من تحت غلالة ذهبية مغزولة بالفن والطرب والإبداع مثلت العصر الذهبي للثقافة المصرية في بدايات القرن العشرين يظهر للسوق الفنية عملان للمثّال المصري محمود مختار يعرضان للبيع ضمن مزاد لدار سوذبيز في أواخر هذا الشهر. العملان هما «ابن البلد» و«عروس النيل»، ظلا ضمن مقتنيات عائلة حافظ عفيفي باشا، أحد رعاة أعمال مختار ومن داعميه في تنفيذ تمثاله الأشهر «نهضة مصر» ليوضع في القاهرة.
زمن بعيد يفصل بيننا وبين 1910، وهو التاريخ الذي نفذ فيه مختار تمثاله «ابن البلد» الذي يصور بإبداع شخصية مصرية خالصة، ذلك الشاب بجلابيته والكوفية على رأسه والحذاء المميز، كلها تتضافر مع وقفة وابتسامة على وجه الشاب الذي ينظر لأعلى بشغف وفضول.
التمثال له أكثر من نسخه، نعرف أن السيدة هدى شعراوي، رائدة الحركة النسوية في مصر في بدايات القرن العشرين، اقتنت واحدة وأن حافظ عفيفي باشا اقتنى واحدة. وحسب ما تذكر الصفحة المخصصة لمحمود مختار على «فيسبوك»، أن مختار كان طالباً بمدرسة الفنون الجميلة المصرية عندما نفذ التمثال، وحسب الصفحة فقد عرض التمثال ضمن معرض أعمال الطلبة وتم بيع ثمانية نسخ منه عثر على واحدة منها في مخزن كلية الفنون الجميلة بالزمالك نقلت في عام 1954 إلى متحف مختار بالجيزة.
تعلق مي الديب، مديرة قسم فنون الشرق الأوسط في القرن الـ20 بدار سوذبيز، قائلة «نحن محظوظون أن عثرنا على الأعمال ضمن مقتنيات عائلة حافظ عفيفي باشا وهو من الشخصيات المعروفة في مصر في ذلك العهد؛ فقد كان سفيراً لمصر في لندن ومندوباً لمصر في مجلس الأمن الدولي».
أسألها إن كانت الأعمال مهداة من الفنان لعفيفي باشا؟ تقول «لا أحد يعرف في العائلة، ولكن تخميني الشخصي هو أنه قد ابتاعها من مختار كنوع من المساندة له».
وكما يبدو من تاريخ حافظ عفيفي باشا؛ فقد كان من محبي الفنون ورعاتها، والمعروف عنه أنه كلف المعماري حسن فتحي بتصميم منازل للفلاحين في عزبته التي أطلق عليها اسم «لؤلؤة الصحراء» في الجيزة. كما كان من الشخصيات التي كونت جمعية أصدقاء مختار مع السيدة هدى شعراوي بهدف الحفاظ على أعمال مختار الفنية وجمعها لحمايتها من الاندثار والضياع.
وقد كتبت هدى شعراوي في مذكراتها عن تأسيس الجمعية «كان مختار مثّالاً مصرياً عظيماً، وقد فكرنا في تخليد ذكرى أعماله ومآثره الجليلة... عقدنا اجتماعات لتحقيق هذه الفكرة... وقد قررت جماعة أصدقاء مختار أن تمنح جائزة سنوية للمثال المصري الذي يخرج أجمل أثر فني خلال السنة».
وعودة لمحمود مختار ولعمله الثاني الذي سيعرض للبيع في المزاد وهو بعنوان «عروسة النيل»، فيبدو مختلفاً من ناحية تطور أسلوب الفنان الذي يتجه نحو تبني موتيفات الفن الفرعوني التي تتجلى في تفاصيل العقد الذي ترتديه الفاتنة السمراء، وأيضاً في التاج الذي ترتديه كما تظهر من طريقة تصوير العيون. تشير الديب إلى وجود عناصر من حركة «آرت ديكو» إلى جانب العناصر الفرعونية في العمل والتي تتضافر سويا في تناغم بديع.
«ابن البلد» و«عروس النيل» لمحمود مختار في المزاد للمرة الأولى
من مقتنيات عائلة السياسي المصري حافظ عفيفي باشا
«ابن البلد» و«عروس النيل» لمحمود مختار في المزاد للمرة الأولى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة