روائح الفل والطيب والبخور تفوح من قلب عدن

عادل عدنان أمام بسطته في «ميدان الفل» بعدن (الشرق الأوسط)
عادل عدنان أمام بسطته في «ميدان الفل» بعدن (الشرق الأوسط)
TT

روائح الفل والطيب والبخور تفوح من قلب عدن

عادل عدنان أمام بسطته في «ميدان الفل» بعدن (الشرق الأوسط)
عادل عدنان أمام بسطته في «ميدان الفل» بعدن (الشرق الأوسط)

تحت مظلة وسط الحي القديم بمدينة عدن وفي ساحة تعرف باسم «ميدان الفل»، يجلس عادل عدنان مع زملائه خلف طاولات عقود الفل المعروض بأحجام مختلفة، حتى يختار الزبائن ما يروق لهم. وفي الجهة المقابلة لطاولات باعة الفل تنتشر متاجر بيع أدوات التجميل التي يتصدرها البخور العدني الشهير وغيره من خلطات الطيب والعطور النسائية.
الشاب عادل يعمل هنا منذ سنوات ويعتمد على بيع عقود الفل في الحصول على متطلبات الإنفاق على نفسه وأسرته. ويقول لـ«الشرق الأوسط» وهو يبتسم: «يوم عن يوم يختلف العائد، لكن الخميس والأعياد هي الأكثر بيعاً، حيث أصبح تقليداً أسبوعياً أن يشتري الرجال عقود الفل لنسائهم، والنساء أيضاً يقبلن على شراء عقود الفل في عطلة نهاية الأسبوع».
ويضيف: «في الشتاء تكون أسعار الفل أغلى من الصيف؛ لأن الصيف يكون الإنتاج أكثر. ويوجد نوعان من الفل؛ أحدهما اللحجي نسبة إى محافظة لحج، والآخر حديدي نسبة إلى محافظة الحديدة».
ومع التوسع الكبير لمدينة عدن أصبحت هناك مراكز لبيع هذه الزهرة، ومعها أيضاً زهور عطرية أخرى، مثل الكادي والخوعة، في كل مديرية تقريباً. وتبقى مواسم الأعراس الأكثر إدراراً للدخل؛ حيث تبلغ قيمة العقد الواحد نحو 50 دولاراً، وقد يزيد هذا السعر مع زيادة حجم وشكل العقود التي تطلب في مثل هذه المناسبات. واتسعت قاعدة الطلب على عقود الفل لتشمل حفلات التخرج في المدارس والجامعات. ولأن العطور المستوردة لا تغني النساء عن أنواع البخور والزهور وخلطات الطِيب المحلية؛ فإن الطلب على هذه المنتجات يزداد كل يوم، ويلقى رواجاً في أوساط مختلف الشرائح العمرية، كما أصبح البخور والطيب ملازمين لعقود الفل، مضافاً إليها العطور المستوردة الفاخرة. وتتعدد أنواع أقراص البخور تبعاً للتركيبة التي يتم عملها منها، وبالمثل تتحدد أسعارها؛ إذ إن صناعة البخور حرفة متوارثة منذ عقود طويلة وحافظت على جودتها وتميزها. وتقول شذى؛ وهي ربة بيت في العقد الخامس من العمر، لـ«الشرق الأوسط» إن صناعة البخور المميز لا تزال في المنازل، وتقوم بها كثير من النساء بصفتها مصدر دخل مهماً لتلك الأسر، وغالباً ما يكون لديها زبائنها المعروفون أو أن تتعامل مع أحد محال بيع العطورات وأدوات التجميل ويتولى هو بيع أقراص البخور مقابل عمولة يُتفق بشأنها.
وعن كيفية صناعة أقراص البخور تقول: «نستخدم لصناعة البخور (السكر النباتي) والورد الطائفي والعنبر والعود والمسك والظفر، وهو عبارة عن محار يغسل وينظف وينقع في الحناء ثم يطحن ويستخدم في صناعة البخور، إلى جانب العفص والعطور المركزة؛ حيث توضع هذه الخلطة على النار ويضاف إليها ماء ورد مع السكر، ثم تضاف العطور المركزة وتترك الطبخة بضع دقائق وتؤخذ وهي سائلة وتصب سريعاً في أطباق مدهونة بالعطر وتترك حتى تجف، ثم تغلف وتباع».
وعن أنواع البخور، تقول إن «العرائسي» هو الأغلى سعراً وأكثر طلباً؛ حيث تستخدم في صناعته مواعد غالية الثمن، مثل العود الفاخر والعطور، ويصل سعر القرص منه إلى 50 دولاراً.
وهناك البخور العادي، الذي يستخدم عادة في المنزل، وتستخدم في صناعته مواد رخيصة الثمن، ولهذا فسعره لا يتجاوز 10 دولارات.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».