اللجان النيابية تقر قانون استعادة «الأموال المنهوبة»... والعبرة بالتنفيذ

TT

اللجان النيابية تقر قانون استعادة «الأموال المنهوبة»... والعبرة بالتنفيذ

أقرت اللجان في مجلس النواب اللبناني «مشروع قانون استعادة الأموال المنهوبة» المقدم من نواب «التيار الوطني الحر»، مع بعض التعديلات، وذلك استكمالاً لعدد من القوانين كانت أُقرت مؤخراً في إطار مكافحة الفساد؛ منها قانون الإثراء غير المشروع و«الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد» والتدقيق الجنائي.
ووصف نائب رئيس المجلس النيابي، إيلي الفرزلي، إقرار القانون بـ«الخطوة الإصلاحية من الطراز الرفيع»، لافتاً إلى أن صيغة القانون أخذت في الحسبان «كل المعاهدات الدولية، وربطت بـ(الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) لكي يذهب كل الناس بصورة مركزة إلى تحديد المسؤول عن كل عملية قد تكون لها علاقة بالفساد بطريقة أو بأخرى». وطالب الفرزلي «مجلس الوزراء الحالي أو أي مجلس وزراء مقبل بأن يذهب سريعاً في اتجاه إصدار المراسيم التطبيقية لكي يصار إلى وضع (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) على سكة التنفيذ».
وعدّ رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، أن «إقرار هذه القوانين يعني أن المجلس النيابي، لا سيما اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان المشتركة ولجنة المال والموازنة، قام بواجباته في هذا الموضوع الأساسي، والمطلوب الآن إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة في الهيئة العامة».
وشدّد كنعان على أنه «إن لم يحصل التكامل بين القضاء والتشريع والمجلس النيابي، فسيذهب جهد العمل على القانون هباءً»، وأن «هذا التكامل يتطلب استقلالية القضاء، لذلك يعدّ قانون استقلالية القضاء أحد القوانين الأساسية التي تتابعها لجنة الإدارة والعدل، ويجب أن يقر قريباً». وعدّ كنعان أن أهمية قانون استعادة الأموال المنهوبة في أنه «يصدر بالتعاون الدولي بموجب معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد الواردة فيه، مما يفتح النظام القضائي اللبناني على الأنظمة المنضوية تحت سقف المعاهدة، وهو ما يسمح بقرارات وإجراءات جدية وعملية على صعيد التنفيذ».
بدوره، أوضح عضو لجنة الإدارة والعدل، النائب هادي حبيش، أنه «بإقرار قانون استعادة الأموال المتأتية من الفساد، قام النواب بنوع من الدمج مع (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) في إطار واحد» آملاً تفعيل هذه الهيئة.
ورغم إقرار المجلس النيابي عدداً من القوانين التي تعنى مباشرة بمكافحة الفساد، فإن لبنان لا يزال بعيداً عن محاسبة الفاسدين؛ بحسب ما يراه خبراء؛ «إذ إن هذه القوانين غالباً ما لا تُفعّل، أو تُفرّغ من محتواها».
ويرى الخبير القانوني الدكتور بول مرقص أن «إقرار قانون استعادة أموال الفساد يمكن أن يساعد في المضي في مكافحة الفساد؛ لأنه يضع آليات تنفيذية وأدوات وتقنيات ضرورية، ولكن الأهم هو النية الحقيقية في مكافحة الفساد واسترداد الأموال المنهوبة؛ إذ إن عدم وجود القانون بحد ذاته لم يكن يوماً عائقاً أساسياً في هذا المجال». ويشير مرقص في حديث مع «الشرق الأوسط» إلى أنه «كان بإمكان لبنان، لو كانت السلطة جادة في موضوع مكافحة الفساد، الاستفادة من اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لعام 2009 التي انضم إليها لبنان، والتي تتضمن آليات تعاون بين الدول في مجال استعادة الأموال، هذا فضلاً عن أن لبنان داخل في اتفاقية التبادل الضريبي لمنع التهرب الضريبي بين الدول في إطار (المنتدى الاقتصادي الدولي)». ويلفت مرقص إلى أنه «بعيداً حتى من الاتفاقيات الدولية، هناك قانون صادر في عام 2015 ينص على مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، ويحدّد الجرائم المالية وجرائم تجاوز السلطة بوضوح، ويمكن الاعتماد عليه لمحاسبة المتورطين، فضلاً عن إتاحة هذا القانون لهيئة التحقيق الخاصة في (مصرف لبنان) مخاطبة وحدات الإخبار المالي في الخارج لطلب معلومات فيما خصّ أموال الفساد المحوّلة».
ويوضح مرقص أن هيئة التحقيق الخاصة في «مصرف لبنان» يمكن أن «تتحرك إما بإشارة من النيابة العامة التمييزية، وإما إذا وصلت إليها مباشرة أي شبهات جدية حول حسابات أشخاص». ويعدّ أنه «ما دام لا توجد لدى المعنيين نية حقيقية للتضحية بزبائنهم سواء في السلطة التنفيذية والإدارة والقضاء والأمن، فلن تغير القوانين أي شيء، ولن يسترد لبنان فلساً واحداً من الأموال المنهوبة؛ حتى في حال إقرار القانون».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.