المجلس الرئاسي يُسلّم السلطة إلى الحكومة الليبية الجديدة

اتفاق «5+5» على حصر «المرتزقة» بهدف إبعادهم من البلاد

السراج يتوسط الدبيبة والمنفي خلال مراسيم تسليم وتسلم السلطة في طرابلس أمس (المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة)
السراج يتوسط الدبيبة والمنفي خلال مراسيم تسليم وتسلم السلطة في طرابلس أمس (المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة)
TT

المجلس الرئاسي يُسلّم السلطة إلى الحكومة الليبية الجديدة

السراج يتوسط الدبيبة والمنفي خلال مراسيم تسليم وتسلم السلطة في طرابلس أمس (المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة)
السراج يتوسط الدبيبة والمنفي خلال مراسيم تسليم وتسلم السلطة في طرابلس أمس (المكتب الإعلامي لحكومة الوحدة)

دخلت ليبيا أمس مرحلة جديدة، بعدما تسلم المجلس الرئاسي الجديد، بقيادة محمد المنفي، ورئيس حكومة «الوحدة الوطنية»، عبد الحميد الدبيبة، السلطة رمزياً من حكومة «الوفاق»، برئاسة فائز السراج، في مراسم احتضنتها العاصمة طرابلس.
وجرت مراسم تسليم وتسلم شكلية بمقر الحكومة في قاعدة أبو ستة البحرية بالعاصمة، حيث ودع الدبيبة والمنفي السراج حتى سيارته، التي قادها بنفسه، عقب اجتماع مقتضب، مغادرا مبنى رئاسة الوزراء بعد تسليم السلطة.
واعتبرت حكومة «الوحدة» في بيان لها بالمناسبة أن المراسم، التي تمت بـ«لحظة تاريخية»، «ترسم ملامح الدولة المدنية المنشودة، وتحقق تطلعات الشعب الليبي في الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة».
وقال المنفي في كلمته: «نرى اليوم مشهدا تاريخيا يرسخ مبدأ التداول السلمي على السلطة»، مضيفا: «سنصل في نهاية العام لتسليم السلطة لليبيين لاختيار من ينوب عنهم».
من جهته، تعهد الدبيبة باستكمال ما بدأته حكومة السراج، بما فيه صالح الليبيين، وأشاد بعمل الحكومة بمحاسنها وأخطائها التي اُرتكبت دون قصد، نظرا لصعوبة المرحلة، وقال: «عازمون على الإصلاحات في المرحلة القادمة».
من جهته، اعتبر السراج أن الاتفاق على حكومة «وحدة وطنية» هو مدخل للأمن واستقرار الدولة، وتمنى التوفيق للمجلس الرئاسي الجديد والحكومة في أداء المهام الموكلة إليهم، مدافعاً عن فترة ولايته، بالقول إن حكومته «نجحت في حل كثير من المختنقات، وعانت كثيرا من المصاعب بسبب التدخلات الخارجية»، مبرزا أن الحرب فاقمت أزمة الكهرباء، وتسببت في خروج الشركات الأجنبية من البلاد.
وكان السراج قد حظي لدى عودته، مساء أول من أمس، من زيارة إلى تركيا بآخر استقبال رسمي له، شارك في مراسمه وزراء حكومته في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس.
بدوره، اعتبر خالد مازن، وزير داخلية حكومة «الوحدة» في تصريح أمس، أن ليبيا تشهد مرحلة حاسمة من تاريخ ليبيا نحو الاستقرار، وتعهد بالعمل من أجل بسط سيطرة الدولة على ربوع ليبيا كافة.
من جهته، وصف فتحي باشاغا، وزير الداخلية بحكومة «الوفاق»، لحظة تسليم السلطة بأنه «يوم تاريخي، تجسدت فيه أرقى معاني الديمقراطية، ومبادئ استمرار الدولة والتداول السلمي على السلطة»، ونبه الطامحين في ممارسة العمل السياسي إلى أن «ليبيا لم تعد كما كانت، ولا يمكن أن يحكمها أحد بالقوة».
في غضون ذلك، أعلنت اللجنة العسكرية المشتركة، التي تضم ممثلي «الجيش الوطني» وقوات حكومة «الوفاق» (5+5)، عن الاتفاق على حصر «المرتزقة» الأجانب وجنسياتهم، وأماكن وجودهم، بغرض إخراجهم من الأراضي الليبية. وكررت مطالباتها لمجلس الأمن الدولي بإلزام الدول المسؤولة عن هؤلاء «المرتزقة» بسحبهم فورا.
كما أعلنت اللجنة عن اجتماع قريب لتقييم الجاهزية لفتح الطريق الساحلي في مدة أقصاها أسبوعان، مشيرة إلى قرب الانتهاء من جميع المتطلبات اللازمة لفتح الطريق، وقالت إنها استكملت مباحثاتها مع الفريق الأممي حول عمل المراقبين الدوليين على الأراضي الليبية.
وكان الدبيبة قد اجتمع مساء أول من أمس مع أعضاء اللجنة بمدينة سرت، بهدف الوقوف على احتياجاتها، وبحث خطة تأمين الطريق الساحلي بعد فتحه، وقال مكتبه إن الاجتماع ناقش أيضا مسألة إخراج القوات الأجنبية، ودعم اللجنة بكل ما يلزم لدعم مسار توحيد الجيش الليبي.
في شأن آخر، قال القائد العام لـ«الجيش الوطني» المشير خليفة حفتر، إن قواته ستتدخل لضبط الأمن، موضحا أنه سيتم الضرب بيدٍ من حديد لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن في مدينة بنغازي بشرق البلاد.
وأضاف مكتب حفتر أنه ناقش لدى اجتماعه، مساء أول من أمس، بمقره مع وفد من قبيلة العواقير مواضيع، تتعلق بسير الأمور المعيشية في مدينة بنغازي وضواحيها، مشيرا إلى أن حفتر أصدر تعليماته المُباشرة بشأن تعزيز ضبط الأمن ومنع جميع المظاهر، التي تساعد على الخروقات الأمنية، وأنه لا تتم أي عملية اعتقال إلا عن طريق الجهات القضائية المخولة بذلك، وأن يكون الاحتجاز داخل سجون الدولة المُختصة.
وكانت مكونات برقة قد طالبت بفتح تحقيق في كل «الأعمال الإرهابية»، التي هزت الشارع في بنغازي، ودعت في بيان لها إلى الكشف عن جميع السجون السرية، ومعرفة مصير كل المختطفين ومعاقبة من قاموا بالخطف أو أمروا به، مطالبة أيضا بإخراج الكتائب والتشكيلات العسكرية من بنغازي، وتسلم وزارة الداخلية تأمين المدينة.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.