مصريون يستنشقون «زهور الربيع» بالكمامات

TT

مصريون يستنشقون «زهور الربيع» بالكمامات

للمرة الأولى في تاريخها، تستقبل أبواب حديقة الأورمان في مصر زوارها بلافتات تدعوهم فيها لارتداء الكمامات شرطاً لدخول «معرض زهور الربيع» المنعقد على أرضها، وهو الشرط الذي لم يمنع زوار المعرض في دورته الـ88 من استنشاق نسمات زهوره بشوق يكاد يكون أكبر من أي سنة ماضية.
فالمعرض الممتد على مساحة 28 فداناً يُعد حدثاً منتظراً يراه المصريون بشارة لربيع وشيك، خصوصاً أنه يتزامن كل عام مع منتصف شهر مارس (آذار)، قبيل الدخول الرسمي لهذا الفصل المنعش، إلا أن معرض هذا العام يحمل ذكرى ثقيلة من تركة العام الماضي بعد أن فرضت «كورونا» سطوتها على هذا الانعقاد التقليدي، إثر قرار وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تعليق فعالياته ضمن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الحكومة لمواجهة فيروس «كورونا».
وما زالت أصداء «كورونا» تتردد في معرض هذا العام الذي يشهد حضوراً كبيراً يتاخم اللافتات الموجودة في كل مكان التي تدعو إلى الالتزام بارتداء الكمامات، وتجنب الزحام، إلا أن الأفق الأخضر المزهر في كل صوب كان مُحرضاً للجمهور على التقاط الصور، واصطحاب الأطفال في نزهة، وأيضاً التحرر من الكمامات في بعض الأوقات، تلمساً للهواء الطلق ورائحة نسائم العشب التي تفوح مع ري رشاشات المزارعين.
«الإقبال مفاجئ بالنسبة لي»، يقول المهندس أحمد هلال، صاحب مزرعة هلال للصبارات والعصاريات، الذي يُعبر عن عدم توقعه للإقبال الجماهيري الكبير على المعرض هذا العام بسبب تداعيات كورونا، ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن أحداث العام الماضي كانت صعبة بالنسبة لكل العارضين الذين قاموا بالاشتراك في المعرض قبيل أزمة كورونا، وقاموا بنقل مزروعاتهم لأرض حديقة الأورمان، وبعد يومين فقط صدر قرار تعليق المعرض، في إطار الإجراءات الاحترازية التي سادت في مارس (آذار) الماضي، مشيراً إلى أن «الجمهور مُقبل على شراء النباتات، وكثافة حضوره مرتفعة من الساعات الأولى لليوم حتى نهايته. ويبدو أن ذلك مؤشر على أن الناس قد ملت من أجواء كورونا على مدار عام، ووجدت في المعرض المفتوح فرصة للانطلاق».
وفي حين تصطحب دينا محمد، الطالبة بكلية الصيدلة جامعة القاهرة، صديقاتها في جولة داخل معرض الزهور وهي تحمل أصيصاً من نبات «النعناع»، وتقول لـ«الشرق الأوسط» إن زيارة معرض الزهور طقس اعتادت على تكراره منذ طفولتها مع عائلتها، وإنها وصديقاتها اللاتي يدرسن في كلية الصيدلة يقمن بجولة من أجل اقتناء نباتات وزهور لعيد الأم، حيث توضح: «أحضر كل عام من هنا شتلة زهور أو نباتات عطرية من أجل عيد الأم الذي يتزامن مع المعرض».
ويُعد معرض زهور الربيع في مصر ملتقى يجمع معارض متنوعة، تشمل نباتات الزينة والزهور والصبارات وتنسيق الحدائق والمستلزمات الزراعية، ويشارك هذا العام أكثر من 200 عارض داخل حديقة الأورمان التي أنشئت عام 1875، والتي تضم مجموعة نادرة من الأشجار والنخيل، وتعد من أكبر وأقدم الحدائق النباتية في العالم.
وتمتد فعاليات المعرض حتى منتصف أبريل (نيسان) المقبل، أي قبيل شهر رمضان الكريم هذا العام، ما جعل بعض الأجواء الرمضانية تُخيم على الأجواء، وهو ما يمكن أن تسمع أصداءه في نداءات باعة عارضي المنتجات «الأسوانية» المشهورين ببيع البلح بأنواعه كل عام في معرض الزهور، إلا أن اقتراب شهر رمضان جعل أحمد حمدي، البائع في معرض منتجات أسوان، يقول: «من حسن حظنا أننا نقترب من شهر رمضان، ما يجعل لمبيعات البلح سوقاً أكبر، وربما هو تعويض لنا على عدم انعقاد المعرض العام الماضي بسبب كورونا».
وأصبح من تقاليد معرض الزهور منذ سنوات أن يشارك باعة البلح والعسل في المعرض، بصفتهما مبيعات مرتبطة بالزراعة، وتشهد تلك الأجنحة إقبالاً من رواد المعرض الذين يجدون في المعرض مكاناً يتيح الفرصة للتنزه وشراء الزهور، وكذلك بعض المنتجات الغذائية، وربما المرور على عارضي الخزف والفخار الذين تتلاقى بضائعهم، من أصص وأحواض زراعة، مع عالم النباتات اللانهائي الجمال.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».