وجه مشرق للوباء... قرية إسبانية تنتعش مع عودة عائلاتها

قبل الجائحة كانت مدرسة القرية على وشك الإغلاق (نيويورك تايمز)
قبل الجائحة كانت مدرسة القرية على وشك الإغلاق (نيويورك تايمز)
TT

وجه مشرق للوباء... قرية إسبانية تنتعش مع عودة عائلاتها

قبل الجائحة كانت مدرسة القرية على وشك الإغلاق (نيويورك تايمز)
قبل الجائحة كانت مدرسة القرية على وشك الإغلاق (نيويورك تايمز)

كانت القلعة التي تعلو التل فوق قرية «جوسول» من أروع القلاع على طول الحدود الإسبانية الفرنسية بإطلالتها على المزارع الخصبة والغابات الغنية بالأخشاب التي تمتد حتى قمم الجبال الملبدة بالغيوم. ولكنّها وصلت إلى حالة مزرية. والعام الماضي أيضاً كانت تمر بأوقات عصيبة بعد أن لوحظ تراجع تعداد سكان البلدة في كل إحصاء جرى منذ الستينات. كانت المدرسة على وشك الإغلاق بسبب نقص الطلاب حتى أنّ العمدة ظهر على شاشة التلفاز مناشداً مواطنيه: «تعالوا إلى جوسول وإلا ستختفي المدينة».
كان الوباء سبباً لكي يستجيب الإسبان ويحزموا حقائبهم إلى جوسول. وكان من بينهم غابرييلا كالفار (37 عاماً)، التي كانت تمتلك حانة في بلدة شاطئية بالقرب من برشلونة، لكنّها شاهدتها تنهار خلال عمليات الإغلاق العام الماضي، وقررت الانتقال إلى البلدة وسط الجبال لبدء حياة جديدة. ووجدت ماريا أوتيرو، مصممة الويب، أنّها تستطيع العمل عن بعد وأحضرت زوجها وأطفالها الثلاثة إلى جوسول، حيث وُلد أجدادها، حيث كانت تقضي عطلة الصيف في حلب الأبقار.
كان هذا هو الجانب المشرق وسط وقت مضطرب، فقد توافد ما بين 20 أو 30 وافداً جديداً إلى بلدة متضائلة لا يتعدى سكانها 140 شخصاً، لتحصل المدرسة الصغيرة في ساحة البلدة على فرصة حياة ثانية بعد أن شرع الآباء في تسجيل أطفالهم هناك.
قال جوزيب توماس بويغ (67 عاماً)، ساعي البريد المتقاعد في جوسول الذي قضى حياته يشاهد جيل الشباب يغادر إلى المدن الإسبانية، إنّه «لولا كوفيد لكانت المدرسة قد أغلقت. وإذا أغلقت المدرسة، فستغلق المدينة أيضاً».
لم تكن جوسول أول قرية في البلاد على وشك الاندثار. ففي إسبانيا، ولعقود طويلة، باتت المناظر الطبيعية للمدن المحاطة بالأسوار والجسور الحجرية والطرق المتعرجة القديمة مهجورة في الغالب في ظل رحيل أجيال من الشباب إلى المدن. فعبارة La España VacíaK، أو «إسبانيا الفارغة»، عبارة صيغت لوصف الآفة.
ورغم ذلك، فإنّ «جوسول» الصغيرة كانت أفضل حالاً من غيرها، حسب السكان. تقع البلدة في منطقة كاتالونيا التي تتمتع بالحكم الذاتي، وسط واد مهيب في «جبال برانيس» التي جلبت السياح والمقيمين بدوام جزئي في أشهر الصيف. كان الرسام العالمي بابلو بيكاسو من بين أشهر المستأجرين البارزين حيث وصل عام 1906. عندما كان عدد سكان البلدة نحو 745 ساكناً. ورسم الفنان الكثير من أعماله الشهيرة «فترة الورود» في جوسول، ضمن سلسة أعمال انتشرت خلال تلك الفترة عرفت باسم «عيد غطاس الإلهام».
لكن عيد الغطاس لم يكن كافياً لإبقاء بيكاسو هناك فقد غادر جوسول قبل نهاية العام، وكذلك فعل كثيرون آخرون في العقود التي تلت ذلك.
وبحلول عام 2015. أصبح الوضع حرجاً، فقد كان عدد المقيمين الدائمين 120 واستمر في الانخفاض وظهر رئيس البلدية في التلفاز محذراً من أنّ المدرسة على وشك الإغلاق بعد أن باتت تضم خمسة طلاب، وطلب من عائلات شابة في مناطق أخرى الانتقال إليها.
كان رافائيل لوبيز، رائد الأعمال السابق في مجال الطاقة المتجددة الذي انهارت أعماله في أزمة إسبانيا المالية لعام 2008، مهتماً بذلك، إذ قال: «قالت أمي إنّها شاهدت ذلك في التلفزيون»، وقالت: «قلت حسناً، ماذا ستقول إذا أخذنا السيارة وذهبنا لنلقي نظرة. انظر ماذا يوجد هناك؟».
خلال الأشهر التالية، جاء مئات الأشخاص إلى جوسول فيما بدا نزهة لا أكثر وقالوا إنّهم أعجبوا بالمنازل الجذابة والقلعة المدمرة فوق التل وبنسيم الجبل البارد وبسماع رنين أجراس الأبقار فوق سفوح التلال.
في النهاية، انتقل لوبيز وعائلتان أخريان فقط إلى جوسول في السنوات التي سبقت الوباء.
وقال لوبيز الذي أفاد بأنه انجذب إلى القرية المعزولة جزئياً لأنّه «لا يحب الناس»، إن الحياة الجديدة جاءت أيضاً بكل سلبياتها. ففي العام الماضي تسببت عاصفة شتوية في قطع الكهرباء عن البلدة وتركت الكثيرين من دون تدفئة لمدة يومين. والعائلتان الأخريان اللتان تطوعتا للانتقال معه غادرتا في النهاية.
ومع بدء انتشار فيروس كورونا العام الماضي، دخلت إسبانيا في أزمة اقتصادية أخرى على نطاق أكبر من الانهيار الذي كان سبباً في مجيء لوبيز إلى البلدة في عام 2008.
بدت الحياة في بلدة «كاسلتيدفالز» الساحلية جنوب غربي برشلونة، مقلوبة رأساً على عقب بالنسبة لكالفار، صاحبة الحانة التي جاءت إلى جوسول في سبتمبر (أيلول)، حيث أدت عمليات الإغلاق في إسبانيا إلى تدمير حانتها. وبعد إلغاء الرحلات الجوية توقف عملها كمضيفة طيران في شركة طيران إسبانية منخفضة التكلفة.
جاء وصول كالفار كخبر سار لأبناء القرية: كان المالك البالغ من العمر 90 عاماً قد قرر التقاعد أخيراً. وكان محل البقالة الذي يمتلكه واحداً من اثنين فقط في المدينة. وسجلت كالفار طفليها في المدرسة التي تضم الآن 16 طالباً.
جلس المعلمان داخل المدرسة ذات يوم في استراحة الغداء، فيما بدا أنّ الوافدين البالغين قد بدأوا حياة جديدة في جوسول، لكن حياتهم القديمة ظلت تطاردهم.
وقالت كارلا باوتاس، مديرة المدرسة: «هناك فتاة، أو اثنتان أو ثلاث منهنّ بتن منغلقات للغاية، ومن الصعب عليهن التواصل مع الآخرين».
هنا أجابت آنا بويكسادير، المعلمة الأخرى، «يبدو الأمر كما لو أنهم اعتادوا على قضاء شهور بمفردهم في فترة الإغلاق».
انتهت الحصص في الساعة 5 مساءً. وكانت أوتيرو، مصممة الويب التي تعمل عن بُعد والتي انتقلت إلى «جوسول» من برشلونة في يونيو (حزيران) الماضي، كانت تنتظر طفلين من أطفالها يبلغان 6 و7 سنوات. كانت لديها ميزة على الوافدين الجدد الآخرين، هي أن جديها كانا من جوسول، وكانت تمضي الصيف في مزرعتهم، ولذلك يعيش أطفالها بالفعل في قرية عائلتهما.
لكن نبرة ندم كانت ظاهرة في صوتها عندما فكرت في نهاية الوباء وفي الضغط الذي كانت تعلم أنّه سيتزايد حتماً للعودة إلى برشلونة، لكنّها أكدت أنّها لا تريد لـ«جوسول» أن تختفي.
خدمة: «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)
صحتك طفل يخضع لاختبار الكشف عن فيروس كورونا (أرشيفية - أ.ب)

دراسة: «كورونا» يزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بالسكري

كشفت دراسة جديدة عن أن عدوى فيروس كورونا تزيد من خطر إصابة الأطفال والمراهقين بمرض السكري من النوع الثاني مقارنة بعدوى أمراض الجهاز التنفسي الأخرى.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.