قال رئيس حكومة سابق بأن رئيس الجمهورية ميشال عون يسعى للعودة بلبنان إلى الانتكاسات السياسية والأمنية التي خلفتها حروب التحرير والإلغاء التي شنّها ضد معارضيه من مسيحيين ومسلمين أثناء توليه رئاسة الحكومة العسكرية عام 1989، والتي مكّنت النظام السوري من بسط هيمنته على البلد من خلال العملية العسكرية التي استهدفته، واضطر إلى اللجوء إلى السفارة الفرنسية، وإلا لم يكن مضطراً إلى مخاطبة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري بلهجة أقل ما يقال فيها بأنها تهديدية؛ لأنها تتعارض مع التخاطب الواجب اعتماده بين أركان الدولة.
ولفت رئيس الحكومة السابق الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الظروف التي كانت سائدة أثناء تولي عون رئاسة نصف حكومة عسكرية غير تلك القائمة حالياً، خصوصاً لجهة أن الانقسام السياسي مع وجوده على رأس الدولة لم يعد طائفياً كما كان في السابق، وبالتالي فهو قرر أن ينقلب على نفسه، وأن يبادر لدعوته إلى بعبدا للبحث عن مخرج لتعبيد الطريق أمام ولادة الحكومة من دون أن يُقرن دعوته بإصدار «مذكرة جلب» له لا تليق بموقع الرئاسة الأولى.
وأكد: لو افترضنا أن لدى عون حسن النيّة، فإن استخدامه اللهجة التهديدية التي أراد منها أن يضع الحريري أمام خيارين: إما الاعتذار أو التسليم بشروطه، ألحقَ به الضرر محلياً وإقليمياً ودولياً؛ لأن ليس في مقدور أي عاقل أن يدافع عن موقفه الذي تجاوز فيه كل الأصول، وصولاً إلى الانقلاب على اتفاق الطائف؛ لأن لا صلاحية له لسحب التكليف منه ولا في خرق الدستور.
وسأل رئيس الحكومة السابق: لماذا لم يبادر عون إلى دعوة الحريري للقائه في بعبدا منذ أن أحجم عن الإجابة على العرض المتعلق بتشكيل الحكومة الذي أودعه إياه في اجتماعهما السادس عشر؟ وقال: ألم يكن من الأفضل له معاودة التواصل في حينه بدلاً من لجوئه للتهويل واتباع سياسة «تهبيط الحيطان» ليس على الحريري فحسب، وإنما على جميع المعنيين بتشكيل الحكومة الذين فوجئوا بتصرّفه وكأن الأمر له، وكانوا يتوقعون منه دعوتهم للحوار في بعبدا التي يمكن أن تشكّل إحراجاً له إذا لم تفتح الباب أمام إعادة خلط الأوراق السياسية.
ورأى بأن الحريري كان محقاً في الرد على عون بمعادلة قوامها التلازم بين اعتذاره عن التأليف وبين الدعوة لإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وقال: إذا كان عون يتوخى من رفع «البطاقة الحمراء» في وجه الحريري الذهاب في تصعيده لتمرير رسالة إلى اللبنانيين بأن ضغطه دفع باتجاه تسريع ولادتها تحت عنوان «اشتدي أزمة تنفرجي»، فإنه لم يحسن التخاطب وسيرتد عليه سلباً؛ لأنه يقحم نفسه في مواجهة مع البرلمان الذي كان سمّاه لتشكيل الحكومة.
وتوقف أمام إجراء مقارنة بين ما فعله رئيس الجمهورية السابق فؤاد شهاب أثناء وجوده في قيادة الجيش عندما اضطر الرئيس بشارة الخوري إلى التنحّي تحت ضغط «الجبهة الاشتراكية الوطنية»، فدعا فوراً إلى انتخاب رئيس جديد في حينها هو كميل شمعون بدلاً من أن ينصّب نفسه بالقوة رئيساً للجمهورية كما فعل عون عام 1989 بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل.
وقال إن عون انقلب على نفسه مع أنه صاحب المصلحة في الحفاظ على الاستقرار، وراح بدلاً من أن يوقف تعطيله لتشكيل الحكومة يخطط للإطاحة بالحريري متحدّياً بموقفه التأييد النيابي له الذي سيدفع به لخوض معركة سياسية مع البرلمان، يدرك سلفاً بأن نتائجها ستنقلب عليه، خصوصاً بعدما أخفق فريقه السياسي في تحريض الشارع المسيحي على الرئيس المكلّف بذريعة مصادرته لتمثيله في الحكومة.
وفي هذا السياق، رأى مصدر نيابي بارز، أن عون أقدم على دعسة ناقصة ألحقت به الخسارة السياسية في الشكل والمضمون، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن لبنان لا يُحكم بالتسلط ولا بالنبرات العالية، ولا بالتلويح بانقلاب ثانٍ على غرار انقلابه الأول عام 1989 أو برفض كل المبادرات رضوخاً لإصرار وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل على تسخير المقدّرات الرئاسية لتعويم طموحه الرئاسي الذي أخذ يتضاءل، إن لم يكن أصبح متعذّراً عليه بأن يكون في عداد المنافسين، هذا إذا استطعنا إنقاذ البلد لئلا نطيح بالجمهورية، ولن يكون من داعٍ لانتخاب من يخلف عون الذي لن يسأل نفسه عن أسباب إخفاقه في تحقيق ما تعهد به.
وسأل: هل يكفي أن يرمي عون المسؤولية على الآخرين ويحمّلهم وزر تعطيل تشكيل الحكومة بدلاً من أن يوقف انقلابه على نفسه؟ لأنه لا يعقل لرئيس أن يمارس سياسة الانتحار الذي سينسحب حكماً على شل قدرة البلد على الخروج من أزماته بعد أن أقفل الباب في وجه المبادرة الفرنسية.
كما سأل كيف يمكن لعون أن يفك الحصار الذي فرضه على نفسه بملء إرادته؟ وهل ارتأى الذهاب إلى التصعيد بعد أن أخفق الرهان على حصول تطورات تعفيه من التزامه الإعلامي بالمبادرة الفرنسية، واكتشف لاحقاً أنه يغرّد خارج الإجماع الدولي والإقليمي الداعم لمبادرة الرئيس إيمانويل ماكرون.
واعتبر بأن عون أخطأ في توقيته بفتح النار على الحريري الذي لا يزال يلتزم بخريطة الطريق الفرنسية، وقال بأن تحديد المواصفات والمعايير لتشكيل الحكومة ليست حكراً على رئيس الجمهورية ما دام أن المسؤولية تقع على رئيس الحكومة الذي يخضع وحده لمساءلة البرلمان الذي سمّاه لتأليفها، وأكد بأن عدم استجابته للدعوات التي انصبّت عليه للتواصل مع الحريري تكمن في إصراره على مقولته التي كان يرددها عام 1989 وخلاصتها أنا أو لا أحد. ولفت المصدر النيابي إلى التوقيت الذي اختاره عون ليقلب الطاولة ليس على الحريري فحسب، وإنما على البلد، وسأل: ماذا سيقول لوفد «حزب الله» العائد من موسكو؟ مع أن عون استبق الخطاب الأخير ليل أمس لأمين عام الحزب حسن نصر الله بموقف تصعيدي يفترض أنه أفقده الأوراق السياسية التي تسمح له بالتدخل.
ويبقى السؤال كيف سيتصرف نصر الله؟ وهل سيبادر للالتفاف على تصعيد حليفه عون لأن لا مصلحة له في توفير الغطاء السياسي الداعم له لئلا يفقد القدرة على التحرك في محاولة منه لإصلاح ذات البين، مع أن عون تعمّد حرق كل أوراقه مع الرئيس المكلف استجابة لـ«شهوات» فريقه السياسي الذي لا يريده رئيساً للحكومة.
عون يقلب الطاولة... والحريري يدعوه للخروج معاً
عون يقلب الطاولة... والحريري يدعوه للخروج معاً
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة