ناشطون يسابقون الزمن لإنقاذ أرشيف الحرب السورية على الإنترنت

TT

ناشطون يسابقون الزمن لإنقاذ أرشيف الحرب السورية على الإنترنت

منذ أيام النزاع الأولى في سوريا، وثق الشاب المعتز بالله مقاطع فيديو تروي يوميات الحرب، من غارات قوات النظام الجوية حتى صعود المتطرفين. لكنّ جهده ذهب سدى بعدما حذف برنامج تشغيل ذاتي عام 2017 أرشيفه الشخصي عن الإنترنت.
واعتبر البرنامج الإلكتروني أن محتوى مقاطع الفيديو يخرق معايير موقع «يوتيوب»، لما تتضمّنه من مشاهد عنف. وبعكس فيديوهات كثيرة تمكن ناشطون من استعادتها، لم يكن ممكناً إنقاذ أرشيف المعتز بالله، الناشط الذي اعتقله تنظيم «داعش» عام 2014 في الرقة وأعدمه جراء نشاطه التوثيقي.
ويخشى خبراء وناشطون خسارة أبرز الأدلة التي وثقت أسوأ النزاعات في القرن الحالي مع دخول الحرب عامها العاشر، ورغم الجهود الضخمة لحفظها. ويقول سرمد جيلان، صديق المعتز بالله، لوكالة الصحافة الفرنسية، عبر الهاتف من ألمانيا: «لم تكن مجرد فيديوهات تمّ حذفها، بل هي أرشيف كامل لحياتنا». ويضيف جيلان، وهو أحد مؤسسي حملة «الرقة تُذبح بصمت»، المنصة الأبرز التي وثّقت انتهاكات تنظيم «داعش» في مدينة الرقة، معقل الجهاديين السابق في سوريا: «تشعر كأن جزءاً من ذاكرتك المرئية مُحي» تماماً.
على غرار شركات أخرى، أطلق «يوتيوب»، المنصة التي استخدمها معظم الناشطين السوريين لتحميل مقاطع الفيديو، في 2017، برنامج تشغيل ذاتي لرصد وحذف أي محتوى يعارض المعايير المعتمدة من المنصة، كمشاهد العنف والدماء. فأزال مئات آلاف المقاطع المصورة في سوريا.
وكانت هذه المقاطع المصورة قد وثّقت الضربات الجوية التي نفّذتها قوات النظام على معاقل الفصائل المعارضة، وما خلّفته من قتلى وجرحى في صفوف المدنيين والأطفال ومن دمار. ونقلت للعالم مشاهد قاسية من هجمات بأسلحة كيميائية اتُّهمت دمشق بشنّها. كما أظهرت وحشية الجهاديين الذين استولوا على مناطق واسعة في سوريا ونفّذوا إعدامات غير مسبوقة.
وشكّلت مقاطع الفيديو التي التقط معظمها شبان سوريون على الأرض، مرجعاً لصحافيين ومحققين للاطلاع على ما يجري في بلد يشهد نزاعاً تعددت أطرافه ولم يكن دخول صحافيين مستقلين إليه متاحاً في كل المراحل. ويقول جيلان: «تشكل الفيديوهات جزءاً من ذاكرة شعب كامل. كل مقطع يذكّرنا بكل قذيفة استهدفتنا، بتاريخ الحدث، حتى بما شعرنا به يومها».
وبعدما حذف «يوتيوب» قبل أربع سنوات محتوى حملة «الرقة تُذبح بصمت»، تمكن القيّمون عليها، وفق جيلان، من استعادته بمساعدة من مبادرة «الأرشيف السوري».
وتهدف المبادرة، وفق موقعها الإلكتروني، إلى الحفاظ على «الوثائق المتعلّقة بانتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الأخرى المُرتكَبة من جميع أطراف النزاع في سوريا بهدف استخدامها في قضايا المناصرة والعدالة والمساءلة القانونية».
وتعد المبادرة أحد مشاريع منظمة «مينوميك» الدولية لأرشفة المواد الرقميّة المُهدّدة بالاختفاء. وتمكنت منذ عام 2017، من إنقاذ أكثر من 650 ألف مقطع مصور على «يوتيوب»، وهو جزء بسيط جداً مما تمّ حذفه. وحسب ضيا كيالي من المنظمة، «ثمّة شعور حقيقي لدى من يعمل في مجال التحقيقات عبر المصادر المفتوحة بأنه يصار إلى إزالة التاريخ السوري (...) إنها عملية نزف ثابتة ومستمرة لمجموعة أدلة».
بعد مقارنة مقاطع الفيديو المحفوظة لدى «الأرشيف السوري» بتلك المتوفرة إلكترونياً، تبين وفق كيالي، أن ربع المحتوى الموثّق لم يعد موجوداَ على «يوتيوب».
ويمكن للوضع أن يتفاقم. فقد توصّل نوّاب في الاتحاد الأوروبي نهاية العام الماضي إلى اتفاق أوّلي يفرض قواعد أكثر تشدداً على منصات التواصل الاجتماعي الكبرى بينها إزالة أي مواد تعد مسيئة خلال ساعة واحدة فقط من نشرها.
وفي حال تطبيق هذه القواعد، ستزداد محاولات إنقاذ المحتوى السوري صعوبة، ما يدفع المعنيين إلى «أرشفة أي مادة بمجرد أن نجدها»، وفق كيالي.
ويعتمد «يوتيوب» على برامج ذاتية التشغيل فضلاً عن مراقبين لرصد المحتوى. لكن تفشي فيروس «كورونا» دفع الموقع، وفق آخر تقاريره، إلى الاعتماد بشكل أكبر على البرامج للتقليل من عدد الموظفين في المكاتب. ويعني ذلك أن الموقع قد يحذف أحياناً «محتوى قد لا يشكل انتهاكاً لسياساتنا».
ورصدت البرامج الذاتية التشغيل 8,8 مليون شريط فيديو من أصل أكثر من تسعة ملايين أزالها الموقع في الفصل الأخير من عام 2020. حُذف نحو 36% منها قبل حتى أن يشاهدها مستخدمو «يوتيوب». ويوضح متحدث باسم «يوتيوب» لوكالة الصحافة الفرنسة: «حين نُبلغ عن أي فيديو أو حساب حُذف عن طريق الخطأ، نعمل سريعاً على إعادته». لكن رغم الحذف، يحفل الإنترنت بأرشيف كبير عن سنوات الحرب. ويقول نيك ووترز من موقع «بيلينغ كات» المختص بالتحقيقات عبر المصادر المفتوحة: «لدينا كمية مشاهد من الحرب السورية أطول من الحرب نفسها».
وأسهم النزاع السوري في تحويل «بيلينغ كات» إلى أحد أبرز المراجع التي تعتمد على المصادر المفتوحة، بعدما عمد إلى تحليل صور ومشاهد من سوريا للتحقيق في مزاعم حول هجمات كيماوية.
ولجأت منظمة حظر الأسلحة الكيماوية ومنظمات حقوقية عدة إلى المصادر المفتوحة للتحقيق في صحة هذه الهجمات.
ويقول ووترز إن المحتوى الذي يحمّله شخص ما مهم لناحية تحديد «ما الذي حصل، متى وأين»، لكنه قد لا يكون على هذا القدر من الأهمية حين يتعلق بالإجابة عن سؤالين: «لماذا ومن المسؤول؟» ويرى خبراء أن الصور والفيديو والمعلومات التي نشرها مواطنون على مواقع التواصل الاجتماعي قد تلعب دوراً في المستقبل كأدلة لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات.
ويقول ووترز: «كل فيديو أو صورة... عبارة عن حقيقة رآها شخص ما». ويضيف: «عبر حذف مقاطع الفيديو، خصوصاً تلك العائدة لأشخاص قُتلوا... يُدمر أكبر مواقع التواصل الاجتماعي الأدلة».



انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.