الصحافيات في غرف الأخبار... وجود «كثيف» وتمثيل قيادي محدود

بيئة العمل ومخاوف المسؤولية وضعف الأجور أبرز التحديات

الصحافيات في غرف الأخبار... وجود «كثيف» وتمثيل قيادي محدود
TT

الصحافيات في غرف الأخبار... وجود «كثيف» وتمثيل قيادي محدود

الصحافيات في غرف الأخبار... وجود «كثيف» وتمثيل قيادي محدود

تحديات كثيرة تواجهها الصحافيات في غرف الأخبار. ورغم «كثافة» مشاركة وتمثيل المرأة في غرف الأخبار، فإن ذلك «لم ينعكس على تمثيلها في المناصب القيادية ومراكز صنع القرار» الذي ظل «محدوداً»، بحسب مراقبين. «الشرق الأوسط» استطلعت آراء صحافيات عملن ويعملن في غرف أخبار متعددة، للتعرف على دورهن وإنجازاتهن، والتحديات التي تعيق وصولهن إلى مقعد القيادة.

وحول نسبة تمثيل الصحافيات في مواقع القيادة وصنع القرار، نشرت مؤسسة «رويترز لدراسة الصحافة» دراسة بمناسبة «يوم المرأة العالمي» العام الماضي، أظهرت أن «23 في المائة فقط من القيادات العليا في 200 مؤسسة إعلامية (تقليدية وإلكترونية) شملتها الدراسة في 10 مناطق مختلفة حول العالم كن من النساء، مع أن 40 في المائة من العاملين بهذه المؤسسات من النساء». وأشارت الدراسة إلى أن «غالبية مراكز صنع القرار الإعلامي يشغلها الرجال في جميع الدول، بما في ذلك البرازيل وفنلندا، حيث تزيد نسبة تمثيل النساء في سوق العمل عن الرجال». واختلفت النسب بين الدول، ففي حين «لا توجد أي قيادة صحافية نسائية في المؤسسات الكبرى باليابان، بلغت النسبة في جنوب أفريقيا 47 في المائة، كما أن دولاً مثل ألمانيا وكوريا الجنوبية التي تتمتع بتصنيفٍ عالٍ في مؤشر الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين لديهما عدد قليل من النساء بين القيادات العليا الصحافية».
الصحافية التونسية آسيا العتروس، رئيسة تحرير جريدة «الصباح» سابقاً، قالت لـ«الشرق الأوسط» عندما التقيناها إن «موضوع المرأة في المواقع القيادية أصبح موضوعاً يجري تناوله بشكل احتفالي كل عام، فيخضع للنقاش مع الاحتفال بيوم المرأة العالمي، وتسلط عليه الأضواء، ثم يعود إلى الأدراج مرة أخرى بانتظار الذكرى التالية. وهكذا نكتشف، عاماً بعد عام، أن الوضع لم يتغير، وأن حضور المرأة يظل مقيداً بكثير من العراقيل، منها ما يرتبط بالمرأة نفسها، ومنها ما يتعلق بالمحيط الذي تعمل فيه، والعقلية السائدة في المجتمع التي تنظر إليها بصفتها جندياً في الصف الثاني، وليس قائداً في الصف الأول».
وتضيف العتروس أن «موقع المرأة في غرف الأخبار كان -ولا يزال- في الصدارة عندما يتعلق الأمر بصنع الحدث، والحصول على المعلومة في كل الأوقات والظروف... إلا أن الأمر يختلف عندما يتعلق الأمر بالقيادة، إذ تظل النساء الأقل حظاً، رغم الكفاءة». وتتابع مشيرة إلى أن «المرأة عندما تتولى المسؤولية تتعرض لكل أنواع العداء، حتى من النساء أنفسهن... وبعد تجربة استمرت سنة ونصف السنة في رئاسة تحرير صحيفة (الصباح)، اخترت الاستقالة من المسؤولية».
ومن جهتها، قالت فاطمة فرج، المدير الإقليمي لبرنامج النساء في الأخبار بالمنطقة العربية، لـ«الشرق الأوسط» إن «النساء يتميزن بوجود كثيف فاعل في غرف الأخبار، لكنهن غير موجودات بالكثافة نفسها في المناصب القيادية ومقاعد صنع القرار. ثم إن هناك تفاوتاً في النسب بين الدول المختلفة حول العالم، وحتى بين المؤسسات الإعلامية نفسها، وبين ما يطلق عليه الإعلام البديل».
وأرجعت فرج ذلك إلى عدة أسباب، من بينها «النساء اللاتي لا يطرحن أنفسهن لتولي مناصب قيادية لأن لديهن مسؤوليات اجتماعية أخرى، والثقافة العامة في المجتمع التي قد لا ترى المرأة مناسبة لهذه المناصب، وعدم وجود آليات ومعايير محددة للترقيات داخل غرف الأخبار».
وتستطرد فرج موضحة: «تعد شبكة العلاقات الخاصة باتخاذ القرارات المهنية أحد العوامل التي تعيق وصول النساء لمقاعد القيادة... ومنها جلسات المقهى ما بعد العمل التي يصعب على النساء الحضور فيها، وعادة ما يجري فيها التنسيق للعمل، ما يجعل النساء خارج شبكة النفوذ».

- أميركا وبريطانيا
هذا الأمر ما أكدته الصحافية الأميركية جوديث ميلر، قائلة إن «هناك باستمرار تحيزاً ضد النساء في غرف الأخبار، ونقصاً في الثقة بين الصحافيات... لسنوات، لم تحصل المرأة على فرص متساوية فيما يتعلق بنوعية الموضوعات التي تكلف بتغطيتها أو التدريب». وتابعت ميلر لـ«الشرق الأوسط» شارحة: «على المستوى غير الرسمي، كانت المرأة بعيدة عن جلسات التشبيك على المقهى أو في المقصف التي عادة ما تكون الطريق للترقية للمناصب العليا».
إلا أن الإعلامية الأميركية تتابع مستدركة: «لكن الوضع اختلف الآن. عندما بدأت العمل بصحيفة (النيويورك تايمز) الأميركية قبل عقود، كنا 4 صحافيات فقط، مقابل 75 صحافياً من الرجال. أما اليوم، فإن نسبة 50 في المائة من العاملين في (النيويورك تايمز) صحافيات، وهو ما يزيد فرصهن في المستقبل، وقد حدث ذلك عندما تولت امرأة منصب رئيس تحرير الصحيفة، وإن جرى الاستغناء عنها بعد ذلك». تجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن جيل أبرامسون عينت عام 2011 في منصب رئيس التحرير التنفيذي لـ«النيويورك تايمز»، فباتت أول سيدة تشغل هذا المنصب منذ تأسيس الصحيفة عام 1851. ولكن عام 2014، أعلنت الصحيفة مغادرة أبرامسون المنصب، وحل محلها مدير التحرير دين باكيت.
أما في بريطانيا، فقد أصبحت كاثرين فاينر عام 2015 أول رئيس تحرير في تاريخ صحيفة «الغارديان» البريطانية العريقة التي أسست عام 1821. وفي نهاية 2019، اختيرت الصحافية اللبنانية - البريطانية رولا خلف لشغل منصب رئيسة تحرير صحيفة «الفايننشال تايمز» المرموقة، لتغدو أول امرأة تشغل المنصب منذ تأسيس الصحيفة عام 1888.

- الصعود في مصر
في مصر، كانت الصحافية منى رجب أول امرأة تحصل على منصب مدير تحرير في صحيفة «الأهرام» اليومية منذ تأسيسها عام 1867. وفي لقاء مع «الشرق الأوسط»، قالت عن تجربتها: «توليت منصب مدير التحرير عام 2009، وكنت أول امرأة تشغل هذا المنصب في تاريخ (الأهرام)... إن المرأة مطالبة ببذل جهد مضاعف للحصول على المنصب، وعادة ما يفضل تعيين الرجال، إذ لم يحدث أن تولت صحافية مصرية منصب رئيس تحرير صحيفة يومية، بل دائماً ما ترشح في مناصب في مجلات وصحف متخصصة بشؤون المرأة والديكور، باستثناء أمينة السعيد التي تولت رئاسة تحرير مجلة (المصور) في السبعينيات من القرن الماضي».
وأضافت رجب أنها «اعتمدت على موهبتها بصفتها كاتبة للوصول إلى هذه المناصب، فلم تكن صحافية فقط، بل دخلت (الأهرام) بصفتها كاتبة قصص»، معربة عن أملها في أن «تتولى الصحافيات مناصب قيادية داخل صحفهن في عصر أصبحت المرأة وزيرة ونائبة في البرلمان».
وبدورها، تؤكد فريهان الحسن، مدير تحرير ملحق «حياتنا» بصحيفة «الغد» الأردنية، أنه «لا يجوز للمرأة أن تستسلم للتحديات»، مضيفة لـ«الشرق الأوسط» أنه «لم أشعر بالتمييز طوال فترة عملي في الصحافة، إذ توليت منصب مديرة تحرير في جريدة (الغد)، ولدينا شخصيات نسائية شغلت مناصب قيادية في مؤسسات أخرى، منهن جمانة غنيمات التي شغلت منصب رئيس تحرير (الغد) لمدة 8 سنوات، وأصبحت لاحقاً وزيرة للإعلام».
وأشارت الحسن إلى أنه «قد يكون هناك تحديات في بعض المؤسسات تتعلق باختلاف الأجور بين الصحافيين والصحافيات، بحجة أن المرأة مشغولة بأسرتها، أو لا تستطيع السهر ليلاً، لكن هذا فهم نمطي خاطئ ينبغي تغييره ورفض الاستسلام له».
وللعلم، أسند إلى جمانة غنيمات منصب رئيس تحرير صحيفة «الغد» الأردنية عام 2012، وبذا كانت أول امرأة تتولى منصب رئيس تحرير صحيفة عربية. وبعدها، شغلت منصب وزيرة الدولة لشؤون الإعلام عامي 2018 و2019.
وفي المملكة العربية السعودية، تولت سمية الجبرتي عام 2014 منصب رئيس تحرير صحيفة «سعودي جازيت»، فباتت أول امرأة تتولى رئاسة تحرير صحيفة سعودية يومية. ثم في عام 2016 شغلت منى أبو سمرة منصب رئيسة تحرير صحيفة «البيان» اليومية الإماراتية، لتصبح أول امرأة تتولى هذا المنصب منذ تأسيس الصحيفة عام 1980.
فاطمة فرج تقول إنه «لا توجد إحصائيات رسمية عن مدى تمثيل النساء في غرف الأخبار في المنطقة العربية»، وتضيف: «غير أن تمثيل النساء في موقع القيادة بشكل عام يبلغ نحو 4 في المائة على مستوى العالم، في حين لا توجد إحصائيات واضحة عربياً، وهو ما يعمل برنامج النساء في الأخبار عليه حالياً». وتابعت أن «البرنامج يعمل على عدة مستويات، من بينها تعزيز قدرات المرأة نفسها، وتقديم خدمات استشارية للمؤسسات الصحافية، إضافة إلى التوعية بقضية التحرش، بهدف توفير بيئة عمل آمنة للنساء». ولفتت إلى أن «جائحة (كوفيد-19) أثرت على المهنة، وصناعة الإعلام ككل، وأصبح التركيز الآن منصباً على استدامة المؤسسات الإعلامية، وليس فقط تحقيق المساواة بين الجنسين، وإن كانت النساء أكثر تضرراً في الأزمة».
وحول موضوع التحرش، ترى جوديث ميلر أن «حملات مكافحة التحرش، وتوفير بيئة عمل آمنة للصحافيات، ونتائج حملة (مي تو)، رغم إيجابياتها، خلقت تحدياً إضافياً للنساء... إذ ازدادت الحساسية في التعامل مع الصحافيات بشكل عام، وهو ما أصبح عائقاً أمام تكليفها بمهمات معينة كي لا تتعرض للتحرش».


مقالات ذات صلة

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

المشرق العربي جنود إسرائيليون يقودون مركباتهم في منطقة قريبة من الحدود الإسرائيلية اللبنانية كما شوهد من شمال إسرائيل الأربعاء 27 نوفمبر 2024 (أ.ب)

إصابة مصورَين صحافيَين بنيران إسرائيلية في جنوب لبنان

أصيب مصوران صحافيان بجروح بعد إطلاق جنود إسرائيليين النار عليهما في جنوب لبنان اليوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي نازحون في أثناء عودتهم إلى قراهم بعد وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» الذي دخل حيز التنفيذ يوم الأربعاء 27 نوفمبر 2024... الصورة في أبلح شرقي لبنان (أ.ب)

«انتصار للبيت الأبيض»... صحف تحلل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان

رأى موقع «بوليتيكو» أن اتفاق وقف إطلاق النار «انتصار كبير للبيت الأبيض»، وقالت «نيويورك تايمز» إن بايدن يريد تذكّره بأنه وضع الشرق الأوسط على طريق تسوية دائمة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا خلال احتجاج نظمته حركة «طالبان» في أفغانستان (رويترز - أرشيفية)

إحصاء 336 اعتداءً ضد الصحافيين في 3 سنوات من حكم «طالبان» في أفغانستان

أفادت الأمم المتحدة، الثلاثاء، بأنها سجّلت 336 اعتداءً على صحافيين وعاملين في وسائل إعلام منذ عودة «طالبان» لحكم أفغانستان في أغسطس 2021.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
شمال افريقيا مبنى التلفزيون المصري في ماسبيرو (الهيئة الوطنية للإعلام)

تشكيلة جديدة للهيئات الإعلامية بمصر وسط ترقب لتغييرات

استقبلت الأوساط الإعلامية والصحافية المصرية، التشكيلة الجديدة للهيئات المنظمة لعملهم، آملين في أن تحمل معها تغييرات إيجابية.

فتحية الدخاخني (القاهرة)
المشرق العربي المسؤول الإعلامي في «حزب الله» محمد عفيف خلال مؤتمر صحافي بالضاحية الجنوبية لبيروت (أ.ف.ب) play-circle 00:40

محمد عفيف... صوت «حزب الله» وحائك سياسته الإعلامية

باغتيال مسؤول العلاقات الإعلامية في «حزب الله» محمد عفيف تكون إسرائيل انتقلت من اغتيال القادة العسكريين في الحزب إلى المسؤولين والقياديين السياسيين والإعلاميين.

بولا أسطيح (بيروت)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».