الحريري يتريث بانتظار اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي

باريس تواصلت معه وأبدت استغرابها لتصرفات عون

الحريري يتريث بانتظار اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي
TT

الحريري يتريث بانتظار اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي

الحريري يتريث بانتظار اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي

يتريّث الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري في تحديد الخطوة التالية التي سيُقدم عليها في ضوء رد فعله على الجدول «اللغم» الذي أرسله له رئيس الجمهورية ميشال عون، وفيه توزيع جديد للحقائب الوزارية على الطوائف والقوى السياسية على قاعدة احتفاظه بالثلث المعطل، ويعود تريّثه (كما تقول مصادر مواكبة لأجواء اجتماع رؤساء الحكومات السابقين) إلى أنه ينتظر المفاعيل التي سيؤول إليها اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه، آخذاً بعين الاعتبار، كما أبلغهم تمسك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بمبادرته لإنقاذ لبنان.
وتلفت المصادر المواكبة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الحريري، كما أبلغ زملاءه في نادي الرؤساء، يبدي ارتياحه للموقف الفرنسي، واصفاً إياه بخلاف ما يشاع بأنه «حديدي»، كاشفاً أن باريس كانت على تواصل معه في اليومين الأخيرين مبدية استغرابها للتصرف الذي أقدم عليه عون بإرساله له جدولة جديدة بإعادة توزيع الحقائب الوزارية من دون مراعاة أصول التخاطب بين أركان الدولة.
وتؤكد أن باريس تقدّر رد فعل الحريري على الجدول الذي تسلمه من عون، وهذا ما اضطرها للتواصل معه وبعدد من المنتمين إلى تياره السياسي، وتعتبر أن زيارة السفيرة الفرنسية آن غريو للقصر الجمهوري لا تأتي في سياق الاطلاع من عون على آخر تطورات تأليف الحكومة فحسب، وإنما لوضعه في الموقف الفرنسي المستجد في ضوء الاشتباك السياسي الذي حصل بينه وبين الرئيس المكلف.
وتقول المصادر نفسها إن باريس ليست في حاجة للتواصل للوقوف على تفاصيل ما ترتّب من تداعيات سياسية سلبية على الجدول الذي أرسله عون إلى الحريري، وتعزو السبب إلى أنها أحيطت بها عبر قنوات التواصل المفتوحة بينها وبين المكوّنات السياسية الرئيسة المعنية بتشكيل الحكومة، إضافة إلى التقارير التي تسلّمتها الخارجية الفرنسية من السفيرة غريو.
وتقدّر باريس تعالي الحريري عن سوء التصرّف الذي تعرّض له من قبل عون، وتمثّل ذلك بتواصلها معه بلا تردد، وتتوقف أمام ارتياح الحريري لموقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وهذا ما أبلغه إلى رؤساء الحكومات السابقين، كاشفاً أمامهم أنه أبلغ قيادة «حزب الله» أنه، وإن كان يحمّل عون مسؤولية الإطاحة بالجهود الرامية لإخراج تشكيل الحكومة من التأزُّم، فإن الحزب في المقابل لن ينأى بنفسه عن الارتدادات السلبية التي تسبب بها خروج عون عن الأصول واللياقة المتبعة في التخاطب بين أركان الدولة.
فـ«حزب الله» بطروحاته التي تقدّم بها أمينه العام حسن نصر الله كان وراء تشجيع عون، ومن خلاله وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على المضي في انقلابه على المبادرة الفرنسية، رغم أنه يدّعي التمسك بها.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن الحريري لم يلتقِ المعاون السياسي لنصر الله حسين خليل، وأنه بعث برسالته لقيادة الحزب عبر قنوات التواصل، مع أنها كانت أبلغته بأن أمينها العام لم يستهدفه، وأنه لا يزال على موقفه بتسهيل مهمته في تأليف الحكومة.
وتردّد بأن عون يوكل إلى باسيل وفريقه السياسي مهمة الإشراف على إدارة ملف التفاوض الخاص بتشكيل الحكومة، وبالتالي فهو لا يتخذ أي قرار إلا بالتنسيق معه، بما في ذلك إصرارهما على أن يكون لهما الثلث الضامن في الحكومة، ومن دون الشراكة مع «حزب الله».
وتعزو مصادر سياسية السبب إلى أن التحالف الاستراتيجي بين «حزب الله» وعون لا يمنع الأخير من إصراره منفرداً على إعطائه الثلث المعطّل تحسباً لاحتمال اضطرار الحزب لدواع تتعلق بتحالفه الوثيق مع إيران للخضوع لحسابات تتعارض وروحية تحالفه مع «التيار الوطني»، وبالتالي فإن عون يتمسك بهذا الثلث ليبقي على باسيل كرقم صعب في المعادلة السياسية، بصرف النظر عن تراجعه في الشارع المسيحي.
وترى أن عون أخفق في استنفار الشارع المسيحي تحت لافتة استرداد حقوق المسيحيين واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية، وتقول إنه بات مضطراً للقتال لضمان حصوله على الثلث المعطّل بعد أن قطع الأمل من تطييف معركته ضد الحريري الذي يدرك أن خصوم عون لن يقفوا إلى جانبه فيما يسمى بمعركة الصلاحيات.
لذلك تعتبر المصادر أن ما أشيع حول لقاء جنبلاط بعون، خصوصاً لجهة تموضعه ضد الحريري، ليس في محله، وتؤكد بأن رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» لن يمشي معه، وترى أن جنبلاط، وإن كان يدعو للوصول إلى تسوية؛ فهو يشترط التوافق بين عون والحريري الذي هو الأقوى في طائفته، ومن غير الجائز تخطيه، كاشفةً أن اللقاء لم يكن منتجاً، كما كان يتمناه رئيس «التقدمي».
وعليه، لم يعد أمام عون خيار سوى العودة للتفاهم مع الحريري، بدلاً من استمراره في عناده ومكابرته، وأن أي خيار لتعويم الحكومة المستقيلة لن يُصرف في مكان، وكذلك استبدال بها حكومة ظل تتشكل من المجلس الأعلى للدفاع الذي يُعقد غداً (الجمعة)، وكعادته بلا جدول أعمال، ولا يحق له اتخاذ القرارات لأن صلاحيته تقتصر على إعداد التوصيات ورفعها إلى مجلس الوزراء، وأي شيء آخر يعتبر خرقاً للدستور.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».