أسوار «المصمك» في احتفاء الأنوار مع إبداعات الفنان علي الرزيزاء

يتزين بفنون العمارة النجدية في «نور الرياض»

العمارة النجدية تطغى بريشة الرزيزاء (تصوير: سعد الدوسري)
العمارة النجدية تطغى بريشة الرزيزاء (تصوير: سعد الدوسري)
TT

أسوار «المصمك» في احتفاء الأنوار مع إبداعات الفنان علي الرزيزاء

العمارة النجدية تطغى بريشة الرزيزاء (تصوير: سعد الدوسري)
العمارة النجدية تطغى بريشة الرزيزاء (تصوير: سعد الدوسري)

على جدران قصر المصمك التاريخي وسط العاصمة السعودية الرياض، يتابع مجموعة من الزوار لقطات مكبرة تُعرض بشكل متتابع، لعدد من اللوحات الفنية المختلفة التي تتميز بها العمارة النجدية من إبداعات الفنان التشكيلي السعودي علي الرزيزاء، الذي يشرح للجمهور بسعادة قصة كل لوحة ومقاصدها الفنية.
يأتي عرض هذه اللوحات ضمن احتفال «نور الرياض» وهو أحد برامج مشروع «الرياض آرت» وتكريم رواد الفن التشكيلي السعودي، وعلى رأسهم الفنان الراحل محمد السليم، رحمه الله، والفنان علي الرزيزاء.
يقول الرزيزاء، في حديث مع «الشرق الأوسط» إنه لم يكن يتخيل أن يرى لوحاته على قصر المصمك التاريخي بهذه الطريقة المبهرة، على حد تعبيره، وأضاف: «أمر مبهر بالنسبة لي عندما أرى أعمالي على المصمك، تركيب العمل الفني انتقل من لوحة بكادر معين، إلى تحليل جزئيات من لوحة والاستمتاع برؤيتها على مستوى أكبر، هنا شاركت المواطن الفرحة، البعض يتفاعل عبر التواصل الاجتماعي، والبعض يبحث عن صاحب اللوحات».
وتابع: «الأعمال المعروضة على قصر المصمك إنتاج فنان من مرسمه، بدأ توليفة العمل في إيطاليا عن طريق الهيئة الملكية للرياض، واستغرق نحو ثلاثة أشهر من التواصل عبر الاتصال المرئي (زوم)، اختار أربعة أنماط؛ الرسم بالألوان، والتخطيط، وأبواب حديد، ومشغولات خشبية».
يضيف الرزيزاء قائلاً: «أنا من مدرسة الراحل محمد السليم، نحن قرويان من أبناء الرياض درسنا في إيطاليا (قالها مبتسماً)، وقد كان للسليم الفضل الكبير في حركة الفن التشكيلي في الرياض، كنا نراه قائد فريق، وفناناً عظيماً، اتبعت أسلوبه في بداياتي ظناً مني أنني سأحصل على بعثة وقتها».
أثناء حديثنا مع الفنان علي الرزيزاء ظهرت لوحة فاستوقفنا لشرحها، قال: «هذه لوحة اسمها (مهر العروس) كانت هدية لزوجتي، كما ترون هذه العطور والمجوهرات التي قدمتها لها، استلهام الماضي بصورة معاصرة... لو أعطينا الموروث دراسات حقيقية، لصدرنا قطعنا الفنية للعالم في المصوغات والأثاث والسجاد والتحف وغيرها».
ووصف الرزيزاء الحركة الفنية في السعودية اليوم بأنها أصبحت تظاهرة عالمية تعطي بوادر رؤية 2030. وقال: «توجيهات ولي العهد منذ عامين أثلجت صدورنا بأن تكون الرياض عاصمة الفن، وتحويل المطار القديم إلى واحة فنية، هذه من بوادر 2030، و(نور الرياض) سيكون احتفالاً سنوياً، هذا العام يتحدث عن بداية استعمال الضوء في الأعمال الفنية، نحن نتحول إلى العالم الفعال في الحياة الثقافية والفكرية والفنية».
وتابع الفنان علي الذي عرض لوحة أيضاً عن فترة الحجر الصحي لجائحة كورونا (كوفيد - 19): «كنت من المحظوظين الذين دخلوا معهد التربية الفنية بعد حصولي على شهادة (الكفاءة) التعليمية في الستينيات الميلادية، حينها كان هناك تنوع للثقافات في الرياض، وتحرك ثقافي شمولي».
وتابع الرزيزاء الذي يتقن اللغة الإيطالية حتى اليوم بقوله: «التجربة الفنية في إيطاليا كانت ممتعة، أكاديمية روما كانت لا تعتمد على التلقين الحرفي، بل تتعامل معك كفنان جئت لتشارك في مراسم فنانين آخرين وتتلمذ على أيديهم، كانت مجالاً للممارسة أكثر من التلقين».
وكشف الرزيزاء أن الإيطاليين كان لهم الفضل في اتجاهه لفن العمارة النجدية، يعلل ذلك قائلاً: «لقد أحبوا الاستفادة من خبرتنا ونقل تجربة الشرق الأوسط إليهم، قالوا نريد رؤية حضارتكم، اعمل بشخصيتك، جئت تبلور نفسك وليس تتعلم، وهم مَن أنقذوني لأتجه للعمارة النجدية والنقش على الخشب في نمط العمارة وإن بطريقة غير مباشرة».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».