القيادة بدوائر مختلفة.

وتم تعيين برامبيلا «عميدة» لمجمع معاهد الحياة المكرسة وجمعيات الحياة الرسولية، وهو الكيان السيادي المعترف به دولياً الذي يُشرف على الكنيسة الكاثوليكية العالمية.