انطلقت أمس في باريس أمام المحكمة الجنائية الخاصة بشؤون الإرهاب محاكمة 7 متهمين، يظن أنهم خططوا لاعتداء إرهابي واسع في باريس في مارس (آذار) من العام 2016 بمناسبة بطولة أوروبا لكرة القدم التي استضافتها العاصمة الفرنسية في شهري يونيو (حزيران) ويوليو (تموز) من ذاك العام. وبسبب رفض أحد المتهمين، واسمه أنيس بحري، المثول أمام المحكمة الخاصة، فقد صدر أمر بمثوله، وقرر رئيس المحكمة لوران رافيو السير بالمحاكمة من دونه. وينتظر أن تدوم هذه المحاكمة شهراً كاملاً وهي تحل زمنياً بعد المحاكمة الطويلة التي شهدتها باريس ما بين الثاني من سبتمبر (أيلول) و10 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، والتي تركزت على الهجومين اللذين استهدفا صحيفة «شارلي إيبدو» الساخرة ومخزناً يهودياً بداية العام 2015. بيد أن أهم محاكمة ستعرفها فرنسا ستحصل هذا العام أيضاً، وستتناول العمليات الإرهابية التي ضربت العاصمة في شهر نوفمبر 2015، والتي أوقعت 130 قتيلاً وعشرات الجرحى في ملهى الباتاكلان، وفي عدد من مقاهي الدائرة التاسعة في العاصمة الفرنسية. وينتظر أن تدوم هذه المحاكمة 6 أشهر، ويترافع فيها 350 محامياً يمثلون 1700 جهة مدنية مدعية. ويضم ملف التحقيقات 40 ألف صفحة. وسيمثل أمام المحكمة الخاصة الشخص الوحيد الذي بقي حياً من «الكوماندوز الداعشي» الذي نفذ العمليتين، واسمه صلاح عبد السلام، إضافة إلى مجموعة من الأشخاص لعبوا دوراً ما في العمليتين.
وبعكس المحاكمتين السابقة واللاحقة، فإن المحاكمة الجارية حالياً تتناول عملية إرهابية لم تحصل، إذ نجحت السلطات الأمنية في تعطيلها. ووجهت النيابة العامة المتخصصة بشؤون الإرهاب تهم «تأسيس جمعية إرهابية مجرمة» و«التخطيط للقيام بعمل إرهابي» و«تزوير وثائق إدارية». وإذا ثبتت عليهم هذه التهم، فالمرجح أن يحكم عليهم بالسجن المؤبد. ووفق التحقيق، فإن المتهمين السبعة كانوا يخططون للقيام بها خلال أنشطة بطولة كرة القدم الأوروبية. إلا أن عملية الدهم التي قام بها رجال الأمن في 24 مارس، بعد يومين من الاعتداءات الدامية التي ضربت بروكسل، لشقة تقع في ضاحية أرجنتوي، شمال غربي العاصمة، أدت إلى اكتشاف مخبأ أسلحة يضم ترسانة كاملة؛ 5 بنادق هجومية من طراز كلاشينكوف، و7 مسدسات، وكميات كبيرة من الذخيرة، إضافة إلى 105 غرامات من مادة «تي أيه تي بي» المتفجرة التي استخدمها «تنظيم داعش» على نطاق واسع، و1.3 كيلوغرام من المتفجرات الصناعية، ومئات الكريات الفولاذية التي تضاف إلى المتفجرات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا.
وهذه الشقة كان قد استأجرها رضا كريكيت باسم مستعار، الذي كان معروفاً من الأجهزة الأمنية والقضائية الفرنسية بأعمال لصوصية، وقد حكم عليه بالسجن عدة مرات. ويعد كريكيت أهم فرد من مجموعة السبع، نظراً للدور الذي لعبه، ليس في هذه القضية وحدها، بل أيضاً في قضايا أخرى، إذ أدين في بروكسل غيابياً في يوليو 2015، خلال محاكمة إحدى الشبكات الجهادية التي تقوم بتجنيد أشخاص لإرسالهم للقتال في سوريا، إلى جانب إدانة عبد الحميد أباعود مدبر هجمات باريس الدامية في 13 نوفمبر 2015.
ويعود الفضل في تعطيل التخطيط للعملية الإرهابية للتحقيق الذي انطلق في تركيا، خريف العام 2015، بمناسبة القبض على شخصين كانا يحاولان الدخول إلى الأراضي السورية. وبيّنت الاستقصاءات، التي أجريت، الدور الرئيسي لرضا كريكيت وأنيس بحري. وثمة مؤشرات تدل على أنهما ذهبا إلى سوريا بين العامين 2014 و2015. وقد سبق للأول أن حكم عليه بالسجن غيابياً لمدة 10 سنوات في بلجيكا، لانتمائه إلى خلية إرهابية. وتدل سيرة رضا كريكيت ذي الأصل الجزائري على نزوع نحو اللصوصية منذ شبابه الأول. ويظن المحققون أن ميله للفكر المتطرف يعود للفترة التي سجن فيها بين عامي 2011 و2012. الأمر الذي يؤكد حقيقة أن السجن هو أحد أهم البؤر التي تنتج التطرف الإسلاموي، إلى جانب الإنترنت. وأكد محامي كريكيت، واسمه ياسين بوزروع، أن موكله «نفى دائماً وجود مخطط لعمل إرهابي على الأراضي الفرنسية». واعتقل كريكيت في مدينة بولوني بيونكور، الواقعة عند مدخل باريس الغربي، فيما أوقف أنيس بحري بعد 3 أيام في مدينة روتردام الهولندية، بناء على طلب السلطات الفرنسية، وقد عثر في شقته على 45 كيلوغراماً من الذخيرة. أما الشخص الثالث المهم في هذه القضية فاسمه عبد الرحمن عمرود، وهو جزائري الجنسية، ويبلغ من العمر 43 عاماً، وسبق أن أدانته محكمة باريسية في عام 2005 في إطار محاكمة شبكة متهمة بتقديم دعم لوجستي في أفغانستان لقتلة القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود، الذي اغتيل قبل يومين من هجمات 11 سبتمبر 2001.
هؤلاء الثلاثة (كريكيت، وبحري، وعمرود) هم المتهمون الرئيسيون في المحاكمة التي بدأت أمس، ووصفهم الادعاء بأنهم «النواة الآيديولوجية والتشغيلية لخلية أرجنتوي» التي يشتبه بأن «تنظيم داعش» كلّفها تنفيذ اعتداء في باريس. وتوصل التحقيق إلى التعرف على عمرود من خلال حمضه النووي الذي عثر عليه في شقة أرجنتوي، مخبأ الأسلحة. ويظن أن كريكيت وبحري كانا على اتصال مع عبد الحميد أباعود الذي يعد أحد منظمي اعتداءات نوفمبر، و«مشغل» الأشخاص الذين نفذوا العملية. وثمة مؤشرات تدل على أن الثلاثة قاموا، قبل أسابيع من توقيفهم، بعدة تنقلات بين فرنسا وبلجيكا وهولندا. أحد التحديات التي يتعين على المحكمة التعامل معها إثبات أن السبعة كانوا يخططون لعمل إرهابي، وبحسب مدعي عام باريس في تلك المرحلة فرنسوا مولينس، فإن الترسانة الحربية تدل بشكل لا يترك مجالاً للشك إلى التحضير لعمل إرهابي، رغم غياب اليقين بشأن الهدف المخطط لضربه. وقال مانويل فالس، رئيس الحكومة الفرنسية وقتها، إن فرنسا نجت من عملية إرهابية كانت ستوقع كثيراً من الضحايا. واعتبر المحامي تيبو دو مونبريال أن الأسلحة التي عثر عليها كانت «كافية لتجهيز 15 مقاتلاً مع 6 مماشط و30 طلقة كلاشنيكوف لكل منهم، ما يعني أن كمية الأسلحة التي عثر عليها تفوق ما استخدم في اعتداءات نوفمبر 2015».
انطلاق محاكمة 7 أشخاص في باريس بتهم التحضير لعمل إرهابي ضخم في 2016
ترسانة أسلحة عُثر عليها في شقة المتهم الرئيسي رضا كريكيت
انطلاق محاكمة 7 أشخاص في باريس بتهم التحضير لعمل إرهابي ضخم في 2016
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة